مخاوف السعودية من تعافي الطلب على النفط لها ما يُبرّرها

صورة من مركز التحكم في مصفاة رأس التنورة التابعة لشركة أرامكو السعودية
صورة من مركز التحكم في مصفاة رأس التنورة التابعة لشركة أرامكو السعودية المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو من الواضح أن مخاوف المملكة العربية السعودية حيال تعافي الطلب على النفط لها ما يبررها.

ففي بداية الشهر، أعلن الرئيس المشارك لمجموعة أوبك+ للدول المنتجة للنفط، عن خفض مفاجئ للإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً لشهري فبراير ومارس. وحصلت روسيا، الرئيس المشارك للمجموعة والتي تضغط من أجل تخفيف القيود، على زيادة طفيفة في الإنتاج في كل من هذين الشهرين.

وبعد أن أبقى فكرته مخفية عن أعضاء أوبك+ لمنع التسريبات، أحال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قراره الأحادي بشأن تخفيض الإنتاج إلى المخاوف من أن يكون تعافي الطلب على النفط أضعف مما يبدو. ويظهر أن هذه الرؤية كانت حكيمة.

تأثير السفر

رغم أن الطقس البارد في شمال آسيا عزز من الطلب على الوقود للتدفئة، إلا أن هناك دلائل مقلقة على أن الانتعاش في وقود النقل لم يتوقف فقط، بل مازال يتراجع في بعض المجالات الرئيسية.

وأدى ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في شمال الصين إلى فرض قيود لمنع السفر في عطلة عيد الربيع التي تستمر أسبوعاً، بل ويتعين على جميع المسافرين الآن تقديم نتيجة سلبية لفحص كورونا، ويمكن لحاملي تذاكر الطيران استرداد أموالهم أو إعادة جدولة رحلاتهم مجاناً.

ووفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ إن إي إف"، انخفضت الرحلات المغادرة من المطارات الصينية في الأسبوع الأخير من شهر يناير الحالي بحوالي نصف ما كان عليه المتوسط ​​في شهر ديسمبر.

إلى ذلك، تراجعت الرحلات الجوية التجارية في جميع أنحاء العالم إلى أقل من 60% مقارنة بمستويات 2019، مدفوعة بعوامل عدّة، إلى جانب القيود الصينية الجديدة، شملت الإجراءات الأكثر صرامة التي أدخلتها بريطانيا، وعمليات الإغلاق في دول أوروبية عديدة.

تراجع النقل البرّي

لم يكن قطاع السفر الجوي وحده الذي تعرض لضربة موجعة، بل طال ذلك أيضاً النقل بالسيارات الخاصة في بعض المدن الكبرى التي كانت أثبتت أنها نقاط مضيئة للتعافي منذ فترة.

ففي الأسابيع الأخيرة، تراجع معدل التأخيرات المرورية في شوارع بكين، حيث انخفضت من أعلى مستوياتها في مرحلة ما بعد الإغلاق إلى أقل من متوسط مستويات عام 2019. ومع أنه من غير المرجح أن تعود للانخفاض إلى أدنى مستوى لها في فبراير 2020 عندما تم تطبيق عمليات الإغلاق لأول مرّة، إلاّ أن التأخيرات المرورية خلال ساعات الذروة انخفضت بمقدار الثلث عن المستويات المرتفعة التي وصلت إليها في سبتمبر، في حين أن تلك التأخيرات خارج ساعات الذروة انخفضت بمقدار الثلثين.

وعادةً ما يصل الازدحام الصباحي في بكين إلى ذروته حوالي الساعة 8 صباحاً، وتُعدُّ التأخيرات في ذلك الوقت حالياً الأقصر منذ شهر يونيو، باستثناء أيام العطل الرسمية.

قد تكون تلك الأخبار جيدة بالنسبة للسائقين، لكنها تطورات غير مرحب بها لتعافي الطلب على النفط، الذي لا يزال يتطلب إعطاء اللقاح بشكل جماعي إلى كافة الناس في جميع أنحاء العالم. وسيتم ذلك في نهاية الأمر، لكنه لم يحدث بعد.

"هنا" و"الآن"

تمتعت أسواق النفط بحيوية كبيرة، عندما تمّ الإعلان عن أولى التجارب الناجحة للقاح أواخر العام الماضي، كما أنها تلقت مزيداً من الدعم بعد التوقعات حول حزمة التحفيز الأمريكية الكبيرة من قبل الرئيس جو بايدن. إلاّ أن الأسواق الفعلية التي يتمّ فيها تداول النفط وتسليمه فوراً، تخلفت عن الأسواق الخاصة بالعقود المستقبلية، والتي تتطلع إلى استئناف السفر بأعداد كبيرة.

كانت أعين المملكة العربية السعودية مُنصبّة على ما هو "هنا" و"الآن" عندما قررت خفض إنتاجها لمدة شهرين. لكن تكلفة "هدية" المملكة أقل بكثير مما يُعتقَد، فكما ألمح الأمير عبد العزيز بن سلمان، حتى لو تبيّن أن الطلب أقوى مما كان متوقعاً، فيُسرّع ذلك ببساطة باستنزاف المخزونات الفائضة.. إذن مهما حدث، سيكون ذلك انتصاراً للمملكة.