عام 2021 نقطة تحول للقيادات النسائية

جاسيندا ارديرن، رئيس وزراء نيوزيلاندا
جاسيندا ارديرن، رئيس وزراء نيوزيلاندا المصدر: بلومبرغ
Stefanie K. Johnson
Stefanie K. Johnson

Stefanie K. Johnson is an associate professor of management at the University of Colorado at Boulder’s Leeds School of Business and academic director of its center for leadership. She is the author of "Inclusify: Harnessing the Power of Uniqueness and Belonging to Build Innovative Teams."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصبح عدد القيادات النسائية أكبر من أي وقت مضى مع بداية هذا العام. ففي الولايات المتحدة، أصبح ربع الهيئة التشريعية تقريباً من الإناث. وأصبحت كامالا هاريس أول امرأة تتولى منصب نائب الرئيس، فيما تتولى النساء، وللمرة الأولى أيضاً، نصف حكومة بايدن-هاريس. وعلى صعيد عالم الأعمال، تحقق القيادات النسائية مكاسب أيضاً، فلأول مرة في التاريخ، تضم جميع شركات قائمة "إس آند بي 500" (S&P 500) عضوة واحدة على الأقل في مجالس إداراتها، بينما بلغ عدد الرئيسات التنفيذيات في شركات القائمة أعلى مستوى له على الإطلاق، رغم ضآلة النسبة عند 7.8% فقط في نهاية عام 2020.

ولعدة عقود بل ولعدة قرون، عملنا في إطار الصورة النمطية التي أطلق عليها الباحثون نظرية "فكّر كمدير.. فكّر كرجل"، لأنه من المفترض أن يكون جميع الرجال والقادة واثقين وحازمين ومستقلين، بينما من المفترض أن تركز النساء جميعاً على العلاقات التشاركية، والإدماج، والتشارك المجتمعي، وهي سمات مرتبطة بالأمومة أكثر من القيادة. إلا أن كل هذا قد يتغير أخيراً حيث تشير أحدث الأدلة إلى أنه يُنظر إلى النساء الآن على أنهن قيادات متساوية أو أكثر فاعلية من الرجال.

وسرّعت جائحة كورونا من التساؤلات حول ما إذا كان "أسلوب القيادة النسائية" أكثر فاعلية من الأسلوب الذكوري الاستبدادي التقليدي. فعندما تحدث الأزمة، تُظهر الأبحاث أن الحاجة إلى القيادة القائمة على العلاقات التشاركية تزداد نسبتها بينما تتضاءل الحاجة إلى القيادة القائمة على إصدار الأوامر والسيطرة. وبالفعل، أخطأت العديد من الدول التي يقودها الرجال في جهود الصحة العامة بينما كان أداء الدول التي تقودها النساء أفضل بكثير مثل نيوزيلندا، وألمانيا، وفنلندا، وأيسلندا، والدنمارك، والنرويج، وتايوان.

ولأكون واضحة، أنا لا أقول إن النساء أكثر اهتماماً بالتشارك المجتمعي بطبعهن، ولكن تتطلب توقعات الانتساب إلى جنس النساء أن تكون المرأة أكثر تعاطفاً في نهجها القيادي. وعادة لا يُجدي تبني النساء للأسلوب "الذكوري"، بل ويُنظر إليهن على أنهن يفرطن في استخدام الخشونة.

وفي الوقت نفسه، يصعب النظر إلى النساء اللواتي يتبعن أسلوب التشارك المجتمعي على أنهن قياديات لأننا غالباً ما نمتلك صورة ذهنية عن القيادي باعتباره شخصاً يتولى المسؤولية. لقد خلقت هذه النظرة تاريخياً عائقاً مزدوجاً أمام النساء.

ولكن ماذا لو أصبحت القيادة القائمة على العلاقات التشاركية المعيار الجديد؟ من المحتمل هنا أن يرتفع عدد القيادات النسائية، ولكن بغض النظر عن جنسهم، أنا أزعم أن القادة الذين يستخدمون أسلوب القيادة القائمة على العلاقات التشاركية سيحققون نتائج أفضل.

