بلومبرغ
"هل لديكِ بعض الوقت؟ أود أن أتحدث معكِ".
تلقت سيسيليا لوكيه هذه الرسالة عند الساعة 5:45 مساء أواخر عام 2020 وهي جالسة في سيارتها مع صديقها. وكانت لوكيه حينها في مكان مخصص لانتظار السيارات بمركز تسوق قريب من منزلها في ليفيتاون (إحدى ضواحي نيويورك في لونغ آيلاند) بانتظار أن يبدأ موعد عمله في إحدى دور السينما. انخرط الاثنان في حديث حول حفلة رأس السنة الجديدة التي كانا على وشك استضافتها في وقت لاحق من تلك الليلة.
كانت الرسالة من زميلة سابقة في مدرسة "جنرال دوغلاس ماك آرثر" الثانوية. ووجدت لوكيه الأمر غريباً، إذ كانت الاثنتان قد تخرجتا من المدرسة قبل عام ونصف ولم تتحدثا منذ أشهر. ردت لوكيه على الرسالة وسألت زميلتها إن كان يمكنها أن تتصل بها بعد 10 دقائق بعد أن يغادر صديقها إلى عمله. وكان الرد: "سيرغب (صديقك) في سماع هذا الأمر أيضاً".
اتصلت لوكيه بزميلتها وفتحت خاصية مكبر الصوت. قالت الزميلة إن هناك موقعاً على الإنترنت عليها أن تعلم بشأنه، وهو موقع غريب ومريب، يضيف شخصٌ مجهول عليه صوراً فاضحة لفتيات من المدرسة التي ارتادتها، ويكتب أنهن يتعرضن للاغتصاب والقتل، واستطردت: "هناك صور تخصك على الموقع، وأردت أن أبلغكِ بذلك".
صدمة هائلة من الصور الإباحية
تلقت لوكيه رسالة على هاتفها تحوي رابطاً لموقع إلكتروني. كان عنوان الموقع فاضحاً بشدة. بدأت لوكيه تتصفح الموقع، ورأت آنا، إحدى زميلاتها في الفصل، في زي فريق التشجيع الرياضي، كما رأت روبي، وهي صديقة كانت تجلس معها أثناء فترات الاحتجاز التي كانت تقضيانها معاً في المدرسة. ثم رأت صورة أخرى تعرفت عليها.
كانت الصورة للوكيه وعمرها 18 عاماً تقف في غرفة تغيير الملابس. لكن زي السباحة الذي كانت ترتديه في الصورة الأصلية، التي كانت قد رفعتها على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها، لم يكن موجوداً. تلاعب شخص ما في الصورة رقمياً بحيث بدت لوكيه وكأنها عارية تماماً. كانت تعلم أن الجسد الموجود في الصورة لم يكن جسدها، لكنه كان يبدو حقيقياً بما يكفي ليعتقد آخرون أنه جسدها. كان وقع الصدمة كبيراً لدرجة أن لوكيه لم تتفوه بكلمة.
لكن الصورة التالية جعلتها تشهق، إذ كانت عبارة عن نسخة مطبوعة من صورة لها حين كانت في الخامسة من عمرها وتتمتع بخدّين ممتلئين وجدائل لم تعد تصنعها منذ أن كانت صغيرة. جرى التلاعب بالصورة بحيث انطوت على فعل فاضح، وصاحبتها رسالة تحث الرجال على الوصول للنشوة الجنسية. ثم قرأت لوكيه عبارة: "ابصق على هذه الفتاة الإسبانية".
صاحت لوكيه قائلة: "يا إلهي" وهي تشعر بالاختناق.
بعد نحو ثلاث سنوات، قالت: "بدأت أبكي بحرقة. أتعرف ذاك البكاء حين تشعر وكأنك تموت؟ أن تتنفس بصعوبة وترتعش وكل ذلك".
قادت لوكيه سيارتها إلى منزل صديقها واتصلت بالشرطة. بعد ساعة، طرق محققون من قسم شرطة مقاطعة ناساو باب المنزل. لم تكن لوكيه أولى المتصلين تلك الليلة. انتشر الخبر عن الموقع في أنحاء ليفيتاون. استهدف الموقع أكثر من 40 فتاة من مدرسة "ماك آرثر" الثانوية. وكان بعضهن يعملن في متاجر الملابس أو يجلسن في منازلهن ويشاهدن احتفالات رأس السنة على التلفاز حين ضغطن على الرابط ليرين صوراً عارية مفبركة لهن. وكانت أخريات في حفلات جامعية وانطلقن إلى منازلهن باكيات بعد رؤية الصور.
من نيويورك إلى نيوزيلندا
في النصف الآخر من الكوكب، دون أن يعلم أي شخص في ليفيتاون، كان ويل والاس، ضابط الشرطة السابق، يحقق في ما قد يكون جريمة جنسية عبر الإنترنت في نيوزيلندا. في وقت سابق من 2020، تواصل أحد زملاء والاس السابقين معه بشأن قضية حيّرت الشرطة. كانت امرأة تتلقى وابلاً من رسائل البريد الإلكتروني مجهولة المصدر تحتوي على صور لها إلى جانب أعضاء تناسلية ذكرية. أُرسلت تلك الصور أيضاً إلى والديها وإلى صديقها الذي انفصل عنها بعد أن وصلته الصور. كان التحرش مستمراً منذ سنوات. تدرب والاس على البحث عن أدلة على الإنترنت وكان يأمل أن يبدأ نشاطه في التحريات الخاصة، وقرر أن يدرس القضية.
