تراكم ثروات مليارديرات الذكاء الاصطناعي يبدو كعصر براق جديد

إذا كان ازدهار "إنفيديا" يمثل "نقطة تحول" في قطاع التكنولوجيا، فيجب أن يكون كذلك بالنسبة لهيئات مكافحة الاحتكار

جنسن هوانغ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"
جنسن هوانغ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا" المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد عدة عقود من الثروة التكنولوجية التي تسببت في تغييرات هائلة، يبشر ازدهار الذكاء الاصطناعي بطفرة أخرى. فلم يقتصر ارتفاع تقييم شركة "إنفيديا" على جعل المؤسس المشارك لها جنسن هوانغ رجلاً ثرياً للغاية، وإنما كذلك بلغت ثروة ابنة عمه البعيدة ليزا سو، رئيسة شركة "أدفانسد مايكرو ديفايسيز" (Advanced Micro Devices)، 1.2 مليار دولار. وتُظهر النظرة السريعة على أغنى 10 أشخاص في العالم أن قادة قطاع التكنولوجيا، من إيلون ماسك إلى بيل غيتس، ما يزالون في القمة.

5 أثرياء يملكون نصف تريليون دولار يبحثون مستقبل الذكاء الاصطناعي

إحدى الطرق الإيجابية للنظر إلى هذه الطفرة في الثروة تستند إلى أن رأس المال يتدفق إلى مجال ابتكاري يمكن أن يعود بالفائدة على الجميع في نهاية المطاف. فإذا كان المتفائلون بالذكاء الاصطناعي على حق، وكنا على أعتاب ثورة صناعية جديدة -أو "نقطة تحول"، كما وصفها هوانغ، بعد أن حطمت نتائج "إنفيديا" توقعات السوق -فإن مكاسب الإنتاجية والنمو الاقتصادي ستمتد إلى ما وراء نادي المليارديرات. لقد جلبت لنا النسخة الأصلية من الثورة الصناعية التي تعود إلى القرن الثامن عشر أمثال المخترع ريتشارد آركرايت، الذي ساعد ابتكاره لآلة غزل القطن التي تعمل بالماء على ولادة العالم الحديث، وفي نفس الوقت جعلت منه شخصاً ثرياً. نحن لا نريد أن نكرر خسارة الوظائف وظروف العمل الرهيبة التي تسبب فيها التصنيع، ولكن هناك طرق لإدارة هذه الاضطرابات.

احتكارات وفساد "العصر المذهب"

أما وجهة النظر الأقل إيجابية فترى أن هذا العصر يبدو بشكل متزايد مثل "العصر المذهب" للاحتكارات التي تسيطر على كل شيء، مثل شركة "ستاندرد أويل" التي أسسها جون دي روكفلر، وأن نظراء آركرايت اليوم ليسوا مخترعين هواة في مرآبهم، بل يعملون جنباً إلى جنب مع شركات التكنولوجيا الكبرى أو داخلها مثل شركة "ألفابت" أو "مايكروسوفت"، التي تهيمن بالفعل، ولديها حصص سوقية مماثلة لشركتي "جنرال إلكتريك" و"دوبونتس" (DuPonts) منذ قرن مضى. وترتفع ثروات رؤساء شركات التكنولوجيا الهائلة بالتوازي مع ارتفاع الحواجز أمام دخول المنافسين الجدد، سواء تمثلت تلك الحواجز في تكلفة الحصول على نماذج الذكاء الاصطناعي نفسها أو الرقائق الإلكترونية التي تشغلها (مثل رقائق إنفيديا)، والتي تضاعفت أسعارها منذ عام 2020، كما تشير زميلتي بارمي أولسون.

"غوغل" و"مايكروسوفت" ستهيمنان على الذكاء الاصطناعي مع ارتفاع التكاليف

وكما أظهر القرن العشرون أيضاً، يمكن أن تؤدي القوة السوقية المفرطة إلى التواطؤ والفساد الذي يدفع المنافسين خارج السوق، ويجعل أوضاع العمال متردية، والجهات التنظيمية بلا أنياب -وهو عكس ما نريد أن نراه في القرن الحادي والعشرين. حتى إذا كنت تعتقد أن قدرات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تضاعف معدلات النمو الاقتصادي على غرار ثورة تكنولوجيا المعلومات على مدى عقد من الزمن (وهو ما يعني في بلد مثل فرنسا إضافة 500 مليار يورو (540 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2034، وفقاً للاقتصادي فيليب أغيون) فإن الواقع قد يكون أقل إثارة للإعجاب وأشد اضطراباً من الناحية الاجتماعية إذا مُنعت أو أُعيقت الشركات الناشئة عن الوصول إلى السوق من قبل الشركات الكبرى الحالية.

مراقبة وثيقة للذكاء الاصطناعي

ولهذا السبب من الضروري أن تراقب سلطات مكافحة الاحتكار ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية مراقبة وثيقة؛ خاصة في أوروبا، حيث يظهر لأول مرة منذ فترة منافسون جدد في مجال التكنولوجيا.

