مطعم فلسطيني يختبر سماحة سكان نيويورك في وقت عصيب

رغم الأوقات العصيبة يعقد مالكا مطعم فلسطيني في نيويورك الآمال على تحلّي سكان المدينة بالإنصاف لتجربته

لوحة جدارية تعبر عن الفخر بالهوية الفلسطينية في منطقة أبر إيست سايد بمانهاتن في نيويورك
لوحة جدارية تعبر عن الفخر بالهوية الفلسطينية في منطقة أبر إيست سايد بمانهاتن في نيويورك المصدر: بلومبرغ
Bobby Ghosh
Bobby Ghosh

Bobby Ghosh is a Bloomberg Opinion columnist. He writes on foreign affairs, with a special focus on the Middle East and Africa.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يوشك أحد مطاعمي المفضلة في نيويورك على افتتاح فرع جديد على مسافة مربعين سكنيين من منزلي. يمنحني ذلك شعور غامر بالإثارة، بما أن يوركفيل، وهي الضاحية التي أقطن فيها وتقع في أقصى منطقة أبر إيست سايد، أشبه ما تكون بثقب أسود فيما يتعلق بالمطاعم في نيويورك.

لكن الافتتاح الوشيك لـ"البدوي" (Al Badawi)، وهو مطعم فلسطيني يقدم مأكولات عالية الجودة ويقع عند تقاطع شارع 89 مع الجادة الثانية، يملؤني بشعور بالشؤم.

وجد مالكا المطعم، وهما الطباخة آيات مسعود وزوجها عبدول العناني، اللذان يملكان عدداً من المطاعم الفلسطينية الأخرى، نفسيهما في خضم خلاف سام اندلع في نيويورك وفي أنحاء الولايات المتحدة حول الحرب بين إسرائيل وحماس.

ينصب تركيز أغلب وسائل الإعلام على كيفية انعكاس المواجهة بين النشطاء المؤيدين لإسرائيل وهؤلاء المؤيدين لفلسطين في الميادين العامة وداخل الجامعات، وعلى الصعوبات التي تواجهها أنشطة الأعمال الكبرى لكي تتأقلم مع الوضع. لكن بالنسبة لأمثال مسعود والعناني، فهذا تحدٍ وجودي.

تواجه المطاعم التي لطالما تناول فيها اليهود والعرب الطعام جنباً إلى جنب نوعاً خاصاً من الهجمات يتمثل في صورة سيلٍ من التقييمات السيئة على المنصات الإلكترونية هدفه خفض تصنيفات المطاعم وصد أي عملاء جدد. فلتنظر للأمر على أنه دخول ثقافة الإلغاء إلى عالم الطهي.

فخر بالجذور الفلسطينية

يفخر الزوجان بأصول مسعود الفلسطينية، إذ يروجان لمطاعمهما على أنها فلسطينية، وهو ما يُعتبر عكس التيار الشائع حيث تروج مطاعم أخرى عدة لنفسها على أنها شرق أوسطية أو "شامية". نالت أطباقهما الاستحسان بالقدر ذاته لأصالتها وجودتها. في وقت سابق من هذا العام، أدرجت صحيفة "نيويورك تايمز" أول مطاعم الزوجين، واسمه "آيات" (Ayat) على اسم صاحبته، كأحد أفضل 100 مطعم في المدينة.

حين ذكرت مطعم "البدوي" قبل نحو عام في عمود صحفي، كان ذلك في إطار طرح مثال عن كيف يمكن للطعام أن يوَحِّد بين أناس من أمم لها تاريخ طويل في الخصومة المريرة. كنت قد اصطحبت شخصاً إيراني الجنسية وآخر سعودياً وثالثاً إماراتياً لتناول الغذاء في أحد أفرع المطعم في بروكلين، وانهمكنا في التهام طبق المنسف، وهو عبارة عن قطع من لحم الضأن المطهو على نار هادئة مع لبن النعاج الرائب، الذي أعدته مسعود بشكل رائع.

