الذكاء الاصطناعي يساعد في أتمتة صناعة اللحوم في أميركا

التطور في الرؤية الحاسوبية وتعلم الآلة مكّن الروبوتات من أداء بعض المهام عالية الدقة في تقطيع لحوم الأبقار والدجاج

time reading iconدقائق القراءة - 11
جهاز \"ماين رابيد\" لتسحيب العظام من صدور الدجاج في معمل تابع لشركة \"وأين ساندرسون فارمز\" في تايلر، تكساس - المصدر: بلومبرغ
جهاز "ماين رابيد" لتسحيب العظام من صدور الدجاج في معمل تابع لشركة "وأين ساندرسون فارمز" في تايلر، تكساس - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

ترعى روبوتات تدار عن بعد الماشية في منطقة السهول الكبرى في الولايات المتحدة لصالح عملاقة منتجات المزارع "كارغيل"، وتحصّر روبوتات أخرى الشحنات وتنضد ألواح التحميل في مصانع تغليف اللحوم في شتى بقاع الولايات المتحدة.

كما تستخدم شركة "وين–ساندرسون فارمر" (Wayne-Sanderson Farms) الرائدة في مجال الدواجن مجموعة آلات لتلقيح الصيصان داخل البيض، ومجموعة أخرى لتنزع أحشاءها بعد بضعة أسابيع من ذلك، ويرسم كل ذلك مشهداً يوحي بأن شركات تصنيع اللحوم في الولايات المتحدة نجحت في الانتقال من الإنسان إلى الآلة في واحد من القطاعات الأكثر تطلباً للعمالة في العالم.

لكن برغم التقدم الكبير الذي أحرزته شركات تصنيع لحوم البقر والخنزير والدجاج في أتمتة مصانعها، فإن الاعتماد على الآلة في المهام التي تؤثر مباشرة على الربحية كان أبطأ بكثير، ومن ضمنها الجزارة.

تطوّر التقنيات

حين يترك الجزارون شيئاً يسيراً من اللحم على العظم، قد يتسبب ذلك بتآكل هوامش الربح مع مضي الوقت. فعلى الرغم من أن الروبوتات ليست عرضة للإصابات والأمراض، فإن البشر أقدر على اتخاذ القرارات الفورية المرتبطة بحجم الذبيحة من بقر أو دجاج أو خنزير، وهذا يمنح الإنسان أفضلية في مهمة الجزارة الدقيقة.

قال تشيتان كابور، المشرف على الأتمتة في شركة "تايسون فودز" (Tyson Foods)، التي توضب نحو 40 مليون داجن في الأسبوع: "يكمن التحدّي الذي نواجهه في تعذّر اعتماد الأتمتة في المهام التي يمكن أن تؤثر على المردود، إذ تنخفض كفاءتنا التشغيلية كثيراً إن فعلنا ذلك نظراً لحجم الإنتاج".

لكن هذا الواقع يوشك أن يتغير. فقد وضعت التطورات الحديثة في مجال تعلم الآلة والرؤية الحاسوبية والذكاء الاصطناعي بعض المهام التي تصعب أتمتها في متناول اليد، ومنها القدرة على سحب العظام من صدور الدجاج بطريقة مثالية وتقطيع الذبائح الضخمة كالأبقار بدقة. إذا ما اعتُمدت هذه التقنية على نطاق تجاري، فمن شأنها أن تحدّ من المشاكل التي يعانيها القطاع على صعيد التوظيف، التي تجلت خلال أزمة وباء كورونا حين أفرغ غياب الموظفين رفوف المتاجر.

اقرأ أيضاً: حتى الدجاج أصبح مكلفاً جداً؟

أعلنت "تايسون" أنها طوّرت جهازاً روبوتياً مزوداً بجهاز استشعار وكاميرا يمكنه سحب عظام صدور الدجاج بطريقة أكثر كفاءة من أيدي العمال، وهذه مهمة ترتبط بهوامش ربح عالية جداً كان يصعب على القطاع في السابق أن يوليها للروبوتات.

