النقل العام بأمريكا يراهن على تقنيات الدفع غير التلامسي لجذب المستخدمين

رهان على منظومة الدفع غير التلامسي في وسائل النقل العام
رهان على منظومة الدفع غير التلامسي في وسائل النقل العام المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعد شركة "مونتيري ساليناس ترانزيت" واحدة من بين أكثر من 300 مشغل لخدمة حافلات نقل الركاب في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. كما أن مجال عملها ليس حضريا ولا ريفيا بالكامل. ويمكن أن يمثل ركابها عينة حقيقية لسكان ولاية كاليفورنيا، فمن بينهم عمال المزارع في "وادي ساليناس"، والسياح الأثرياء من "بيغ سور"، والمسافرون في مطار "سان خوسيه"، بالإضافة إلى الأفراد العسكريين، وطلاب الجامعات، وعمال قطاع الضيافة وغيرهم. جميعهم يتنقلون في المنطقة التي تغطيها الخدمة، على مساحة تبلغ حوالي 760 كيلومترا مربعا. (كان هذا على الأقل في أوقات ما قبل الجائحة، قبل أن ينخفض ​​عدد ركاب وسائل النقل بنسبة 50% تقريبا).

هذه الخصائص جعلت وكالة النقل "مونتيري ساليناس ترانزيت" تلعب دورا رائدا في جهود ولاية كاليفورنيا، الرامية لتحديث طريقة السكان في السداد مقابل خدمة النقل. ومن المقرر إطلاق برنامج تجريبي للخدمة الجديدة لمدة 6 أشهر خلال شهر فبراير الجاري مع إعلان تفاصيل التعاون بين الجهتين.

نقل عمومي بخدمات دفع عن بُعد

ومن المنتظر أن يبدأ أسطول وكالة النقل المؤلف من 160 حافلة، بالسماح للركاب بالدفع مقابل التنقل باستخدام بطاقات الائتمان أو بطاقات الخصم الفوري أو الدفع عن طريق الأجهزة المحمولة المزودة بخدمات السداد (يشترط السداد الفوري ولا يسمح بالسداد بدون وجود رصيد). والهدف أن تتم عمليات الدفع بدون تلامس، وذلك بدلا من جمع الفواتير في صناديق، وبدلا من اضطرار الركاب للوقوف في طابور لشراء البطاقات والدفع. ومن خلال الخدمة الجديدة يمكن للركاب النقر على بطاقتهم أو هاتفهم فقط، لتمريرها أمام أجهزة قارئة بدون تلامس على متن حافلات الشركة.

وفي خضم تفشي وباء كورونا يمكن لهذه الخدمة أن تكون ذات تأثير دائم على مستقبل قطاع النقل. ويرى المسؤولون أن هذا البرنامج التجريبي يمثل خطوة صغيرة تجاه رفع جاذبية المستهلك نحو النقل العام. حيث يمكن أن تساعد التجربة أيضا بشكل غير مباشر بربط الأفراد ممن لا يملكون حسابات مصرفية بحسابات الدفع، وربما الخدمات الاجتماعية الأخرى.

ويقول كارل سيدوريك، وهو المدير التنفيذي لـشركة "مونتيري ساليناس ترانزيت": "لماذا يمكننا استخدام بطاقة الخصم نفسها لشراء ساندويتش" تاكو" مثلا في مونتيري، أو "باي إريا"، أو حتى في لندن، في حين إذا كنت أشتري خدمة لوسيلة نقل ركاب، فإنني أحتاج لأحمل عشرات البطاقات المختلفة في محفظتي؟". وتابع: "الآن، ستتمكن من استخدام نفس البطاقة لشراء خدمات وسائل النقل. وإذا نجح ذلك حقا، نعتقد أنه يمكن أن يكون لذلك الكثير من الفوائد الجانبية ".

