ارتفاع ملحوظ في خروج أموال مواطني هونع كونغ المصدر: بلومبرغ

"قبضة الصين" تجبر المدخرين في هونغ كونغ على البحث عن "ملاذ" لأموالهم

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان تجميد الحسابات البنكية دافعاً لأن يغير دان رأيه، فقد راقب الموظف المالي الخمسيني من هونغ كونغ، بقلق بالغ الصين وهي تشدّد قبضتها على المدينة خلال السنوات القليلة الماضية. لم يشعر بالقلق من أن يتأثر شخصياً بما حدث، وهو الذي يصف نفسه بغير السياسي، إذ لم يشارك مثلاً في أي من الاحتجاجات التي ضربت المدينة في عام 2019.

وقد جمدت البنوك في ديسمبر من العام الماضي بما في ذلك بنك "إتش إس بي سي" (HSBC Holdings Plc) البريطاني، حساب النائب السابق المؤيد للديمقراطية في هونغ كونغ تيد هوي، بعد ذهابه إلى المنفى في المملكة المتحدة مع أسرته. كما عُلّق حساب الكنيسة التي ساعدت المتظاهرين.

ويقول دان، الذي طلب استخدام اسمه الأول فقط خوفاً من أي تبعات قد تنتج عن تصريحاته: "هذا غيّر كل شيء".

وهو الآن بصدد نقل نحو 100 ألف دولار تشكّل معظم مدخراته إلى حساب في كندا، ولم يُبقِ في هونغ كونغ سوى مبلغ صغير لتغطية نفقاته اليومية.

ما مصير الأموال في هذه المعركة؟

وقالت شرطة هونغ كونغ إن غسل الأموال كان سبب تجميد الحسابات، وهو أمر يلقي الضوء على اتساع نطاق سلطة الشرطة في أعقاب قانون الأمن القومي الشامل الذي فُرض على المدينة خلال 2019.

وقال فيليب دايكس، الرئيس السابق لنقابة المحامين في هونغ كونغ: "قانون الأمن يسمح بتجميد الأصول في القضايا التي تهدّد الأمن القومي، والتي لم تُحدَّد". وأضاف أن هونغ كونغ "ليست معتادة على وجود جرائم محتملة على نطاق واسع توصف بأنها تهدّد الأمن القومي".

وقد فُرض قانون الأمن القومي على المدينة دون مناقشته في المجلس التشريعي المحلي، وكُشف عن نصه الكامل لأول مرة في منتصف ليل يوم 30 يونيو من عام 2020، وهي اللحظة ذاتها التي دخل فيها حيز التنفيذ. وبُرّر القانون باعتباره حلاً ضرورياً لاستعادة الاستقرار بعد أشهر من الاحتجاجات. كما يزعم القانون وجود اختصاص قضائي عالمي لحظر الانفصال، والإرهاب، والتخريب، والتواطؤ مع القوات الأجنبية.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تُجمَّد فيها حسابات مرتبطة بحركة الاحتجاج، ففي عام 2019 أغلق بنك "إتش إس بي سي" الحساب المصرفي لشركة "سبارك أليانس" (Spark Alliance)، وهي مجموعة جمعت الأموال لتقديم المساعدة القانونية للمتظاهرين، بعد أن رصدت نشاطاً يختلف عن الغرض المعلن لحساب الشركة.

لكن ما سبّب صدمة لسكان مدينة هونغ كونغ في قضية النائب تيد هوي، كان بالأخص تجميد حسابات أفراد عائلته أيضاً، مما أثار مخاوف بين الناس من تحملهم مسؤولية تصرفات أشخاص هم على علاقة بهم.

وقال متحدث باسم بنك "إتش إس بي سي" في شهر ديسمبر من العام الماضي، إن على البنك التزام القوانين القضائية في المكان الذي يعمل فيه، فيما صعّد هوي انتقاداته لبنك "إتش إس بي سي" بعد أن أوضح الرئيس التنفيذي نويل كوين، في رسالة شخصية عبر البريد الإلكتروني إلى هوي، أن البنك لم يملك خياراً آخر غير حظر حسابه بعد طلب الشرطة.

