استعدوا لنقاش حاد بين ألمانيا وبايدن حول "نوردستريم 2" المثير للجدل

المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الأمريكي جو بايدن
المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الأمريكي جو بايدن المصدر: غريتي إيمدجز
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شهر العسل الجديد العابر للمحيط الأطلسي لم ينته بعد. فالمستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل"، مثل معظم القادة الأوروبيين، لا تزال تستمتع بأجواء تنصيب "جو بايدن" الرئيس السادس والأربعين لأمريكا، فبعد سلفه الرئيس الخامس والأربعين، تمتلك ميركل بالطبع مشاعر دافئة تجاه أي شخص.

ومع ذلك، فإنها مجرد مسألة وقت - أيام أو أسابيع - قبل أن يحتاجوا إلى الخوض بحديث محرج. الموضوع سيكون روسيا، إذ لطالما كانت الولايات المتحدة وألمانيا على خلاف حول خط أنابيب شبه مكتمل سينقل الغاز الروسي تحت بحر البلطيق مباشرة إلى ألمانيا، يطلق عليه "نورد ستريم 2"، لأنه سيضاعف سعة خط الأنابيب الحالي الموجود في نفس المياه.

ما الذي يعنيه الخط الجديد لأوروبا؟

إلى جانب خط آخر يمر عبر البحر الأسود، يسمى "ترك ستريم"، يعني هذا النظام الجديد إلى منح الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، خيار الالتفاف تقريباً على جميع دول أوروبا الشرقية التي يتدفق من خلالها الغاز الروسي حالياً غرباً.

ولم يتغير الموقف الرسمي لحكومة "ميركل": فهي تؤكد أن "نورد ستريم 2"، هو مشروع تجاري بحت لا ينبغي للسياسيين التدخل فيه. علاوة على ذلك، سيكون الغاز الروسي الرخيص ضرورياً كحل مؤقت بينما تنتقل ألمانيا من الفحم والطاقة النووية إلى مصادر الطاقة المتجددة.

ولم تغير الولايات المتحدة موقفها هي الأخرى. هناك إجماع على أن "نورد ستريم 2" هو مشروع جيوسياسي، ولذلك هو مشروع كارثي. حيث إنه سيترك أوروبا الشرقية بما في ذلك أعضاء الناتو، ضعفاء من ناحية الطاقة ومن الناحية الاقتصادية، وعلى الأرجح، سيجعل ألمانيا تعتمد على خصم التحالف الغربي الأكثر وضوحاً.

هذا الرأي الأمريكي يتشاطره الجميع تقريباً - من أوكرانيا إلى لاتفيا وليتوانيا وإستونيا وبولندا. وتلك الأخيرة (بولندا) غاضبة للغاية، لدرجة أنها تحاول تعطيل المشروع بفرض غرامة كبيرة على شركة "غازبروم بي جي إس سي"، الشركة الروسية الأم لشركة "نورد ستريم 2 إيه جي" (Nord Stream 2 AG). وحتى فرنسا، التي عادة ما تكون الشريك الأقرب لألمانيا، تعارض خط الأنابيب، مثلها مثل البرلمان الأوروبي.

موقف الأحزاب الألمانية

لقد أصبحت هذه المعارضة أكثر حماساً منذ تسميم زعيم المعارضة الروسي "أليكسي نافالني"، وسجنه مؤخراً، والاعتقالات الجماعية للأشخاص الذين يحتجون من أجل قضيته في جميع أنحاء روسيا. في الماضي، كان ملاحظاً أن "بوتين" لا يبالي بالعقوبات الغربية، لكن العديد من الأوروبيين يعتقدون أن إيقاف خط أنابيب استراتيجي قد يلفت انتباهه.

وفي هذا السياق، فإن عناد ألمانيا الخالي من الحساسية يدعي للقلق، فالدعم لخط الأنابيب يأتي بشكل غير متناسب من حزبين: الحزب الاشتراكي الديمقراطي من يسار الوسط وحزب اليسار "المتطرف"، الذي ينحدر من الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية، كلاهما لديه تقاليد مناهضة لأمريكا والروسوفيليا (حب روسيا).

إنهم يحبون التظاهر بسخرية بأن موقف الولايات المتحدة هو موقف محض مضمونه المساعدة في تصدير الغاز الطبيعي المسال الأمريكي (LNG) ، وهو نوع الغاز الأغلى سعراً من غاز الأنابيب. وفي الواقع، فيما يتعلق بهذه المسألة، لدى المصالح التجارية الأمريكية - التي كانت عاملاً مهماً لسلف "بايدن"، "دونالد ترمب" - اعتباراً بسيطاً في واشنطن، وليست ذات اعتبار على الإطلاق لحلفاء ألمانيا الآخرين.

