هل تُعوِّض التكنولوجيا النظيفة التكلفةَ الباهظة لأضرار الكربون؟

تكلفة الكربون
تكلفة الكربون
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ندفع جميعنا ثمن الدخان الناتج عن تشغيل المصانع، وما يترتب عنه من أضرار، لكن أليس من المفترض أن يتحمل هذه التكلفة المسؤولون عن التلوث أنفسهم؟.. هذه هي الفكرة الأساسية من وراء تسعير الكربون، أي أن تُضاف ضريبة على الشركات لتكون تكلفة انبعاثات الغازات الدفيئة متناسبة مع الأثر البيئي الناتج عنها.

وفي المقابل، فإنَّ استخدام قوى السوق يعدُّ أكثر الطرق كفاءة لجعل الشركات تُغيِّر أساليبها في التعامل مع هذه القضية، والتصدي لتحديات تتسبب في التغيُّرات المناخية في الوقت نفسه.

وعلى الرغم من أنَّ دولاً كثيرة ترحب بهذه الفكرة من جانب المبدأ، فإنَّ صناع السياسات عاجزون عن الاتفاق على أفضل الأساليب والآليات لتطبيقها. وفي هذا المجال، لجأت الدول الأوروبية وأجزاء من الولايات المتحدة، والصين إلى إنشاء أسواق تتيح للشركات من خلالها شراء حقوق التلوث وبيعها، وهناك جدل واسع حول إذا ما كانت هذه الأسواق، تفي بالغرض أكثر من ضرائب الكربون البسيطة.

الاستثمار في خفض التلوث

يحفِّز تسعير الكربون الشركات على الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، أو التحول إلى وقود ذي كثافة كربون أقل، فحين تُفرض الضريبة على الكربون، يعود الأمر للحكومات بتحديد سقف عالٍ للضريبة، مما يشجِّع الشركات على المباشرة باتخاذ الإجراءات اللازمة، لكنها ليست عالية جداً، لدرجة تُجبَرُ المصانع فيها على الإغلاق، أو الانتقال إلى مواقع أخرى.

ومع تحديد نظام تجارة انبعاثات الغازات الدفيئة (أي وضع حد أقصى لمجموع الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، وتبادلها في السوق)، تحدد الحكومات في العادة مستوىً مستهدفاً لخفض التلوُّث، الذي يستطيع اقتصادها تحمله، ثم توزع أو تبيع حقوقاً فردية لإطلاق ثاني أكسيد الكربون. ويمكن للشركات لاحقاً، التي تبتكر وتحدُّ من التلوث الناتج عنها، أن تبيع حقوقها الإضافية لشركات أخرى لم تفعل.

وكان الاتحاد الأوروبي أول من طالب بحقوق انبعاثات الكربون في عام 2005، ليشهد انخفاضاً في الأسعار إلى حوالي 80% فقط على مدار عِقد كامل ليصل إلى 5 يورو (5.29 دولاراً) للطن الواحد تقريباً، أي حوالي نصف المستوى المطلوب للشركات لتشعر بالفرق؛ بسبب وضع الحكومات لسياسات متداخلة كالإعانات المالية، لدعم الطاقة المتجددة، وتوزيع الدول الكثير من حقوق الانبعاثات المجانية للحدِّ من معارضة الشركات.

من جهة أخرى، طُبقت العديد من أشكال أسواق الكربون المختلفة في كاليفورنيا، وولايات شمال شرق الولايات المتحدة، ودول مثل نيوزيلاندا، وكوريا الجنوبية الذين تعلَّموا من أخطاء الاتحاد الأوروبي؛ وفي المقابل، وفي حين ينتشر تسعير الكربون، كانت بعض الدول تأخذ اتجاهاً معاكساً، وعلى سبيل المثال، ألغت أستراليا ضرائب الكربون عام 2014، وأوقفت خططها لتجارة حقوق الانبعاثات، بعد أن اعتُبِرت هذه الإجراءات، أنها سبب تدمير الوظائف.

الجدل الدائر حول ضريبة الكربون

ساعد تسعير الكربون الدول على تحقيق أهدافها المتعلقة بمستوى الانبعاثات، إلا أن الفكرة لم يتم اختبارها بشكل كامل، ولم يكن لبرامج "تجارة انبعاثات الغازات الدفيئة" ذلك الأثر الكبير على سلوك الشركات، لأنَّ سعر الحصص كان منخفضاً، مع أنها شجَّعت في مقابل ذلك بعض الشركات على التحول إلى الغاز الطبيعي الأنظف.

وساعدت ضريبة الكربون في المملكة المتحدة -التي تمثل 4 أضعاف سعر السوق الأوروبية- على خفض الاستخدام السنوي للفحم، بنسبة 60 % في عام 2016، كما أنَّ الانبعاثات في مقاطعة "بريتيش كولمبيا" الكندية، انخفضت كثيراً بعد فرض الضريبة في عام 2008، إلا أنها عادت للارتفاع.

ويقول مؤيدو نظام "تجارة انبعاثات الغازات الدفيئة"، إنَّ هذا النظام أفضل من نظام الضريبة، لأنه يضمن مستوى محدداً من التخفيض، كما يمكن لأسواق الانبعاثات أن تقدم مؤشرات أسعار مهمة لتفعيل الاستثمار في التكنولوجيا الصديقة للبيئة، بدءاً من المصابيح الكهربائية الموفِّرة للطاقة، حتى احتجاز الكربون وتخزينه.

وفي المقابل، يؤكِّد المعارضون لجميع أشكال تسعير الكربون أنَّ فرض الضريبة يضرُّ بالفقراء أكثر من غيرهم نتيجة رفع أسعار الطاقة المنزلية، مع أنَّ هذا العبء يمكن موازنته من خلال توجيه الدَّخل المتحقق من الشركات المساهمة في التلوُّث إلى العائلات محدودة الدخل. وهناك بعض الأحزاب التي تنادي بوضع سعر عالمي، علماً أنَّ المستوى الذي يحدث الفرق في الدول الغنية، قد يضرُّ بالدول الفقيرة.