كيف تحول سوفت بنك من الرهانات الجريئة إلى الاستثمار الخجول؟

صندوق "رؤية" التابع للمجموعة اعتاد اقتحام السوق بأسلوب "الصدمة" لكنه الآن يتجنب المخاطرة

ماسايوشي صن
ماسايوشي صن المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في يناير الماضي، أغلقت شركة "ترافيل بيرك" (TravelPerk) الإسبانية الناشئة جولة تمويل تتناسب مع الأوقات العصيبة التي نعيشها اليوم، فقد جمعت الشركة مبلغاً أقل مما جمعته قبل عامين، مستقرة على تقييم يزيد قليلاً عن 1.4 مليار دولار فقط.

الأمر المثير للدهشة أن الداعم الرئيسي لشركة "ترافيل بيرك" هو "سوفت بنك"، بنك الاستثمار الياباني الذي اشتهر "صندوق رؤية" (Vision Fund) التابع له بعرض أسعار باهظة في الشركات الناشئة إلى أن تكبد خسائر هائلة في فورة من الاستثمار تحت قيادة مؤسسه ماسايوشي صن. بعد ذلك، هدأ نشاط "سوفت بنك". وبعد مرور عام، يعود صندوق "رؤية" إلى إجراء الصفقات، لكنه يبتعد عن الشركات الناشئة التي تحلق في عنان السماء، والذي كان معروفاً بدعمها وتشجيعها من قبل، مثل "وي ورك" (WeWork) والشركة المتعثرة "زومي" (Zume) لتوصيل طلبات البيتزا.

قام مستثمرون آخرون في قطاع التكنولوجيا بضخ الأموال في شركات الذكاء الاصطناعي الجديدة، غير أن صندوق "رؤية" ظل بعيداً عن هذا المعترك. وبدلاً من ذلك، يقدم الصندوق دعماً مدروساً أكثر لشركات مثل "ترافيل بيرك"، التي تبيع برمجيات خدمات السفر للشركات، وتأمل في دمج أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من ابتكار أدوات جديدة. وقال أليكس كلافيل، الرئيس التنفيذي المشارك للصندوق، إن الصندوق "يبحث بعناية فائقة" في شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكنه أكد على التزامه بالحكمة في رهاناته الاستثمارية.

إفلاس "وي ورك" يكبد مؤسس "سوفت بنك" 11.5 مليار دولار

في مقابلة في مكتب الشركة بلندن، علق رئيس "سوفت بنك" في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والهند سومر جونيجا، قائلا: هل سنتوخى الحذر ونتعامل بنوع من الحساسية مع تقييم الأسعار؟ نعم بالتأكيد".

أسلوب أكثر تهذيباً

أصبح نهج "سوفت بنك" أكثر تهذيباً واعتدالاً في أعقاب تراجع السوق، الذي تفاقم بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وسوق الطروحات الأولية للاكتتاب العام التي نضبت تماماً، بالإضافة إلى الصعوبات المالية التي تواجهها المجموعة. وتوقف صندوق "رؤية 1" (Vision Fund I)، وهو ذراع استثمار ضخمة مدعومة من صناديق الثروة السيادية السعودية والإماراتية، إلى حد كبير عن البحث عن شركات ناشئة جديدة -حتى مع جني عوائد ضخمة من حصص في شركات مثل "دور داش" (DoorDash) و"بايت دانس" المالكة لمنصة "تيك توك".

يعتمد صندوق "رؤية 2" (Vision Fund II)، الذي تم إطلاقه في عام 2019، اعتماداً كاملاً على أموال "سوفت بنك"، وهو عبارة عن حزمة من رأس المال توسع بشكل كبير في الأسبوع الماضي بفضل ملكية المجموعة لحصة الأغلبية في شركة "أرم هولدينغز" (Arm Holdings). ومع ذلك، فقد هبط الصندوق الثاني بقيمة 19 مليار دولار اعتباراً من ربع السنة الأخير.

في الوقت نفسه، كثّف "صن" من إبرام الصفقات في أماكن أخرى، مستثمراً مباشرةً من خلال "سوفت بنك" في الشاحنات ذاتية القيادة والتخزين وغيرها من مشاريع الذكاء الاصطناعي التي تعتبرها الشركة "استراتيجية". وفي الربع الأخير، استثمرت "سوفت بنك" أموالاً من ميزانيتها العمومية تعادل ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما استثمرته من خلال صندوق "رؤية".