حين استخدم والاس أداة البحث العكسي عن الصور لتحديد المواقع التي ظهرت عليها الصور على الإنترنت، جرى تحويله إلى الموقع الإلكتروني الذي نُشرت عليه صور لوكيه وزميلاتها. ضم الموقع، الذي أُنشئ قبل نحو عقد، آلاف الصور. كانت بعض الصور بدائية، إذ استُخدمت برامج مبسطة لتعديل الصور. وكان البعض الآخر أكثر تطوراً مع استخدام أدوات رقمية؛ إذ كانت الوجوه ملتصقة بكل سلاسة بأجساد تنخرط في أفعال جنسية لنساء عاريات. كانت المنشورات الموجودة على الموقع تكشف عن تخيلات تتسم بالعنف، كما حثّ بعضها المتصيدين عبر الإنترنت لأن يعثروا على أولئك النساء ويغتصبوهن.
وجد والاس حساباً كان يشارك تلك الصور. اتُهم صاحب الحساب لاحقاً بالابتزاز والتحرش وحيازة محتوى إباحي عن الأطفال. لكن ما أثار استياء والاس كان أن موقع الصور الإباحية ظل قائماً.
خلال الشهور التالية، أخذت مجموعة من الشابات في لونغ آيلاند على عاتقهن مهمة كشف هوية الشخص المسؤول عن نشر صور معدّلة لهن على الإنترنت، وواصل والاس تحقيقه في الموقع. قال والاس إنه استشاط غضباً حين اكتشف أن الموقع يطلب من النساء الدفع مقابل إزالة صورهن. تساءل والاس: "من يحسبون أنفسهم، فلا يكتفون فقط بإدارة موقع كهذا بل يطالبون برسوم مقابل إزالة المحتوى؟ وكيف يفلتون بجريمتهم؟".
لا يوجد قانون فيدرالي يجرّم توليد صور إباحية مزيفة أو المشاركة في نشرها في الولايات المتحدة
القانون لا يحمي الضحايا
لا يوجد قانون فيدرالي يجرّم توليد صور إباحية مزيفة أو المشاركة في نشرها في الولايات المتحدة. وحتى عندما يتعلق الأمر بصور عارية للأطفال، فإن القانون يتسم بالمحدودية وينطبق فقط على الحالات التي تنطوي على إساءة معاملة الأطفال. كما أن المادة 230 من قانون آداب الاتصالات تحمي المنتديات على الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي ومشغلي الإنترنت من المساءلة فيما يتعلق بالمحتوى المنشور على مواقعهم.
مثّل هذا المشهد القانوني معضلة للشرطة والمدعين العامين، حين كان الأمر يتطلب بعض الوقت وقدراً من المهارة لتوليد محتوى إباحي مزيف يبدو كالحقيقي. لكن في ظل ضخ مليارات الدولارات من رأس المال الجريء في برمجيات مدفوعة بالذكاء الاصطناعي لتوليد الصور، فقد بات توليد صور ومقاطع فيديو مقنعة لأمور لم تحدث قط أرخص وأسهل. استُخدمت أدوات مثل "ستيبل ديفيوجن" (Stable Diffusion) من إنتاج شركة "ستابيليتي إيه آي" (Stability AI) و"ميدجورني" (Midjourney)، لتوليد صور للبابا فرانسيس وهو يرتدي معطفاً منفوخاً، وللممثلة إيما واتسون كعروس البحر، وللرئيس السابق دونالد ترمب أثناء محاولته الهروب من مجموعة من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي.
صِيغَ مصطلح "التزييف العميق" على منتدى تابع لموقع "ريديت" (Reddit) مخصص للمحتوى الإباحي المزيف المولّد باستخدام نماذج التعلم العميق. ويرِد المصطلح الآن في قاموس أوكسفورد الإنجليزي، ويعرّفه بأنه صورة معدّلة رقمياً تصور فعلاً ما لشخص لم يقم به. جرى توليد أكثر من 15 مليار صورة من هذا النوع منذ أبريل 2022، وفقاً لشركة "إيفري بيكسل غروب" (Everypixel Group) للصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي. وأضافت الشركات التي صممت هذه الأدوات مرشحات أمان لتحظر توليد الصور الفاضحة، لكن يمكن لأي شخص استخدام الكثير من هذه البرمجيات وتعديلها وتعطيل عمل مرشحات الأمان لأنها مفتوحة المصدر.
تم توليد 15 مليار صورة مفبركة منذ أبريل 2022، و90% من المحتوى المولّد بالتزييف العميق ذو طبيعة إباحية
وبحسب خبراء الأمن السيبراني فإن أكثر من 90% من المحتوى المولّد بالتزييف العميق ذو طبيعة إباحية. وقال مارك بولمان، مؤسس شركة "Aeteos" (إيتيوس) للإشراف على المحتوى ورئيسها التنفيذي، إنه رأى صوراً معدّلة لفتيات لا تتجاوز أعمارهن ثلاث سنوات يرتدين ملابس مصنوعة من الجلد وأيديهن مربوطة خلفهن وقد تعرضن للذبح.
قوانين التعامل مع المحتوى الإباحي
مثل العديد من التطورات التقنية، شقت أدوات الذكاء الاصطناعي هذه طريقها إلى الثقافة الشعبية قبل أن يستوعب المشرعون وجهات إنفاذ القانون مدى تأثيرها. كان بيورن أومر، الأستاذ بجامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ والمبتكر المشارك لـ"ستيبل ديفيوجن"، أحد الأشخاص الذين أدركوا مدى نفوذ هذه الأدوات.
قال أومر إنه أخبر زملاءه الأكاديميين العام الماضي، قبل أن تتيح "ستابيليتي إيه آي" البرنامج لعامة الناس، أنه يشعر "بقلق عميق" إزاء قدرة البرنامج على إحداث ضرر بالغ، وأنه أراد أن يجري الباحثون اختبارات تحمل على البرنامج أولاً. لكنه أوضح أن البرنامج خرج للنور سريعاً لإرضاء المستثمرين. لم يرد متحدث باسم "ستابيليتي إيه آي" على أسئلة حول مزاعم أومر، لكنه قال إن الشركة "تلتزم بالحيلولة دون إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي"، وإنها اتخذت خطوات لمنع استخدام نماذجها في أغراض غير مشروعة.
