التغير المناخي.. من ظاهرة تهدد الكوكب إلى سوق المشتقات

إذا آمن المستثمرون بتغيّر المناخ، سوف تتبع الحكومات خطاهم.
إذا آمن المستثمرون بتغيّر المناخ، سوف تتبع الحكومات خطاهم. المصور: "ماريو تاما" Mario Tama)/ Getty Images South America)
Leonid Bershidsky
Leonid Bershidsky

Leonid Bershidsky is Bloomberg Opinion's Europe columnist. He was the founding editor of the Russian business daily Vedomosti and founded the opinion website Slon.ru.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لن تدفع مظاهرات أطفال المدارس الحكومات إلى التحوّل نحو ملاءمة سياساتها مع علم تغيّر المناخ؛ بل إنّ تغير رأي المستثمرين هو الذي سيدفعها نحو نقطة التحوّل هذه.

إذ تُظهر البيانات أنّه وإن لم يرَ المستثمرون التغيرات الكارثية في الظروف البيئية على أنَّها مصدر قلق كبير، وحتى لو لم يظهروا أي شك بأنها كذلك، فهناك من يراهن باستمرار وبنجاح على صحة آراء العلماء بهذا الشأن.

يرجع ذلك إلى أنَّ المحافظين بوجه عام ما زالوا من المشكّكين بخصوص تغيّر المناخ حتى هذه اللحظة، ومعظم المستثمرين، في الولايات المتحدة الأمريكية خاصةً، من المحافظين. فكما قال أحد المتخصصين في الشؤون المالية للباحث في جامعة "أوبسالا" (Uppsala University) "بريت كريستوفرز" (Brett Christophers)، الذي نشر مؤخرًا دراسةً حول نظرة جهات الاستثمار المؤسسية إلى تغيّر المناخ: "لا يُدرج محللو النفط والغاز المخاطر المناخية ضمن أنظمتهم عمومًا، ومن المستبعد تمامًا أن تتخلص أيّ من تلك المجموعات من استثماراتها في شركات النفط والغاز في وقت قريب. حتى الآن، لا يزال هناك مستثمرون في الولايات المتحدة لا يؤمنون بتغيّر المناخ؛ بل إن هؤلاء وبصراحة لا يبالون بتغيّر المناخ مطلقًا".

العائد المالي الواضح ركيزة إقناع المستثمرين بمسألة تغير المناخ

استندت دراسة "كريستوفرز" إلى مقابلات مع مسؤولين تنفيذيين في شركات استثمار تُدير استثمارات بمبالغ تتجاوز مليار دولار، وكشفت عن أنَّ أولئك الممولين غير مهتمين ببيع أصولهم من الوقود الأحفوري، ولا يرون أن إدراج تغيّر المناخ في نماذجهم قد يدرّ لهم أرباحًا، و حتى إن اعتبروا هذه الظاهرة خطرًا، فهو بالنسبة لهم ليس سوى خطر واحد من مخاطر أخرى كثيرة.

دفع ذلك "كريستوفرز" إلى الاستنتاج بأنَّ جماعات الضغط البيئية والسياسيين التقدميين لن يتمكنوا من إقناع حشود المستثمرين إلا إذا رأوا عائدًا ماليًا واضحًا من وراء مراعاة تغيّر المناخ. أمَّا في ظل الظروف الراهنة، فليس للاستدامة دور أساسي حين يتعلّق الأمر باتخاذ قرارات الاستثمار، وذلك وفق دراسة أجرتها شركة "شرودرز بي إل سي" لإدارة الأصول (Schroders Plc) في عام 2018.

وفي مقابل الاهتمام الطبيعي للمستثمرين برؤية المكاسب المالية قبل أي شيء آخر، هناك ورقة بحثية أخرى نُشرت في فبراير 2019 تشير إلى أنَّ هناك جزءًا من مجتمع المال على الأقل يهتم جديًا بعلوم المناخ، فقد درس الباحثان "ولفرام شلنكر" (Wolfram Schlenker) و"تشارلز تايلور" (Charles Taylor) من جامعة "كولومبيا" (Columbia University) في ورقة بحثية سوق التداول على مؤشرات مشتقات الطقس في الولايات المتحدة في الفترة من عام 2002 حتى عام 2018، وقارنا كيفية تسعير المستثمرين لتوقعات درجات الحرارة لشهر معين بدرجات الحرارة التي توقعها علماء المناخ تبعًا لتأثيرها على النشاط البشري.

أسواق المال الأكثر كفاءة تقر بالتغير المناخي

وجد "ولفرام شلنكر" و"تشارلز تايلور" ما هو أشبه باتفاق تام في الرأي بين المتداولين والعلماء؛ حيث ورد في ورقتهما البحثية ما يلي:

"يشير الاتجاه السنوي المُلاحظ في أسعار العقود المستقبلية إلى أنَّ الأسواق المالية، التي يُفترض أنَّها تتسم بالكفاءة، تقرّ بازدياد الاحترار المناخي، وعلاوةً على ذلك، كانت النماذج المناخية دقيقة للغاية في توقع متوسط تجاه الاحترار المناخي المُلاحظ في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، حتى الآن على الأقل، ولكن حين يتعلّق الأمر بالأموال، فمن المستبعد أن يرغب أي طرف في المراهنة ضد إجماع العلماء".

ربما يُعد ذلك استنتاجًا مفرطًا في التفاؤل؛ لا سيما وأنَّ سوق صناديق المؤشرات المتداولة والخيارات للطقس صغيرة للغاية وغير سائلة (أي من الصعب بيعها بناءً على سعر السوق في أي لحظة)، فضلاً عن أنَّ مليارات الدولارات من تلك المشتقات يجري تداولها خارج البورصة، وتستخدمها في الغالب شركات إعادة التأمين، علمًا بأنَّ هناك تقديرات تُشير إلى أنَّ 30 بالمئة تقريبًا من اقتصاد الولايات المتحدة يتأثر مباشرةً بالطقس.

سوق مشتقات الطقس

مع ذلك، ما زالت سوق مشتقات الطقس مجالاً متخصصًا للغاية بالنسبة لغالبية المستثمرين؛ إذ إنَّ المتداولين المتخصصين في تلك الأدوات يجب أن يكونوا على دراية بما يحدث في مناخ الكوكب أكثر من غيرهم من المتخصصين في الشؤون المالية. كما لا يوجد سبب يجعل المشككين في تغيّر المناخ يكلّفون أنفسهم عناء مخالفة الاتجاه العام للمستثمرين والمراهنة على عقود بالكاد تكون سائلة.

ومع ذلك، ينبغي للمستثمرين أن يهتموا أكثر بما يحدث في أسعار مشتقات الطقس؛ خاصةً وأنّ وجود السوق منذ 20 عامًا ما هو إلا أكبر دليل على أنَّ المراهنة ضد نماذج المناخ المُجمع عليها ليست مربحة، ولكن يجب أن تكون آثار ذلك أوسع نطاقًا، فإذا كانت سوق المشتقات تؤكد التوقعات، فعندها لابد من اعتبار التخلص من أسهم الوقود الأحفوري والبحث عن فرص أكثر استدامة من الاستراتيجيات المنطقية والمقبولة؛ فقد يكون مقدار الخطأ في تسعير الأسهم المُعرضّة للمخاطر المناخية أكبر من ما يعتقده الكثيرون.