صيف آخر بلا أرباح.. خطوط الطيران الأوروبية تستعد لمزيد من الخسائر

طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا تحلق فوق مرتادي الشواطئ قبل اقترابها من الهبوط نحو مطار لارنكا الدولي في قبرص
طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا تحلق فوق مرتادي الشواطئ قبل اقترابها من الهبوط نحو مطار لارنكا الدولي في قبرص المصدر: غريتي إيمدج
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت شركات الطيران تتطلع إلى تسريع وتيرة طرح اللقاحات المضادة لوباء كورونا في بداية عام 2021، كي تستطيع إنقاذ صناعتها المتضررة، لكن شركات الطيران الأوروبية التي تعتمد على تحقيق موسم صيفي مزدهر من أجل استعادة إيراداتها وإعادة بناء قوائمها المالية أصبحت تخشى تأخر التعافي خلال موسم السفر الحيوي في الصيف.

وبرغم أن إطلاق اللقاح أثار توقعات بحدوث انتعاش بنسبة 90% في صناعة الترفيه في أوروبا قبل شهر واحد فقط، إلا أن ظهور سلالات وبائية جديدة سريعة الانتشار يدفع الناس إلى تأجيل خطط العطلات في وقت كان ينبغي له أن يكون أكثر أوقات الحجز ازدحاماً.

وتُعتبر الناقلات الأوروبية بالفعل من بين أكثر المتضررين من تفشي الوباء. ففي ظل اعتماد أرباحها بشكل كبير على الفترة من أبريل إلى سبتمبر، يمكن لتلك الشركات مواجهة صيف آخر خاسر. وقد يتخطى هذا التعثر الشركات الكبيرة في الصناعة ويؤثر على شركات النقل منخفضة التكلفة ومنظمي الرحلات السياحية، كما يمكن أن يتأخر انتعاش الأسواق التجارية المربحة التي تعتمد عليها أكبر شبكات للخطوط جوية.

مشكلة الحدود

ويقول مارك ماندوكا، المحلل في مجموعة الخدمات المالية "سيتي جروب" في لندن: "المشكلة في أوروبا هي تعدد الحدود، وهذا يجعل لكل بلد متطلباته الخاصة، فالمسافرون لا يعرفون ما هي القيود أو نوع الاختبارات المطلوبة، لذا تزداد صعوبة ملء الطائرات، وذلك مقارنة بالدول الكبيرة، مثل الولايات المتحدة أو الصين، حيث لا توجد حدود للعبور".

وجاءت الضربة الأخيرة عندما اكتشفت بريطانيا في يناير سلالة متحولة من فيروس كورونا، وظهور سلالة أخرى في جنوب إفريقيا، ما أدى إلى فرض فحص إلزامي مع الحجر الصحي، حتى بالنسبة لأولئك الأشخاص القلائل الذين ما زال مسموحاً لهم بالسفر في ظل الإغلاق الوطني الجديد.

وبحسب شركة استشارات الطيران "إيشكا"، التي يقع مقرها في لندن، فقد تراجعت القدرة الاستيعابية لشركات الطيران، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، بنسبة 27% خلال أسبوع، مقارنة بانخفاض قدره 10% في أمريكا الشمالية و5% في منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال الفترة نفسها.

وشددت المملكة المتحدة القيود التي تفرضها بشكل أكثر في 15 يناير، بينما استجابت الدول الأوروبية الأخرى من خلال تعزيز الحواجز. وحذرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من أن أكبر اقتصاد بالمنطقة قد يحتاج إلى تمديد فترة الإغلاق حتى أبريل للسيطرة على ارتفاع حالات الإصابة بالوباء.

وفي 12 يناير، قال ألكسندر دي جونياك، المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، إن هذه التدابير تهدد بإيقاف الطيران وتعطيل أي انتعاش في الطلب بحلول عيد الفصح، وهو البداية التقليدية لموسم السفر الرئيسي في أوروبا.

وحتى مع ارتفاع وتيرة توافر اللقاح، فإن الحجوزات الآجلة أصبحت أكثر مرونة في جميع أنحاء العالم مما كانت عليه في نهاية عام 2020، وفقاً للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا). وتعد هذه الأنباء سيئة بالنسبة لشركات الطيران الأوروبية الأضعف، مثل "آير شاتل النرويجية" التي تسعى إلى إعادة الهيكلة للنجاة بعد تقديمها لطلب حماية من الإفلاس العام الماضي.

شركات أوروبا الأكثر تضررا

وبحسب ما ذكره ستيوارت هاتشر، المحلل في المكتب الدولي للطيران، فقد عانت أوروبا بالفعل من إخفاق شركات الطيران بشكل أكثر من أي منطقة أخرى منذ بداية تفشي الوباء، ويمكن للوضع أن يتفاقم.

ومع ذلك، فإن القلق الأكبر يتلخص في احتمالية مواجهة صيف آخر خالٍ من الأرباح، وهو ما من شأنه التأثير حتى على المشغلين الأكثر صحة.