مستهلكون أكثر دراية

ويرى المسؤولون أن تقنية الدفع غير التلامسية التي يجري اختبارها في "مونتيري ساليناس" هي المفتاح لتسهيل الحصول على الخدمة. وهي خاصية لطالما كان ينظر إليها على أنها موجة المستقبل في القطاع. وكان نظام النقل العام في لندن قد أطلق نظام بطاقات المدفوعات المفتوحة للدفع غير التلامسي في عام 2012. لكن النموذج كان بطيئا في الانتشار بين المشغلين الأمريكيين. ويمكن أن تتعثر وكالات النقل في تطبيقه بسبب العقود طويلة الأجل للمعدات، كما تأخرت البنوك في إصدار البطاقات التي تعمل بدون تلامس في الولايات المتحدة. وكافحت المدن الأمريكية التي كانت أول من تبنى هذه التكنولوجيا ومنها شيكاغو و"سالت ليك سيتي" لتحقيق معدلات عالية لتطبيقها.

ورغم ذلك، و مع وصول العقود والمعدات الموجودة حاليا في أنظمة النقل إلى تواريخ انتهاء الصلاحية، يتجه المزيد من المشغلين الأمريكيين إلى بطاقات الدفع المفتوحة، خاصة وأن الجائحة تؤكد جاذبية تجربة الدفع الخالية من اللمس. حيث أصبح المستهلكون أكثر دراية بعمليات السداد عبر الهاتف المحمول وبدون تلامس.

10 % من الركاب

وفي أواخر شهر ديسمبر من العام الماضي، أعلنت مدينة نيويورك عن طرح نظام كامل للدفع بدون تلامس (OMNY) ليتم تطبيقه على جميع حافلاتها ومنصات مترو الأنفاق. وهو ما يجعل هيئة النقل الحضري (MTA) في نيويورك أحد أكبر أنظمة النقل في العالم التي باتت توفر للركاب خيار الدفع باستخدام "آبل باي" أو "غوغل باي" أو البطاقات المصرفية بدون تلامس، أو بطاقات الدفع بدون تلامس ذات الأغراض الخاصة.

ولا يزال بإمكان الركاب تمرير بطاقات "متروكارد" الصفراء المألوفة ذات الخطوط المغناطيسية حتى عام 2023 على الأقل، ولكن اعتماد الركاب على الخيارات الجديدة يتزايد بسرعة، حيث أصبح ما يقرب من 10% من الركاب يستخدمون بالفعل الخيار الجديد. مع أكثر من 200 ألف استخدام يوميا في أوائل شهر يناير الماضي، وفقا لـ"أيه إل بوتريه"، المدير التنفيذي لبرنامج بطاقات الدفع بدون تلامس لدفع أجرة النقل في هيئة النقل الحضري في مدينة نيويورك.

انتشار أفقي

في الوقت ذاته تتخذ الوكالات الأصغر أيضا خطوات بعيدا عن وسائل دفع الأجرة الخاصة (وسائل دفع خاصة بشركات النقل فقط). ففي ولاية تكساس، تعتزم شركة "كابيتال مترو" في مدينة أوستن، الانتقال إلى نظام بطاقات الدفع المفتوحة بالكامل والذي يقبل البطاقات المصرفية الذكية، والآلات التي جرى طرحها مؤخرا والتي تقرأ أنظمة مدفوعات الهاتف المحمول عبر تطبيق "كابمترو" كجزء من تلك الخطة طويلة الأجل. وفي عام 2019، اعتمدت مدينة دايتون بولاية أوهايو أجهزة التحقق الإلكترونية لتحصيل الرسوم الركاب عبر تطبيق "ترانزيت". وفي مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، بدأ نظام "تريميتس هوب" القبول بالدفع عبر "آبل باي" منذ عام 2019، وقبل ذلك كان أول مشغل خدمة نقل ركاب في العالم يصدر بطاقات دفع مسبقة عبر تطبيق "غوغل باي".

ولايات ومدن تعتمد أنظمة الدفع عن بعد

هذا التوجه يتحول الآن إلى كاليفورنيا، وعلى الأخص في منطقة باي إيريا، حيث صوت مجلس إدارة هيئة النقل الحضري، التي تشرف على خدمة النقل للركاب عبر منطقة المقاطعات التسع، على جعل نظام بطاقة "كليبر" الإقليمي (وهي بطاقة ذكية بدون تلامس قابلة لإعادة الشحن تستخدم لدفع أجرة النقل إلكترونيا) يقبل المدفوعات المفتوحة في النهاية.

