لماذا لا تستمع "بوينغ" لتحذيرات سلامة الطائرات؟

مسؤولو الشركة التنفيذيون تجاهلوا وأسكتوا المهندسين الذين حذروا من وجود مشكلات منذ عدة سنوات

البلاستيك يغطي الجزء الخارجي من قطعة انفصلت من بدن الطائرة أثناء رحلة شركة "ألاسكا إيرلاينز" رقم 1282 بالطائرة "بوينغ 737-9 ماكس" في 7 يناير 2024 في بورتلاند، أوريغون
البلاستيك يغطي الجزء الخارجي من قطعة انفصلت من بدن الطائرة أثناء رحلة شركة "ألاسكا إيرلاينز" رقم 1282 بالطائرة "بوينغ 737-9 ماكس" في 7 يناير 2024 في بورتلاند، أوريغون المصدر: غيتي إيمجز
Sarah Green Carmichael
Sarah Green Carmichael

Sarah Green Carmichael is an editor with Bloomberg Opinion. She was previously managing editor of ideas and commentary at Barron’s, and an executive editor at Harvard Business Review, where she hosted the HBR Ideacast.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أغرب ما في أزمة شركة "بوينغ" أن كثيراً من الناس توقعوا حدوثها– وحاولوا أيضاً أن يمنعوها. فمشكلة الأمن والسلامة التي تعاني منها شركة صناعة الطائرات اتضحت تماماً منذ وقوع حادثي الطائرتين من طراز "737 Max" في أواخر عام 2018 وأوائل 2019، اللذين أوديا بحياة 346 شخصاً.

وحذّر مهندسو شركة "بوينغ" مديريها من احتمال وجود مشكلات تتعلق بالجودة منذ فترة طويلة تعود إلى عام 2001. ومع ذلك، لا شك أن المسؤولين التنفيذيين في "بوينغ" لم يستمعوا لهم، وأن دوي حادثتي الطائرتين "737 Max" على ما يبدو لم يكن عالياً بما يكفي لأن يستقيظوا.

وخلال العام الحالي حتى الآن، انفجرت لوحة من طائرة "بوينغ" بطريقة دراماتيكية، وقال كل من رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة إنهما سيتنحيان عن منصبيهما، وانخفض سعر سهم الشركة بنسبة 27%. فلماذا إذاً لم يلتفت من يشغلون المناصب التنفيذية العليا إلى المهندسين الذين حذروا من مشكلات تتعلق بالسلامة؟ لماذا أسكتوا -وفقاً للمبلغين عن المخالفات- أولئك الموظفين وتجاهلوهم؟ هذه هي الأسئلة الأكثر إلحاحاً بالنسبة لفريق قيادة "بوينغ" القادم. وبدون الحصول على إجابات واضحة، فإن مصير المديرين التنفيذيين الجدد حتماً أن يكرروا أخطاء أسلافهم.

مشاكل "بوينغ" تفاقم أوجاع شركات الطيران والمسافرين

يعيش معظم قادة الشركات الصناعية في خوف من أن تغافلهم مشكلة خطيرة تتعلق بالسلامة. ولعل هذا هو السبب في أن مدارس إدارة الأعمال كرست الكثير من الوقت للاهتمام بكيفية تشجيع القادة للموظفين على التحدث صراحة عن المشكلات.

مشكلة عدم إنصات "بوينغ"

لكن مشكلة "بوينغ" ليست في الحديث صراحة، بل في الاستماع والإنصات. وهو ما يضع المسؤولية مباشرة على عاتق كبار القادة. تقول إيمي إدموندسون، الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال ومؤلفة كتاب "النوع الصحيح من الخطأ: علم الفشل السليم" (Right Kind of Wrong: The Science of Failing Well)، إن الاستماع إلى الموظفين يتطلب أمرين: أولاً، مهارات التعامل والتواصل مع الآخرين– أي "الاستماع للتعلم، وطرح أسئلة المتابعة، وتتبع سلم الاستدلال بحيث يكون كل من طرفي المحادثة قد تعلم شيئاً في نهاية المطاف". وثانياً، النظم التي تفرض إجراء تلك المحادثات بصورة منتظمة.

وقد تتخذ تلك الأنظمة أشكالاً متعددة، كما يقول جيمس ديتيرت، الأستاذ في كلية داردن لإدارة الأعمال بجامعة فيرجينيا ومؤلف كتاب "اختيار الشجاعة: دليلك اليومي للشجاعة في العمل" (Choosing Courage: The Everyday Guide to Being Brave at Work). ففي طرفها الأقصى، تتخذ شكل الخطوط الساخنة للإبلاغ عن المخالفات، والشكاوى بدون ذكر أسماء الشاكين، وأمناء المظالم داخل المؤسسة. وتشمل التدابير الأكثر روتينية تلك الاجتماعات التي تتخطى المستويات التنظيمية وأحاديث الغداء مع الإدارة.

