وجود منظمة للتجارة تقوم بوظيفتها كما ينبغي أمر ضروري

لو لم تكن منظمة التجارة العالمية موجودة لوجب اختراعها

شعار منظمة التجارة العالمية (WTO) على جدار المقر الرئيسي للمنظمة، في 11 ديسمبر 2019 في جنيف، سويسرا.
شعار منظمة التجارة العالمية (WTO) على جدار المقر الرئيسي للمنظمة، في 11 ديسمبر 2019 في جنيف، سويسرا. المصدر: غيتي إيمجز
Clive Crook
Clive Crook

Clive Crook is a Bloomberg Opinion columnist and writes editorials on economics, finance and politics. He was chief Washington commentator for the Financial Times, a correspondent and editor for the Economist and a senior editor at the Atlantic.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

دعونا نقول إن حالة الإثارة التي سبقت انعقاد المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية، تحت السيطرة تماماً. ولا يتعلق الأمر هنا بمسألة فشل ذلك التجمع الذي كان مهماً ذات يوم، بل بما إذا كان فشله سيحدث بطريقة تستحق مجرد الملاحظة، إذ يبدو أن الشعور السائد هو: "من يهتم لتلك الأطلال من حطام الليبرالية الجديدة التي لا تقوم بوظيفة تذكر؟".

مع ذلك، وبغض النظر عن رأيك في العولمة، يجب أن تهتم. وأمثالي من الليبراليين الجدد غير التائبين يرون في المد المتصاعد للنزعة الحمائية في التجارة، والتشرذم الاقتصادي المتعمد، خطأً فادحاً. فمن وجهة نظرنا التي ترى أن ليبرالية التجارة مسألة جيدة، تعتبر منظمة التجارة العالمية بعد تجديدها وزيادة فعاليتها بشكل مناسب، عنصراً أساسياً في زيادة الرخاء العالمي. ولكن حتى المدافعين المخلصين عن فرض الرسوم الجمركية، والدعم، والتخطيط، وفرض سياسة صناعية، والانحياز للحلفاء والدول الصديقة في التجارة والتصنيع، واشتراط الاستيراد أو إعادة التصدير إلى بلد المنشأ، وكل ما شابه ذلك من قيود، يجب أن يدركوا ضرورة وجود منظمة للتجارة العالمية تقوم بوظيفتها كما ينبغي، فعلى أقل تقدير، ينبغي أن يكون التفتت والتشرذم منظماً ويحافظ على التعاون بين الدول، لا فوضوياً. ولكن حالة التشرذم الفوضوي هي تحديداً ما يتجه إليه الاقتصاد العالمي.

اقرأ أيضاً: حرب بايدن التجارية على الصلب تبرز تحولاً إلى الحمائية

جدول أعمال اجتماع أبوظبي

للاجتماع في أبوظبي جدول أعمال من نوع ما، إذ يتطرق إلى دعم صيد الأسماك (وما يصاحبه من استنزاف لمخزون الثروة السمكية)، والزراعة، والضرائب على التجارة الإلكترونية، وما إلى ذلك. وقد تتوصل تحالفات أو جبهات جزئية من الحكومات التي تتفق في أفكارها، إلى اتفاقات بشأن بعض هذه القضايا، بما يكفي لإعلان "نجاحها" في هذا الأمر أو ذاك، على الرغم من أن المزاج الحالي من العداء المتبادل بشأن السياسة التجارية سيجعل حتى هذه الاتفاقات، التي تسمى اتفاقيات محدودة متعددة الأطراف، صعبة التحقيق.

ولسوء الحظ، فإن الاتفاقيات التي ينبغي إبرامها أكثر من غيرها، لا تتعلق بالتفاصيل الدقيقة لقضايا قطاعية محددة. فما يهم هو استعادة الدور الأشمل لمنظمة التجارة العالمية بوصفها منتدى للتعاون الاقتصادي.

وحتى يتحقق ذلك، يجب على الولايات المتحدة استئناف قيادتها للمنظمة. لكن، بدلاً من ذلك، وجدت إدارتا (الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب) و(الرئيس الحالي جو بايدن) سبباً مشتركاً، ليس في الإهمال الحميد للمنظمة، بقدر ما هو العداء الصريح لها. إذ أدى رفض الولايات المتحدة تعيين أعضاء في هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية إلى توقف أكثر هيئاتها أهمية في نظام حل المنازعات.

هذا أقل ما في الأمر. فتعديل قواعد منظمة التجارة العالمية ضروري للتغلب على حق النقض الذي غالباً ما تستخدمه الدول (لا سيما الهند) لعرقلة الاتفاقيات التي تؤيدها الغالبية العظمى من الأعضاء. ومع عدم إمكانية تحقيق أي من هذين الأمرين بشكل معقول، يصبح التعاون بشأن السياسة التجارية أشد صعوبة إلى حد كبير.

الخاسرون من تباطؤ التجارة

من البديهي أن الولايات المتحدة تستطيع أن تستخدم نفوذها وثقلها عندما تدخل في نزاعات تجارية مع دول أخرى. وبفضل حجمها وتطورها، فمن غير المرجح أن تكون أكبر الخاسرين إذا تباطأت التجارة العالمية وتقلص حجمها، وسوف تكون البلدان الفقيرة أقل حظاً بكثير، إذا حدث ذلك. ولكن على الرغم من قوتها، لا يزال من المؤكد أن أداء الولايات المتحدة سيتدهور إذا سادت الحالة الراهنة من الشكوك الزائدة في التجارة العالمية.