ويعد برنامج "مونتيري ساليناس" التجريبي جزءا من برنامج على مستوى الولاية يقع داخل هيئة النقل في ولاية كاليفورنيا يسمى "مشروع كاليفورنيا للسفر الموحد"، والذي يهدف إلى مساعدة الوكالات الصغيرة والمتوسطة الحجم على إجراء تعديلات مماثلة أيضا. كذلك أطلق "مشروع كاليفورنيا للسفر الموحد" مؤخرا منصة عبر الإنترنت حيث يمكن لمقدمي خدمات النقل المحلي شراء معدات التحقق (لمسح بطاقات الدفع دون تلامس) بأسعار مخفضة مدعومة من الدولة. وفي حال تم اعتماد أنظمة بطاقات الدفع المفتوحة على نطاق واسع، كما هو الهدف الأكبر للبرنامج، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل التلامس الناجم عن رحلات شبكة الأنظمة داخل الولاية أو شبكات النقل الأكبر.

" لقد زادت الجائحة من إدراك أن شراء خدمة أجرة النقل، قد أصبح جزءا لا يتجزأ من حياة الناس مثل شراء القهوة".

حلول لمن لا يملكون حسابات مصرفية

وبمجرد أن يبدأ البرنامج التجريبي، يخطط موظفو "مونتيري ساليناس ترانزيت" و"مشروع كاليفورنيا للسفر الموحد" لمراقبة حصة الركاب الذين يستخدمون أسلوب الدفع الجديد. (سيظل الدفع مقابل النقل نقدا وبطاقات دفع الأجرة القديمة الخاصة بالوكالة خيارا متاحا).

وبصرف النظر عن الراحة الناتجة من عدم التلامس، يأمل سيدوريك أن ينجذب الركاب إلى حقيقة أن نظام الدفع الجديد بالبطاقات المفتوحة سيوفر حدا أقصى للأجرة، والذي يضع حدا أسبوعيا أو شهريا لمقدار تكلفة الراكب للرحلة الواحدة. وكما هو شائع في المدن الأوروبية والآسيوية، فإن تلك السياسية تؤدي لتوفير المال للركاب ذوي الدخل المنخفض الذين يشترون الرحلات على أساس فردي (رحلة واحدة).

وسيبحث البرنامج التجريبي أيضا عن طرق جديدة لإدراج الأشخاص الذين ليس لديهم حسابات مصرفية، والذين يشكلون ما يقرب من 6% من سكان الولاية ضمن هذا النهج بالدفع. ويقول سيدوريك إن إحدى الطرق هي إصدار بطاقات الخصم المباشر وطرق التحويلات الرقمية للركاب عن طريق إعدادها بحسابات خدمة شركة " سكوير"، التي لا تتطلب أي سجل مصرفي. ويمكن استخدام هذه الحسابات لإجراء عمليات الإيداع والمدفوعات في أي مكان يطلب بطاقات سداد، بما في ذلك النقل.

وتقول جيليان جيليت، مديرة البرنامج في "مشروع كاليفورنيا للسفر الموحد": "إن أحد الانتقادات لاستخدام البطاقات المصرفية في قطاع نقل الركاب تركز على عدم امتلاك كل شخص لبطاقة مصرفية". وتابعت: "لذلك فكرنا بعمق في حل لهذه المشكلة وقلنا، حسنا، يجب أن يكون لدى الجميع بطاقة دفع". وأضافت أنه كما هو الحال، فإن غالبية البالغين ذوي الدخل المنخفض في الولايات المتحدة لديهم هواتف ذكية. وتقدم خدمة شركة "سكوير" وغيرها من شركات التكنولوجيا المالية منتجات تساعد في سد فجوة امتلاك حساب مصرفي للدفع، وقالت، الأمر يتعلق الآن بالتسويق.

