بنوك أميركية تحاول تبني صورة جديدة "مملة" لجذب العملاء

مصارف إقليمية أميركية تعتبر الرتابة ميزةً تباهي بها بعد انهيارات هزت الثقة في القطاع المصرفي

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في مارس، أطلقت مجموعة "بي إن سي فاينانشال سرفيسز" سلسلة إعلانات متلفزة وملصقات ترويجية عمّت فروعها، لتؤكد أنها "مملة بوضوح". كما تباهى تيم سبينس، رئيس "فيفث ثيرد بانكورب" التنفيذي، خلال مؤتمر هاتفي في أبريل بأن نتائج المصرف كانت "مملة"، ووصف فرانك نامدار، كبير مسؤولي الائتمان لدى "كولومبيا بانكينغ سيستم"، محفظة القروض العقارية للشركة في 25 أبريل بأنها "مضجرة إلى حد كبير حقاً، وهذا ما يود شخص مثلي أن يراه".

قبل عام، حين وجدت المصارف المحلية نفسها تحت الأضواء، كان القطاع المصرفي بعيداً كل البعد عن الرتابة. كان الانهيار الخاطف لمصرف "سيليكون فالي بنك" واثنين من المصارف الإقليمية الكبرى لمحةً مرعبةً عن قطاع مالي أقل رتابة، لأن هذا القطاع مبني على الثقة، أي الاعتقاد بأن ودائع العملاء ستكون آمنة.

استعادة الثقة

خلال بضعة أيام جنونية في مارس 2023، انهار "سيليكون فالي بنك" وبات تحت الحراسة القضائية. رغم أن الحكومة تدخلت لتضمن كل الودائع في المؤسسات المصرفية المتعثرة بما يفوق سقف التأمين المعتاد، فقد نأى المستثمرون عنها وتزايد عدد الشركات والمستهلكين القلقين الذين نقلوا تعاملاتهم إلى مؤسسات عملاقة مثل "بنك أوف أميركا" و"سيتي غروب" و"جيه بي مورغان".

سبب ذلك منافسةً حادةً بين المصارف الأصغر حجماً، التي شهدت تقلّص هوامش أرباحها مع ارتفاع أسعار الفائدة التي يدفعونها على الفوائد لجذب عملاء جدد واستبقاء العملاء الحاليين.

ما أكبر درس مستفاد من الأزمة المصرفية الأميركية الأخيرة؟

الآن تعمل المصارف الإقليمية على إعادة بناء الثقة والتأكيد بشتى الطرق أنها ليست مثل الشركات التي تملكها الغرور فانهارت. يسعى القطاع لتبني صورة جديدة يظهر فيها مضجراً ومملاً. قال مايك مايو، المحلل في "ويلز فارغو" الذي تتبع القطاع لعقود: "ينبغي أن يكون القطاع المصرفي مملاً بدرجة مشاهدة الماء يتدفق من صنبور".

قطاع يتسم بالرتابة

استخدم المسؤولون التنفيذيون والمحللون في القطاع المصرفي كلمة "ممل" ما لا يقل عن 12 مرة في مؤتمرات إعلان الأرباح هذا العام، وهو ضعف استخدامهم لهذه الكلمة خلال 2022 بأكمله، أي قبل انهيار "سيليكون فالي بنك". إن أضفت مصطلحات مثل "حذر" و"محافظ" وأخذت ذلك من منظور الاضطرابات التي شهدها القطاع العام الماضي، فستجد أقوى تمسك بالرتابة منذ ما يزيد على عقد.

على سبيل المثال، في الإعلان الذي نشرته "بي إن سي"، تصف المجموعة نفسها للمشاهدين بأنها عادية جداً، ويُعول عليها لدرجة أن عملاءها ليسوا بحاجة لأن يتوخوا الحذر. قال ويليام ديمتشاك، الرئيس التنفيذي للمجموعة، إنه في حالة حدوث أزمة، فإن "البنوك الرتيبة التي تؤدي وظيفتها الأساسية تميل لأن تتفوق على البنوك التي تسعى للتصرف بشكل بطولي في قطاع ليس بحاجة لأبطال".