قال كابور إن الآلة التي كانت قيد التطوير منذ عام 2015 "تجاوزت مرحلة الاختبار بأشواط"، وعرض مقطع فيديو لها خلال جولة في مركز الأتمتة التابع لشركة "تايسون" في مدينة سبرينغدايل في أركنساس. شرح: "عالجنا المشكلة الناجمة عن المهام التي يصعب العثور على موظفين لأدائها في جانب أساسي جداً في القطاع"، وقال إن هذه التقنية تخلّف كمية لحوم أقل على العظام.

شح العمال

لطالما طمحت شركات توضيب اللحوم لتحقيق الأتمتة، فمعاملها الرطبة والباردة تعاني من معدلات دوران وظيفي عالية، وغالباً ما تواجه تحديات في التوظيف. إلا أن مسألة زيادة الإنتاجية كسبت أهمية إضافية خلال فترة الوباء حين تلقى القطاع ضربة موجعة نتيجة تراجع عديد العمال، الذين أصيب كثير منهم بالمرض خلال عملهم في أماكن لا تحقق التباعد. كما عانى قطاع اللحوم الأميركي حديثاً من فائض في الإنتاج وارتفاع في كلفة العلف الحيواني، وقد أكد ذلك الحاجة لخفض الإنفاق وتعزيز هوامش الربح.

في شركة "وين–ساندرسون فارمز"، وهي مشروع مشترك متخصص في قطاع الدواجن بين "كارغيل" و"كونتيننتل غراين" (Continental Grain)، تقوم الروبوتات اليوم بنحو ثلثي عمليات سحب عظام الدجاج، بواقع ضعفي المعدل الذي كان سائداً في فترة ما قبل الوباء، بحسب كبير مسؤولي العمليات كيفن ماكدانيال.

قال: "عند تفشي فيروس كورونا وعجزنا عن تأمين العمال، اضطررنا للقيام ذلك من أجل تلبية طلب العملاء"، مشيراً إلى أن الآلات باتت الآن تقوم بعمل "مماثل إن لم يكن أفضل" من العمل اليدوي في سحب العظام من لحم الدجاج مثل الأفخاذ "في ظل تحسن التقنية أكثر فأكثر". مع ذلك، أقرّ ماكدانيال أنه في ما يخص سحب العظام من اللحم الأبيض "ما يزال التفوق على العمل اليدوي غير ممكن".

اقرأ أيضاً: العالم يفقد ولعه باللحوم.. هذه أخبار جيدة للمناخ

عامل الحجم

تقول الشركات إن الأتمتة لن تؤدي بالضرورة إلى تقليص عدد العمّال، إذ يمكن تكليفهم بمهام أخرى مثل التفقد أو، كما في كثير من الأحيان، تكليفهم بمهام من يستقيلون. تتوقع شركة "سميثفيلد فودز" (Smithfield Foods)، أكبر منتج للحم الخنزير في الولايات المتحدة، أن تنفق هذا العام أكثر من ضعف استثماراتها في الأتمتة لعام 2021. خفضت "سميثفيلد"، التي تملكها شركة "دابليو إتش غروب" (WH Group) في هونغ كونغ، عدد العمال الذين يتطلبهم تشغيل قسم الإنتاج بنسبة 6% خلال السنوات الثلاث الماضية، ما ساعدها على الحدّ من نسبة دوران الموظفين المرتفعة، حسب كيلر واتس، رئيس الأعمال في الشركة. وتضمّنت الآلات الجديدة التي طرحتها "سميثفيلد" روبوتاً قادراً على معاينة الذبائح وسحب الأضلاع من جانبي الصدر بمهارة، وهي واحدة من أصعب الوظائف التي يؤديها العمال.