"إمبريالية اقتصادية"

وهكذا تستمر التوترات في التصاعد بين الولايات المتحدة وألمانيا، والتي هي عادةً أٌقرب الحلفاء. فلأكثر من عام، كانت واشنطن تهدد بمعاقبة الشركات التي لها علاقة في بناء خط الأنابيب، مما تسبب في انسحاب معظمها ووقف المشروع في الواقع. وفي الشهر الماضي، فرضت الولايات المتحدة أولى العقوبات على شركة تمتلك سفينة لتمديد الأنابيب.

ومن أجل مقاومة هذه "الإمبريالية الاقتصادية"، كما يسميها بعض الألمان، أنشأت ولاية مكلنبورغ-بوميرانيا الغربية، حيث يصل "نورد ستريم 2" إلى اليابسة، هيكل دفاعي مشكوك به لأبعد درجة. ويصادف أيضاً، أن المنطقة تضم أنصار "ميركل". لكن، يجب ذكر أن القوة الدافعة وراء هذه المبادرة هي "مانويلا شفيزيغ"، رئيسة وزراء الولاية، وهي ديمقراطية اجتماعية موالية لروسيا ولدت ونشأت في ألمانيا الشرقية.

إن هذا الهيكل هو مؤسسة عامة لديها مهمة رمزية (ومثيرة للسخرية) تتمثل في حماية المناخ والبيئة. لكن "مكلنبورغ" تبرعت فقط بمبلغ 200 ألف يورو (240,520 دولاراً) لهذه المهمة، في حين أن 20 مليون يورو تأتي من مشروع خط الأنابيب، وبالتالي شركة "غازبروم". وتسمح لوائح المؤسسة أيضا لـ"نورد ستريم 2" باقتراح المدير العام واختيار عضوين من أعضاء مجلس الإدارة.

لذلك فإن المؤسسة تهدف فعلياً إلى التحايل على الضغط الأمريكي، عبر استخدام الدروع القانونية التي يمنحها القانون الألماني لمثل هذه الكيانات، حيث إنه يمكنها شراء وتخزين المواد والآلات اللازمة لإنهاء خط الأنابيب للحفاظ على عملية البناء على الرغم من العقوبات الأمريكية.

سر التمسك الألماني

لكن النبأ السار هو أن هذه التحركات تحولت إلى فضيحة حتى في ألمانيا، حيث إن جماعات الضغط البيئية تقاضي المؤسسة في عدة محاكم، واصفة إياها بـ "المهزلة" و"التمويه الأخضر".

الأكثر تشجيعاً، أن حزب الخضر الذي يشكل ثلث أحزاب يسار الوسط في ألمانيا، قد وجد أخيراً بوصلته الأخلاقية والجيوستراتيجية. حيث إن زعماؤه يطالبون "أنالينا بربوك" و"روبرت هابيك"، بوقف "نورد ستريم 2". وبين الديمقراطيين المسيحيين التابعين لـ"ميركل" والديمقراطيين الأحرار الأصغر حجماً، هناك أيضاً حركات ضد المشروع.

ولكن، يبقى هناك لغزاً واحداً: لماذا تتشبث "ميركل" بخط الأنابيب؟ إنها ليست ساذجة فيما يتعلق بأساليب "بوتين"، كما أن "نافالني" على قيد الحياة، إلى حد كبير، بسبب قرارها بنقله إلى ألمانيا لتلقي العلاج بعد تسممه في روسيا.

إن افتراضي هو أنها تتمسك بـ"نورد ستريم 2" للحفاظ على السلام الهش في تحالفها مع الاشتراكيين الديمقراطيين. لكنها تعلم أيضاً أن هذه الشراكة ستستمر فقط حتى الانتخابات الفيدرالية في سبتمبر. وعند هذه النقطة ستتقاعد "ميركل" وتتولى حكومة جديدة زمام الأمور. إن السيناريو الأكثر ترجيحاً حول الانتخابات المقبلة، هو بقاء الديمقراطيين المسيحيين في السلطة، لكن هذه المرة بالشراكة مع حزب الخضر.

ربما يكون الوضع الحالي، الذي هو عبارة عن طريق مسدود ومعلن في الآن ذاته، يناسبها. إنه يساعد في إبقاء "بوتين" تحت السيطرة، حيث يجب أن يقلق بشأن 11.4 مليار دولار التي أغرقها المشروع تحت بحر البلطيق. كما يسمح لها بمواصلة التحدث مع "بايدن" حول مجالات التعاون الأخرى، من إزالة الكربون إلى الدفاع، قبل اتخاذ قرار بشأن خط الأنابيب.

وفي اللحظة المناسبة، كما هي تعلم، يمكن لحكومة خضراء محافظة جديدة أن تعلن بوضوح، أن خط الأنابيب هذا لم يكن يجب بناؤه أبداً، ولن يمر فيه أي شيء أبداً سوى الهواء.