تداعيات "بريكست" تضغط على الشركات البريطانية في يناير

منشأة سيفينغتون الداخلية على الحدود بالقرب من أشفورد، المملكة المتحدة ، في يوم 28 يناير
منشأة سيفينغتون الداخلية على الحدود بالقرب من أشفورد، المملكة المتحدة ، في يوم 28 يناير بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصاب العفن الشاحنات المحمَّلة بلحم الخنزير البريطاني في انتظار إرسالها إلى ألمانيا، والمحشوة بالنقانق في موانئ المملكة المتحدة خلال الشهر الجاري أثناء انتظارها في طابور التخليص الجمركي.

وأثار الموقف شعوراً قوياً في المملكة المتحدة، إذ ألقى فيروس كورونا بظلاله الكثيقة على البلاد، خلال الشهر الأول لها بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي " بريكست"، وتسجيل 100 ألف حالة وفاة.

ومع تراجع حركة الشحن كثيراً دون المستويات المعتادة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى تخزين الشركات لمنتجاتها، كانت تأثيرات "بريكست" أقل دراماتيكية بشكل واضح مما كان متوقَّعاً.

وتجنَّبت الحكومة إزعاج عدَّة آلاف من الشاحنات التي اصطفت في "كينت"، لإعلان نجاح خطتها، فيما يشير ما يحدث مع الشركات إلى مسائل البيروقراطية، والتأخيرات التي تؤدي إلى ارتفاع التكاليف.

وانعكست تأثيرات " بريكست"، في ظل عمليات الإغلاق بسبب الفيروس،على جميع أجزاء الاقتصاد، وأثَّر على الجميع، سواء المتسوِّقين عبر الإنترنت، والصيادين، وتجَّار السيارات، والمصرفيين، والمزارعين.

وقد تكون بعض المشكلات الناتجة عن " بريكست" قصيرة الأجل، بفضل مواجهة الشركات للأوضاع الجديدة.

وفي حين تحاول المملكة المتحدة الانفكاك من العلاقات الاقتصادية والتجارية التي نشأت على مدى نصف قرن تقريباً، فإنَّ بعض الخلافات ستستمر، مما يؤدي إلى إعاقة النمو الاقتصادي.

وقال سام لوي، كبير الباحثين بـ "مركز الإصلاح الأوروبي" في لندن: " يشير الناس إلى الكثير من المشاكل على أنَّها مشاكل ناشئة".

"ولكن في حين ستتعلَّم الشركات كيفية القيام بعملها، يجب أن نعترف أنَّ البيروقراطية الجديدة هي بمثابة الواقع الجديد، والمستقبل يحمل الكثير من المتغيِّرات".

واتسمت مجموعة المشاكل التي ظهرت في الأسابيع الأولى بعد "بريكست" بالهزلية في بعض الأحيان، مثل مصادرة موظفي الجمارك الهولنديين ساندوتش لحم الخنزير من سائق شاحنة بسبب القواعد الجديدة المتعلِّقة باستيراد اللحوم والألبان.

وتصدَّرت الحلوى الشهيرة "بيرسي بيج" الأخبار، إذ تعاملت مجموعة "ماركس آند سبنسر جروب" مع قواعد جديدة بشأن الصادرات إلى أيرلندا.

لكنَّ المشهد المتغير يطرح أيضاً مسألة الاستمرارية أو البقاء، خاصة بالنسبة للشركات التي اعتمدت على الحركة من دون المتاعب، ومنخفضة التكلفة للمنتجات داخل القارة وخارجها.

وقال "فيرغوس هوي" الذي يعمل في تربية الخنازير من سلالة "إسكس"، ويدير أعمال التصدير في "ويكس مانور" في بريطانيا: "عندما بدأ الاتحاد الأوروبي في مصادرة شطائر لحم الخنزير من سائقي الشاحنات، لأنَّهم ( الأوروبيون) يقولون، إنَّهم

لا يعرفون ما إذا كان اللحم مطابقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي، كان الأمر تافهاً ومثيراً للسخرية".

وأضاف: " عندما يمارسون إجراءات البيروقراطية على الحدود، فهذا أمر مخيب للآمال حقاً، لا سيَّما عندما تتدفَّق تجارتهم معنا بشكل طبيعي".

وربما لم تقدِّم الوقائع التي شهدها يناير، صورة دقيقة للتبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد " بريكست".

ولجأ العديد من الشركات إلى عمليات التخزين لتفادي حدوث أي فوضى على الحدود في الأيام الأولى من عام 2021 ، لكن هذه المخزونات لن تدوم طويلاً.

ويقرُّ المسؤولون الحكوميون بأنَّ الاختناقات قد تتصاعد مع عودة التدفُّقات عبر القنال الانجليزي إلى المستويات الطبيعية مقابل نحو 75% حالياً، على الرغم من أنَّهم لا يتوقَّعون أن تصل إلى أسوأ السيناريوهات التي وقعت في العام الماضي.

ويقول المسؤولون الحكوميون أيضاً، إنَّ بعض الصعوبات مرتبطة بضرورة خلو سائقي الشاحنات من الإصابة بفيروس كورونا، عوضاً عن " بريكست".

لكنَّ الشركات تقول، إنَّ الإجراءات التي كانت بسيطة في السابق، أصبحت حالياً مرهقة.

ويعدُّ التوثيق - خاصة للأحمال التي تحتوي على أنواع مختلفة من البضائع من موردين متعددين، والمعروف باسم التجميع - من بين المشكلات التي تسبِّب التأخير.