في نقاش حضرتُه مؤخراً في البرلمان الأوروبي، حذرت مارغريت فيستاغر، المسؤولة الأولى عن مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، من أن الاندفاع الحالي لتمويل الذكاء الاصطناعي يغذي الشركات الكبرى التي تربض فوق "عش من الأنظمة البيئية القائمة" بدلاً من التوجه إلى الشركات الناشئة الواعدة.

قد يبدو تحذيرها سابقاً لأوانه بالنسبة للبعض. ففي نهاية المطاف، ليس من الضروري أن تستمر تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي الحالية المدفوعة بالضجيج، فقد افترض المستثمرون افتراضاً خاطئاً خلال طفرة "الدوت كوم" أن الإنترنت سيجعل شركات الاتصالات مثل مجموعة "فودافون" مهيمنة على السوق إلى الأبد (وهو مالم يحدث).

كما أن ضخامة الشركة في حد ذاتها لا تعبر دائماً عن إساءة استخدام الهيمنة في السوق. ويقول خبير المنافسة الرقمية كريستوف كاروغاتي إن هناك نتائج إيجابية غير مباشرة من وجود الشركات الكبيرة والناجحة التي تمارس نشاطها بنزاهة، تنبع من طبيعة اقتصاديات الحجم ونطاق النشاط. كما أن الهيئات التنظيمية المسؤولة عن مكافحة الاحتكار أكثر نشاطاً وسباقة إلى التدخل اليوم مقارنة بما كانت عليه في الماضي. فقد ألغت "أمازون" مؤخراً خططاً للاستحواذ على شركة "آي روبوت" (iRobot) المصنعة لمكنسة "رومبا" الكهربائية بسبب مخاوف تتعلق بالمنافسة. كما بدأ الاتحاد الأوروبي بالفعل في التدقيق في هيمنة "إنفيديا" على توريد رقائق الذكاء الاصطناعي.

الحفاظ على الحذر والتدقيق

ولكن يجب أن نكون أكثر حذراً. على سبيل المثال، قد يكشف التدقيق في بعض الاختناقات، مثل فرص الوصول إلى بيانات التدريب المهمة للغاية، عن وجود ميزة تنافسية غير عادلة تستفيد منها الشركات القائمة. ومن المحتمل أن يكون لدى "مايكروسوفت" قدرة على الوصول إلى كمية هائلة من البيانات من خلال أنظمة التشغيل والبنية الأساسية للحوسبة ومستودع أكواد "غيت هاب" (GitHub) التابعة لها. وهذا أحد الأسباب التي تجعل استثمارها بقيمة 10 مليارات دولار في شركة "أوبن إيه آي"، رغم أنه ليس اندماجاً من الناحية الفنية، يستحق نظرة فاحصة. وقد أوصت المنظمة غير الحكومية (Article 19) مؤخراً الهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى أبعد من "الشروط التعاقدية التي يصوغها القانونيون بعناية" ومعرفة كيف تعمل الشراكة حقاً في الممارسة العملية.

كما أن التهديد بمعاقبة السلوك الذي يعطل المنافسة يحتاج أيضاً إلى الإبداع. لقد قامت الهيئات التنظيمية الأوروبية بتغريم شركات التكنولوجيا الكبرى بالمليارات على مر السنين، ولكن المفارقة أن ذلك ربما رسخ هيمنتها؛ إذ تستطيع الشركات الكبرى أن تدفع الغرامات فوراً، بينما الشركات المنافسة الأصغر حجماً لا تستطيع ذلك.

الاتحاد الأوروبي يتجه لفرض غرامة على "أبل" بـ540 مليون دولار

يجب أن تكون اللوائح التنظيمية الجديدة، مثل قانون الذكاء الاصطناعي (AI Act) أو قانون الأسواق الرقمية (Digital Markets Act)، مصحوبة بعقوبات تتجاوز الغرامات، مثل التعرض لتقسيم الشركة أو المشاركة القسرية للبيانات مع المنافسين. ستكون هذه العقوبة الأخيرة مشابهة في روحها لمرسوم الموافقة لعام 1956 الذي أجبر شركة "إيه تي آند تي/بل" (AT&T/Bell) على ترخيص براءات اختراعها بدون إتاوة، أو للطعن القانوني المنظم في القرن الثامن عشر ضد آركرايت الذي شهد إلغاء براءات اختراعه.

يجب أن يشعر رواد الأعمال بالحرية في تحقيق الثراء من أفكارهم، ولكن يجب على الجهات التنظيمية أيضاً أن تفرض المساواة وتكافؤ الفرص. وإذا كان ذلك يعني منحهم مزيداً من الموارد، فليكن، كما اقترح توبياس هار، المستشار العام لشركة "ألف ألفا" (Aleph Alpha)، مؤخراً في بروكسل، عندما قال ربما ينبغي لنا أن نعيد تسمية قواعد مكافحة الاحتكار إلى قواعد "حماية الديمقراطية" للتأكيد على أهميتها. وقد يجعل ذلك المجتمع أكثر هدوءاً وارتياحاً عندما يظهر ملياردير الذكاء الاصطناعي القادم.