في أكتوبر، أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً تنفيذياً يهدف للحيلولة دون توليد الذكاء الاصطناعي محتوى عن الاعتداء الجنسي على الأطفال، لكن لا يتضح كيف ومتى ستدخل هذه القيود حيز التنفيذ. مررت أكثر من 12 ولاية قوانين لمكافحة التزييف العميق، لكن لا تنطوي كلها على تهم جنائية، إذ يغطي بعضها المحتوى المرتبط بالانتخابات فقط.
لدى أغلب الولايات قوانين للتعامل مع المحتوى الإباحي الانتقامي، كما أن ثلّة منها، بما فيها نيويورك، عدّلت القوانين بحيث تشمل التزييف العميق. لكن بعض المدعين العامين قالوا إن تلك القوانين تنطبق فقط على الصور الحميمية التي جرى مشاركتها بالتراضي. أما بالنسبة للصور المأخوذة من منصات التواصل الاجتماعي والتي خضعت لتعديلات بحيث تصبح محتوى به طابع جنسي، فلا يوجد قانون لها.
الفبركة تعكر صفو بلدة هادئة
لم تتغير ليفيتاون، أولى الضواحي الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، كثيراً منذ أواخر الأربعينيات، حين بُنيت لقدامى المحاربين البيض العائدين من الحرب. ولا تزال الشوارع عريضة والأشجار تصطف على جانبيها. كما أن الشكل الخارجي لمنازل الأسرة الواحدة لا يزال موحداً وتحف بها مروج مشذبة وأسيجة. ولا تزال أغلبية سكان القرية، البالغ عددهم 52 ألفاً، من أصحاب البشرة البيضاء. ويعمل العديد كمدرّسين أو ضباط شرطة. وقالت لوكيه فيما كانت تجلس خارج منزل والدها "إنه مجتمع متماسك للغاية".
تبلغ لوكيه من العمر 22 عاماً الآن وهي طالبة فنون في كلية مجتمعية قريبة من المنزل، وتُعرف باسمها الأوسط، سيسيليا. قالت وهي تلوّح بيدها لأحد الجيران الذي اصطحب كلبه: "كل المنازل تجاور بعضها بعضاً، كما أنها نفس التصميم بالضبط من الداخل. ليفيتاون مكان آمن للعيش. لا يحدث أي أمر غريب هنا إطلاقاً. لا تقع حوادث خطف الأطفال، ولا يتعرض أي شخص للأذى أو لاعتداء أو أي أمر مماثل. ولذلك كان الأمر برمته ضرباً من الجنون".
بحلول ليلة رأس السنة في 2021، كانت الطالبات السابقات في مدرسة "ماك آرثر" لديهن مجموعة مراسلات مستمرة، سعياً لدعم بعضهن بعضاً وكشف هوية المجرم المسؤول عن التحرش الذي تعرضن له. كانت المجموعة لديها مشتبه به فعلاً: باتريك كاري، زميل سابق في الدراسة كان يبلغ من العمر حينذاك 19 عاماً. لم يلعب كاري أي رياضة أبداً ولم تكن له صديقة، وكنّ يعتبرنه شخصاً يتعاطى المخدرات بشكل متواصل ويعاني من عقدة استعلاء. كان والد كاري محقق شرطة في مدينة نيويورك.
تلقت بعض الشابات سابقاً إشعارات من تطبيق "سناب تشات" تفيد بأن كاري أخذ لقطات للشاشة بها صور لهن بالبيكيني نشرنها قبلاً، وهي صور ظهرت لاحقاً بتعديلات على موقع الصور الإباحية. تعرفت أخريات على خط يده من صور على الموقع بها كلمات مثل "عاهرة" و"ساقطة" على وجوههن.
تعرفت لوكيه، التي كانت صديقة لكاري في المدرسة، على أسلوب كتابته في بعض التخيلات الطويلة والمفصلة المنشورة مع الصور. شاركت بعض الفتيات شكوكهن مع والديهن ومع الشرطة التي أخبرتهن أنه ليس بوسعهم أن يفعلوا الكثير. فلم يكن لديهم أدلة تكفي لاستصدار مذكرة لتحري عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بكاري.
تركت إحدى الضحايا دراستها الجامعية، وقالت أخرى إنها خسرت 9 كيلوغرامات من وزنها بسبب التوتر. كما بدأت اثنتان منهن بحمل سكين في حقائبن
التحرش الجنسي السيبراني
يصعب إثبات حالات التحرش السيبراني عادةً. المعتدون عبر الإنترنت أذكياء ويعرفون كيف يخفون آثارهم. ويصعب ضبط الأدلة الرقمية التي قد يخفقون في إخفائها أو محوها، كما أنها عملية تتطلب وقتاً طويلاً. عادةً ما يرتاح المحققون الذين يقتفون أثر هؤلاء المعتدين بشكل أكبر للتحقيق في جرائم حدثت على أرض الواقع. لا يحتل الفحش عبر الإنترنت مرتبة عالية في قائمة أولويات الشرطة. في هذه الحالة، قد يكون الفعل الذي ارتكبه الشخص بشعاً، لكنه ليس غير قانوني بشكل واضح.
مرت أشهر دون أن تلقي الشرطة القبض على أي شخص. كانت الصور المفبركة بتقنية التزييف العميق لفتيات ليفيتاون ما تزال تُنشر من حسابات بأسماء مثل "Serryjeinfeld" (في إشارة للممثل الأميركي جيري ساينفيلد) و"Tweenhunter"، وكان بعضها مصنوعاً من صور كنّ يبلغن فيها من العمر 13 عاماً فقط. كان المحتوى المنشور يزداد فحشاً. حصدت بعض المنشورات 30 ألف مشاهدة، بما فيها منشور طلب فيه الناشر من المستخدمين إرسال مقاطع صوتية إلى فتاة يهددون فيها باغتصابها حتى الموت "لكي يعلموها أخيراً درساً لئلا تكون هدفاً سهلاً".