قوائم الانتظار

وعادت بعض الشاحنات إلى القارة الأوروبية فارغة لتخطي قوائم الانتظار، مما أدى إلى رفع أسعار الشحن لمدَّة ستة أسابيع متتالية، في حين تجنَّب بعضهم الآخر من الشاحنات بريطانيا تماماً.

وتراجعت أحجام النقل بين فرنسا والمملكة المتحدة، مع تجاوز الشركات لبريطانيا من خلال اللجوء إلى طرق مباشرة لأوروبا، مثل تلك التي جرى تدشينها يوم الإثنين بين دبلن وأمستردام.

ومن المرجَّح أن يزداد الأمر سوءاً، عندما تطبِّق بريطانيا عمليات الفحص الجمركية الخاصة بها في يونيو.

وقال مايكل جوف وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني خلال الأسبوع الجاري، إنَّ البضائع تتدفَّق "بشكل فعَّال". ومهما كانت هناك قضايا، فإنَّ الحكومة "ستبذل قصارى جهدها لمساعدتهم ( الشركات) على التكيف".

وبعيداً عن الموانئ، كانت هناك أيضاً صدمة للمستهلكين. ويتأثَّر المتسوِّقون البريطانيون الذين يشترون عبر الإنترنت من الاتحاد الأوروبي برسوم الاستيراد. وقد يثير ذلك مخاوف بشأن التضخم، إذ ترتفع توقُّعات الأسر بحدوث زيادة في الأسعار.

وأما بالنسبة لبريطانيا، فكان الدافع إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي، هو التخلُّص مما قالت إنَّه بيروقراطية، وقواعد ساحقة، وحصل رئيس الوزراء بوريس جونسون على فرصة للحديث عن فوائد أو منافع " بريكست" خلال الأسبوع الجاري.

ومع تراجع حملة التطعيم من كوفيد-19 في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بالمملكة المتحدة، أشار جونسون إلى "السرعة وخفة الحركة" التي لم تكن ممكنة أثناء عضوية بلاده في التكتل.

وقال جونسون للمشرِّعين: "لقد تمكَّنَّا من إنجاز الأهداف بشكل مختلف، وأفضل من بعض النواحي".

لقد غادرت المملكة المتحدة التكتل تقريباً دون أي اتفاق تجاري على الإطلاق، وتوصَّلت لاتفاق عشية عيد الميلاد.

ومع ذلك، تظلُّ بعض الصناعات تتوجَّس خيفة من المستقبل.

ولم تتناول محادثات بريطانيا مع الاتحاد الأوروربي بشأن " بريكست" ، مسألة التمويل، وتعتمد الآن على اتفاقية منفصلة قد تستغرق سنوات في الإعداد.

وفي غضون ذلك، تشهد مدينة لندن مغادرة بعض الأنشطة المالية، مثل تداول الأسهم، والمشتقات.

تحديات جمة

وفي الشهر الأول لـ " بريكست"، أثبت الواقع أنَّ هناك مشاكل حادَّة تواجه أيرلندا الشمالية، التي كانت حجر عثرة رئيسية في محادثات " بريكست".

وظهرت صور الرفوف الفارغة في المتاجر في أوائل يناير، واضطرت سلسلة متاجر"سينسبري" إلى تخزين منتجات المنافسين.

وعاد الجدل مجدداً حول حدود إيرلندا الشمالية بشكل غير متوقَّع في وقت متأخر من يوم الجمعة، عندما قال الاتحاد الأوروبي، إنَّه سيعلِّق جزئياً بنداً من اتفاق " بريكست" في إطار الضوابط الجديدة لتصدير اللقاح إليها، قبل أن يتراجع في وقت لاحق.

وتسمح المادة المتعلِّقة بإيرلندا الشمالية في اتفاق "بريكست" للبضائع بالتدفُّق بين إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، ومقاطعة إيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا دون الحاجة إلى تفتيش جمركي.

لكنَّ بنداً تحت المادة 16 من البروتوكول يسمح للطرفين بتعليق البند بشكل أحادي لبضائع معينة، إذا أدى الاتفاق "إلى صعوبات اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية خطيرة يمكن أن تستمر".

وحتى الصيد ، الذي أصبح رمزاً لمعركة بريطانيا "لاستعادة السيطرة"، ونقطة شائكة في المفاوضات، كان ضحية مبكرة ، على الرغم من إصرار النائب المؤيد لـ "بريكست" "جاكوب ريس-موغ" على أنَّ الأسماك الموجودة حالياً في المياه البريطانية "أكثر سعادة"، واستعادت الصفقة التجارية حقوقاً في مياه بريطانيا أقل بكثير مما كان مأمولاً

وسينتهي المطاف بالنسبة لبعض الصيادين بحصص أصغر للأسماك المشهورة في الوطن، مثل سمك "القد"، وسمك "الحدوق".

ويتضرَّر المصدِّرون بشكل خاص؛ لأنَّ شحناتهم تميل إلى تجميع منتجات مختلفة تتطلَّب مستندات ورقية جديدة متنوعة، وتتعلَّق بالجمارك، والصحة، وشهادات الصيد.

وفي نهاية المطاف، قامت المملكة المتحدة بمغامرة، بتعزيز التجارة مع أكبر وأقرب شريك تجاري لها على أمل أن تتمكَّن من إبرام صفقات تجارية جديدة، وأفضل مع البلدان الأخرى.

وأما بالنسبة للشركات التي تنقل البضائع بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، فقد بدأت عواقب " بريكست" في الظهور.

وقال المفاوض التجاري البريطاني السابق ديفيد هينيغ: "التقارب في وجهات النظر مهم.. انتهى عصر التجارة بدون مشاكل، وأصبح من الماضي".

حسين عبد الفتاح