اقرأ أيضاً: بايدن بصدد منح "إنتل" 10 مليارات دولار لاستعادة هيمنة الرقائق

سترتفع التكاليف في الاقتصاد المحلي نتيجة الرسوم الجمركية، والإعانات، وشروط "الشراء من أميركا" التي يتضمنها "قانون خفض التضخم".

ومع استجابة الشركاء التجاريين لذلك بفرض رسومهم الجمركية، والإعانات، والدعم، والقيود على حرية التجارة بدورهم، سيخسر المصدرون الأميركيون عملاءهم.

ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، انكمشت التجارة السلعية في مجموعة العشرين من حيث القيمة في العام الماضي. ومن المرجح أن تستمر السياسات التي تهدف إلى تعظيم درجة الاكتفاء الذاتي مع استمرار تأثير هذه الضغوط المتعارضة، والذي بدوره سيجعل قرارات الاستثمار طويلة الأجل أكثر تعقيداً ومحفوفة بالمخاطر.

وتعد سياسات البلاد سريعة التطور لبناء سلسلة توريد محلية للسيارات الكهربائية مثالاً واضحاً على ما سبق، كما ذكرت "بلومبرغ نيوز" في مقال بعنوان "أحلام السيارات الكهربائية لبايدن هي كابوس لشركة تسلا وصناعة السيارات الأميركية".

أهمية التنسيق لضمان الكفاءة

عبر التعاون الاقتصادي الوثيق يسهل تحقيق الأهداف الحيوية للسياسة الاقتصادية، بما في ذلك مرونة سلسلة التوريد والتحول عن الوقود الأحفوري.

وفي الحقيقة، ربما يستحيل تحقيق هذه الأهداف عبر طرق أخرى. إذ يرى الليبراليون الجدد أن التجارة من دون عوائق هي أهم أشكال التعاون الاقتصادي الدولي. قد لا تتفقون مع ذلك، ولكن حتى التجارة المدارة تتطلب تنسيقاً حتى تتحقق لها الكفاءة.

اقرأ أيضاً: لاغارد: اضطرابات سلاسل التوريد تهدد بعودة التضخم

ليس من الحكمة الاعتماد على الدول التي يحتمل أن يواجه بعضها بعضاً في صراعات مستقبلية، ولكن ذلك لا يحتم الاكتفاء بالذات. فالتجارة الليبرالية بين أوسع دائرة ممكنة من الأصدقاء والحلفاء تظل أعلى كفاءة بكثير. إلا أن ذلك يتطلب إطاراً من القواعد والاتفاقيات والإجراءات لتسوية المنازعات. ويمكن لمنظمة التجارة العالمية بعد إصلاحها، توفير ذلك.

تغير المناخ وضريبة الكربون

أما مكافحة تغير المناخ فهي حالة أشد وضوحاً، ذلك لأنها بالضرورة مهمة عالمية بطبيعتها. وإذا قررت بعض البلدان سياسات تفرض تكاليف باهظة على بلدان أخرى (وكذلك على نفسها) من دون مبرر، فإن الجهد الجماعي سيتهاوى، وسيزداد التواكل والتطفل على جهود الآخرين، ولن تتحقق الأهداف العالمية. وهنا أيضاً، نحتاج إلى كيان شبيه بمنظمة التجارة العالمية لتنسيق التزامات الدول الوطنية.

ينبغي على الدول التي تفرض ضرائب صريحة أو ضمنية على انبعاثات الكربون أن تطبق نفس السياسة على الواردات، وإلا سيضر ذلك بفرص المنتجين المحليين. ولهذا السبب، قام الاتحاد الأوروبي بتصميم نظام تعريفة جمركية يسمى "آلية تعديل ضريبة الكربون الحدودية" (Carbon Border Adjustment Mechanism). أما الولايات المتحدة فلديها اعتراضات، إذ تفضل نهجاً قائماً على الدعم.

من المؤكد أن الصيغة المفضلة لضرائب الكربون والإعانات الخضراء وتنظيم الطاقة النظيفة ستختلف من مكان إلى آخر اختلافاً كبيراً، وليس ضرورياً أن نفرض نهجاً واحداً على الجميع طالما أن الحكومات لديها نظام توافقي للفصل في مثل هذه التدابير، والحكم عليها بالمساواة وضمان عدم التمييز ضد منتجين بعينهم.

اقرأ أيضاً: نجاح قمة "كوب 28" يتجاوز الأقوال إلى الأفعال

لا يهم إذا كنت من الليبراليين الجدد أو تؤمن باقتصاد بايدن "بايدنوميكس"، أو مدافعاً عن العالم وفق تصور ترمب، ولكن منظمة التجارة العالمية تنتمي إلى تلك الفئة من الأشياء التي لو لم تكن موجودة لوجب اختراعها. والآن، هي لا تزال موجودة، وإن كنا لا نكاد نلاحظ هذا الوجود، وكلما أسرعت الولايات المتحدة وشركاؤها التجاريون في إدراك ضرورة إحيائها وإعادة اختراعها، كان ذلك أفضل.