التمويل ليس هاجساً وحيداً أمام تطور الشركات الناشئة السعودية

التوسع والمواهب والمعلومات والتقييم والتخارج 5 تحديات تواجه الشركات متسارعة النمو

خلال إحدى الفعاليات التي نظمتها "مؤسسة محمد بن سلمان" (مسك) في نوفمبر 2022 لتطوير المهارات وتنمية رأس المال البشري
خلال إحدى الفعاليات التي نظمتها "مؤسسة محمد بن سلمان" (مسك) في نوفمبر 2022 لتطوير المهارات وتنمية رأس المال البشري المصدر: "مؤسسة محمد بن سلمان" (مسك)
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استطاعت الشركات الناشئة السعودية تحقيق نتائج إيجابية خلال العام الماضي لاسيما من ناحية الحصول على الأموال، الذي مثّل هاجساً لنظيراتها في الأسواق الإقليمية والعالمية.

بعيداً عن التمويل، فإن بيئة الأعمال الخاصة بالشركات الناشئة في المملكة تنطوي على تحديات عدّة، وعلى مختلف مراحل مسيرة هذه الكيانات، بدءاً من القدرة على التوسع لأسواق خارجية، مروراً بندرة المعلومات والموارد البشرية، وصولاً إلى عمليات التقييم وصفقات تخارج المستثمرين من هذه الشركات.

التوسع

التوسع داخلياً، وتالياً إلى الأسواق الإقليمية والدولية، من أبرز مؤشرات تحقيق الشركة الناشئة لمستهدفها، فالسوق السعودية رغم أنها الأكبر في العالم العربي، إلا أنها لا تزال تعتبر صغيرة مقارنة بالأسواق العالمية.

هذا التوسع يتطلب الكثير من التمويل، ما يعني أنه على المستثمرين السماح لمؤسسي الشركة بإعادة توظيف معظم أرباحها لدعم النمو، وفقاً للشريك العام في صندوق "سُكنى فنتشرز" للاستثمار (Sukna Ventures) وليد البلاع في تصريح لـ"الشرق".

بدوره، أكّد المدير التنفيذي لشركة "ماغنيت" فيليب بحوشي لـ"الشرق"، على ضرورة وجود التمويل للتوسع إلى أسواق جغرافية متعددة، بهدف وصول خدمات الشركة الناشئة إلى أكبر عدد ممكن من الزبائن، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن رحلة التوسع تتطلب وجود المواهب والمعرفة التقنية لتحقيق ذلك.

استقطاب المواهب

كلام بحوشي يلقي الضوء على التحدي الثاني الذي تواجهه الشركات الناشئة السعودية، المتمثل في حاجة هذه الشركات إلى استقطاب المواهب. رئيس "ماغنيت" أشار إلى أن هذا النوع من الشركات يحتاج إلى "مهارات وعقلية مختلفة"، معتبراً أن المنطقة عموماً بحاجة إلى تطوير عملية الوصول إلى هذه المواهب.

أطلقت دول الخليج خلال السنوات الماضية العديد من المبادرات بهدف جذب المواهب. السعودية أعلنت في يناير الماضي، إطلاق 5 فئات جديدة من تأشيرة الإقامة المميزة بمدد مختلفة، وذلك في مسعى لاستقطاب المستثمرين وروّاد الاعمال وأصحاب الكفاءات.

يذهب مارتن الجاعوني، المدير التنفيذي لـ"فندينق سوق" للتمويل الجماعي، أبعد من ذلك في حديثه عن هذا التحدّي، موضحاً لـ"الشرق" أن "هناك الكثير من السعوديين الذين يملكون المواهب والخبرات، لكنهم يذهبون إلى الشركات الحكومية وشبه الحكومية أو شركات الاستشارات، التي تمتاز غالباً باستقرار أكبر ورواتب أعلى مما تستطيع الشركات الناشئة تحمله". ورجّح أن تكون كلفة المواهب المتميزة على الشركات في المملكة أعلى من نظيرتها في الدول المجاورة.

الجاعوني أضاف أن الحكومة السعودية تدرك هذه المعضلة، وأنشأت لهذا الغرض العديد من المبادرات التي تهدف إلى دعم المواهب المحلية، فعلى سبيل المثال، تدفع الحكومة ما يصل إلى 50% من رواتب المهندسين السعوديين في الشركات الناشئة، في حين أنها تدعم رواتب حديثي التخرج بنحو 4 آلاف ريال.

