إعفاءات ضريبية لمراكز البيانات الأميركية في مرمى النيران

الحوافز المقدمة لهذه المراكز باتت تخضع لتدقيق أكبر من جانب الساسة الديمقراطيين والجمهوريين

time reading iconدقائق القراءة - 20
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

على مرّ السنين، أغرت الولايات الأميركية مراكز البيانات بالإعفاءات الضريبية، سعياً لجلب الاستثمارات وخلق وظائف، وكذلك للتميز عبر جذب شركات التقنية الكبرى، مثل "أبل" و"فيسبوك" و"غوغل". أما الآن، فيما يدفع الذكاء الاصطناعي تشييد مزيد منها، تخضع الحوافز لتدقيق أشد من ساسة الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

المشكلة هي أن هذه المنشآت، وهي أشبه بمراكز أعصاب العصر الرقمي، لا توظف عادةً سوى بضعة عشرات، إذ تتطلب إدارة مركز عدداً ضئيلاً من الموظفين بينهم تقنيون وطاقم أمن ومختصون بإدارة المبنى، بينما يمكن لمصنع بالحجم ذاته تقريباً أن يوظف مئات العاملين، إن لم يكن الآلاف.

كما أن الحمل الكهربائي الناشئ عن تلك المراكز يقلق منتقديها. سيرتفع استهلاك مراكز البيانات للكهرباء بمعدل سنوي يبلغ 15% حتى 2028، وفقاً لتوقعات "إس آند بي غلوبال".

تقدم أكثر من نصف الولايات الأميركية، ومنها أريزونا ونيويورك وتكساس، شكلاً من الإعفاءات الضريبية لمراكز البيانات. لكن في عديد منها، يسعى المشرعون لفرض بعض القيود. إنها معركة شاقة تضع السياسيين الذين يحصلون على دعم الجماعات المعارضة لما يسمى رفاهية الشركات والمدافعين عن البيئة في مواجهة الشركات التي تتمتع بسيولة وافرة وحلفائها في الحكومة ممن يودون أن يظهروا كداعمين لأنشطة الأعمال.

معارضة سياسية

في جورجيا، حيث تعتبر منطقة أتلانتا إحدى أسرع قواعد مراكز البيانات نمواً في الولايات المتحدة، أقرّ المجلس التشريعي للولاية في مارس مشروع قانون من شأنه أن يوقف تقديم إعفاءات ضريبية لمدة عامين بغرض دراسة تداعياتها على إمدادات الكهرباء والإيرادات المالية.

عارض حاكم الولاية براين كيمب ذلك الإجراء في مطلع مايو، محاججاً بأن تعليق التخفيضات الضريبية بداية من يوليو سيربك خطط الاستثمار وإن المجلس التشريعي صوّت لصالح تمديد الدعم قبل عامين فقط.

يضغط أحد المشرعين الديمقراطيين في فرجينيا، وهي أكبر قاعدة لمراكز البيانات في الولايات المتحدة، من أجل فرض قيود أيضاً. قدّر تقرير صدر عن المراقب المالي للولاية أن الولاية خسرت إيرادات ضريبية تبلغ تقديرياً 750 مليون دولار بسبب حوافز مراكز البيانات في العام المالي 2023 وحده.

قال تشَك هفستيتلر، السيناتور الجمهوري عن ولاية جورجيا والراعي المشارك لمشروع قانون جورجيا: "إنها تسبب خسارة أموال. تقول جماعات الضغط في أغلب الأحيان إن التخفيضات الضريبية أمر رائع وإنها توفر كثيراً من الوظائف. لكن مراكز البيانات تلك توفر وظائف محدودة في الواقع". وهو ليس الوحيد الذي طرح ذلك التقييم.

أعباء أم منافع؟

أثار عالم حوافز الشركات الغامض انتقادات جماعات السوق الحرة مثل مركز ماكيناك للسياسات العامة، إلى جانب الجماعات ذات الميول اليسارية، بما فيها مشروع الحريات الاقتصادية الأميركية. يحاجج الطرفان بأن الدعم يمثل عبئاً على الخزائن العامة وأن تكلفته عادةً تفوق المنافع الاقتصادية.