ومن الملاحظ أن تفضيل القيادة القائمة على العلاقات التشاركية في ازدياد منذ سنوات طويلة. فلقد أعلن مؤخراً الجيش الأمريكي الذي لا يشتهر بتعاطفه بشكل خاص، عن خطة جديدة لـ"إعطاء الأولوية للناس" حيث أوضح الجنرال جيمس ماكونفيل في بيان رسمي: "سيكون لدينا جيش أقوى وأكثر التزاماً عندما نعتني بشعبنا ونعامل بعضنا بعضاً بكرامة واحترام."

ما الذي تغير؟

لم تتغير القوالب النمطية. ففي الواقع، تشير الأبحاث إلى أن الصورة النمطية التي تربط بين النساء والعلاقات التشاركية لم تزدد إلا بين عامي 1946 و2018. الحقيقة هي أن التغير يكمن في مفهوم القيادة بحد ذاته.

وبتغير المفهوم نعني أن نسبة الناس الذين يفضلون القيادة من المناصب العليا إلى السفلى قد تضاءلت، كما تغيرت الصور النمطية للقيادة من مفهوم "تولي المسؤولية" إلى "الاهتمام" بشكل أكبر. وخلصت نتائج تحليل حول هذا الموضوع إلى أن القوالب النمطية للقيادة حالياً تشمل المزيد من "سمة بناء العلاقات التشاركية المقرونة بالنساء والتحلي بصفات مثل الحساسية والدفء والتفهم".

وربما تكون قد عجلت الأمثلة المتزايدة لسوء القيادة الذكورية المفرطة، من هذا التحول. فلقد أدت الرؤية السامة التي يمتلكها عدد من القادة الذكور الذين أسقطتهم حملة "مي تو" (MeToo)، إلى شعور البعض بأن هذا الأسلوب كان معيباً بشكل ميؤوس منه.

كما لم ينجح أسلوب ترمب العنتري في التغلب على وباء كورونا في استعادة الثقة، حيث كانت دعوته لعدم الخوف من الوباء ذكورية للغاية ولم تكن فعالة بشكل كبير.

وشهدت الدول التي تقودها النساء عدداً أقل من وفيات كورونا، وعدداً أقل من الأيام التي شهدت حالات وفيات مؤكدة، وذروة أقل في الوفيات اليومية. كما خلصت دراسة أخرى إلى نتائج واتجاهات مشابهة دون التعمق في دلالاتها الإحصائية. وأظهرت أبحاث في الولايات المتحدة أيضاً أن الولايات التي تحكمها النساء لديها عدد أقل من وفيات كورونا مقارنة بالولايات التي يحكمها الرجال.

ما الذي اختلف؟

باستخدام برنامج حاسوبي متخصص في التحليل النوعي لمحتوى 251 إحاطة إعلامية بين الفترة الممتدة من 1 أبريل حتى 5 مايو من عام 2020، وجد المحللون أن النساء أظهرن قدراً أكبر من التعاطف والدعم لراحة متابعيهم. فعندما يشعر العامة بأن القادة يهتمون بهم، يصبحون أكثر استعداداً للامتثال إلى مطالب التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة. إنها قاعدة التعامل بالمثل في الأساس.

كما كشفت دراسة نوعية لمجلة "بي إم جيه غلوبال هيلث" (BMJ Global Health) عن سمات مماثلة بين رئيسات الدول. فمن خلال تحليل لـ122 خطاباً لرؤساء الحكومات في جميع أنحاء العالم، تبين استخدام القادة الذكور لتشبيهات حربية وتكتيكات قائمة على الخوف عند حديثهم عن كورونا الفيروس، بينما ركزت القيادات النسائية على التعاطف والتماسك الاجتماعي من خلال التحدث عن العامة، والعائلات، والأطفال، والفئات الضعيفة. وكما قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: "الأمر ليس مجرد إحصاءات رقمية بل يتعلق بأب أو جد، أو أم أو جدة، أو شريك. هذا أمر يتعلق بالناس."

