موانئ شرق الولايات المتحدة تستثمر مليارات لجذب صادرات آسيا

تسعى الموانئ الواقعة على المحيط الأطلسي لاغتنام حصص سوقية كانت تستحوذ عليها موانئ الغرب بسبب قوة التجارة مع الصين

time reading iconدقائق القراءة - 21
سفينة الحاويات \"سي إم إيه سي جي إم ماركو بولو\" تبحر قبالة شارع \"ريفر\" التاريخي ومجلس المدينة في سافانا بولاية جورجيا في 2021  - المصدر: أ.ب.
سفينة الحاويات "سي إم إيه سي جي إم ماركو بولو" تبحر قبالة شارع "ريفر" التاريخي ومجلس المدينة في سافانا بولاية جورجيا في 2021 - المصدر: أ.ب.
المصدر:

بلومبرغ

يأخذ جسر "يوجين تالمدج" التذكاري فوق نهر سافانا اسمه من حاكم حكم ولاية جورجيا منذ نحو قرن، وكان من أنصار الفصل العنصري، ويُعتبر الجسر الخرساني أثراً من حقبة قوانين جيم كرو. الجسر، الذي شُيّد قبل 33 عاماً، حديث بمعايير البنية التحتية في الولايات المتحدة. لكن التقدم الاقتصادي ورياح التجارة العالمية المتغيرة جعلاه عائقاً.

لهذا يعتزم مسؤولو الولاية أن ينفقوا 189 مليون دولار لتقصير الكابلات التي تُعلّق الجسر لرفع مستواه قدر الإمكان، إضافة لتحديثات أخرى. سيسمح الارتفاع الإضافي للسفن الأطول عمودياً أن تبلغ الأرصفة التي تتوسع آتية من مصب النهر إلى ميناء سافانا، رابع أكثر الموانئ ازدحاماً في البلاد من حيث حركة الحاويات.

إن رفع مستوى جسر "تالمدج" خطوة صغيرة ولكنها أساسية فيما تسعى فيه هيئة موانئ جورجيا لتحصل على استثمارات حجمها 4.5 مليار دولار على مدى العقد المقبل، وهو ما يمثل تحدياً مباشراً للموانئ الأميركية الثلاثة الكبرى للحاويات.

يحتفظ ميناءا لوس أنجلوس ولونغ بيتش المتجاوران في كاليفورنيا بالمراكز الأولى، لأن المسافة بينهما وبين الصين أقصر، لكن ميناء نيويورك-نيوجيرسي تفوق على ميناء لونغ بيتش ليحتل المرتبة الثانية خلال الاضطراب الذي سببته الجائحة في 2022.

منافسة محتدمة

هذا التنافس بدأ منذ عقود، لكن ثمّة قوى جديدة تعيد تشكيله. فيما يتحول مزيد من الإنتاج التصديري المتجه إلى الولايات المتحدة من الصين إلى جنوب آسيا، ترجح الجغرافيا كفة الساحل الشرقي للبلاد، الذي يتمتع بتسليمات أسرع عبر قناة السويس وعبر المحيط الأطلسي من دول مثل الهند وسريلانكا.

سيستفيد ميناء سافانا أيضاً من سلسلة عوامل محلية، منها انتقال سكاني في الولايات المتحدة إلى ولايات الحزام الشمسي التي تشهد ازدهاراً، وصناعة سيارات نامية في الجنوب، والمنشآت التي تفتقر إليها الموانئ المحشورة في أكبر مدن البلاد، إلى جانب الإرادة السياسية للتوسع.

ويعتقد غريف لينش، رئيس هيئة موانئ جورجيا، التي تشرف على ميناء سافانا وميناء رئيسي للمركبات في برونزويك بالولاية أن "الصين ستظل لاعباً رئيسياً لفترة، لكن الوضع يشهد تغيّراً، وهنالك تحول في الحصص السوقية. جميع المجالات التي تدفع الاستهلاك والنمو على جانب استيراد وتصدير الحاويات تعمل لصالحنا، ومهمتنا الآن هي أن نتأكد من أننا نستثمر كما يجب لنتمكن من التعامل مع النمو المصاحب لذلك".

