العالم مشتت بين حفظ الأمن والحفاظ على الخصوصية

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

فوجئ العالم لأول مرة عام 2013 بأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تجمع السجلات الهاتفية لمئات الملايين من الأشخاص إلى جانب رسائلهم الإلكترونية والقصيرة، قبل أن تكشفها المعلومات التي سرّبها المتعاقد الحكومي السابق "إدوارد سنودن"، والتي أظهرت الدور الأساسي للاعتماد الواسع على التكنولوجيا في عمليات جمع البيانات على نطاق لم يكن تصوره ممكناً فيما مضى.

أما الآن، فتركز الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بشكل كبير على تشفير البيانات بهدف حمايتها، ما أثار النقاش مجدداً حول الأهداف المتضاربة أحياناً بين تطبيق القانون والخصوصية في زمن يتصاعد فيه الإرهاب بشكل كبير.

الوضع الحالي

أقدمت العديد من الشركات التقنية على إضافة خواص التشفير إلى منتجاتها وخدماتها في أعقاب ما قادت إليه معلومات "سنودن" من زيادة المخاوف المتعلقة بالخصوصية، في وقت دفعت فيه الهجمات الإرهابية التي وقعت مؤخرًا في مدينتيّ مانشستر ولندن، الحكومة البريطانية إلى تجديد دعواتها الموجّهة لشركات، مثل "فيسبوك" و"واتسآب" التابعة لها، للسماح للمحققين بالوصول إلى خدماتها المشفرة لدى طلبها ذلك.

وشكّل تشفير البيانات مشكلة لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) بعد حصوله على هاتف "آيفون" الذي استخدمه مطلق النار المتورط في الهجوم الإرهابي، الذي وقع في ديسمبر 2015، ما دفع القاضي إلى توجيه أمر إلى شركة "آبل" بإنشاء برنامج جديد لتجاوز كلمة مرور الهاتف، إلا أنها رفضت بدعوى أنه قد يهدد أمن البيانات لجميع عملائها، ليسقط المكتب القضية، بعد شرائه أداة اختراق من شركة خارجية لإلغاء قفل الهاتف.

وفي حادثة أخرى، وقعت في شهر مايو عام 2016، حجبت البرازيل خدمة المراسلة التي تقدمها شركة "واتسآب" مؤقتاً وللمرة الثانية خلال 5 أشهر، لرفض الشركة تزويدها ببيانات تتعلق بتحقيق جنائي، في وقت تستمر فيه العديد من المشكلات الأخرى المتعلقة بجمع البيانات في إثارة الانقسامات.

وأقرت بريطانيا في 2016 بعض التشريعات التي منحت السلطات صلاحيات واسعة تسمح لها باختراق اتصالات جميع المواطنين البريطانيين واعتراضها والاحتفاظ بها، في وقت وجدت فيه أعلى محاكم الاتحاد الأوروبي، في شهر ديسمبر من العام نفسه، عملية جمع البيانات "العشوائية" مخالفة للقانون.

وفي شهر يونيو 2017، وافقت المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية على النظر في قضية بشأن ما إذا كان محامو الادعاء بحاجة إلى إذن للاطلاع على سجلات أبراج الهواتف المحمولة، التي يمكن من خلالها تحديد موقع شخص ما.

الخلفية

حدد الدستور الأمريكي، حقوق الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون فيما يتعلق بتفتيش المنازل والممتلكات بإذن من المحكمة، وعزز قرار المحكمة العليا الصادر عام 1979 هذه الحقوق لتسمح لهم بالتواصل مع شركات الهاتف وتحديد المكالمات التي تُجرى من هاتف شخص ما؛ علماً بأنهم ليسوا بحاجة لإذن من المحكمة للحصول على هذه المعلومات ما لم تكن الشرطة ترغب أيضاً في الاطلاع عليها.

بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيره في تسعينيات القرن الماضي باستخدام أجهزة تحاكي أبراج الهواتف المحمولة، تعرف اليوم بأسماء عدّة مثل "ستينغ رايز" (Stingrays) أو "دي آر تي بوكسز" (DRTboxes) أو "ديرت بوكسز" (Dirtboxes)، وتستخدم في جمع البيانات لتحديد موقع مستخدمي الهواتف المحمولة واعتراض اتصالاتهم الصوتية والنصية، لتأتي أحداث 11 سبتمبر، وتوسع وكالة الأمن القومي برامجها الرقابية لتشمل جميع السجلات الهاتفية لملايين الأمريكيين الأبرياء.

وتضمنت تسريبات "سنودن" بشأن البرامج الرقابية تفاصيل عن برنامج يُعرف باسم "بريزم" (Prism) يعمل على جمع بيانات المواطنين، حيث جرى استخدامه في تطبيق الأوامر القضائية لإرغام الشركات على تسليم رسائل العملاء النصية والإلكترونية.

وصوت الكونجرس عام 2015، نتيجة للاحتجاجات الشعبية، على إيقاف استخدام هذه المجموعة الكبيرة من السجلات التي تجمع بواسطة هذا البرنامج الذي تديره وكالة الأمن القومي الأمريكية، لتبدأ شركات الهاتف بموجب النظام الجديد بتخزين سجلات المكالمات، وليتمكن المحققون من الاطلاع عليها بموجب إذن من المحكمة.

وفي العام ذاته، دفعت التسريبات المتعلقة ببيانات المراقبة الأمريكية، أعلى محاكم الاتحاد الأوروبي إلى إبطال اتفاقية "الملاذ الآمن" التي وُضعت قبل 15 سنة وسمح بموجبها للشركات الأمريكية بنقل بيانات المستخدمين الأوروبيين التجارية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وردت عليها واشنطن بالموافقة على تعزيز حماية مواطني الاتحاد الأوروبي.

الجدل الحالي

وفيما احتدمت العديد من الخلافات بين مكتب التحقيقات الفيدرالي وشركة "آبل" بشأن عمليات التشفير، عبر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق "جيمس كومي" عن رأيه فيما يتعلق بأحكام الدستور الخاصة بعمليات رقابة البيانات وتفتيشها، بقوله: "إنها لم تتصور وجود صندوق أو منطقة تخزين أو جهاز يستحيل فتحه ومعرفة محتوياته".

ويدرس الكونجرس الأمريكي والهيئات التشريعية في الولايات حالياً حدود برنامج "ستينغراي" (Stingray) الرقابي الذي عملت سلطات إنفاذ القانون جاهدة للحفاظ على سرّيته، في وقت يشكك فيه النقاد بالفائدة المرجوة من جمع هذا الكم الهائل من البيانات.

وتوصّلت اللجنة الاستشارية التي شكلت بأمر من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، في عام 2013، إلى أن برنامج الرقابة التابع لوكالة الأمن القومي، والذي يقوم بجمع السجلات الهاتفية "لا يلعب دوراً هاماً في منع الهجمات الإرهابية"، نظراً لإمكانية الحصول على المعلومات اللازمة بأمر من المحكمة.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت في الولايات المتحدة وبريطانيا، أدى الوضع الراهن إلى تشتّت السكان فيما يتعلّق بالحفاظ على التوازن ما بين الاحتياجات الأمنية وحقوقهم في الخصوصية. ففي إحدى الدراسات، أشار ربع الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع إلى أنهم غيروا طريقة استخدامهم لهواتفهم المحمولة وشبكة الإنترنت والبريد الإلكتروني والرسائل النصية القصيرة بعد معرفتهم بشأن برامج المراقبة الحكومية.