رئيس "بوينغ" التنفيذي يتنحى وسط تغييرات جذرية في الإدارة

كذلك تستطيع "بوينغ" أن تقتدي بمنافستها شركة "إيرباص" وتتبنى مجالس العمل، حيث يجتمع العمال والموظفون بانتظام مع كبار المسؤولين لضمان الاستماع إلى الشكاوى المتعلقة بالسلامة. وعلى أقل تقدير، يجب على "بوينغ" أن تتبنى اقتراح زميلتي في "بلومبرغ أوبنيون" بيث كويت وأن تضم ممثلاً لنقابة العمال إلى مجلس إدارتها.

لا يوجد نقص في الوسائل التي يستطيع كبار المسؤولين التنفيذيين من خلالها الاستماع، وليس عليهم سوى أن يبادروا إلى القيام بذلك. فلا يكفي الجلوس والاكتفاء بترديد جملة أن "بابي مفتوح دائماً"، كما تقول ميغان ريتز من كلية سعيد للأعمال بجامعة أكسفورد، ومؤلفة كتاب "تحدث صراحة، استمع" (Speak Out, Listen Up).

يكتسب ذلك أهمية خاصة في مواجهة ما أسمته عالمة الاجتماع بجامعة كولومبيا ديان فوغان "تطبيع الانحراف". طورت فوغان نظريتها بدراسة انفجار مكوك الفضاء "تشالنجر"، عندما تجاهل المديرون تحذيرات المهندسين الرهيبة ومضوا في عملية الإطلاق. لم تكن المشكلة أن المديرين كانوا أشخاصاً سيئين، بل إنهم ظنوا فقط أن المهندسين كانوا يبالغون في توخي الحذر. نعم حدث أن أُطلقت مركبات الفضائية في طقس شديد البرودة من قبل، غير أنه لم يكن أبداً بمثل برودة ذلك اليوم من عام 1986. وكذلك حدثت مشكلات في الحلقات الدائرية أثناء عمليات إطلاق سابقة وسارت الأمور على ما يرام.

"بوينغ" والاهتمام بالجودة

يبدو أن هذه الطريقة في التفكير قد أصابت شركة "بوينغ". ومع مرور الوقت، عندما يتم تصنيع الطائرات بدون اهتمام بالجودة والإتقان –وهي مشكلة حرفياً في الطائرة "787 دريملاينر" الفاشلة– ولكنها لا تسقط من السماء، تقتنع الشركة بأن عدم التركيز على الجودة والإتقان خيار قابل للتطبيق.

إن تغيير مسار التدهور في ثقافة شركة بعد استمراره لعقود يحتاج إلى مبادرات جريئة. فلا ينبغي أن يقتصر المديرون التنفيذيون على الاستماع والإنصات، بل ينبغي أن يظهروا ويوضحوا تماماً أنهم يستمعون وينصتون– وهو ما يعادل ظهورك أمام نافذة الشخص الذي تعجب به مع تشغيل مكبرات الصوت.

وتتمثل إحدى الطرق لتحقيق ذلك في نقل مقر الشركة الرئيسي إلى مكان أقرب إلى مراكز التصنيع الرئيسية في ولاية واشنطن. وقد اقترح ذلك فعلاً أحد المساهمين في وقت سابق من هذا العام، لكن مجلس إدارة "بوينغ" رفض الاقتراح. وهذا خطأ.

"يونايتد إيرلاينز" تقترب من الحصول على طائرات "إيرباص" بعد تأخر "بوينغ"

إن القرار الذي اتخذته الشركة في عام 2001 بنقل مقرها الرئيسي من سياتل إلى شيكاغو -ثم إلى أرلينغتون بولاية فيرجينيا في عام 2022- قد أصبح كارثة في تجربة الشركة. وبرر الرئيس التنفيذي آنذاك، فيل كونديت، قرار النقل الأولي بأنه سيمنع "مركز الشركة" من "الانخراط في العمليات اليومية التفصيلية". ولكن من الواضح أن ذلك الموقع تحديداً هو الذي يجب أن يتواجد فيه مركز الشركة.

الخطوة الجريئة الأخرى هي التأكد من أن الرئيس التنفيذي القادم لديه خبرة هندسية قوية. بعد عقود من توظيف محاسبين لإدارة الشركة، يجب أن يعرف مجلس إدارة "بوينغ" أن مشكلاتها ليست مشكلات محاسبية.

من المؤكد أن "الاستماع الجيد" ليس الشيء الوحيد الذي تحتاج "بوينغ" إلى القيام به. ولكن هذا هو الحد الأدنى المطلوب لتيسير التحول المطلوب في الشركة. فالخطوة الأولى هي إزالة الشمع من آذان كبار القادة.