ارتياد مطاعم لندن يخفف وطأة غربتي

لكن نظراً للوضع المشحون حالياً، أشعر بالقلق من أن هوية مسعود ستطغى على مهاراتها في الطبخ. إن التوقيت ليس مواتياً على نحو خاص، إذ افتتح الزوجان أول مطعم لهما في مانهاتن، وهو أحد أفرع مطعم "آيات" بالقرب من منطقة إيست فيليدج. استقبل الاثنان أول مولود لهما الأسبوع الماضي، ويسارعان الآن لافتتاح مطعم في الحي الذي أقطن فيه.

وضع مختلف

تعرض الزوجان لهجوم على هيئة تقييمات سيئة على الإنترنت سابقاً خلال آخر اشتباكات بين إسرائيل وحماس في مطلع 2021. لكن في ذلك الوقت، كان بإمكان الزوجين أن يعوّلا على الزبائن الأوفياء ليعتمدوا على تجاربهم في المطاعم ويتجاهلوا تراجع التقييمات. أما الآن، في ضوء افتتاح مطاعم جديدة، فإن مسعود والعناني في وضع ضعيف على نحو خاص.

المخاطر التي ينطوي عليها افتتاح مطعم جديد في مانهاتن، ناهيك عن المطعمين الآخرين، عالية بما يكفي في أفضل الأوقات، لكن تلك الهجمات تزيد المخاطر. قال العناني أثناء حديثه معي: "الأماكن الجديدة بحاجة إلى تقييمات جديدة، والكثير منها، وذلك كي تجتذب الأشخاص الذين لم يجربوها من قبل".

المطبخ السوري يحجز مقعده بين أفضل مطاعم العالم

بعد أن اشتكى الزوجان، أزالت منصات مثل "غوغل" بعض التقييمات، الجيد منها والسيئ، كما جمدت صفحات مطعمي "آيات" و"البدوي". قال العناني: "لكن إذا رأيت أن هذا المطعم الجديد في منطقتك قد حصل فقط على عدد قليل من التقييمات، وكلها ليست حديثة، فلا بد أن تتساءل عما إذا كان المطعم يستحق التجربة".

قال العناني إنه في ضوء غياب حلول أخرى، فقد يضطر إلى ترويج المطعم الجديد بنفسه، بالطرق على الأبواب واحداً تلو الآخر. في الأوقات العادية، سأتمكن من طمأنته من أن سكان الحي الذي أقطن فيه سيرحبون به بحرارة.

أوقات عصيبة

لكن هذه ليست أوقاتاً عادية. في صبيحة أحد الأيام منذ فترة قريبة، وجد العناني ملصقين على الجدار الخارجي للمطعم في يوركفيل عليهما صور لإسرائيليين اختطفتهم حماس في 7 أكتوبر. ظهرت هذه الملصقات في مختلف أنحاء العالم وأثارت قدراً من الجدل، حيث أزالها نشطاء مؤيدون لفلسطين.

لم تظهر الملصقات على أي جدار في أي مكان آخر بالحي، كما أنها لم تظهر على مقهى يملكه إسرائيلي على مسافة مربع سكني واحد. يشير هذا إلى أن من وضع هذه الملصقات على جدار المطعم الذي يقع عند تقاطع شارع 89 والجادة الثانية كان يستهدف مطعماً فلسطينياً بالتحديد. لأي غرض كان ذلك؟

إذا كانت الملصقات بمثابة طُعم، فإن العناني صمم على تجاهله. صوّر العناني مقطع فيديو للملصقين على هاتفه وتركهما كما هما على الجدار. لكن شخصاً ما أزالهما في اليوم التالي. يجعل ذلك الأمر العناني عرضة لمزاعم بإزالتهما الآن، وهو ما يمكن أن يتساوى بكل سلاسة مع دعم حركة حماس في مثل هذه اللحظة المشحونة.

لا يكترث العناني حين أذكر هذا الاحتمال له، فهو ومسعود يعقدان الآمال على تحلّي سكان نيويورك بالإنصاف وعلى شهيتهم لخوض تجارب جديدة في عالم الطعام على حد سواء. آمل ألا نخذلهما.