في مايو 2021، كتب الناشر عن الفتاة مجدداً، قائلاً إن "رؤية أي مقاطع (تيك توك) تزيلها الفتاة بعد نشرها هنا" أمر مثير للضحك. وبدأ يضيف أسماء الطالبات السابقات كاملةً وعناوينهن وأرقاهم هواتفهن وروابط حساباتهن على منصات التواصل الاجتماعي، ثم حثّ آخرين على التواصل معهن مباشرة.
بحلول صيف 2021، بدأت الشابات تتلقين رسائل خاصة على "فيسبوك" و"إنستغرام" و"سناب تشات" بها صورهن إلى جانب الأعضاء التناسلية للرجال. كما بدأن يتلقين مكالمات هاتفية ليلاً من أرقام غريبة فيما يتنفس الطرف الآخر بصوت مسموع. رداً على ذلك، مسحت الأغلبية حساباتهن على منصات التواصل الاجتماعي. وتركت إحدى الضحايا دراستها الجامعية، وقالت أخرى إنها خسرت تسعة كيلوغرامات من وزنها بسبب التوتر. كما بدأت اثنتان منهن في حمل سكين بحقائبهما.
المشتبه فيه الرئيسي
لم تسرّع خطورة المنشورات ردة فعل الشرطة كثيراً، إذ أبلغت الشابات أنها ما تزال تعمل على القضية، لكنها لم تقدم أي معلومات أخرى. وقال متحدث باسم قسم شرطة مقاطعة ناساو إن المحققين "أجروا تحقيقاً شاملاً". ولم يرد على أسئلة محددة عن القضية.
لم تكترث الضحايا وأسرهن بالفروق الدقيقة في القانون بقدر تركيزهن على الخطر المحدق. كان المشتبه به الرئيسي شخصاً في محيط مجتمعهن. إن لم تكن الشرطة ستتخذ خطوة حيال ذلك الأمر، فسيتعين على الضحايا وأسرهن اتخاذ الخطوة بأنفسهم.
كايلا ميشيل: غيّرت الطريقة التي أرى بها نفسي وجسدي، ولهذا لن أسامحك أبداً. حين أسمع اسمك، أشعر بالاشمئزاز
خلال ذلك الصيف، وجدت إحدى أعضاء فريق التشجيع سابقاً في مدرسة "ماك آرثر" صورة مقلقة لها على الموقع، إذ كانت تبتسم وترتدي قميصاً أبيض وبنطلون جينز. كان بجانب تلك الصورة ما بدا وكأنها صورة مولّدة بالتزييف العميق لامرأة ترتدي الزي نفسه مغطاة بالدم وأيديها مربوطة خلف ظهرها وعلى رأسها كيس بلاستيكي.
أضاف التعليق الموجود أسفل الصورة اسم الفتاة الحقيقي، قائلاً إن جثتها قد عُثر عليها على مقربة من موقع بناء مهجور وبها آثار للسائل المنوي في الفم وفتحة الشرج والمهبل. كما زعم التعليق أن هناك مقطع فيديو عن مقتلها متداول على الشبكة المظلمة. وقالت آنا، الطالبة السابقة التي طلبت الإشارة لها باسمها الأول فقط تفادياً لمزيد من التحرش: "لقد اكتفيت، آن للأمر أن يتوقف".
الجاني.. صديق الدراسة القديم
كانت آنا تعمل آنذاك مساعدةً لذوي الاحتياجات الخاصة في مدرسة ابتدائية في ليفيتاون. وصل إلى أسماع آنا معلومة مفادها أن زميلاتها السابقات في المدرسة كنّ يشتبهن في أن أحد أقدم أصدقائها وراء توليد تلك الصور. كانت آنا تعرف كاري منذ كانت في الخامسة من عمرها. وكان منزل والديه المكوّن من الألواح الخشبية المتراصة بشكل متداخل يقع خلف مدرسة "إيست برودواي" الابتدائية، التي ارتادها الاثنان.
خلال الدراسة في "ماك آرثر"، انضمت آنا لفريق التشجيع وكانت تحظى بشعبية بين الطلاب، فيما كان كاري يهتم بموسيقى الغرنج وبالحشيش. لكنهما ظلا صديقين، إذ كانا يجلسان معاً في حصة الكمبيوتر في الصف التاسع. كان كاري يغيظها باستمرار بشأن كونها مسيحية ويخبرها أنه "يفضّل أن يكون في معية الشيطان".
كان كاري يحب إثارة الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، إذ قال لبعض الفتيات في إحدى المرات إن وجهات نظرهن في قضايا مثل حركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) تستند إلى معلومات مضللة. كما قال لإحداهن: "لستِ بحاجة لأن أشرح لك ما هي مغالطة المأزق المفتعل، أليس كذلك؟".
وكتب لأخرى: "أنتِ اشتراكية بالأساس. أنا أحاول فقط أن أوفر عليكِ عناء السنوات الخمس أو العشر المقبلة في التفكير اللاعقلاني". امتنع كاري عن حضور التصوير لالتقاط صورة التخرج في كتاب "ماك آرثر" السنوي لعام 2019، إذ كُتبت الكلمات "لا يحب التصوير" إلى جانب اسمه.
كيف كُشف مزيف الصور الإباحية؟
كانت آنا تعلم أن كاري غريب الأطوار، لكنها لم تعتقد أنه منحرف بما يكفي ليكون وراء الصور. قررت آنا أن تبدأ تحقيقها الخاص لتكشف هوية المعتدي وترى إن كان بوسعها إبراء كاري. أمضت آنا ساعات طويلة كل ليلة في غرفتها وهي تدقق في كل منشور وضعه المتحرش على الموقع. في أحد المنشورات، شارك كاري صورة لعضوه التناسلي في ملابس داخلية لفتاة صغيرة وهو يقف داخل غرفة نوم فتاة صغيرة. حين دققت آنا النظر في الخلفية، رأت خزانة ملابس بيضاء ذات حواف بنية ودمية محشوة لحيوان الكسلان على سرير.