قال برينت غلاسغو الذي يدير منشأة تربية دجاج تابعة لـ"وين-ساندرسون" في تايلر في تكساس حيث تساعد الروبوتات في تقطيع أكثر من 1.3 مليون داجن أسبوعياً: "علينا أن نلحق بالركب لأننا نعلم أن القوة العاملة التي كانت موجودة قبل عقدين ما عادت موجودة اليوم... والقوة العاملة بعد عقدين عاماً ستكون مختلفة عن الموجودة الآن". شرح غلاسغو أن بعض شركات توضيب الدجاج استعانت بآلات لسحب العظام قبل 15 أو 20 سنة إلا أنها عاودت الاعتماد على العمال في المهام الأصعب لأن "التقنية لم تكن قد تطورت بما يكفي".

كانت الأتمتة أبطأ في جزارة لحوم الخنزير والبقر، حيث يتفاوت حجم الذبائح بين عشرات ومئات الكيلوغرامات، ما يتطلب عملية تقطيع تتطلب ما يشبه المهارات الجراحية. شرح هانس كابات، رئيس قسم البروتين في أميركا الشمالية لدى "كارغيل" أنه على عكس تصنيع السيارات، حيث كافة القطع على خط الإنتاج متطابقة فإن "كل حيوان يختلف قليلاً عن الآخر، بالتالي لا يمكن توحيد عملية التقطيع... يجب أن تتمتع الروبوتات بأجهزة استشعار بما فيها الرؤية والإحساس والأصابع المرنة لاستكشاف مواضع التقطيع قبل مباشرة المهمة".

استثمارات جديدة

قال إنريكيه فيلارس، مسؤول التميز الصناعي في قسم البروتين في أميركا الشمالية لدى "كارغيل" إن نسبة قليلة جداً من عمليات تصنيع اللحم البقري قابلة للأتمتة سواء لأن التقنية اللازمة لم تجهز بعد أو لتعذر تطبيقها على نطاق واسع. لكن ذلك قد يتغير سريعاً مع تطور التقنية. فعلى سبيل المثال، تمكنت "كارغيل" من تركيب خطوط لنشر اللحوم في مصنعها في مدينة دودج في كنساس، تفصل اللحم عن العظم باستخدام نظام رؤية ثلاثي الأبعاد يلغي الحاجة لعمّال يقومون بما يصل إلى 3 آلاف عملية تقطيع في اليوم بواسطة منشار لحوم. كذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكشف وجود أي جسم غريب على خط الإنتاج.

أضاف: "الرؤية الحاسوبية هي الإنجاز الكبير المقبل بما أنها تمنح الحاسوب القدرة على تفسير الصور وأجزائها الدقيقة وترجمة ذلك إلى أفعال... إن الأمور تتقدم بصورة استثنائية".

خصصت شركات تصنيع اللحوم مزيداً من رأس المال للمشاريع التقنية. أعلنت "تايسون" في 2021 عزمها استثمار 1.3 مليار دولار في مشاريع الأتمتة خلال السنوات الثلاث المقبلة، بما يشمل بناء مصنع عالي الأتمتة متخصص بصناعة ناغيت الدجاج في مدينة دانفيل في فيرجينيا. قال رئيسها التنفيذي دوني كينغ إن المصنع قادر على إنتاج كميات أكبر بـ30% مع موظفين أقل بنسبة الثلث مقارنة مع مصنع مشابه ليس بنفس مستوى الأتمتة. من جهتها، أنجزت "كارغيل" 114 مشروع أتمتة، وتعمل على 120 مشروعاً آخر على امتداد كافة عملياتها في مجال اللحوم في إطار خطة بقيمة 700 مليون دولار تسميها "مصنع المستقبل".

قال واتس من "سميثفيلد فودز": "عند زيارة منشأة دجاج قد تجد أنها عالية الأتمتة، لكن حين تتجه إلى قسم لحوم الأبقار أو الخنازير قد تخيب آمالك... أعتقد أن الأمر سيختلف كثيراً خلال الخمس سنوات المقبلة".

تصنيفات

قصص قد تهمك