في السنوات الأخيرة، برز "سيليكون فالي بنك" كآلة نمو مثيرة للاهتمام. كانت قائمة عملاء المصرف تعج بالشركات الناشئة الطموحة التي تتمتع بتدفق رأس المال الجريء، وهو ما أتاح له مجموعة كبيرة من الودائع. أقرض المصرف تلك الأموال إلى آخرين أو استثمرها في الأوراق المالية التي تُعتبر آمنة. لكن مستثمري رأس المال الجريء انسحبوا في 2022، ما دفع الشركات الناشئة لسحب أرصدتها فيما بدأ التضخم بالتحليق.

ذروة الأزمة

وصل التوتر بين هذه الأطراف درجة الانفجار حين سحب مزيد من العملاء أموالهم من المصرف، واضطر "سيليكون فالي بنك" لأن يبيع تلك الأوراق المالية بخسارة. ثم أخفقت محاولة لجمع رأس المال مع انخفاض سعر سهمه. تهافت المودعون على سحب مليارات الدولارات الإضافية، وسقط المصرف فوقع تحت الحراسة القضائية. وسرعان ما واجه المصير ذاته كل من "سيغنتشر بنك" في نيويورك و"فيرست ريبَبليك بنك" في سان فرانسيسكو، اللذين هجرهما المودعون على نحو مشابه.

ينادي السياسيون والأكاديميون منذ فترة طويلة بأن تضغط الجهات التنظيمية على المصارف لكي تكون أبعد ما يمكن عن الإثارة. في أعقاب الانهيارات التي شهدتها بنوك خلال العام الماضي، قالت إليزابيث وارن، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس، لقناة "سي إن بي سي" (CNBC) إنها أرادت أن يعود القطاع المصرفي إلى "حيث ينبغي أن يكون، أي إلى الرتابة".

قال ليف ميناند، الأستاذ المشارك في كلية كولومبيا للأعمال، إنه ينبغي معاملة المصارف كما المرافق. لكن تخفيف القيود الذي بدأ في الثمانينيات سمح للمقرضين بأن يؤسسوا شبكات على مستوى البلاد ويسعوا لزيادة الأرباح عبر رهانات ذات مخاطر أكبر. قال ميناند: "أنت لا تستيقظ في أحد الأيام فيساورك القلق بأن شركة الكهرباء ستنهار. كان هذا حال البنوك في ما مضى".

أثر السمعة

إن مدّ وجزر الثقة بالمصارف عادةً يرتبط بالقوة المتصورة للقطاع المالي. يبين استبيان سنوي أجرته شركة "غالاب" (Gallup)، ونُشر في الصيف، أن الثقة في البنوك تتراجع إلى المستويات التي كانت عليها خلال العقد الأول من هذا القرن، حين أدت إخفاقات وول ستريت لوقوع الأزمة المالية العالمية.

عندما بدأ "سيليكون فالي بنك" يترنح العام الماضي، سعت شركة "فارمبوكس آر إكس" (FarmboxRx) بشكل محموم لسحب ملايين الدولارات من حسابها في المصرف، ثم سرعان ما سحبت أموالها من حساب آخر في مصرف "فيرست ريبَبليك" المنكوب. واليوم، تودع الشركة أموالها في مصرفَي "ويلز فارغو" و"بنك أوف أميركا" العملاقين. قالت آشلي تيرنر، مؤسسة الشركة: "لقد خذلنا مصرفان صغيران. لذا اتجهنا قطعياً نحو البنوك التي تعتبر أكبر من أن تسقط".

هل تدمّر الأزمة المصرفية الراهنة الاقتصاد؟

مؤكد أن العملاء لا يرغبون بأي قلق بشأن استمرارية مصرفهم. أما المستثمرون فقد باتت تروق لهم المصارف المحافظة ذات التوزيعات الثابتة والنمو الذي يُعول عليه، بعدما شهدوا انهيار مصارف محلية كانت تحقق نجاحاً هائلاً يوماً ما، وهو بالضبط ما يؤكده بعض العاملين في هذا القطاع منذ فترة طويلة.

قبل أزيد من عقد، نقلت بلومبرغ عن ريتشارد ديفيس، الذي كان حينها رئيساً تنفيذياً لـ "يو. إس. بانكورب" (U.S. Bancorp): "ما نزال مملين، وهذا يعني أننا لن ننخرط في أمور لا نعلم عنها شيئاً".

تصنيفات

قصص قد تهمك