كان كاري لديه شقيقتان توأمتان أصغر سناً، وبدأت آنا تبحث عنهما على وسائل التواصل الاجتماعي. واكتشفت أن إحداهما كانت تنشر مقاطع فيديو لرقصات على "تيك توك". كانت المقاطع مصوّرة من داخل غرفة النوم ذاتها بالضبط التي رأتها في الصور المنشورة على الموقع، وأمام خزانة الملابس نفسها ذات الحواف البنية، بل إن دمية حيوان الكسلان كانت في الوضع ذاته على السرير. تتذكر آنا قولها: "يا إلهي، هذا جنون. إنه حقاً هو".
قالت آنا إنها أرسلت الصور لتيموثي إنغرام، وهو المحقق الرئيسي في القضية، في أغسطس 2021. وتتذكر آنا أنه قال: "أنتن يا فتيات تنجزن مهمة التحريات نيابةً عنا".
جهود على الجانب الآخر من العالم
خلال الشهر ذاته، كان ويل والاس في نيوزيلندا يوشك على تحديد هوية الشخص القائم على موقع الصور الإباحية. أضحت عملية البحث هوساً بالنسبة له. أمضى والاس أمسياته حين لم ينشغل بمسؤولياته الأسرية أو دراسته عبر الإنترنت ليحصل على شهادة متخصصة في علم النفس محاولاً أن يحدد هوية الشخص المسؤول عن الموقع، إذ كان منزعجاً بشدة من عدم قدرة أي شخص على إغلاق الموقع.
بعد أشهر من الطرق المسدودة، توصل والاس لفكرة أن يرسل رسالة بالبريد الإلكتروني لعنوان موجود على الموقع يعرض إزالة الصور مقابل رسوم. طلب والاس في رسالته إزالة بعض الصور العارية المزيفة المرتبطة بقضية كان يعمل عليها. ثم تلقى رداً يطلب منه 99 دولاراً لإزالة الصور، فوافق عليه.
جاءت الفاتورة باسم شركة في كاليفورنيا اسمها "إل إيه نيرد آي تي كونسلتينغ" (L.A. Nerd IT Consulting)، لكن المدفوعات ذهبت لشركة "كلاود سايبرسيرفسز" (Cloud Cyberservices). اكتشف والاس أن "كلاود" مسجلة في المملكة المتحدة لشخص باسم سكوت ترنتكوستا من مواليد 1993. كان اسم العائلة قد ظهر في بعض عناوين البريد الإلكتروني التي ربطها والاس سابقاً بعملية التسجيل المبكر للموقع. حدّث والاس نفسه قائلاً: "لقد وجدتك".
كشف البحث في السجلات العامة عن شخص باسم سكوت ترنتكوستا بهذا العمر يعيش في لويزيانا. اكتشف والاس أيضاً أن شركة كان اسمها قد ظهر على كشف الحساب البنكي لبعض الضحايا ممن طلبن إزالة صورهن من على الموقع، وهي "نولا سايبر سيرفسز" (Nola Cyberservices)، مسجلة لشخص باسم ترنتكوستا في الولاية ذاتها. بدا وكأن والاس قد اكتشف هوية الشخص القائم على موقع الصور الإباحية.
القبض على الجاني
في 5 سبتمبر 2021، وفقاً لأحد تقارير الشرطة، طرق المحقق إنغرام باب منزل كاري ومعه مطبوعات عليها بعض أسوأ المنشورات التي نشرها كاري. كان كاري ووالدته في المنزل. بدأ إنغرام يقرأ المنشورات بصوتٍ عال. توسلت والدة كاري للمحقق أن يتوقف عن القراءة، ثم التفتت لابنها الذي أقرّ بأنه كاتب تلك المنشورات.
كان التقرير محدود التفاصيل، ولم يرد إنغرام على طلبات إجراء مقابلة معه. لكن يبدو أن المحقق قد استمع لما فيه الكفاية، فقد صادر هاتف كاري المحمول والجهاز اللوحي الخاص به، ثم ألقى القبض عليه واصطحبه خارج المنزل دون أن يعطيه فرصة ليرتدي حذاءه.
قدم كاري في مركز الشرطة إقراراً تحت القسم مفاده أنه أنشأ حساباً على موقع الصور الإباحية المذكور في عامه الأخير من الدراسة الثانوية، عندما كان يشعر بالملل ويدمن مشاهدة المحتوى الإباحي على الإنترنت. قال كاري إنه كان يستمتع بالطريقة التي "فضح" بها مستخدمو الموقع الفتيات و"كتبوا تخيلات عن اغتصابهن" وشاركوا معلومات شخصية عنهن.
انتهى الحال بقضية كاري في أيدي ميليسا سكانل، مساعدة المدعي العام ومديرة وحدة الجرائم السيبرانية في مكتب المدعي العام لمقاطعة ناساو. وبحكم خبرتها المتخصصة في متابعة قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال، كانت سكانل على دراية بخبايا الإنترنت المظلمة. خلال عملها في أحد مكاتب محكمة مقاطعة مينيولا، شرعت سكانل في قراءة منشورات كاري. وقالت: "كان فحوى ما يكتبه يخيفني. كنت خائفة من أن يدخل ذلك حيز التنفيذ".
وجهت الشرطة تهماً بسيطة بالتحرش وفعل الفاحشة لكاري، وهو ما كان غير مرجّح أن يؤدي إلى الحكم عليه بالسجن باعتباره متهماً للمرة الأولى. كان أمام سكانل 90 يوماً لتقديم أدلة أقوى. وبعد أن اطلعت على منشورات كاري، دخلت سكانل مكتب كيلسي لورير، وهي مساعدة أخرى للمدعي العام كانت ترتاد مدرسة "ماك آرثر" الثانوية، قائلة: "انظري إلى هذا".