ثروة مؤسس "سوفت بنك" تزيد بـ4 مليارات دولار بفضل ارتفاع "أرم" 192%

رفض "كلافيل" الفكرة القائلة بأن "سوفت بنك" وصندوق "رؤية" يتنافسان فيما بينهما بأي شكل من الأشكال. وقال، مشيراً إلى "صن" بلقبه المحبب: "إن الأمر لا يتعلق بأن العاملين في (صندوق رؤية) يديرونه بطريقة معينة، و(ماسا) يدير بطريقة أخرى. وإنما هو نهج لفريق عمل متكامل".

اختبار الاستراتيجية الجديدة في أوروبا

مع تخلف قطاع التكنولوجيا في أوروبا عن الولايات المتحدة وآسيا، قد تبرز هذه المنطقة كبيئة اختبار من نوع ما لاستراتيجية صندوق "رؤية" الجديدة. وقد أصدر "جونيجا"، الذي انضم إلى "سوفت بنك" في عام 2018، تعليمات لفريقه بتجاهل الصفقات التي تُقيّم الشركات الناشئة بما يزيد عن مليار دولار أميركي، وعدم قيادة جولات التمويل دون شركاء. كما طلب منهم أيضاً عدم شراء أكثر من خُمس أسهم الشركة الناشئة، وأن يستهدفوا التخارج عند قيمة 4 مليارات دولار أو أقل.

سوف "تتردد" مجموعة "سوفت بنك" في الاستثمار، وكما قال المدير المالي للشركة في الصيف الماضي: سوف نستثمر و"قلوبنا خائفة".

يبتعد هذا الأسلوب ابتعاداً ملحوظاً عن أسلوب المباهاة والتفاخر الذي كان سائداً في السابق. ويتذكر المستثمر البريطاني كيث والينغتون أن صندوق "رؤية 1" (Vision Fund I)، الذي أُطلق في لندن في عام 2017 برأسمال قدره 100 مليار دولار وفريق عمل كبير، اقتحم نشاط رأس المال الجريء بأسلوب "الصدمة والرعب". وكان صندوق "رؤية2" (Vision Fund II) أصغر حجماً ولم يشمل مستثمرين من خارج البنك، لكنه أيضاً حقق نجاحات كبيرة، وقام منفرداً بتأسيس شركات ناشئة بقيم مليارية (يونيكورن) في أسواق مثل الهند.

مع ذلك، بحلول الوقت الذي وصل فيه "جونيجا" إلى مركز صندوق "رؤية" في لندن في سبتمبر 2022، كان أداء سوق التكنولوجيا قد هدأ، وكان الصندوق يعج بالأجنحة المتحاربة ومشكلات الامتثال للقواعد الرقابية. وفي عام 2021، تلقت "سوفت بنك" واحدة من أسوأ الضربات في أوروبا بعد أن راهنت بكثافة على بنك مفلس هو "غرينسيل كابيتال" (Greensill Capital). كما أنها ضخت مبالغ هائلة في شركات ناشئة مثل "كلارنا" (Klarna) و"ريفولوت" (Revolut)، والتي أصبحت قيمتها الآن أقل بكثير من ذروة تقييماتها.

إدارة المحفظة وتطويق الخسائر

تركز "سوفت بنك" الآن على إدارة محفظتها الحالية وتطويق الخسائر. ففي حين أن صندوق "رؤية2" استثمر أكثر من 40 مليار دولار في الشركات الناشئة خلال السنة المالية 2021، فقد استثمر 3.8 مليار دولار فقط في عام 2023، منها 90 مليون دولار فقط في الربع الأخير.

كلفت نهاية عهد إبرام الصفقات السريعة مكتب لندن العديد من الشركاء البارزين، فقد ترك راجيف ميسرا منصبه الكبير في الشركة، على الرغم من استمراره في الإشراف على صندوق "رؤية 1"، وتبعه الشريكان الإداريان في "سوفت بنك أدفايزرز" ياني بيبليس، ومونيش فارما إلى شركته الجديدة. وفي العام الماضي، سرّح صندوق "رؤية" حوالي 13% من الموظفين في كلا الصندوقين. وقال متحدث رسمي إنه لا توجد خطط لتسريح مزيد من العاملين هذا العام.

