4 أسباب وراء ارتفاع البطالة في المغرب إلى أعلى مستوى في ربع قرن

الجفاف واقتصاد الظل وضعف النمو ومنهجية الإحصاء تتسب في بطالة 1.6 مليون شخص في الربع الأول

رجل يبيع الفواكه والخضراوات في المدينة القديمة بمدينة مراكش
رجل يبيع الفواكه والخضراوات في المدينة القديمة بمدينة مراكش المصدر: رويترز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ارتفع معدل البطالة في المغرب إلى مستوى هو الأعلى في نحو ربع قرن حيث بلغ 13.7% في الربع الأول من هذا العام، وفقاً لإحصاءات حديثة للمندوبية السامية للتخطيط.

في نهاية شهر مارس، وصل عدد العاطلين من العمل أكثر من 1.6 مليون شخص، بارتفاع 6% على أساس سنوي، وكانت الزيادة الكبيرة في الوسط القروي المعتمد على الزراعة.

أسباب الارتفاع في معدلات البطالة عديدة، وتتراوح بين الجفاف المستمر منذ ست سنوات، وتأثر القطاع الزراعي الذي يُشغل النسبة الأكبر من اليد العاملة، إلى تواضع معدلات النمو الاقتصادي، ناهيك عن تعاظم حجم "اقتصاد الظل" والاعتماد على منهجية التصريح في جمع المعطيات حول سوق العمل، بدلاً من اللجوء إلى البيانات والأرقام الدقيقة، بحسب خبراء.

الجفاف المستمر

يعاني المغرب منذ سنوات من تأثيرات الجفاف وتراجع هطول الأمطار بشكل كبير، وهو وضع يؤثر على أداء القطاع الزراعي الذي يسهم بنسبة 14% في الناتج المحلي.

يترتب عن ضعف هطول الأمطار اندثار مئات الآلاف من مناصب العمل، وهو ما رصدته المندوبية السامية للتخطيط من خلال فقدان 159 ألف وظيفة بين مارس 2023 ومارس من هذا العام، أغلبها في القطاع الزراعي.

اقرأ أيضاً: البطالة في المغرب تبلغ أعلى مستوى منذ 2001

شدد محمد شيكر، رئيس "مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال" في تصريح لـ"الشرق" على أن معدل هطول الأمطار وانتظامها، من "العوامل الحاسمة" في هذا القطاع الزراعي الذي يوظف نحو 40% من السكان.

في مقابل القطاع الزراعي، تشهد قطاعات الصناعة والخدمات نمواً على مستوى الاستثمارات والصادرات، لكن ذلك "يبقى غير كاف"، وهو ما يفسره الخبير الاقتصادي إدريس الفينة بضعف الاستثمار الخاص.

وفي محاولة لمعالجة هذا التحدي، أقر المغرب العام الماضي، ميثاق الاستثمار الجديد الذي ينص على تقديم منح مالية قد تصل إلى 30% من المبلغ الإجمالي للاستثمار في حال توفرت فيه شروط معينة، بالإضافة إلى إطلاق عملية إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وهي إدارات حكومية تتلقى طلبات الترخيص للاستثمار.

اقتصاد الظل وضعف النمو

يشكل "اقتصاد الظل" أحد أبرز التحديات التي تواجهها المملكة، فهو يقدّر بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 143 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية لبنك المغرب المركزي، ويشمل ذلك الأنشطة الاقتصادية للأفراد والمؤسسات التي لا تُسجل بشكل رسمي.

اقرأ أيضاً: المغرب يستهدف 3.8% متوسط نمو بين 2024 و2026

هذا الوضع يجعل فئة عريضة من العاملين في هذا الاقتصاد عرضة للبطالة بشكل أكبر، نظراً إلى أنه "موسمي بشكل عام، وهش"، وفق شيكر الذي أشار في حديثه لـ"الشرق" إلى أن "البطالة قد ترتفع إلى مستويات عليا بسبب الدور الذي يلعبه هذا الاقتصاد".

