صُناع السياسات سينتظرون وقتاً أطول من المتوقع لتخفيف السياسة النقدية بعد قراءات التضخم المرتفعة
كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وجمهوره العالمي الهائل يعتقدون أن 2024 سيكون عام خفض أسعار الفائدة. لكن مع استمرار ارتفاع التضخم بشكل أكثر من المتوقع، فإن هذه التنبؤات تتلاشى سريعاً. وأكد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول هذا الأمر في 16 أبريل، عندما أشار إلى أن صُناع السياسات سينتظرون لوقت أطول من المتوقع سابقاً لخفض أسعار الفائدة بعد سلسلة من القراءات اللافتة للتضخم المرتفع.
يتوقع المتداولون الآن خفض أسعار الفائدة مرة أو اثنتين فقط هذا العام. وهذا يشكل خيبة أمل كبيرة من التخفيضات الستة التي كانت متوقعة في بداية العام والثلاثة التي توقعها مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في مارس. فيما يتوقع بعض المستثمرين والاقتصاديين عدم إجراء أي خفض على الإطلاق هذا العام.
ولا شك أن تأخير تخفيف السياسة النقدية، وإبقاء أسعار الفائدة "أعلى لفترة أطول"، سيكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الأميركي، وسيتردد صداه أيضاً حول العالم.
أصبح العديد من السلع والخدمات أكثر تكلفة بعدما تجاوزت نسبة التضخم 7% خلال 2022. لكن الآن، مع تراجع التضخم مجدداً إلى ما دون 3% بشكل عام، كان ارتفاع الأسعار مدفوعاً بشكل أساسي بنقص مستمر في المباني السكنية. كذلك، تساهم أسعار السلع الأساسية وأقساط التأمين على السيارات أيضاً في بقاء التضخم فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
الاحتياطي الفيدرالي: ترسخ التضخم على رأس المخاطر المالية
يشير البعض كذلك إلى أن إعلان باول قبل الأوان عن احتمالية خفض أسعار الفائدة أثار تفاؤل أسواق المال وعزز النشاط الاقتصادي. وبالتالي إليك نظرة فاحصة على كل من هذه العوامل:
يؤثر سعر الفائدة القياسي على تكاليف الاقتراض، فإشارة باول إلى أن الاحتياطي الفيدرالي ربما يبقي سعر الفائدة عند مستواه الحالي بين 5.25% إلى 5.5% لفترة أطول يعني أن القروض لشراء المنازل والسيارات ستظل أكثر تكلفة بكثير مما كانت عليه قبل البدء في رفع أسعار الفائدة في 2022.
باول يلمح إلى تأخير خفض أسعار الفائدة بسبب رسوخ التضخم
وواقع الأمر أن متوسط أسعار الرهن العقاري في الولايات المتحدة تجاوز 7% هذا الأسبوع لأول مرة هذا العام. وتشكل تكلفة التمويل عقبة أمام الزخم الأخير في سوق الإسكان مع تراجع المشترين المحتملين عن صفقات الشراء على أمل انخفاض تكاليف التمويل. كذلك، لا يزال المعروض منخفضاً نظراً لعدم رغبة العديد من أصحاب المنازل في التخلي عن الرهون العقارية الرخيصة التي حصلوا عليها عندما كانت الفائدة تقترب من الصفر، وهذا يبقي أسعار طرح المنازل الجديدة مرتفعة.
شكل قرار باول بتأجيل خفض أسعار الفائدة مأزقاً بالنسبة لمحافظي البنوك المركزية العالمية الذين اجتمعوا لحضور اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي انعقدت مؤخراً في واشنطن. فإذا مضت بنوك مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا والبنك الاحتياطي الأسترالي قدماً في دورات التيسير النقدي الخاصة بها، فإن ذلك يعرض عملاتهم للتهاوي، مما يرفع أسعار الاستيراد ويقوض التقدم في خفض التضخم.
لكن على الجانب الآخر، ربما يتعرض النمو للخطر إذا لم تتخذ البنوك خطوة التيسير النقدي.
تصاعد الضغوط في اجتماعات صندوق النقد لإصلاح نظام هيكلة الديون
من جانبه، يخطط البنك المركزي الأوروبي لأول خفض في اجتماعه المقرر في يونيو. فيما يُرجح أن يستغرق تحول بنك إنجلترا نحو خفض الفائدة وقتاً أطول، حيث يتوقع المتداولون التخفيض الأول في الخريف. كما قال مسؤولون في بنك كندا، الذي يقترب من خفض الفائدة، إن هناك حدوداً لمدى وسرعة التحرك دون الحصول على إشارة أوضح من الاحتياطي الفيدرالي.
صرحت لوسي بالدوين، رئيسة الأبحاث العالمية لدى "سيتي غروب"، لتلفزيون "بلومبرغ"، إن "الخطر يكمن في أنه كلما طال انتظار هذه البنوك المركزية الكبرى لخفض أسعار الفائدة، زادت المخاطر التي يواجهها الاقتصاد الأساسي".
من شأن فرضية ارتفاع الفائدة لفترة أطول أن تبقي الدولار قوياً مقابل العملات الأخرى، لأن احتمالية استمرار ارتفاع الفائدة تجعل الاستثمار في الأوراق المالية الأميركية أكثر جاذبية على أساس القيمة النسبية، مما يدفع الدولار نحو الارتفاع. لذلك، مع كل ارتفاع في الدولار، تصبح الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للاقتصادات النامية، خاصة بالنسبة لتلك التي لديها ديون مقومة بالدولار، والتي يصبح سدادها أكثر تكلفة مع تهاوي عملتها المحلية.
العريان: العالم مكبل بسبب قوة الدولار والفائدة المرتفعة في أميركا
في الوقت نفسه، اضطر بنك إندونيسيا بالفعل إلى رفع الفائدة في أكتوبر بعد تراجع العملة المحلية لفترة طويلة، قائلاً إنه تدخل في أسواق العملات عقب تهاوي قيمة الروبية لأكثر من 16 ألفاً لأول مرة منذ أربعة أعوام. وبالنسبة لبعض الدول من ماليزيا إلى فيتنام، يتوقع الاقتصاديون الآن خفضاً أقل في أسعار الفائدة. لكن في حالة ماليزيا، فإن الخفض يأتي في وقت تشير فيه بيانات الإنتاج إلى أن الاقتصاد يستعيد زخمه. فيما اضطر البنك المركزي الفيتنامي إلى بيع الدولارات أيضاً لدعم عملته.