غورغييفا تستهل ولايتها الثانية بتحديات موروثة وتفاقم الضبابية في اقتصاد العالم

من دون تصحيح المسار يتجه العالم نحو "العشرينيات الفاترة"

مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا في دافوس
مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا في دافوس المصدر: بلومبرغ
المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما بدأت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا ولايتها الأولى، لم يتوقع أحد أن العالم سيضطر لمواجهة كم هائل من الأزمات العالمية التي عصفت باقتصادات المنطقة والعالم.

فبعد حوالي سنة من توليها منصبها في أكتوبر 2019، شهد العالم واحدة من أكبر الكوارث الصحية في تاريخه الحديث، أي فيروس كورونا، ما دفع بالاقتصاد العالمي إلى الإغلاق، وإيقاف غالبية الأنشطة الاقتصادية، وهو أمر ما نزال نعيش آثاره إلى يومنا هذا. إذ بلغت خسائر الناتج العالمي منذ عام 2020 نحو 3.3 تريليون دولار، وفق غورغييفا التي أشارت إلى أن التكاليف ستقع على عاتق أشد البلدان تعرضاً للمخاطر أكثر من سواها.

واليوم، بعد إعلان صندوق النقد تجديد ولاية غورغييفا لخمس سنوات أخرى، لا تزال الاقتصادية البلغارية أمام تبعات الكثير من الأزمات الاقتصادية التي بدأت منذ توليها المنصب، بالإضافة إلى أزمات مستحدثة ظهرت خلال ولايتها الأولى.

زيادة الموارد المالية

لعل أبرز التحديات التي يمكن أن تواجهها غورغييفا في ولايتها الجديدة تتمثل بزيادة موارد المؤسسة المالية. وأشارت خلال مشاركتها بفعاليات اليوم الثاني من مبادرة مستقبل الاستثمار السعودية في أكتوبر الماضي، إلى أن الصندوق يحتاج إلى زيادتها 50% عن مستوياتها الراهنة في ظل التحديات والصدمات المتواصلة التي يتعرض لها العالم.

التضخم وأسعار الفائدة الأميركية

من جانب آخر، ألمحت غورغييفا إلى أن التعامل مع معدلات التضخم المرتفعة سيكون مكلفاً للغاية، وأبدت قلقاً حيال سرعة رفع أسعار الفائدة حول العالم من مستويات الصفر تقريباً إلى مستويات بلغت 5% بهذه السرعة.

لا يمكن الحديث عن التضخم والفائدة من دون ذكر أسعار الفائدة الأميركية. فبعد أن ساد التوقع على نطاق واسع ببدء الفيدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة خلال يونيو، يبدو أنه غير متعجل للقيام بذلك، مع صدور تقارير تفيد بأن التضخم في الولايات المتحدة لم تتم السيطرة عليه تماماً.

أسعار الفائدة الأميركية رغم أنها شأن محلي أميركي، إلا أنها تؤثر على الدول الناشئة والصاعدة في جميع أنحاء العالم.

في دراسة نشرت العام الماضي، أشار "البنك الدولي" إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية يشكل تهديداً كبيراً لاقتصادات الأسواق الناشئة، إذ خلص إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية كان مدفوعاً بشكل رئيسي بـ"صدمات رد الفعل"، أي التي تعكس تقييمات المستثمرين بأن دالة الاستجابة لمجلس الاحتياطي أصبحت أكثر تشدداً.

"صدمات رد الفعل" تضر بشكل خاص بالأسواق المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية وفقاً للدراسة، نظراً إلى تأثيرها السلبي على مزاج المستثمرين. إذ تؤدي إلى زيادة عوائد السندات بالعملة المحلية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لمدة 10 سنوات، بالإضافة إلى اتساع هوامش المخاطر السيادية بمؤشر سندات الأسواق الصاعدة، وكبح تدفقات رؤوس الأموال، كما أنها تتسبب في انخفاض قيمة العملات وتثبيط أسعار الأسهم. كما ترتبط بانخفاض كبير في الاستثمارات والاستهلاك الخاص في هذه الاقتصادات.

معضلة الصين

هذه التحديات ليست أصعب ما سيؤرق غورغييفا، خصوصاً أن السوق ترى أن تخفيضات أسعار الفائدة الأميركي آتية لا محالة، وأن النقاش يتركز الآن بشأن موعد البدء بها.

من التحديات البارزة التي قد تواجه مديرة صندوق النقد الدولي حالة الصين التي تعاني من عدة تحديات اقتصادية قد تؤثر على مستويات النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

شددت غورغييفا التي أجرت رحلة إلى بكين نهاية الشهر الماضي، على أن الصين بحاجة إلى رسم مسار جديد لاقتصادها، من خلال اتخاذ المزيد من الحسم مع الشركات العقارية المتعثرة، وتعزيز الطلب المحلي، والمتابعة حتى النهاية في إصلاحات المؤسسات المملوكة للدولة، وحل تحديات ديون الحكومات المحلية.

وأضافت في كلمة لها الخميس الماضي، قبيل اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، أن كل هذا مهم خارج حدود الصين، نظراً لتأثيره على بلدان أخرى في آسيا وبقية العالم. وشددت على أن "اتخاذ الصين لخيارات جيدة سيكون مفيداً للجميع".

الحرب التجارية

وفي ما يتعلق بأكبر اقتصادين في العالم، فإن غورغييفا تترقب أيضاً نتائج الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل، لمعرفة ما إذا كان الرئيس السابق دونالد ترمب سيعود إلى البيت الأبيض، خصوصاً أنه معروف بسياسته الحادة مع الصين، وبالتالي قد يشهد العالم تجدداً للحرب التجارية التي أطلقها خلال فترة ولايته الأولى.