إن حساب المبالغ المنفقة على هيئة حوافز صعب لأن المعلومات ليست وافية وغالباً ما تكون موزعة بين مختلف الوكالات على مستوى المقاطعة والولاية. كما أن شركات التقنية عادةً ما تصر على توقيع اتفاقات تضمن السرية وهي تخفي شروط صفقاتها مع الولايات والحكومات المحلية.

وقالت كاسيا تارتشينسكا، إحدى كبار محللي الأبحاث في "غود جوب فيرست" (Good Job First)، وهي هيئة رقابية داعمة للنقابات: "ليس هنالك قناعة عامة بأن المعلومات ينبغي أن تتسم بالشفافية". وجد تحليل أجرته المنظمة غير الهادفة للربح في 2016 أن دعم مراكز البيانات يكلف الحكومات على مستوى البلاد نحو مليوني دولار لكل وظيفة توفرها هذه المراكز.

ليست كل المشروعات صندوقاً أسود مجهول المحتوى. في أوهايو، حصلت منشأة واحدة لـ"ميتا بلاتفورمز"، مالكة "فيسبوك"، على إعفاءات ضريبية بلغ إجماليها 35 مليون دولار على الأقل، وفقاً لتحليل من بلومبرغ استند لسجلات المقاطعة على مدى ثلاث سنوات.

إضافة لذلك، تشير التوقعات إلى أن عملاقة التواصل الاجتماعي ستتلقى إعفاءات من ضريبة المبيعات تبلغ نحو 54 مليون دولار، وفقاً لمكتب التنمية الاقتصادية بالولاية. في المقابل، فإن الشركة ملتزمة بتعيين 50 عاملاً على الأقل خلال فترة عمل المنشأة. رفضت متحدثة باسم "ميتا" التعليق على الأمر.

مكاسب ضئيلة

تبين سجلات مقاطعة فولتن أن منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، التي يملكها إيلون ماسك، حصلت في جورجيا على إعفاءات ضريبية قدرها 10 ملايين دولار على معدات الذكاء الاصطناعي لمركز بيانات تستأجره الشركة، رغم أنها لم تعين أي عاملين، إضافة إلى نحو 24 عاملاً يعملون هناك. تشير التوقعات إلى أن المنشأة ستُدر نحو 16.5 مليون دولار على هيئة ضرائب أخرى على مدى عشر سنوات، وفقاً للسجلات. لم ترد "إكس" على رسالة بالبريد الإلكتروني للحصول على تعليق.

قال تحالف مراكز البيانات، وهو تكتل يمثل القطاع، إن المكاسب للولاية والاقتصادات المحلية تفوق قيمة الحوافز. يبين تقرير للتحالف أن القطاع عيّن نحو 560 ألف عامل في 2022 بشكل مباشر. وذكر التحالف إن المراكز تعزز أيضاً إمكانية الوصول إلى إنترنت النطاق العريض في المناطق النائية وتساهم في الإيرادات الضريبية المحلية. في مقاطعة برينس ويليام بولاية فرجينيا، ولّدت مراكز البيانات ضرائب لأنشطة الأعمال والعقارات قيمتها نحو 100 مليون دولار خلال 2022، وفقاً لأحد تقارير المقاطعة.

رغم ذلك، فقد وجد تقرير نشرته لجنة الولاية عن عام 2019، أنه في حين أن الإعفاءات الضريبية ساعدت في إضافة آلاف الوظائف وساهمت في اقتصاد فرجينيا بمئات ملايين الدولارات، فإن تأثيرها كان "متوسطاً" ويعادل 72 سنتاً عن كل دولار من الحوافز. أضاف التقرير أن الإعفاءات الضريبية أخفقت في الأغلب في تحفيز النمو في المناطق المتعثرة. طلب مسؤولون بالولاية مراجعة أخرى تُنتظر نتائجها بحلول نهاية العام.

يرسم تقرير نشرته إدارة الضرائب بولاية فرجينيا في يناير صورة أكثر إيجابية، إذ تشير تقديراته إلى أن الإيرادات الضريبية التراكمية التي ستولّدها الشركة في الفترة من 2022 إلى 2027 ستناهز مثلَي قيمة الإعفاءات الضريبية.