صعوبات قانونية أمام ردع المحتوى الإباحي
بدأت الاثنتان تعملان على استصدار مذكرات لتحري كل عناوين الإنترنت المرتبطة بحساب كاري على موقع الصور الإباحية، ووجدتا أنه أنشأ 14 حساباً بأسماء مختلفة لتعزيز منشوراته وجعلها تبدو أكثر رواجاً. بل إنه تظاهر من خلال أحد تلك الحسابات أنه ضحية تتوسل لوضع حد للتحرش.
تمكّنت المدعيتان من استصدار مذكرات لتمكينهما من الولوج إلى هاتف كاري وتطبيقاته، بما فيها 10 آلاف صفحة من الرسائل المباشرة على "إنستغرام". وجدت المدعيتان أدلة على أنه انتقى صوراً من منصات التواصل الاجتماعي واستخدم برامج مثل "بودي إديتور" (Body Editor) لتعرية ضحاياه بالأدوات الرقمية. قالت سكانل: "كان بعضها ممتازاً لدرجة أنك لن تدرك أنها مزيفة".
سرعان ما أدركت المدعيتان سبب مواجهة الشرطة صعوبات في تحديد التهم الملائمة. يحظر قانون العقوبات في نيويورك الترويج لفعل جنسي يرتكبه طفل، لكن الصورة ينبغي أن تكون لواقعة حقيقية. لم يبد أن ذلك ينطبق على الصورة التي تلاعب بها كاري وشوّهها.
كما أن المدعيتين لم تنجحا في إيجاد ثغرة-يمكن من خلالها توجيه تهمة-في قانون المحتوى الإباحي الانتقامي لعام 2019 في الولاية، وذلك لأن الصور التي استخدمها كاري كانت منشورة علناً. لم يثنِ ذلك عزمهما، إذ تعمقت الاثنتان في دراسة قانون العقوبات وأمضتا أسابيع في تحليل الصور، البالغ عددها 1198 صورة، التي رفعها كاري على الموقع. وقالت سكانل: "كنا نشعر بالإرهاق مع اقترابنا من النهاية".
بارقة أمل لضحايا التزييف العميق
في 5 أكتوبر، وجدت لورير صورة حقيقية تظهر فيها الأعضاء التناسلية الخاصة بفتاة تبلغ من العمر 14 عاماً كان كاري قد شاركها على الموقع. كانت الصورة، التي التقطها صديقها آنذاك بغير رضاها قبل ستة أعوام، قد انتشرت بين طلاب المدرسة عبر الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي. كانت المدعيتان العامتان على علم بالصورة بعدما تقدمت الفتاة بشكوى للشرطة بشأنها قبل أكثر من عام. سقط الحق في اتهام صديقها السابق بالتقادم، لكنه لم يسقط عن كاري الذي شارك الصورة في 2020.
صاحت لورير وهي تهرول إلى مكتب سكانل: "أعتقد أنني وجدت الحل".
بعد شهرين، وجهت السلطات لكاري تهماً بارتكاب عدد من الجرائم الجنائية، ووصل عدد التهم الموجهة له إلى 33 تهمة. في ديسمبر 2022، أقرّ كاري بأنه مذنب في جنحة تعريض طفل للخطر وثلاث تهم جنائية، وهي الترويج لفعل جنسي لطفل، والتحرش المقترن بجريمة أخرى، والملاحقة من الدرجة الثانية. لم يرتبط أي من التهم الموجهة إلى كاري بالصور التي ولّدها بالتزييف العميق دون موافقة أصحابها، وعددها 1198.
فضح صاحب موقع الصور الإباحية
فيما اتجهت قضية كاري نحو إصدار الحكم، لم تأت جهود ويل والاس لفضح سكوت ترنتكوستا وإزالة موقع الصور الإباحية على الإنترنت بنتيجة. حاول والاس إرسال المعلومات إلى مسؤولي إنفاذ القانون في لويزيانا وتراسل مع الصحفيين هناك عبر مشاركة المعلومات التي توصل إليها. لكن لم يرد عليه أحد. كتب والاس تدوينة تشرح كافة التفاصيل، لكنه لم يتلق رداً بشأنها.
ثم في يناير 2023، اكتشف والاس منتدى على موقع "ريديت" حيث يتكاتف أصحاب المنشورات معاً لملاحقة المواقع التي تنشر المحتوى الإباحي دون موافقة الشخص المعني. كان موقع الصور الإباحية الذي نشر كاري الصور عليه من بين المواقع التي تستهدفها المجموعة. تواصل والاس مع كلوديا لوبيز، المدوّنة التي تقود الحملة، والتي شاركت تحقيق والاس لكشف هوية ترنتكوستا على المنتدى.
وجد عشرات المتصيدين بعض أقرباء ترنتكوستا واتصلوا بهم. كما اخترقوا حساب البريد الإلكتروني الجامعي الخاص به وتوصلوا لصورة جنائية تعريفية قديمة له بسبب حيازته الماريغوانا. أغرقت المجموعة المنشورات على موقع الصور الإباحية باسم وصورة ترنتكوستا. أزيلت كل المنشورات فوراً.
فيما كان ذلك يحدث، بدأ والاس وبعض الناشطين يلاحقون نموذج الأعمال الخاص بالموقع. بدأت المجموعة بالإبلاغ عن الموقع لشركة "إكسوكليك" (ExoClick) للإعلانات على الإنترنت، التي سحبت إعلاناتها آنذاك. ثم ركزت على مضيف الموقع، وهي شركة "دي دي أو إس-غارد" (DDoS-Guard) ومقرها روسيا. أرسل والاس رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الشركة، وحين لم يتلق رداً، أضاف فقرة إلى صفحة "ويكيبيديا" الخاصة بها.