ندرة المعلومات

التحديات لا تقتصر فقط على الشركات الناشئة بحد ذاتها، بل تمتد للممولين والشركات التي تعمل في هذا المجال، خصوصاً أن تقييم الشركات الناشئة يُستمد من مقدار الأموال التي تحصل عليها خلال جولات التمويل من مرحلة "البذرة" إلى النمو.

في هذا الإطار، يشكو البلاع من غياب المعلومات عن الشركات الناشئة، خصوصاً أنها ليست مدرجة، وبالتالي ليست مضطرة لنشر نتائج أعمالها، مشيراً إلى أن المستثمر في الشركات الناشئة مطالب بالاعتماد على "مهاراته وقدراته لاستنباط البيانات اللازمة لاستهداف الشركات الريادية المناسبة له، ومن ثم يستطيع الطلب منها مشاركة هذه البيانات في حال توافق الطرفين، لتحديد جدوى الاستثمار ولإجراء الفحص النافي للجهالة".

زيادة التقييم

يرى البلاع، من "سُكنى فنتشرز"، أن الشركات السعودية لم تكن بمنأى عن الفورة التمويلية التي اجتاحت الشركات الناشئة بعد فترة "كورونا" ومعدلات الفائدة الصفرية التي كانت سائدة، ما مكّن الشركات العالمية من أن تحصل على تقييمات مبالغ فيها.

ومع الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة، فإن تقييم هذه الشركات بدأ بالتراجع، حتى أن مستثمرين باتوا يتخارجون بسرعة من بعض الشركات الناشئة.

لكنه نوّه بأن عملية التصحيح في القيمة ستكون أقل تأثيراً على الشركات الناشئة السعودية مقارنة بنظيرتها العالمية، نظراً إلى أن المنظومة ككل لا تزال في بداياتها، غير أن هذه العملية "ستكون أكثر إيلاماً" للشركات الريادية التي بلغت مراحل النمو المتقدمة، واقتربت من مرحلة الإدراج.

صعوبة التخارج

تواجه المستثمرين في الشركات الناشئة معضلة إضافية، فرغبة هذه الشركات بالنمو والتوسع وحاجتها إلى الأموال لتحقيق هذا الهدف بما في ذلك إعادة توظيف الأرباح، تعني أن المستثمرين سيواجهون صعوبة في الحصول على العائدات بشكلٍ سريع، ما يضطرهم إلى اللجوء إلى بيع حصصهم في الشركة، وهو ما يطلق عليه التخارج.

والتخارج لديه 3 أشكال غالباً، فإما أن يتم طرح الشركة في سوق الأسهم كما حدث مع شركة "جاهز" في 2022، أو أن تستحوذ شركة ريادية على الشركة الناشئة، أو الصفقات الثانوية وهي بيع المستثمر لكامل حصصه لمستثمر آخر، وهي عمليات خاصة عادة ولا تظهر للعلن.

وأشار البلاع إلى انخفاض وتيرة التخارج من خلال الطرح بالبورصة والاستحواذ في المملكة، ما جعل المستثمرون يلجؤون بشكل أكبر إلى التخارج من خلال الصفقات الثانوية؛ "رغم انطوائها على خصومات عالية، تبدأ من 25%، على البائع تقبلها للحصول على السيولة".

كان نبيل كوشك، الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للاستثمار الجريء، قال لـ"الشرق" في وقت سابق، إن هناك أكثر من 13 شركة ناشئة سعودية تُجهز ملفاتها للاكتتاب العام خلال العامين القادمين، مضيفاً أن عمليات التخارج من الشركات الناشئة في المملكة بأنماطها المختلفة، كالاستحواذات والاندماجات والطرح في سوق الأسهم، ارتفعت من معدل تخارجين في العام إلى 17 تخارجاً في السنتين الماضيتين، من بينها طرح وحيد في السوق السعودية الرئيسية لشركة "جاهز".

الإدراج في السوق

لعل الحل الأسلم للشركات والمستثمرين يتمثل في الإدراج في أسواق المال. وفي هذا السياق، أطلقت المملكة في 2017 برنامج "طموح" للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتسارعة النمو بهدف دعمها.

مدير عام المنشآت متسارعة النمو في "منشآت" عبدالرحمن السماعيل أفاد بمقابلة مع "الشرق" أن برنامج "طموح" يضم أكثر من 1700 منشأة متسارعة النمو، مبيّناً أن البرنامج عمل مع هيئة سوق المال و"تداول"، لإنشاء برنامج مخصص لمساعدة الشركات للإدراج في سوق المال الموازية "نمو".

واستطاع هذا البرنامج إيصال 19 شركة للإدراج في بورصة الرياض منذ انطلاقه.