وحصلت القيادات النسائية في القطاع الخاص على تصنيفات أفضل أثناء الوباء أيضاً، حيث وجد باحث أن الموظفين فضلوا القيادات النسائية على نظائرهن من الرجال في استطلاع شمل أكثر من 800 موظف حول القادة الذكور والإناث في الفترة الممتدة بين مارس ويونيو من عام 2020. وأفادت عينة أن قياداتهن النسائية تفوقن في إيجابيتهن على الرجال، بينما أكدت عينة أخرى على تمتع القيادة النسائية بمستوى أعلى من المشاركة. وللتعرف على أسباب الاختلاف، سأل الباحثون الموظفين أيضاً عن الكفاءات القيادية الهامة بالنسبة لهم خلال تلك الفترة، فكانت جميع المهارات العامة مرتبطة بالعلاقات التشاركية؛ "الإلهام والتحفيز"، و"التواصل بقوة"، و"التعاون أو العمل الجماعي"، و"بناء العلاقات". تفوقت القيادات النسائية على نظرائهن من الرجال في كل واحدة من تلك المهارات.

ولم تكن الموظفات وحدهن اللواتي رغبن في تواجد قيادة قائمة على العلاقات التشاركية. فلقد عانى الموظفون الرجال في أماكن عملهم لفترة طويلة جداً لأنهم ظنوا أنهم بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على "النهوض" و"تقبل التعامل مع الأوامر" في حال عاملهم رؤساؤهم الرجال بفظاظة. عانى الموظفون الرجال من الاكتئاب والقلق وإدمان الكحول وحتى الانتحار بشكل أكبر من الموظفات.

ومع ذلك، لا يوجد سبب يمنع الرجال من اتباع أسلوب القيادة القائمة على العلاقات التشاركية. إلقِ نظرة على الرئيس جو بايدن الذي يتحدث بتعاطف عند ذكر وباء كورونا. إن القادة الذين يتبعون أسلوب "تحمل المسؤولية" في إدارتهم يحتاجون إلى القيام بشيء واحد فقط؛"إعطاء الأولوية للناس". كن عطوفاً، وحساساً، ودافئاً، ومتفهماً لكي تبني العلاقات ولكي تحقق التماسك الاجتماعي والإدماج والتعاون.

رسالة إلى المؤسسات

على المؤسسات أيضاً أن تتكيف مع التفضيل للقيادة القائمة على العلاقات التشاركية. اجعل الناس أولويتك القصوى، وضع الإدماج هدفاً في رؤيتك، ورسالتك، وقيمك، ثم أعد النظر في نماذج كفاءاتك القيادية.

استبدل الكفاءات التي تعتمد في قيادتها على تولي المسؤولية وإعطاء الأوامر للحضور وتحقيق النتائج، والسيطرة، بكفاءات تعتمد في أسلوبها على العلاقات التشاركية لكسب الاحترام، والإلهام من أجل تحقيق الأداء العالي، والتعاون في العمل لإنجاز المهام. ثالثاً، تذكر أن من تتم مكافأته لا يمكن نسيانه. فالقادة الذين ينجزون المهام على حساب الموظفين المجهدين المعتلين يحصلون على مكافآت رغم سوء تقاريرهم المباشرة، ولكن هذا النوع من القادة يؤدي إلى تدني نسبة إدماج الموظفين وارتفاع نسبة رحيلهم عن المؤسسة. يشجع هذا الأسلوب أيضاً على مضايقة الموظفين الطموحين وعلى تدمير ما حولهم. عليك مكافأة القادة القادرين على تطوير الأفراد والاحتفاظ بهم، والقادرين على إدماج فرق العمل، وتعزيز المشاركة.

لم تعد الصورة النمطية المبنية على نظرية "فكّر كمدير.. فكّر كرجل" قائمة بحد ذاتها، فمع بداية عام 2021، يمكننا إضافة نظرية أخرى جديدة؛ "فكّر كقيادي.. فكّر كامرأة".