ترتب على استراتيجية الاستثمار التي انكمشت انخراط أكبر في الشركات التي تعمل بالفعل مع صندوق "رؤية".

مجموعة سوفت بنك تستأنف الاستثمار بحذر عبر "رؤية"

وقال خوان أوردياليس، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "جوب آند تالانت" (Jobandtalent) الإسبانية، إن شركاء "سوفت بنك" ساعدوه بنشاط في التوظيف مع توسع شركته الناشئة في الولايات المتحدة. يشارك المستثمر البريطاني "والينغتون" في مقاعد مجلس الإدارة والإشراف مع "سوفت بنك" في شركة "بيك إيه آي" (Peak AI) للذكاء الاصطناعي، وهي شركة برمجيات بريطانية. وقد وصف أعضاء مجلس الإدارة من "سوفت بنك" بأنهم حاضرون ومتعاونون، وإن كانوا يصمتون في الاجتماعات. وقال: "لم يحاولوا لفت الانتباه أو الظهور. وربما أرادوا التأكد من عدم التعامل معهم بوصفهم دفتر شيكات كبير يتعالى على الآخرين".

قلق المحللين وتجنب المخاطرة

لا يزال لدى صندوق "رؤية2" ما يقرب من 6.4 مليار دولار أميركي يستطيع إنفاقها، على الرغم من أن "سوفت بنك"، بصفتها المستثمر الوحيد بالصندوق، تستطيع أن تضيف إليه مبالغ أخرى. ومع ذلك، أثار حذر الصندوق مخاوف المحللين، الذين يشعرون بالقلق من أن يفوته قطار أموال الذكاء الاصطناعي التوليدي. كتب المحللون في مجموعة "سي إل إس إيه" (CLSA) الاستثمارية في مذكرة الأسبوع الماضي: "لا تزال معنويات المستثمرين قوية للغاية بالنسبة للشركات التي تعمل في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، ولكن ليس بالنسبة لـ(سوفت بنك)".

رفض "كلافيل" مزاعم أن صندوق "رؤية" قد قطع علاقته مع السوق، وقال: "لسنا في بيئة تشجع على الاستثمار حيث يصبح من المنطقي أن نضخ مزيداً من الأموال في السوق، ولكننا نشيطون جداً ونشارك بكثافة".

ماتي ريماك هو الرئيس التنفيذي لشركة "ريماك أوتوموبيلي" (Rimac Automobili)، وهي شركة تصنيع سيارات رياضية كهربائية مدعومة من صندوق "رؤية" في كرواتيا، وقد اصطدم بالاستراتيجية الجديدة في أوائل العام الماضي. في ذلك الوقت، أراد توسيع شركته الناشئة لتشمل خطوطاً متعددة لإنتاج البطاريات. وعارض "جونيجا"، وهو عضو في مجلس إدارة الشركة، هذه الخطوة.

لكنهما توصلا إلى حل وسط، بمقتضاه يستطيع "ريماك" أن يتوسع، ولكن كان عليه أن ينجز أهدافاً معينة من أجل الحصول على مزيد من أموال "سوفت بنك". وقال "جونيجا": "بدلاً من أن يعتمد الأمر على الخيال العلمي، قامت الخطة على أساس العائد على رأس المال. فهناك وقت في دورة الاستثمار يتعين عليك فيه أن تكون حكيماً للغاية في إدارة ما لديك من رأس المال".

كان هذا الأمر مثيراً للدهشة، كونه صادراً عن مؤسسة استثمارية اشتهرت بتلبية الرغبات المندفعة للرؤساء التنفيذيين الذين تختارهم.

قال "ريماك": "الآن، أصبحت الاستراتيجية أكثر تحفظاً. حتى أنهم يتجنبون المخاطرة".

ماتي ريماك، الرئيس التنفيذي لشركة "ريماك أوتوموبيلي"
ماتي ريماك، الرئيس التنفيذي لشركة "ريماك أوتوموبيلي" المصدر: بلومبرغ

تغيير سمعة الصندوق

بطريقة غير معلنة، يحاول الفريق الجديد لصندوق "رؤية" أن يغير سمعته في دفع الشركات الناشئة إلى المغالاة في طموحها. وقد ذكر أحد مؤسسي الشركات في لندن لقاءً عُقد مؤخراً مع ممثلي "سوفت بنك"، الذين بدأوا الاجتماع بأن طلبوا من رائد الأعمال تجاهل ما سمعه عن الصندوق من قبل. (طلب المؤسس عدم الكشف عن هويته في مناقشة للاجتماعات غير المعلنة).

