لا تقللوا من شأن محاربي ظاهرة الهواتف الذكية

تحركات واسعة لأهالي الأطفال في الولايات المتحدة ضد الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل الاجتماعي

طفل يحاول استخدام هاتف ذكي من "أبل" في متجر "أبل" في هونغ كونغ، الصين
طفل يحاول استخدام هاتف ذكي من "أبل" في متجر "أبل" في هونغ كونغ، الصين المصدر: بلومبرغ
Parmy Olson
Parmy Olson

Parmy Olson is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. She previously reported for the Wall Street Journal and Forbes and is the author of "We Are Anonymous."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي في فبراير، كشف اعتذار مارك زوكربيرغ (المباشر أو غير المباشر) للآباء والأمهات الذين شعروا بالضرر الذي لحق بأطفالهم من وسائل التواصل الاجتماعي عن رسالة واضحة. تمثلت هذه الرسالة ليس فقط في اعتذاره الذي يبدو عاماً "عما مر به الجميع" بدلاً من تقديم اعتذار محدد حول تأثيرات "فيسبوك"، ولكن أيضاً في دفاعه الذي بدا غير مقنع.

أكد زوكربيرغ على "الاستثمارات الضخمة" التي تقوم بها الشركة و"الجهود المتواصلة للريادة في هذا المجال لضمان عدم تعرض أحد لما عانت منه عائلاتكم". ومع ذلك، يدرك زوكربيرغ جيداً أن هذه الاستثمارات في السلامة تظل ثانوية مقارنة بالنمو في غياب الرقابة الفعالة. لذلك، لا يمكن الاعتماد على شركات وسائل التواصل الاجتماعي لمراقبة نفسها بمفردها. ومن هنا تبرز الحاجة إلى تشريعات جديدة ومبادرات شعبية حاسمة ومستمرة لتوجيه المسار نحو مستقبل أكثر أماناً وإيجابية.

مسؤول الذكاء الاصطناعي.. وظيفة جديدة بأجر مليون دولار سنوياً

لم يستغرق الأمر سوى بضعة أيام، على سبيل المثال، حتى انفجرت تحركات مؤخراً في المملكة المتحدة، نظمتها إحدى مجموعات أولياء الأمور على الـ"الواتس آب"، الذين لم يرغبوا في إعطاء هواتف إلى أبنائهم الذين سيلتحقون بالمدرسة الثانوية قريباً. أنشأت كلير فيرنيهو، المقيمة في هامبشاير، هذه المجموعة مع صديقتها ديزي غرينويل لأنها كانت تشعر بالقلق من الضغط الاجتماعي المتزايد لشراء هاتف ذكي لابنتها البالغة من العمر 9 سنوات. ففي ضوء طبيعتها الإدمانية والأضرار الموثقة لمنصات التواصل الاجتماعي، لا يبدو أن هناك سبباً واحداً وجيهاً ومقنعاً لشراء هاتف؛ بخلاف أن جميع الأطفال الآخرين يفعلون ذلك.

تحركات الأهالي

قالت فيرنيهو: "أنشأنا مجموعة على (الواتس آب) يُشاركنا أعضاؤها الشعور نفسه، بأن الأهالي يقومون بشكل لاشعوري بمنح الهواتف إلى أطفالهم دون أن يتساءلوا عن أسباب ذلك". وعندما نشر صديق عن هذا التجمع على "انستغرام"، انتشرت المجموعة بسرعة هائلة. وانضم إليها حوالي 2000 شخص خلال أول يومين، ليصل إلى الحد الأقصى للمشاركين المسموح به في مجموعة الـ" الواتس آب". ثم قسم الأهالي جميع المشاركين إلى 50 مجموعة إقليمية، مثل مجموعات أوكسفوردشاير وكامبريدجشاير وهامبشاير، وفي غضون أسبوع ارتفع عدد المشاركين إلى 10 آلاف عضو، حيث انقسم الكثير منها إلى مجموعات "واتس آب" على مستوى كل مدرسة.

كيف تتحكم شركات التكنولوجيا في خطاب مستخدمي الإنترنت بأميركا؟

يوجد الآن حوالي ثلاثة وسبعون من أولياء الأمور في مجموعة أنشئت لمدرسة ابنة فيرنيهو الابتدائية، يمثلون حوالي ربع التلاميذ هناك. تُشير فيرنيهو إلى أن عدداً كبيراً من الأهالي أعربوا عن ارتياحهم لوجود آباء آخرين يرغبون في تأجيل شراء الهواتف حتى يكبر أطفالهم، بأن يبلغوا من العمر 14 عاماً مثلاً.

