الاستثنائية الأميركية تتجلى في سوق السندات

التباين بين المؤشرات الرئيسية للسندات يوضح اتجاه الاقتصاد الأميركي لتحقيق نمو داخلي قوي مقارنة بأوروبا

العلم الأميركي مرفرفاً
العلم الأميركي مرفرفاً المصدر: غيتي إيمجز
Mohamed El Erian
Mohamed El Erian

Mohamed A. El-Erian is a Bloomberg Opinion columnist. He is the chief economic adviser at Allianz SE, the parent company of Pimco, where he served as CEO and co-CIO. He is president-elect of Queens' College, Cambridge, senior adviser at Gramercy and professor of practice at Wharton. His books include "The Only Game in Town" and "When Markets Collide."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يفضل الكثيرون مؤشرات اقتصادية ومالية بعينها. وأعني بهذا تلك المؤشرات التي لا تحظى باهتمام كبير من القنوات التلفزيونية المعنية بالتمويل والأسواق، رغم أنها قد توفر توقعات مهمة. أحد مؤشراتي المفضلة هو التباين بين المؤشرين الرئيسيين للسندات الأميركية والألمانية، والذي بلغ مستوى ملحوظاً.

أتحدث بالتحديد عن الفرق بين عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات ونظيره في ألمانيا، الذي يُعد أيضاً معياراً لأغلب دول أوروبا. ففي بداية التداول الأربعاء الماضي، ارتفع الفرق إلى 200 نقطة لصالح الولايات المتحدة، وهو مستوى لم يُسجل إلا 3 مرات فقط منذ مطلع 2020. فضلاً عن ذلك، فقد ارتفع الفرق كثيراً في الفترة الحالية عن أدنى مستوياته خلال السنوات الثلاث الماضية عند 90 نقطة أساس، وتراجع قليلاً عن أعلى مستوياته عند 214 نقطة أساس.

تفوق الاقتصاد الأميركي على الأوروبي

هناك مستجدان مهمان سببا اتساع الفارق في الآونة الأخيرة؛ الأول أن البيانات الاقتصادية الأميركية بشكل عام تجاوزت إجماع التوقعات، والثاني أن البيانات أوضحت تراجع التضخم في منطقة اليورو بمعدل تجاوز التوقعات.

بشكل أساسي، يوضح اتساع الفارق تفوق الاستثنائية التي يتسم بها الاقتصاد الأميركي على جمود الاقتصاد الأوروبي، الذي يتجلى بوضوح كامل في التباين بين توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة 4% خلال النصف الثاني من 2024 والركود في ألمانيا. وتصاحب ذلك مع تباين في معدلات التضخم في ضوء استمرار ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة عن أوروبا، في إطار ما يعتبره كثيرون "المرحلة الأخيرة" من معركة البنوك المركزية مع التضخم.

الأهم أن ذلك التباين في عائدات السندات يكشف عن أمر آخر بخلاف البيانات الاقتصادية الحديثة، فاقتصاد الولايات المتحدة يتجه إلى تحقيق نمو داخلي قوي مقارنة بأوروبا.

الدعم الحكومي يسهم في النمو الأميركي

علاوة على كون النمو في الولايات المتحدة مدعوماً بمجموعة أكبر من الأوضاع الأولية، تشمل مرونة أكبر في عوامل الإنتاج وريادة أعمال أسرع تأقلماً، فقد نال دفعة أيضاً من زيادة التحفيز الحكومي وتركيز السياسة العامة الأكبر على القوى الدافعة للنمو الاقتصادي في المستقبل.

كذلك، فإن هيكل منظومة تمويل القروض العقارية في الولايات المتحدة يجعل اقتصادها أقل تأثراً بارتفاع أسعار الفائدة، ما أشار إليه أيضاً في الآونة الأخيرة أندرو بولز، كبير مسؤولي الاستثمار لشؤون الدخل الثابت العالمي بشركة "باسيفيك إنفتسمنت مانجمنت" في حوار مع "بلومبرغ".

الدعم الحكومي الموجه إلى 3 قطاعات بالغة الأهمية في طور انتقالي ممتد، التكنولوجيا وعلوم الحياة والطاقة، كان له أيضاً تأثير كبير كذلك، في ضوء الميزات المهمة التي تصاحب الشركات التي تُعد من أوائل "المبادرين". وفي حال تطبيق هذا الدعم بشكل صحيح، فقد يكون كافياً للحفاظ على ميزة النمو في الولايات المتحدة في المدى المتوسط، إلا أنه قد لا يكفي ليمثل قاطرة نمو كبرى لعديد من الدول الأخرى، إلا إن كثفت تلك الدول جهودها الاقتصادية والمالية معاً، إن جاز التعبير.

مخاطر الخارج على الاقتصاد الأميركي

بوجه خاص، وبالنظر إلى الأحداث الإقليمية في أوروبا والصين التي تُعد شريكاً تجارياً رئيسياً للقارة، يُستبعد أن يعطي مزيد من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة دفعة قوية لأوروبا. بل هناك احتمال أقل أن يؤثر تراجع النمو في القارة على الاقتصاد الأميركي. فلن تخرج الولايات المتحدة عن مسار النمو إلا بضغط من صدمة خارجية كبيرة، مثل خطأ آخر في السياسة النقدية يرتكبه بنك الاحتياطي الفيدرالي، أو ارتفاع أسعار النفط إلى 100 دولار أو أكثر –على سبيل المثال- بسبب الأوضاع الجيوسياسية. حينها سيتسبب ذلك في تقارب يتراجع فيه الفرق بين عائدات السندات لأجل 10 أعوام إلى 100 نقطة أساس أو أقل.

تباين العائدات عقبة أمام الاقتصاد العالمي

إن تبعات هذا التوقع على المستثمرين العالميين تتجاوز نسبة استثمار المحافظ في أسواق السندات العالمية. على سبيل المثال، يمثل التوقع علامة تحذيرية على من يسعون إلى التخلي عن الأسهم الأميركية سريعاً والاتجاه إلى الأسهم الأوروبية، وكذلك من يراهنون على تراجع الدولار.

يمكن أيضاً اعتبار التباين بمثابة عقبة أخرى أمام الاقتصاد العالمي، الذي يمر بتغيرات هيكلية ممتدة لسنوات، مثل تجديد سلاسل التوريد، وتزايد استخدام التجارة العابرة للحدود وأدوات الاستثمار سلاحاً، والاستعمال المتفاوت لأكبر ابتكارات تحسين الإنتاجية، مثل الذكاء الاصطناعي.

هل أولي أهمية أكبر من اللازم لمؤشر مالي قد يغفله كثيرون في تحليلاتهم للبيانات الأولية الدورية؟ هذا ما سيكشفه المستقبل. أما في الفترة الحالية، سأبقيه قيد التقييم المستمر.