وصف "جونيجا" ذلك بأنه جزء من العملية. وقال: "إن الأمر يتعلق بإذابة الجليد في أول اجتماع. والذي يشهد عبارات كثيرة من مثل: مهما كانت تحفظاتك، دعنا نزيح ذلك عن الطريق".

فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، اتبع صندوق "رؤية" نهجاً مختلفاً عن العديد من صناديق رأس المال الجرئ. فقد انسحب الصندوق من الاستثمار في الوقت الذي شهد فيه الذكاء الاصطناعي التوليدي انتشاراً واسعاً، وامتنع عن دعم الشركات الناشئة التي تبني نماذج لغوية كبيرة. وبدلاً من ذلك، يستهدف الصندوق الشركات التي لديها قنوات مبيعات راسخة وبيانات خاصة بها، والتي تهتم بدمج أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي بدلاً من إنشائها بنفسها. استشهد "جونيجا" بالعديد من استثمارات "سوفت بنك" الأوروبية الأخيرة، بما في ذلك الاستثمار في شركة "جوب آند تالانت" للتوظيف، وشركة إدارة البرمجيات "كونتراكت بود آي" (ContractPodAi)، و"ترافيل بيرك"، بوصفها شركات لديها "البيانات وشبكة التوزيع والوصول إلى العملاء" التي تمكنها من الاستفادة من أحدث تطورات الذكاء الاصطناعي.

هوس الذكاء الاصطناعي

لكن بالنظر إلى هوس "صن" الطويل بالذكاء الاصطناعي، فمن السهل أن نتساءل إلى متى ستستمر هذه السياسة.

لا يزال المؤسسون الذين يحصلون على الأموال من صندوق "رؤية" يتبعون تقليد الاجتماع مع "صن" قبل أن تحرر لهم أي شيكات.

بعد المحادثة، أشار "ريماك" إلى اهتمام "صن" بالذكاء الاصطناعي إلى درجة الهوس، على الرغم من أنه قال إن مستثمري "صن" كانوا مهتمين أكثر بقدرة شركة صناعة السيارات الحالية على تحقيق مبيعات أكثر من اهتمامهم بإمكانيات الذكاء الاصطناعي. وأضاف "ريماك": "في هذه الحالة، نحن أمام شركة قوية بالفعل".

وفي حين قال "كلافيل" إن "صن" استمر في التعاون الوثيق مع الصندوق، لم يتضح ما إذا كان الرهان القوي الجديد لإمبراطور الأعمال على الذكاء الاصطناعي -وهو مشروع مبدئي بين رئيس "أوبن إيه آي" سام ألتمان وجوني آيف- سيكون مرتبطاً بصندوق "رؤية" أم لا. لم تسمح مجموعة "سوفت بنك" لـ"صن" بالتعليق، لكنه قال إن استراتيجية الصندوق الجديدة "متوافقة" مع أهدافه الاستثمارية.

ومع اتباع "سوفت بنك" لمسارها الجديد، سيكون أحد أهدافها الأساسية هو جني العوائد من محفظتها الضخمة بدلاً من تأهيل الشركات الناشئة غير الرابحة للنمو. في استطلاع للرأي أجراه صندوق "رؤية" مؤخراً على شركاته الناشئة، اكتشف أن معظمها متفائلة بشأن عودة فرص الطرح الأولي للاكتتاب العام في أواخر عام 2024. وأكد "كلافيل" أن "المصرفيين يطرحون علينا العروض. لكنها ليست كثيفة".

من غير المرجح أن تعود "سوفت بنك" إلى نهجها السابق القوي والنشط في الاستثمار. عندما سُئل "كلافيل" عما إذا كان صندوق "رؤية" سيعقد صفقات هذا العام أكثر من العام الماضي، كان حذراً، وقال: "أعتقد أننا سنفعل. آمل أن نفعل ذلك. نحن شركة متفائلة".