"bp" بحاجة لاستراتيجية جديدة وليس مجرد رئيس تنفيذي آخر

ينبغي لشركة النفط البريطانية العملاقة أن تجعل العائد على رأس المال حجر الزاوية في خططها الاستثمارية

شعار "بي بي" (bp) قرب لافتة شحن السيارات الكهربائية في الفناء الأمامي لمحطة تزود بالوقود في لندن، المملكة المتحدة
شعار "بي بي" (bp) قرب لافتة شحن السيارات الكهربائية في الفناء الأمامي لمحطة تزود بالوقود في لندن، المملكة المتحدة المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تبحث شركة النفط العملاقة "بي بي" (bp) عن رئيس تنفيذي جديد ليحل محل برنارد لوني منذ نحو ثلاثة أشهر. ورغم أن الانتظار مثير للقلق والأعصاب، إلا أنه لن يكون مقبولاً إذا كان يستحق ذلك، ولكن للأسف، لن يكون كذلك، لأن عملية البحث معيبة للغاية.

فبدلاً من البحث عن رئيس مبدع لإعادة تشكيل الشركة، تبحث "بي بي" عن شخص آمن لإدارة استراتيجيتها الحالية. وإذا كانت شركة النفط الكبرى ستعلن عن وظيفة، فسيكون نص الإعلان شيئاً من قبيل: "نبحث عن مدير تنفيذي جديد. سيحافظ المرشح الناجح على المسار الذي اتبعه الرئيس التنفيذي السابق وسيرفع التقارير لمجلس الإدارة".

تراحع قيمة "بي بي"

تتطلع الشركة إلى تعيين شخص أقرب إلى الرئيس التنفيذي للعمليات وليس إلى دور الرئيس التنفيذي. ومع ذلك، فإن تنكر مدير العمليات في هيئة رئيس تنفيذي لن يمثل مشكلة إذا كانت الاستراتيجية الحالية ناجحة، وإذا أعجبت المستثمرين. لكن الاستراتيجية غير ناجحة ولا تعجب المستثمرين. ومن شركات النفط العالمية الخمس الكبرى، كانت "بي بي" الوحيدة التي انخفضت قيمتها (بالقيمة الدولارية) منذ يناير 2020، قبل ظهور جائحة كوفيد 19. ومن غير المرجح أن يؤدي الاسم الجديد على رأس المنظومة إلى تغيير الأداء الضعيف. لكن الجمع بين رئيس واستراتيجية جديدين قد يفعل ذلك.

ضعف نشاط تجارة الغاز يضغط على أرباح "بي بي" في الربع الثالث

على مدى الأعوام القليلة الماضية، كنت متشككاً على الدوام في الجهود التي تبذلها شركة "بي بي" ومنافستها "شل". وقد اتبع كل منهما مساراً قوياً يدعو إلى "التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري بسرعة"، غير أنهما غيرا المسار العام الماضي عندما أصبح من الواضح أن الطلب على النفط والغاز سيظل قوياً لعقود مقبلة، كما انخفضت ربحية العديد من المشروعات الخضراء. ولم تكن مشروعات الطاقة، وخاصة الرياح، على مستوى التوقعات. وعلى أثر ذلك، غيرت "شل" المسار تماماً وعادت أدراجها فيما حدّت "بي بي" من طموحاتها الخضراء.

والقول بأن المستثمرين لم يعجبهم التحول الأصلي سيكون تشويهاً للحقيقة. فقد تخلوا عن دعمهم للشركة وباعوا الأسهم. وحتى بعد أن أبطأت "بي بي" استراتيجيتها، ظل المساهمون، في أحسن الأحوال، يعوزهم الحماس نحو تحول الطاقة.

وإذا تحدثت إلى المطلعين على بواطن الأمور في "بي بي"، ستجدهم يحتجون بشدة قائلين إن ردود الفعل تشير إلى أن أصحاب المصلحة (المساهمين) يوافقون على التحول. وربما يكون هذا صحيحاً. ولكن على أساس السعر إلى الأرباح، يجري تداول أسهم "بي بي" بمكرر ربحية قدره 4.1 مرة، مقارنة بنحو 7.7 مرة لـ"شل" و8.7 مرة لـ"توتال إنرجيز". ويجري تداول شركتا النفط الأميركيتان العملاقتان "إكسون موبيل" و"شيفرون" بمكرر أعلى من 10 مرات. وربما يفهم المساهمون في شركة "بي بي" الاستراتيجية الجديدة، ولكن من الواضح أنهم غير مقتنعين بها.

ما سبب استياء مستثمري "بي بي"؟

إذا أردت معرفة سبب استياء المستثمرين من الشركة؛ انظر إلى الأرقام التي تدعم اتجاهها الجديد. فحتى بعد تعديل الخطة، تنفق "بي بي" بسخاء على مشروعات ذات عائد منخفض خارج أعمالها الأساسية في مجال النفط والغاز. ونتيجة لذلك، فهي تحتاج إلى سعر نفط مرتفع -ومتزايد- للحفاظ على المدفوعات التي اعتاد عليها المساهمون.