ورغم أن الرئيس الحالي جو بايدن لم يأخذ مساراً مختلفاً كثيراً في هذا الموضوع عن ترمب، إلا أن فترة رئاسة ترمب شهدت تأزم العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم، في حين أن إدارة بايدن لا تزال تحافظ على خطوط التواصل.

اقرأ أيضاً: يلين: كل الخيارات مطروحة رداً على طاقة التصنيع الفائضة في الصين

أوروبا المريضة

أوروبا ليست بوضع مثالي هي الأخرى، فألمانيا تعاني لتسجيل نمو على مستوى العام، مع استمرار ضعف الطلب، إضافة إلى تأثرها من الضعف في الاقتصاد الصيني، وعدم حصولها على الغاز الروسي الرخيص، بعدما قررت وقف الاعتماد عليه نتيجة حرب الكرملين على أوكرانيا.

ظهرت بوادر الأزمة الأوروبية على لسان رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل في مارس الماضي، إذ قال إن "الحديث يدور دائماً عن أن ألمانيا رجل مريض.. وما يقلقني أكثر من ذلك أن أوروبا تمرض".

اقرأ أيضاً: ألمانيا هي رجل أوروبا المريض ولكن الآخرين أيضاً يعانون

"العشرينات الفاترة"

هذه الظروف ستؤثر من دون شك على النمو العالمي، إذ رجح "صندوق النقد" أن يرفع توقعاته لمعدلات النمو العالمية عن 3.1% خلال هذه السنة و3.2% العام المقبل، إلا أنها مع الرفع المرتقب خلال أيام، لا تزال "أقل كثيراً من المتوسط التاريخي"، وفق غورغييفا.

وأضافت: "بدون تصحيح المسار، فإننا نتجه بالفعل نحو "العشرينات الفاترة"، أي نحو عقد بطيء ومخيب للآمال".

مستويات الديون

يواجه الصندوق أزمة على صعيد ملف ديون الدول الناشئة التي وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بأكثر من 100 تريليون دولار، ارتفاعاً من حوالي 75 تريليون دولار في عام 2019 وفقاً لمعهد التمويل الدولي، بالإضافة إلى ملف الديون الخاص بالدول الفقيرة.

اقرأ أيضاً: قروض صندوق النقد العالمية تصعد لمستوى قياسي فوق 150 مليار دولار

غورغييفا أشارت أيضاً في كلمتها الخميس الماضي، إلى أن اتجاه ارتفاع مستويات الديون بدأ منذ أكثر من عقد، في فترة ممتدة سادت فيها معدلات فائدة منخفضة للغاية. واليوم، نحن في حقبة تزيد فيها أسعار الفائدة بكثير عن كل ما مضى. وهذا الأمر يزيد بدوره تكلفة خدمة الدين.

وتابعت أنه في الاقتصادات المتقدمة، باستثناء الولايات المتحدة، سيبلغ متوسط مدفوعات الفائدة على الدين العام نحو 5% من إيرادات الحكومة هذا العام، في حين ستبلغ في البلدان منخفضة الدخل 14% من الإيرادات الحكومية، أي تقريباً ضعف مستواها منذ 15 عاماً.

العلاقة مع مصر والمغرب

عربياً، لا يختلف الوضع كثيراً، إذ من المتوقع أن تتعامل غورغييفا مع آثار أزمة البحر الأحمر وحرب غزة على اقتصادات المنطقة، وخصوصاً مصر التي واجهت أخيراً إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية، وتعد ثاني أكبر مقترض من الصندوق بعد الأرجنتين التي تعاني بدورها.

وبعدما كانت المفاوضات مجمدة لفترة طويلة، تمكنت مصر من الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد لزيادة قيمة برنامج التمويل الممنوح للبلاد إلى 8 مليارات دولار.

غورغييفا أشارت في مقابلة سابقة مع "الشرق" إلى أن الزيادة في الدعم إلى مصر ستكون ذات "حجم كبير"، وحضت صناع السياسات في مصر على التركيز على التضخم.

جمود ملفي لبنان وتونس

وبين برنامج الصندوق لإنقاذ اقتصاد مصر الذي بدأ بالتحرك وبين حث الصندوق للمغرب مجدداً على تحريك سعر صرف الدرهم، لا يبدو أن لبنان وتونس يسلكان المسار نفسه، إذ لا تزال المفاوضات مجمدة من دون أي تفاصيل عن موعد صرف شرائح إنقاذ الاقتصادين اللذين يعانيان، وسط شبه جمود في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من البلدين.

مكتب إقليمي في الرياض

قد يكون موضوع توطيد العلاقات مع دول المنطقة أحد الأسباب التي دفعت الصندوق إلى الإعلان عن فتح مكتب إقليمي للصندوق في السعودية، إذ قالت غورغييفا في بيان صدر عن الصندوق في أكتوبر 2022 إن المكتب الإقليمي للصندوق في العاصمة السعودية "سيقود انخراط صندوق النقد مع المؤسسات الإقليمية، وتوثيق العلاقات مع السلطات في بلدان المنطقة، والمساعدة على توسيع نطاق أنشطة الصندوق في مجال تنمية القدرات، ما يجعل المملكة أحد أكبر المساهمين بنشاط الصندوق على مستوى العالم".

الذكاء الاصطناعي

هذه التحديات الآنية، تترافق مع تحديات أطول أجلاً تتمثل في الذكاء الاصطناعي وتأثيره على سوق العمل، إذ أشارت في كلمتها إلى أن هذه التقنية يمكن أن تؤثر على ما يصل إلى 40% من الوظائف على مستوى العالم، 60% منها في الاقتصادات المتقدمة.