كانت الفقرة كالتالي: "تحمي (دي دي أو إس-غارد) منتدى الهوس الجنسي والصور المنشورة بغير موافقة أصحابها (وأضاف اسم الموقع). يشتهر الموقع بأنه يقدم منصة تتيح للرجال احتقار صور النساء في سياق جنسي".
خلال أيام قليلة، في 10 أبريل، توقف الموقع عن العمل. أكدت شركة "دي دي أو إس-غارد" لـ"بلومبرغ بزنس ويك" في رسالة بالبريد الإلكتروني أن الموقع لم يعد يستعمل خدماتها. فيما لم توضح الرسالة سبب توقف الموقع عن العمل.
وقال والاس لزوجته: "أخيراً أُزيل هذا الموقع الفاسد".
جلسة النطق بالحكم على الجاني
ظهر باتريك كاري أمام المحكمة في جلسة النطق بالحكم في مقاطعة ناساو بعد ثمانية أيام. ظل كاري في منزله منذ إطلاق سراحه من الحجز قبل 19 شهراً. أدلت ضحية واحدة فقط بشهادتها في الجلسة، وهي شابة اسمها كايلا ميشيل، إذ كانت تعرف كاري منذ كان عمرها 13 عاماً. طلبت كايلا عدم ذكر اسم عائلتها. قالت: "كنا أصدقاء، وكنا دوماً نقضي الوقت معاً". حتى بعد أن انتهت مرحلة الدراسة الثانوية، كان كاري يرسل إليها نكاتاً على "إنستغرام".
كايلا، التي تبلغ من العمر الآن 23 عاماً وتعمل في مجال التأمين، كانت من أولى الضحايا في ليفيتاون اللاتي علمن عن موقع الصور الإباحية. بحث والد كايلا، وهو ضابط في قسم شرطة مقاطعة ناساو، عن اسمها على الإنترنت مطلع العام 2020، ووجد شيئاً مقلقاً. سأل الوالد ابنته: "أتعلمين عن هذا؟" وأشار لموقع على الإنترنت على هاتف "أيفون" الخاص به. كانت هناك صورة لها وهي تقف في الحديقة الخلفية لمنزل صديقها، لكن البيكيني الذي كانت ترتديه في الصورة الأصلية لم يكن موجوداً.
وجدت كايلا صوراً لنفسها حين كان عمرها 15 عاماً وترتدي تقويماً للأسنان، بالإضافة لمنشورات تحث المستخدمين على التصويت على أي فعل جنسي يودون ممارسته معها. حاول والدها أن يطلب من زملائه المساعدة، لكنهم أخبروه أنه ليس بيدهم الكثير ليفعلوه. كانت الصور مزيفة، وكان الناشر مجهول الهوية. لم تخبر كايلا أياً من أصدقائها عن الأمر، معتقدة أنها الفتاة الوحيدة التي جرى استهدافها. لم يصل إلى أسماع كايلا شيء آخر عن الموقع حتى ليلة رأس السنة من العام نفسه، حين انتشر الخبر في أنحاء البلدة.
حضرت كايلا كل جلسات محاكمة كاري، بما فيها جلسة النطق بالحكم، ولفت شعرها ذو اللون البرتقالي الفاقع وحلق الأنف الذي ترتديه الأنظار في المحكمة. في إحدى الجلسات، كان لا بد من ردع والد إحدى الضحايا بعدما حاول تخطي الحاجز ليهجم على كاري. وفي أخرى، ترك والد كاري القاعة فجأة وظهرت عليه علامات الانزعاج الشديد حين قُرئت بعض المنشورات الأكثر فحشاً بصوتٍ عال.
شهادة في المحكمة
قالت كايلا: "كنت أعيش ويلفني الخوف من أن أكون وحدي، والخوف من الخروج، والخوف من الرجال بشكل عام"، وذلك بعد اكتشافها الصور المزيفة. راودت كايلا كوابيس يطاردها فيها رجال غرباء أو كان على جبهتها وشم يدعو لاغتصابها، مثلما رأت بالضبط على الموقع. أضافت: "لم أرد أن أعيش حياتي خائفة بسبب ما سلبه مني".
جلست كايلا على منصة الشهود ومعها شهادتها المكتوبة بخط اليد. كانت يداها ترتعشان بشدة لدرجة أنها بالكاد استطاعت قراءة ما كان مكتوباً على الورقة. تنفست بعمق ثم نظرت إلى كاري، الذي لم يوجه أنظاره ناحيتها.
وقالت: "شهادتي هذه لكل الضحايا. أنا أنظر إليك مباشرةً لأخبرك أنك تثير اشمئزازي. كنت جريئاً لتتحدث معي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتشارك نكاتاً معي وتحاول أن تكون ودوداً تجاهي، فيما كنت تحتقرني من وراء ظهري وتحط من شأني وتضفي طابعاً جنسياً على جسدي ونفسي الأصغر سناً. لقد غيّرت تماماً الطريقة التي أرى بها نفسي وجسدي، ولهذا لن أسامحك أبداً. حين أسمع اسمك، أشعر بالاشمئزاز".
كايلا ميشيل: كنت أعيش ويلفني الخوف من أن أكون وحدي، والخوف من الخروج، والخوف من الرجال بشكل عام
حكمت المحكمة على كاري بالسجن ستة أشهر، وبوضعه قيد المراقبة لمدة عشر سنوات، واعتباره مرتكب جرائم جنسية مدى الحياة، وهو ما يعني أنه لن يمكنه بعد الآن أن يملك هاتفاً ذكياً أو أي جهاز به كاميرا أو أن يتواجد بالقرب من مدرسة أو ملعب أطفال على مسافة تقل عن 300 متر.
في مؤتمر صحفي تلا جلسة النطق بالحكم، قالت آن دونيلي، المدعية العامة لمقاطعة ناساو، إن الفساد الأخلاقي الذي ظهر في القضية "يجعل بدني يقشعر حقاً". لكنها أضافت أن كاري استهان بشجاعة الشابات اللاتي استهدفهن، "وهذا ما يجعلنا قادرين على التواجد هنا اليوم وإصدار هذا الإعلان".