وقال هوي في منشور على منصة "فيسبوك"، إن البنك "فشل في توفير الأساس القانوني" لتجميد حساباته وحسابات أفراد عائلته، ولم يشرح سبب "معاقبة عائلته جماعياً".

وصرّح البرلمان بأن كوين سوف يخضع لاستجواب المشرعين البريطانيين، وقال هوي إنه قدم للجنة الشؤون الخارجية معلومات مفصلة عن تجميد حساباته وحسابات أسرته.

وفضلاً عن مخاوف إمكانية استخدام الشرطة صلاحياتها تعسفياً، يشعر دان بالقلق من أنه إذا لم يتخذ أي اجراءات سريعاً، فقد يكون الأوان فات. وقد يبدأ المقيمون في هونغ كونغ مواجهة قيود على تحويل الأموال إلى الخارج.

يُذكر أن هونغ كونغ تتمتع بعملة يمكن تحويلها بشكل حر، فيما يخضع المقيمون في الصين لسقف تحويل يصل إلى 50 ألف دولار كحد أقصى لمشتريات العملات الأجنبية سنويّاً.

عقاب جماعي من البنوك العالمية

ويقول دان إن الوضع السياسي تدهور "بسرعة كبيرة" منذ إقرار قانون الأمن. وأضاف أن كل ما بقي لحكومة هونغ كونغ أن تفعله هو تشديد قوانين نقل الأموال الخارجية. وقال: "إذا حدث هذا، فأي شخص في هونغ كونغ سيبدأ في مواجهة كثير من المتاعب إذا أراد إخراج الأموال".

ويبدو القلق بهذا الخصوص واضحاً وملموساً، فعلى سبيل المثال، كثرت النقاشات والمحادثات المختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي التي تقدم المشورة حول كيفية إنشاء حسابات خارجية، أو نقل الأموال إلى أصول أخرى، أو فتح حسابات في البنوك الأمريكية، التي تُعتبر أقلّ صرامة مقارنة بما تفرضه السلطات الصينية.

"لم نصل إلى نقطة اللا عودة، ولكن لا شيء من هذا يبشّر بالخير"

قال أندرو كوليير، المدير الإداري لشركة "أورينت كابيتال ريسيرش" (Orient Capital Research): "كلما ازداد تشدُّد هذه القوانين، تحولت هونغ كونغ إلى مكان أقلّ أمناً للناس لوضع أموالهم. نحن لم نصل إلى نقطة اللا عودة، ولكن لا شيء من هذا يبشر بالخير لمستقبل النظام المالي في هونغ كونغ".

ولا تروي البيانات الصادرة عن سلطة النقد في هونغ كونغ الحقيقة كاملة، إذ تُظهِر أن إجمالي الودائع المصرفية ارتفع بأكثر من 7% في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020. فقد استمر تدفق الأموال إلى هونغ كونغ بسبب ارتفاع الطلب على العروض العامة الأولية، فضلاً عن قوة العملة. بالتالي لن يكون لحركة المدخرات الشخصية بالضرورة أي تأثير في الأرقام الرسمية.

وتشير علامات في أماكن أخرى إلى ارتفاع وتيرة خروج الأموال من المدينة، فبناءً على ما أظهرته الأرقام الصادرة عن صندوق الادخار (Mandatory Provident Fund)، وصندوق المعاشات التقاعدية في هونغ كونغ، فقد قفز إجمالي المبالغ التي سحبها الذين غادروا المدينة بشكل نهائي بنحو 20% لتصل إلى 5.1 مليار دولار هونغ كونغ (660 مليون دولار) في السنة المنتهية في يونيو 2020، مقارنة بالعام السابق. وهو ما يسجّل أعلى مستوى من سحب الأموال خلال خمس سنوات على الأقلّ.

مواطنو هونغ كونغ يبحثون عن ملاذ آمن لأموالهم

في الوقت ذاته شكّل اهتمام سكان هونغ كونغ المتزايد بالعقارات في المملكة المتحدة، الذين يبحثون عن موطئ قدم في البلاد، علامة أخرى. ومن المرجح أن يستمر هذا التوجه بناءً على الطلب القوي في هونغ كونغ على جوازات السفر البريطانية لما وراء البحار، والتي تشكل وسيلة للحصول على الجنسية البريطانية.

