تطوير خصائص فول الصويا يمكنه تغيير وقود المستقبل

"زيكال" الناشئة تعتزم طرح الدفعة الأولى من البذور ذات نسبة الزيت العالية للزراعة

الجيل المقبل من شتلات فول الصويا "فوتوسيد" من إنتاج شركة "زيكال"
الجيل المقبل من شتلات فول الصويا "فوتوسيد" من إنتاج شركة "زيكال" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سيحتاج العالم إلى كميات هائلة من الوقود المتجدد الذي يمثل فول الصويا مكوناً أساسياً فيه، إذا ما أراد خفض الانبعاثات الكربونية من طائرات الركاب والشاحنات التي تقطع مسافات طويلة. ولكن إنتاجه، يتطلب من المزارعين الأميركيين التخلص من حقول الذرة القائمة لإتاحة مساحات أكبر لزراعة ملايين الفدادين الإضافية من فول الصويا إضافة إلى وقف كل الصادرات من هذه المادة.

هناك خيار آخر يتمثل في أن يطوِّر أحد نوعاً من فول الصويا يتمتع بخصائص أفضل. في هذا السياق، يسعى باحثون في شركات ناشئة وأخرى عملاقة في قطاع التقنية الحيوية، لاكتشاف طرق لتطوير نوع جديد من البقوليات عبر الاستيلاد الانتقائي، أو التعديل الوراثي الذي يولّد مزيداً من الزيت لكل بوشل (كل بوشل يعادل 35.2 لتر).

تعتزم إحدى الشركات الناشئة، وهي "زيكال" (ZeaKal)، التي تمولها جزئياً شركة "كورتيفا" العملاقة لمنتجات البذور، طرح الدفعة الأولى من البذور ذات نسبة الزيت العالية، للزراعة على المستوى التجاري في 2024. تمكن العلماء من دفع نبتة فول الصويا لتعزيز التمثيل الضوئي لفترات أطول من خلال التعديل الوراثي، مما يدفع في نهاية المطاف إلى إنتاج مزيد من الزيت والبروتين.

يمثل الزيت ما يصل إلى 23% من البذور المعدّلة، وهي أعلى من المتوسط البالغ 20% في البذور العادية. قالت الشركة الناشئة، ومقرها سان دييغو، إن التنويعات المستقبلية قد تحتوي على نسب أعلى من الزيت.

هان تشين، الرئيس التنفيذي لشركة "زيكال"
هان تشين، الرئيس التنفيذي لشركة "زيكال" المصدر: بلومبرغ

منفعة أكبر

قالت "زيكال" إنه إذا زُرع فول الصويا المعدَّل على مساحة فول الصويا المزروعة حالياً في الولايات المتحدة، والبالغة تقريباً 80 مليون فدان، فإن ذلك من شأنه القضاء على الحاجة لزراعة 13 مليون فدان إضافية من البذور الزيتية، بهدف تلبية الطلب المرتفع على الوقود المتجدد في البلاد.

قال هان تشين، الرئيس التنفيذي للشركة: "ذلك زيت مُكتشف. تخيل أنك تعالج كمية فول الصويا ذاتها وتحصل على 13% أو 15% إضافية من الزيت، ستجد أنك تتعامل مع كمية أقل وتنقل كمية أقل".

وأضاف أن "الدافع وراء الأمر فعلاً يتمثل في "الإنتاجية ومنافع الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية التي تنطوي عليها معرفة أنك ستحصل على منفعة أكبر من كمية أقل".

على مدى عقود، ركز مطورو البذور، ممن يستكشفون أساليب التعديل الوراثي، بشكل رئيسي على تعزيز المحاصيل الرئيسية عبر زيادة قدرة النبات على تحمل مبيدات الحشائش الضارة والحشرات والجفاف.

لم يكن تعديل إجمالي المحتوى الزيتي مطروحاً للنقاش إطلاقاً بشكل ملموس. لكن في يونيو الماضي ولأول مرة، تخطت كمية زيت الصويا الأميركي المستخدم في إنتاج الوقود الحيوي خلال شهر واحد الكمية المستخدمة في الغذاء والاستعمالات المنزلية الأخرى، وفقاً لبيانات الحكومة الأميركية.

اقرأ أيضاً: "شيفرون" و"بونغ" تتعاونان لإنتاج وقود متجدد من فول الصويا

يجري عادةً الترويج للديزل المتجدد، وهو وقود حيوي يعادل كيميائياً الوقود الذي يمثل النفط مكوناً أساسياً فيه، على أنه أحد أفضل سبل خفض الانبعاثات في قطاع النقل الثقيل الذي يصعب تحويله للعمل بالكهرباء. تسارع الشركات للاستعداد بإمكانيات أكبر لمعالجة فول الصويا، وهو مكوّن حيوي، للتوسع في إمدادات الوقود الأخضر.

افتتحت مجموعة الشركات التي يُطلق عليها "ABCD"، التي تجمع أكبر أربع شركات لتجارة المحاصيل وهي "آرتشر-دانيلز-ميدلاند" و"بونغ" و"كارغيل" (Cargill) و"لويس دريفوس" (Louis Dreyfus)، منشآت، أو أعلنت عن خطط لبنائها أو توسيعها خلال السنوات القليلة المقبلة.