وقد وجهت "بي بي" المستثمرين إلى توقع إنفاق ما بين 14 إلى 18 مليار دولار في 2025، منها 6 إلى 8 مليارات ستكون على ما يُسمى بالأعمال الانتقالية. وبحلول 2030، وعدت الشركة بتسريع تحولها الأخضر وزيادة الإنفاق في العمليات غير النفطية والغاز إلى ما يصل إلى 9 مليارات دولار.

"بي بي" ترفع توزيعات الأرباح على المساهمين رغم تراجع المكاسب

قدم الرئيس التنفيذي المؤقت لـ"بي بي"، موراي أوشينكلوس، تحديثاً لخططه للإنفاق الشهر الماضي، موضحاً قائمة أولويات تتصدرها الأرباح فالحفاظ على تصنيف ائتماني من الدرجة الاستثمارية عن طريق خفض الديون، ثم الاستثمار في ما يُسمى بالأعمال التجارية الانتقالية، ليأتي النفط والغاز في المركز الرابع قبل عمليات إعادة شراء الأسهم في ذيل الترتيب. لاحظوا كيف تقدمت الطاقة الخضراء على الوقود الأحفوري.

والنتيجة النهائية هي أن "بي بي" لن تكون قادرة على إعادة شراء الأسهم إلا بمعدل سنوي قدره 4 مليارات دولار -وهو ما يتوافق مع النفقات الأخيرة- إذا خفضت إجمالي الإنفاق إلى الحد الأدنى من نطاقه المتوقع لعام 2025 وظلت أسعار النفط أعلى من 60 دولاراً للبرميل. ولكن هنا تكمن المشكلة الكبيرة: يشير رقم 60 دولاراً للبرميل إلى قيمة عام 2021. ومع ارتفاع التضخم منذ ذلك الحين، فإنه يعادل أكثر من 70 دولاراً بقيمة اليوم. وبحلول 2025، وحتى بعد تباطؤ التضخم، سوف يصل السعر إلى 75 دولاراً للبرميل- وهو ما لا يقل كثيراً عن أسعار النفط الحالية. باختصار، لا يوجد مجال كبير للأخطاء، خاصة إذا غيرت السعودية وأوبك+ استراتيجيتهما ولم تدعما الأسعار المرتفعة مثلما فعلتا في السنوات القليلة الماضية.

الأهم تغيير الاستراتيجية

في ظل تولي رئيس تنفيذي جديد يتمتع بحرية التصرف، أو على الأقل تعديل الاستراتيجية، فإن "بي بي" يمكنها أن تفعل ما هو أفضل كثيراً. وكما أظهر الرئيس التنفيذي الجديد لشركة "شل"، وائل صوان، فإن المقياس الوحيد لاتخاذ القرار بشأن الاستثمار يجب أن يكون العائد المعدّل حسب المخاطر على رأس المال المستخدم. كما خفض صوان النفقات الرأسمالية في جميع أنحاء الشركة، وباع أنشطة الطاقة الجديدة ذات الأداء الضعيف.

استثمارات الطاقة النظيفة لم تعد أولوية شركات النفط الكبرى

ويتعين على "بي بي" القيام بالمزيد من العمل. فاعتمادها على وحدة تجارة النفط والغاز والكهرباء لتحقيق أرباح غير متوقعة في السنوات القليلة الماضية له الآن جانب سلبي، وهو تقلب الأرباح. وفوجئ المستثمرون في الربع الأخير بانخفاض غير متوقع في أرباح التداول. وذهب "جيه بي مورغان تشيس أند كو" في الآونة الأخيرة إلى أن التشتت والتقلبات يجب أن تشجع المساهمين على المطالبة بعلاوة عائد لـ"بي بي"- (وهو ما يعني) وفي الواقع، تقييماً أقل. فشلت الشركة في أن تشرح للمستثمرين آليات وحدة التداول الخاصة بها، وبالتالي لماذا يجب عليهم تخصيص قيمة أعلى لها.

وبعد أن أعاقها التسرب النفطي الكارثي في خليج المكسيك في 2010 والخروج المؤلم من روسيا العام الماضي، أصبحت "بي بي" نسخة ًباهتةً مما كانت عليه في السابق. وتبلغ قيمتها السوقية ما يزيد قليلاً عن 100 مليار دولار، بانخفاض عن 250 ملياراً، وهو مستوى الذروة الذي بلغته في 2006. وعليه، فقد حان الوقت لتعيين رئيس تنفيذي جديد وجريء وطموح، وليس مرشحاً ينفذ الاستراتيجية القديمة نفسها.