وتشير تقديرات المحللين في "بنك أوف أمريكا" ضمن مذكرة بحثية، إلى أن تدفق الأموال الخارجة المتعلقة بالهجرة قد تصل إلى 280 مليار دولار هونغ كونغ (36 مليار دولار) هذا العام في المملكة المتحدة وحدها، على أن تصل إلى 588 مليار دولار هونغ كونغ على مدى السنوات الخمس المقبلة. ويقول المحللون إن المبلغ الإجمالي للأموال التي تغادر المدينة قد يكون أعلى، خاصة في ظل تخفيف دول مثل أستراليا وكندا سياسات الهجرة بالنسبة إلى سكان هونغ كونغ.

الهرب مقابل ضرائب أعلى

يقول المستشارون الماليون في المملكة المتحدة إنهم بدأوا رؤية زيادة في أعداد الأشخاص الذين يستفسرون عن عمليات نقل الأصول.

وقال ديفيد دينتون، المتخصص في التخطيط المالي الدولي في شركة "كويلتر إنترناشيونال" (Quilter International) لإدارة الثروات: "بدأ الأمر على نحو بسيط، ونتوقع أن يتحول إلى سيل عارم عما قريب". إلا أن دينتون غالباً ما يدعو العملاء إلى التخطيط والتفكير، مفسراً بأن الانتقال من وجهة ضريبية منخفضة مثل هونغ كونغ إلى مكان بمعدل ضرائب أعلى مثل بريطانيا، هو أمر يحتاج إلى تخطيط دقيق.

ويقول دينتون: "إذا كنت ستغادر هونغ كونغ بسبب خوف سياسي، فقد ترغب في التحرر من كل شيء وأخذ كل ما لديك خارج هونغ كونغ. وصحيح أن هذا سيكون أمراً جيداً من الناحية النفسية، إلا أنه قد يكون العكس تماماً من ناحية الضرائب".

جسّ نبض

الأمر ذاته تحدث عنه كولن مونتون، مدير الثروة في شركة "راثبونز"، فهو يطلب من العملاء منح أنفسهم نحو 18 شهراً، أو سنة ضريبية كاملة على الأقلّ، للاستعداد، وأن لا يتخذوا أي خطوة غير محسوبة ومفاجئة مثل تحويل الأموال دون تفكير في الآثار المترتبة على ذلك. ويشير إلى أن المنتجات التي قد يتجه إليها الوافدون، مثل السندات الخارجية، قد تكون مفيدة وهي في الخارج. ولكن يمكن أن تفرض عليها المملكة المتحدة ضرائب كبيرة إذا لم تُدَر بالطريقة الصحيحة.

أما الأساسيات، مثل فتح حساب مصرفي في المملكة المتحدة، فيقترح مونتون بدء العملية بالنظر فيما إذا كان البنك الخاص بالفرد في هونغ كونغ، لا سيما إذا كان بنكاً دولياً كبيراً، يمكن أن يساعد على تسهيل التعامل مع ذراعه الخارجية، منوهاً بضرورة أن يكون هذا الفرد جاهزاً للتعامل مع كثير من الأعمال الورقية.

وأضاف: "تكون متطلبات مكافحة غسل الأموال في بعض الأحيان أكثر صرامة إذا كنت شخصاً غير معروف، أو وافداً من منطقة تتميز بأنها عالية المخاطر. وغالباً ما يُطلب منك أوراق ثبوتية إضافية، لذلك كن مستعداً لذلك".

وفي هونغ كونغ، يقول سايمون بارفيت مدير شركة "بيرمونت ويلث مانجمنت": "الناس بالتأكيد يجسّون النبض"، وهم يطرحون مزيداً من "الأسئلة المركزة" بدلاً من مجرد استفسارات غامضة.

وأضاف بارفيت: "هونغ كونغ هي موطن كثيرين، ومغادرتهم لا تعني أنهم لن يعودوا إليها أبداً، إلا أنهم يختارون المكان الذي يريدون أن يكبر فيه أطفالهم".