تودّ جورجيا أن تركب الموجة التي أطلق عليها الاقتصاديون "إعادة العولمة"، حيث تسعى شركات مثل "أبل" و"تسلا" و"ولمارت" لتنويع سلاسل إمدادها بعيداً عن الصين. الهدف من ذلك هو أن تتفادى الوقوع في مرمى نيران الرسوم الجمركية وغيرها من الأسلحة التجارية في المواجهة الجيوسياسية بين أكبر دولة مصدّرة على أحد جانبي المحيط الهادئ وأكبر دولة مستوردة على الجانب الآخر منه.

تحقيق الاستفادة القصوى

في مؤتمر التجارة الدولية في جورجيا الذي عُقد الشهر الماضي، كانت الهند، التي ترتبط بسافانا من خلال عدة خطوط شحن أسبوعية، أحد المحاور الرئيسية. تتجنب السفن قناة السويس حالياً، إذ تتخوف من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر فتبحر حول نهاية أفريقيا جنوباً.

رغم ذلك، فإن الرحلة الأطول من موانئ مثل مومباي وموندرا وبيبافاف أقصر بثلاثة إلى خمسة أيام عن الإبحار عبر المحيط الهادئ حتى الساحل الغربي للولايات المتحدة، وفقاً لمسؤولي ميناء جورجيا.

سيتطلب تحقيق أقصى استفادة أن تستثمر الهند أيضاً وصولاً لبنية تحتية أحدث للخدمات اللوجستية، وواجهت التجارة بين جورجيا وأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعض العقبات حتى الآن. ارتفعت الشحنات من الهند إلى جورجيا 43% في 2022، لكنها تراجعت قرابة 25% خلال العام الماضي.

ارتفع إجمالي التجارة البينية 39% في 2022 إلى 6.24 مليار دولار، ثم انخفض 13% العام الماضي إلى 5.43 مليار دولار. إن مثل هذه التقلبات متوقعة في سوق ناشئة. قالت ليزان غروبالو، نائبة مفوض التجارة الدولية بإدارة التنمية الاقتصادية في جورجيا: "رغم هذه التقلبات، نحن نتبع اتجاهاً إيجابياً طويل المدى. يرجع نجاح جورجيا إلى حد كبير للاستثمارات المتواصلة في موانئ المياه العميقة في سافانا وبرونزويك والتوسعات فيها".

توسعات هائلة

تعكف هيئة الموانئ، التي تمول التوسّع من سيولتها المالية ومن سندات قيمتها نحو 1.3 مليار دولار أصدرتها على مدى السنوات القليلة الماضية، على تجديد المرافئ القائمة للحاويات في سافانا، وتعتزم تطوير مساحة تبلغ 400 فدان تملكها الهيئة على الضفة الأخرى من النهر لتصبح مراسي وساحة حاويات جديدة. نقل مسؤولو الميناء منشأة للبضائع العامة إلى برونزويك، وهي قاعدة للمركبات والمعدات الثقيلة لإفساح المجال أمام مزيد من الحاويات وتسهيل تدفقها إلى ساحة خطوط حديدية جديدة.

وتشير التوقعات إلى أن الميناءين سيحصلان على دفعة قوية في الربع الرابع من هذا العام، حين تبدأ شركة "هيونداي موتور" الإنتاج من مصنع "ميتابلانت" للمركبات الكهربائية والبطاريات الذي تبلغ تكلفته 7.6 مليار دولار. يقع المصنع على مسافة نحو 50 كيلومتراً من سافانا و130 كيلومتراً من برونزويك.

بحلول 2030، إذا نجحت خطة جورجيا، سترتفع الطاقة الاستيعابية السنوية لميناء سافانا بأكثر من 12 مليون حاوية بطول 20 قدماً، ويمثل ذلك ارتفاعاً من نحو سبعة ملايين حاوية هذا العام. من شأن ذلك أن يسمح بشحن أحجام أكبر من البضائع مقارنة مع ما سجلته موانئ لوس أنجلوس أو لونغ بيتش في أي سنة أخرى، حتى في الفترة التي كانت فيها تعمل بكامل طاقتها في ذروة الوباء. يعني ذلك أن ميناء سافانا لديه إمكانية أن يحتل المرتبة الأولى في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل.