حوافز مالية

تقدم التخفيضات الضريبية، التي يتيحها قانون خفض التضخم الأميركي، للشركات في قطاع النقل حافزاً مالياً للتحول إلى أنواع الوقود ذات الكثافة الكربونية الأقل.

تشير توقعات "أس إند بي غلوبال" إلى أن الطلب المحلي على الديزل المتجدد سيصل إلى أربعة مليارات غالون في 2030، بارتفاع من نحو 2.7 مليار هذا العام. تتوقع المؤسسة أن إجمالي استخدام وقود الطائرات المستدام سيبلغ 1.7 مليار غالون سنوياً بحلول نهاية العقد، مقارنة بـ182 مليون غالون سنوياً فحسب في الوقت الحالي.

قال رايان فولر، مدير وحدة التسويق الاستراتيجي لفول الصويا في "سينجينتا" (Syngenta)، وهي شركة سويسرية للبذور والكيماويات استحوذت عليها شركة "تشاينا ناشونال كيميكال" (China National Chemical)، إن الآفاق المستقبلية لزيادة كبيرة في الطلب على الوقود الحيوي أضحت "أكبر من مجرد مصدر إلهام" الآن.

تدقق الشركة في البيانات المجمّعة على مدى عقود من الزراعة والفحص بحثاً عن خصائص يمكن الاستفادة منها في تطوير تنويعات أكثر ملاءمة لإنتاج الطاقة. تدرس "سينجينتا" أيضاً استخدام أدوات تعديل الجينات كجزء من جهودها لزيادة محتوى زيت الصويا. لم تعلن الشركة عن خطة أو جدول زمني محدد لإنتاج بذور ذات نسبة أعلى من الزيت.

نقطة في بحر

رغم التوقعات المتفائلة، فإن سوق وقود النقل الذي يُعد فول الصويا مكوناً أساسياً فيه، ما يزال نقطة في بحر قطاع الديزل. حتى إذا حققت السلالة الجديدة من البذور التي تحتوي على نسبة مرتفعة من الزيت نجاحاً، فإن تبنّيها على نطاق واسع في أنحاء الولايات المتحدة سيتطلب وقتاً، خصوصاً أن تطوير الكائنات الحية الدقيقة المعدّلة الجديدة، والحصول على موافقة كاملة من جانب الجهات التنظيمية، يحتاج لسنوات.

قد يتردد المزارعون في أن يصبحوا من أوائل المتبنّين لتقنية لم تثبت منافعها بعد، خصوصاً إذا كان المحتوى من الزيت يأتي على حساب التعديلات الوراثية القائمة التي تعمل على تحسين مقاومة النبتة للأمراض أو الحشرات. لن يحتوي فول الصويا الجديد من إنتاج "زيكال"، المسمى "فوتوسيد" (Photoseed)، مبدئياً على تلك التعديلات.

يدور أيضاً سؤال حول المبلغ الذي سيتطلب من المشترين دفعه. بصفتها سلعة، تتداول البذور الزيتية على مستوى العالم حسب الوزن والموقع، مع وجود مساحة محدودة للفصل بين البذور ذات الخصائص الفريدة. وإذا أرادت شركات تصنيع الوقود مثل "إكسون موبيل" أو "شيفرون" أن تحصل على البذور الأعلى إنتاجية، يأمل الموردون أنهم سيتخلصون من النموذج القائم على السلع، في نهاية المطاف.

اقرأ ايضاً: شركة تجارة حبوب عمرها أكثر من قرنين تتجه إلى علوم الغذاء

كانت هناك إشارات على حدوث ذلك مع فول الصويا الذي يحتوى على نسبة عالية من حمض الزيت، وهو أحد الأنواع المعدّلة لإنتاج زيت صحي أكثر. على سبيل المثال، تدفع شركة التجارة "بونغ غلوبال" ومنتجة الدواجن "بيردو فارمز" (Perdue Farms) علاوة لشراء فول الصويا الذي يحتوى على نسبة عالية من حمض الزيت، ومستويات أقل من الدهون المشبعة، مقارنة بزيوت الطهي الأخرى، كما يتمتع بعمر افتراضي أطول.

بذور فول الصويا الناضجة
بذور فول الصويا الناضجة المصدر: بلومبرغ

أبرمت "بيردو" صفقة مشابهة مع "زيكال"، إذ وافقت على أن تدفع للمزارعين علاوة لإمدادات المحاصيل من النوع الجديد، وهو نوع جيد لعلف الدواجن بسبب احتوائه على مستويات أعلى من البروتين. وإذا كانت كبرى شركات النفط ستسلك ذلك النهج، فإن وجه سوق فول الصويا قد يتغير للأبد.

قال مايك ديلون، نائب الرئيس لشعبة البذور الزيتية في "كورتيفا"، وهي شركة للبذور والكيماويات الزراعية انفصلت عن شركة "داو دوبونت" (DowDuPont) في 2019: "ربما تتاح لنا فرصة لأن يصبح المكون الزيتي في فول الصويا أكثر أهمية في بعض الأسواق من المحتوى البروتيني. هذا تحول جذري للغاية".