إشارة مقلقة

قدّم المشرعون الديمقراطيون في فرجينيا مشروع قانون من شأنه أن يقلص الإعفاءات الضريبية حين تستبدل مراكز البيانات خوادم الكمبيوتر وغيرها من المعدات. عادةً ما تكون التحديثات المكلفة كل ثلاث إلى خمس سنوات. قالت المندوبة فيفيان واتس، التي قدّمت مشروع القانون: "الهدف الرئيسي منها كان تحفيز مواقع مراكز البيانات لكي توفر وظائف. لكن بالنظر إلى الطريقة التي تغير بها تلك المراكز معداتها باستمرار، هل يوجد ما يبرر ذلك حقاً؟".

وتوقع تحليل أُعدّ بتكليف من وكالة التدقيق التابعة لجورجيا في 2022 أن الولاية ستتغاضى عن إيرادات ضريبية تبلغ قرابة 435 مليون دولار بين الآن ونهاية العقد بسبب حوافز مراكز البيانات. كما أن كل منشأة مطلوب منها أن تُعيّن ما يصل إلى 25 عاملاً لتكون مؤهلة لتحصيل الدعم.

حثّ تحالف مراكز البيانات حاكم الولاية على معارضة مشروع القانون الذي كان من شأنه تعليق الحوافز، محتجاً بأن ذلك يوجه رسالة مغلوطة إلى المستثمرين المستقبليين. في رسالة من التحالف عبر البريد الإلكتروني في 1 مايو، كتب رئيسه جوش ليفي: "أن التعليق المفاجئ للبرنامج خلال العمل به سيرسل إشارة مقلقة لقطاع مراكز البيانات ومجتمع أنشطة الأعمال الأوسع".

لمن الغلبة؟

استعانت "كيو تي إس" (QTS)، وهي من كبار مشغلي مراكز البيانات، بالمدعي العام السابق لولاية جورجيا سام أولينز وبزعيم الأغلبية السابق في مجلس النواب إدوارد ليندسي للضغط ضد إقرار مشروع القانون. رفض متحدث باسم "كيو تي إس"، التابعة لشركة "بلاكستون"، الإدلاء بتعليق.

رغم ذلك، قال هفستيتلر، السيناتور عن ولاية جورجيا، إنه سيطلب على الأرجح تحليلاً للتداعيات المالية للحوافز. رفض الراعي الرئيسي لمشروع القانون، وهو النائب الجمهوري جون كارسون، التعليق على ما إذا كان سيسعى لإعادة إحيائه في الجلسة التشريعية المقبلة.

يبدو حقاً أن الغلبة حالياً للقطاع وحلفائه السياسيين، وليس فقط في جورجيا، ففي كونتيكت تعثر مسعى يدعمه نواب ديمقراطيون للحد من الإعفاءات الضريبية لمراكز البيانات، فيما تعطل أيضاً جهد في ميريلاند لدراسة كل الإعفاءات الضريبية المقدمة للشركات.

في أثناء ذلك، ضغط مشرعون ديمقراطيون في ولاية ميشيغان من أجل تقديم حوافز لمراكز البيانات، وهو إجراء سيؤدي على الأرجح إلى خفض الإيرادات الضريبية التي تتدفق إلى صندوق مخصص للتعليم بعشرات ملايين الدولارات.

زار الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضي ولاية ويسكنسن، حيث تنفق "مايكروسوفت" 3.3 مليار دولار لبناء مركز بيانات وقاعدة تدريب على الذكاء الاصطناعي، وتقول الشركة إنها ستوظف ما يفوق ألفي عامل دون احتساب عمال البناء. كان هذا الموقع مخصصاً كي تبني فيه مجموعة "فوكسكون تكنولوجي" مصنعاً، وقد حصل ذلك المشروع على دعم حجمه مئات ملايين الدولارات، وروّج له الرئيس حينذاك دونالد ترمب، لكنه لم ير النور.

تصنيفات

قصص قد تهمك