وقال لينش: "إن إمكانيات التوسع محدودة في موانئ لوس أنجلوس ولونغ بيتش ونيويورك، فليس هنالك أراضٍ محيطة فارغة". لكن لا يبدو أن القلق يساور جين سيروكا، المدير التنفيذي لميناء لوس أنجلوس. زار سيروكا آسيا ثلاث مرات هذا العام، وتحدث إلى أصحاب البضائع وشركات النقل في المنتديات في هونغ كونغ والهند وإندونيسيا وسنغافورة وفيتنام.

تغير الحصص السوقية

خسر ميناءا لوس أنجلوس ولونغ بيتش حصة سوقية لصالح الموانئ الشرقية وموانئ خليج المكسيك مثل هيوستن العام الماضي بعد أن بحثت شركات الاستيراد عن طرق بديلة وسط مخاوف من إضراب عمال الموانئ في أنحاء الساحل الغربي للبلاد.

وبعد أن تفادت ذلك التهديد، قال سيروكا إن الميناءين استردّا أربع نقاط مئوية من خسائر حصصهما السوقية تلك، كما ارتفعت أحجام البضائع المنقولة عبر ميناء لوس أنجلوس 30% خلال الربع الأول مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وأضاف أن التجارة بين الولايات المتحدة والصين ستظل عاملاً رئيسياً حتى إن تضاءلت.

وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء في الولايات المتحدة، بلغت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة من السلع 427 مليار دولار، مقارنة بإجمالي صادرات الهند التي بلغت نحو 84 مليار دولار.

هذا العام، يأتي دور موانئ الساحل الشرقي وساحل خليج المكسيك للتعامل مع خطر إضراب عمال الموانئ الذين تنتهي عقودهم في 30 سبتمبر. قال لينش إن المفاوضات جارية، مضيفاً: "أنا واثق جداً أننا سنحل تلك المشكلة بسلام" نظراً لنصف قرن من العلاقات الجيدة مع رابطة "إنترناشونال لونغشورمِن أسوسيشن" (International Longshoremen’s Association).

وقال الجانبان في 13 مايو إن المحادثات رفيعة المستوى ستبدأ هذا الشهر، وإنهما يتوقعان أن يتوصلا لاتفاق بشأن عقد جديد لمدة ست سنوات بحلول الموعد النهائي دون وقوع أي اضطرابات توثر على عمليات الشحن، رغم أن رئيس "إنترناشونال لونغشورمِن أسوسيشن" حذر الأعضاء في الخريف بوجود احتمال إضراب في أكتوبر.

تعزيز فاعلية الموارد

قال سيروكا إن الحفاظ على ريادة ميناء لوس أنجلوس تتوقف على تعزيز كفاءة المقدرات القائمة. تستثمر لوس أنجلوس في التقنية الرقمية، وتسعى لإبقاء التكاليف منخفضة في ولاية تشتهر بارتفاع تكاليف أنشطة الأعمال.

تطور لوس أنجلوس ولونغ بيتش بشكل مشترك منشأة تحاكي مرفأً بحرياً عاملاً على مساحة 20 فداناً وتفتتح في 2029 لتدريب سائقي الشاحنات وعمال المخازن والمبرمجين، وهم من العاملين الذين كثيراً ما يقل عددهم عن الطلب.

في ميناء لونغ بيتش، قال الرئيس التنفيذي ماريو كورديرو إنه يرى المنافع في صعود فيتنام كإحدى كبرى الدول المصدّرة للولايات المتحدة. أضاف كورديرو أن ثمّة استثماراً مخططاً له على مدى العقد المقبل وحجمه مليارا دولار، خاصة في خطوط السكك الحديدية، سيدعم نمو ميناء لونغ بيتش، كما قال: "لست قلقاً بدرجة كبيرة من أننا لن نكون قادرين على المنافسة في المستقبل".

يبدو رئيسا كل من الميناءين في جنوب كاليفورنيا، التي اشتكت التجمعات السكانية المحيطة بهما لسنوات من الازدحام المروري والتلوث، أكثر تركيزاً على معيار جديد من تركيزهما على مجرد حجم مناولة الحاويات، وهو الحياد الكربوني.

وقال كورديرو: "سواء كان ميناء سافانا أو موانئ أخرى، أتوقع أنها ستواجه التحديات ذاتها فيما تواصل النمو. كيف تزيد حجم البضائع دون التأثير على المسارات المزدحمة والتسبب بها، في ظل مشاكل التلوث والصحة في التجمعات السكانية المحيطة؟".

تصنيفات

قصص قد تهمك