ثم كشفت دونيلي النقاب عن مقترح لتجريم المحتوى المولّد بالتزييف العميق في ولاية نيويورك. قالت دونيلي إن قانون الحماية من التلاعب الرقمي سيجرّم نشر الصور الفاضحة جنسياً التي خضغت للتلاعب بها رقمياً، سواء كانت الصور منشورة في الأصل على وسائل التواصل الاجتماعي أم لم تكن. وطُرحت نسخة من مشروع القانون في مجلس الولاية ويجري البحث عن رعاة لها في مجلس الشيوخ.
إزالة المنشورات الإباحية
بعد الزجّ بكاري في السجن، كانت أمام سكانل ولورير مهمة أخيرة. صاغت المدعيتان لمقاطعة ناساو خطاباً لإرساله إلى موقع الصور الإباحية، وأرفقتا به نسخة من نص إدانة كاري ونبذة موجزة عن القضية. كتبت الاثنتان: "استناداً إلى إدانته بسبب منشوراته، نود أن نطلب منكم بكامل الاحترام إزالة كل المنشورات المضافة بأسماء المستخدمين التي ترتبط به". لكن حين اطلعت الاثنتان على الموقع لتبحثا عن البريد الإلكتروني الخاص بالقائم على الموقع في أبريل، اكتشفت سكانل ولورير أن الموقع اختفى. لم تعلم الاثنتان أن شرطياً سابقاً في نيوزيلندا عمل على إزالة الموقع.
كان يُفترض أن ينتهي الأمر عند تلك النقطة، لكن ذلك لم يحدث. حين بحثت "بلومبرغ بيزنس ويك" عن أسماء المستخدمين التي استعملها كاري على موقع الصور الإباحية، معتمدةً على سجلات الشرطة التي حصلت عليها عبر تقديم طلب بموجب قانون حرية المعلومات، ظهرت الأسماء أيضاً في موقع آخر على الإنترنت. كان هو الموقع نفسه ولكن بعنوان مختلف.
حين أُبلغت عن الموقع الجديد، تساءلت سكانل: "ماذا؟ هل عاد من جديد؟"، ثم حاولت أن تفتح الموقع من هاتفها المحمول الخاص بالعمل لكن جدار الحماية القائم حال دون ذلك. أرسلت سكانل رسالة نصية لزميلة لها تعمل محللة للجرائم السيبرانية ولديها إمكانية الولوج إلى أي موقع بلا قيود، وطلبت منها أن تكتشف ما إذا كانت الصور المزيفة للطالبات السابقات في مدرسة "ماك آرثر" تظهر على الموقع. بعد دقائق، ردت المحللة برسالة نصية قائلة: "ما هذا بحق الجحيم؟".
يعرض مجهولون صوراً لنساء منشورة في مواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عمّن يستطيع تزييفها
في وقت لاحق من ذلك اليوم، أرسلت سكانل ولويرر خطابهما إلى الشخص القائم على الموقع الجديد. منذ ذلك الحين، أزيلت معظم الصور المزيفة لطالبات دفعة 2019 بمدرسة "ماك آرثر" من الموقع، لكن ما تزال هناك آلاف الصور الأخرى، بما فيها بعض الصور تظهر فيها فتيات في سن المراهقة وعلى وجوههن السائل المنوي أو يمارسن الجنس الجماعي. يعرض بعض المستخدمين على الموقع صوراً مولّدة باستخدام التزييف العميق على "ستيبل ديفيوجن" للبيع، فيما ينشر آخرون صوراً لنساء مأخوذة من مواقع التواصل الاجتماعي، ويسألون إن كان هناك من يستطيع "تزييفها".
كاري يخرج من السجن لحُسن سلوكه
فشلت جهود "بلومبرغ بيزنس ويك" للوصول إلى سكوت ترنتكوستا في مكتب شركة "إل إيه نيرد آي تي كونسلتينغ"، في مونتيري بارك بولاية كاليفورنيا. وقال شخص متواجد في ذلك العنوان إن الشركة لم يزرها أحد منذ سنوات، وإن البريد الموجّه إلى ترنتكوستا يتراكم منذ فترة.
بعد إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني له في نوفمبر لإبلاغه بأن "بلومبرغ بيزنس ويك" تعتزم الكشف عن هويته فيما يتعلق بالموقع الأصلي، جاء رد فيه استجداء بعدم الكشف عن هويته وفضحه ومعه توضيح بأن أي شخص يود ألا تُنشر صورته على الموقع بإمكانه طلب إزالتها دون مقابل.
أما بالنسبة لوالاس، فقد علّق بحثه عن ترنتكوستا، وهو الآن يعمل مفتشاً للصحة والسلامة بموقع بناء في كوينزتاون في جنوب نيوزيلندا.
تحاول الشابات في ليفيتاون أن يواصلن حياتهن، لكن الأمر صعب. استصدرت 14 منهن أوامر حماية من كاري حتى عام 2031. وماتزال الشابات غير قادرات على استيعاب أن ما فعله بصورهن يُعتبر أمراً مشروعاً. أما بالنسبة لكاري، فقد أُطلق سراحه من السجن في سبتمبر بعد أربعة أشهر، وأُلغيت بقية المدة لحسن السير والسلوك، وعاد إلى المنطقة التي يقطن فيها مجدداً. رفض كاري ووالده الإدلاء بتعليق لهذا المقال.
في أوائل نوفمبر، كانت سيسيليا لوكيه تقود سيارتها عبر ليفيتاون حين لمحت كاري يسير في الشارع. كان يرتدي سترة بنية اللون وسماعات. تعرفت لوكيه على طريقة سيره. قالت: "بدأت دقات قلبي تتسارع وشرعت في البكاء". استدارت لوكيه بسيارتها لتواجه كاري، لكن حين عادت إلى المكان الذي رأته فيه، كان قد توارى عن الأنظار.