تهدف فيرنيهو إلى إقناع 30% من أولياء الأمور في كل مدرسة ابتدائية في البلاد بالالتزام نفسه، ما يخلق إحساساً أكبر بالاختيار فيما بينهم وبين أطفالهم. وتقول فيرنيهو "إذا بلغت نسبة الأهالي الذين يؤجلون شراء الهواتف الذكية لأطفالهم واحداً من كل ثلاثة، فأنت لست وحيداً تماماً في هذا القرار".

التزامات المدارس

تقود المدارس أنشطة شعبية مماثلة في أميركا، إذ وجدت أن انتشار هذه الأجهزة في الفصول الدراسية يعوق عملية التعلم والعلاقات الاجتماعية بين الطلاب. ربما اكتسبت هذه الجهود زخماً وأهمية واسعة بعد أن حذر الجراح العام الأميركي في 2023 من أن وسائل التواصل الاجتماعي تنطوي على "خطر عميق بإيذاء" الأطفال. في نفس الوقت تقريباً، أصدرت ولاية فلوريدا قانوناً يجبر المدارس العامة على حظر الهواتف الذكية في أوقات الدرس، كما يجري تشجيع حظر المدارس للهواتف على مستوى البلاد أو فرضه بموجب القانون في المملكة المتحدة وإيطاليا والصين.

تقسيم منصات التواصل الاجتماعي قد يكون الأمل الوحيد لإنقاذها

واصل نشطاء مثل إيما ليمبكي، وهي طالبة جامعية بدأت حركة "لوغ أوف" (LOG OFF) لمساعدة الشباب على إقامة علاقات صحية مع وسائل التواصل الاجتماعي، والضغط باستمرار على السياسيين وزيادة الوعي بين المراهقين حول التوقف عن استخدام الهواتف الذكية، أو استخدامها بدون تطبيقات التواصل الاجتماعي.

وبالطبع، لا يمكن لالتزام المدارس وأولياء الأمور والتلاميذ بتأخير استخدام الهواتف أن يتجاوز هذه الحدود. لكن هذه التكنولوجيا صُممت بطريقة تدفع الناس إلى إدمانها. ولذلك، من المشجع أن نرى مزيداً من المشرعين يعالجون جذور المشكلة من خلال وضع قواعد طموحة لتنظيم استخدامها.

تحرك الحكومات

قدمت الحكومة الكندية يوم الإثنين (الماضي) قانوناً سيجبر شركات التواصل الاجتماعي على مراقبة وتنظيم وإزالة المحتوى الضار بشكل أفضل. المعروف باسم قانون "الأضرار عبر الإنترنت"، حيث سيجعل منصات مثل "تيك توك" و "انستغرام" مسؤولة عن تقليل تعرض الأطفال للمنشورات التي تتنمر على الأطفال أو تؤذيهم جنسياً، أو التي تحرض على التطرف أو العنف أو الكراهية.

يشبه هذا القانون "قانون سلامة الإنترنت" الرائد في المملكة المتحدة، الذي يمنح شركات التكنولوجيا "واجب الرعاية" لمنع إلحاق الضرر بالمستخدمين، مستلهما في ذلك قانون الصحة والسلامة للمساعدة في تجنب انتهاك حرية التعبير. صُمم مشروع قانون أمان الأطفال على الإنترنت المقترح من الحزبين في أميركا وفق مبادئ مماثلة. (على الرغم من وجود أكثر من 60 مؤيداً للقانون في مجلس الشيوخ، فإنه لا يزال يواجه حالة من الشك والغموض في مجلس النواب).

"تويتر" وترمب وكيف يُدار المحتوى عبر الإنترنت؟

وتعتبر كل هذه الخطوات علامات على التقدم وليس ذعراً أخلاقياً جديداً، كما يزعم البعض. وعلى الرغم من حقيقة أن القرن 18 شهد شكاوى تتعلق بالروايات التي تدفع الشباب نحو السلوك المدمر، أو المخاوف الحديثة بشأن ألعاب الفيديو وأغاني الراب والرسوم الهزلية، فإن أدوات هذا العصر مختلفة اختلافاً جوهرياً.

كما تعتبر نسبة الحصول على الهواتف الذكية لا مثيل لها في التاريخ، حيث تقدم محتوى غير محدود تقريباً. وغالباً ما تستخدم التطبيقات تكتيكات نفسية مثل تحريك الشاشة إلى مالانهاية ومكافآت مختلفة لتشجيع السلوك القهري. لا عجب أن الأميركيين يتفقدون هواتفهم نحو 144 مرة يومياً في المتوسط.

قد يستغرق الأمر بضع سنوات أخرى قبل أن تتحول الأعراف الاجتماعية إلى حالة صحية أكثر وتدخل القوانين الجديدة حيز التنفيذ، إلا أن جهوداً حاسمة بُذلت في جميع المجالات مؤخراً ليبدو المستقبل أكثر تفاؤلاً من ذي قبل.