وفي هذا السياق، تعهدت شركة "رايان إير هولدينغز"، أكبر شركة طيران منخفضة التكلفة في أوروبا، التي يقع مقرها في أيرلندا، بتقديم عدد قليل من الرحلات الجوية لحين رفع الإغلاق في المملكة المتحدة. بينما حققت الخطوط الجوية البريطانية، التابعة لـ "إنترناشونال إيرلاينز غروب" تخفيضاً إضافياً بنسبة 8% إلى جدولها الزمني المستنفد بالفعل، وفقاً لتحليل "إيشكا" لبيانات المزود العالمي لبيانات السفر "OAG".

وقامت شركة "TUI AG"، وهي أكبر شركة سياحة في أوروبا، بإلغاء آخر عطلات الشتاء المتبقية للبريطانيين، لتدخل الآن في فترة انتظار مقلقة بعد التزامها بتقديم 80% من طاقتها الاستيعابية المعتادة للرحلات الجوية والفنادق في الصيف، الأمر الذي سيتطلب منها نقل عشرات الملايين من الساعين للسفر إلى منتجعات البحر الأبيض المتوسط.

خطط لوفتهانزا في خطر

قد تكون خطط شركة "لوفتهانزا" الألمانية، أكبر شركة طيران في أوروبا، في خطر، إذ تستهدف تحويل الطائرات ذات الجسم العريض المتوقفة عن العمل إلى ذراع ترفيهية جديدة تخدم وجهات نائية مثل ناميبيا.

وفي الواقع، استسلمت "لوفتهانزا"، التي تعمل بنسبة 25% فقط من طاقتها الاستيعابية العادية، بالفعل للتعافي البطيء في أسواق رحلات المسافات الطويلة. ومع ذلك، لا تزال هناك آمال في استعادة السفر الأوروبي إلى الولايات المتحدة في ظل انتقال السلطة إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو الأمر الذي قد يدفع بعض المسؤولين الفيدراليين إلى استبدال الحظر شبه الشامل على السفر الأمريكي بآخر أكثر مرونة يتطلب من الركاب إجراء اختبار مسبق لفيروس كورونا.

ويمكن لحالة عدم اليقين بشأن قوة الإيرادات الصيفية أن تؤدي إلى التمسك بالسيولة، حيث تسعى شركات النقل، التي اقترضت الأموال أو ساهمت مساعدات الدولة في تعزيز أوضاعها العام الماضي، إلى الحصول على مليارات أخرى للحفاظ على وجودها حتى عام 2022.

استطاعت شركة "ويز إير هولدينغز"، وهي منافس منخفض التكلفة لـ "رايان إير" و "إيزي جيت" أكبر شركة طيران بريطانية منخفضة التكلفة، الاستفادة من سوق السندات لأول مرة في يناير بعد الامتناع عن جمع الأموال العام الماضي، بخلاف القروض المدعومة من الحكومة.

وكانت "لوفتهانزا" تستهدف إعادة هيكلة مديونياتها هذا العام حتى تتمكن من البدء في سداد بعض من عمليات الإنقاذ الحكومية التي تلقتها من ألمانيا والتي تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار، مما سيسمح لها بتقليص حصة الحكومة في الأسهم، وبالتالي قد تحتاج الشركة إلى الحصول على تمويل إضافي.

ومن المرجح أن تسعى شركة الخطوط الجوية الفرنسية الهولندية "إيرفرانس - كي إل إم" إلى الحصول على مساعدات إضافية، بالإضافة إلى المساعدات البالغة 13 مليار دولار التي حصلت عليها بالفعل من حكومتي فرنسا وهولندا.

"إيرباص وبوينغ" في مرمى المعاناة المالية

ويمكن للمعاناة المالية الممتدة لشركات الطيران في عام 2021 أن تصل إلى شركتي "إيرباص" و "بوينغ"، اللتين تجنبتا حتى الآن إلغاء الطلبيات الكبيرة من خلال إقناع شركات الطيران بتأجيل عمليات تسليم الطائرات- وليس إلغائها- طوال فترة تفشي الوباء. وقد يكون هذا الأمر غير واقعي بالنسبة للناقلين الأوروبيين في ظل غياب الانتعاش في الرحلات الجوية القصيرة المدى.

ويقول يوهان لوندغرين، الرئيس التنفيذي لشركة "إيزي جيت"، إن شركة "إيرباص" تتسم بالمرونة في تسليم الطائرات الجديدة التي تم طلبها قبل أعوام، مضيفا أنه واثق من أن حجوزات الطيران ستعود للسباق مرة أخرى بمجرد تخفيف قيود السفر المفروضة بسبب الجائحة.

وفي رسالة بريد إلكتروني، أفاد لوندغرين: "نعلم أن هناك طلباً أساسياً. والآن بعد أن تم إنتاج اللقاحات وتوفيرها بكميات كبيرة، سيحلق الناس في السماء من جديد".

ومن جانبه، يقدم يان ديروكليس، المحلل في "Oddo BHF" للاستشارات المالية في باريس تقييماً أكثر كآبة، وقال المحلل الذي غطى قطاع الطيران لعقدين: "يجب أن يصل معدل التطعيم اللازم بين السكان إلى ما يتراوح بين 40% إلى 60% حتى يعود الطيران إلى المستويات الطبيعية، لكننا بعيدون للغاية عن هذا المستوى، وليس هناك سوى احتمال ضئيل بإمكانية انتعاش حركة الطائرات هذا الصيف".