معدل البطالة في المغرب منذ عام 1999
معدل البطالة في المغرب منذ عام 1999 المصدر: الشرق

يعتبر حجم "الاقتصاد غير المهيكل" في المغرب كبيراً، فوفقاً لدراسة أعدها بنك المغرب، يبلغ حجم هذا الاقتصاد في المتوسط حوالي 25% في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حين يبلغ 17.2% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وتلعب نسب النمو المرتفعة دوراً مهماً في امتصاص البطالة وتقليص حجم اقتصاد الظل، فكلما كانت النسبة مرتفعة، يساهم ذلك في خلق عدد أكبر من الوظائف المسجلة. وقد وضعت "خطة النموذج التنموي" التي اعتمدها المغرب عام 2021 هدف الوصول بمعدلات النمو إلى 6%، لكن ما تحقق لم يتجاوز 1.3% في عام 2022، وعلى المدى المتوسط لن يتجاوز 3.5%.

حتى هذا العام، يتوقع ألا يتجاوز النمو 3.4%، فيما كانت الحكومة تعول على بلوغ النمو 3.7% المتوقعة في قانون الميزانية، وذلك نتيجة تأثر القطاع الزراعي من الجفاف بحسب نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، في مقابلة سابقة مع "الشرق".

يرى إدريس الفينة، رئيس "المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية" في تصريح لـ"الشرق"، أن ارتفاع معدل البطالة مرده بالأساس إلى ضعف النمو الاقتصادي مقارنة بالنمو الديمغرافي، ما يسفر عن عدم توازن بين مناصب المعمل المحدثة وعدد الأشخاص الذين يدخلون لسوق العمل.

إقرار حكومي

بالإضافة إلى هذه الأسباب، كشفت الحكومة عن سبب آخر قد يكون وراء ارتفاع معدل البطالة. وقال يونس سكوري، وزير العمل في جلسة أسئلة في البرلمان الاثنين الماضي، إن "القطاع الرسمي الذي يمثل العمل المأجور يزداد، لكن القطاع غير المهيكل عرف تراجعاً".

اقرأ أيضاً: وزيرة المالية لـ"الشرق": خفض توقعات نمو اقتصاد المغرب إلى 3.4% بسبب الجفاف

وأوضح الوزير المغربي أن عدداً من الذين يعملون لحسابهم الخاص توقفوا عن التصريح عن عملهم، بهدف بلوغهم عتبة المؤشر التي تؤهلهم للاستفادة من دعم مالي مباشر بدأت الحكومة بصرفه منذ نهاية العام الماضي، وقدره لا يقل عن 50 دولاراً شهرياً.

بحسب الأرقام الرسمية، تستفيد من هذا البرنامج حالياً 4 ملايين أسرة، ومن المتوقع أن يكلف هذا الإنفاق 2.5 مليار دولار هذه السنة، على أن ترتفع الكلفة في السنوات المقبلة. ويندرج هذا التوجه ضمن خطة يعمل المغرب على تطبيقها تقتضي رفع الدعم تدريجياً عن صندوق المقاصة الذي يدعم أسعار السكر والدقيق وغاز البوتان.

منهجية الإحصاء

منهجية رصد تطور سوق العمل قد تكون من بين الأسباب التي تنتج ارتفاعاً في البطالة، فالمندوبية السامية للتخطيط تعتمد توزيع استمارات على عينة من 90 ألف أسرة مغربية كل ثلاثة أشهر، وهي منهجية قال الخبير إدريس الفينة إنها "باتت متجاوزة، لأن البطالة ليست تصريحاً، وإنما رغبة في العمل".

رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية ذكر أن أرقام البطالة يجب أن تعتمد على منهجية واقعية تقوم على جمع المعطيات من وكالات التوظيف أو أنظمة التعويض عن البطالة إن وُجدت، عوض الاعتماد على تصريحات تجعل الأرقام بعيدة عن الواقع.

كانت المندوبية قد أعلنت في أبريل الماضي عملية تطوير لجهاز رصد وضعية سوق العمل لضمان اعتماد المعايير الدولية المنصوص عليها من طرف منظمة العمل الدولية، حيث يرتقب أن تعيد النظر في المنهجية، وترفع العينة، وتدمج العمل الأخضر وهجرة اليد العاملة.