قادة تكنولوجيا النقل يبحثون الاستفادة

وقد يؤدي ربط المزيد من الركاب الذين لا يتعاملون مع البنوك أو الذين ليس لهم تعاملات كافية مع البنوك إلى المدفوعات المستندة إلى حسابات، إلى زيادة الوصول إلى الخدمات الأخرى التي تقدمها الحكومة والتي يصعب التعامل معها. وأوضحت جيليت قائلة: " حقيقة أنه يمكنك الاندماج عبر وسائط بديلة لإجراء المعاملات المالية لخدمات النقل تعني أنه يمكنك أيضا الاندماج في أشياء أخرى، مثل برامج الرعاية الاجتماعية ". وأشارت إلى برنامج "مساعدة التغذية التكميلية" ((SNAP أو "المساعدة في سداد الإيجار" أو برنامج "معونة كوفيد" كأمثلة. وتابعت: "يجري تقديم الكثير من هذه البرامج الاجتماعية أيضا على بطاقات مصرفية مغلقة (محددة الغرض)، يمكن دمجها في الحسابات المالية بمرور الوقت".

وتقريبا، يوجد لدى جميع وكالات النقل التي تتجه نحو أنظمة دفع الأجرة بالبطاقات المفتوحة والمستندة إلى الحسابات (ذات الأرصدة) خطط لتشمل الركاب الذين لا يتعاملون مع المصارف. وفي مدينة أوستن، يمكن لهؤلاء الركاب اختيار شراء بطاقات الخصم المدفوعة مسبقا أو إضافة أرصدة نقدية لحسابات على الهاتف المحمول في مواقع البيع بالتجزئة. كما قال راينيت مارنيويك، المدير المالي لشركة " كابيتال مترو". واقتداءا بمثال "بورتلاندس هوب"، ستبيع نيويورك بطاقات الدفع بدون تلامس مدفوعة مسبقا وقابلة لإعادة الشحن عبر شبكة من محطات النقل العام والصيدليات ومحلات البقالة والمحلات الأخرى.

وبدأ قادة تكنولوجيا النقل هناك أيضا في التفكير في كيفية الاستفادة من حسابات منصات النقل، كنقطة اتصال للخدمات الاجتماعية الأخرى، وذلك على الرغم من عدم وجود خطط محددة لذلك في هذه المرحلة. وقال بوتريه: "لا أستطيع أن أقول على وجه اليقين كيف تسير الأمور أو أين ستذهب، ولكن التكنولوجيا موجودة متوفرة اليوم للقيام بأشياء لا نستفيد منها بشكل كامل".

وبغض النظر عن مدى السلاسة التي تعد بها التكنولوجيا الجديدة، فإن إصلاحات النظام الأساسي التي تواجه المستهلك لا بد أن تتضمن الكثير من التزاحم في بعض الحالات، مما يتطلب من الوكالات تثقيف الجمهور والحفاظ على تشغيل الأنظمة الجديدة والقديمة معا لفترة انتقالية. ومع توقع بقاء عدد الركاب في وسائل النقل منخفضا حتى بعد حملة اللقاح، لا تزال العديد من التخفيضات في الخدمة في حقبة الوباء سارية.

المدفوعات النقدية لا تزال قوية

ومن غير الواضح مدى سرعة واتساع نطاق بطاقات المدفوعات المفتوحة. وهناك تفاؤل في الصناعة بحسب ما قاله دان سانفورد، رئيس منتجات الدفع للمستهلك في أمريكا الشمالية، الذي يعتقد أن الاتجاه طويل الأجل نحو العمل من المنزل قد يعني أن الركاب أقل احتمالا لشراء تصاريح ركوب شهرية (اشتراكات شهرية) وأكثر ميلا إلى الدفع مقابل كل رحلة، وهو ما ينسجم مع الأنظمة التي تختبرها نيويورك وكاليفورنيا. وتابع: " لقد زاد الوباء من إدراك أن شراء أجرة النقل بات جزء لا يتجزأ من حياة الناس، مثل شراء القهوة تمام، وسيزداد في المستقبل".

ومن ناحية أخرى، بينما شهد بعض المشغلين اعتمادا متزايدا للمدفوعات عبر الهاتف المحمول أثناء تفشي وباء كورونا، تعتقد كانديس براكوود، أستاذة الهندسة المدنية والبيئية في جامعة ولاية تينيسي في مدينة نوكسفيل، أن المدفوعات النقدية ظلت قوية أيضا. وقالت: "إنها من النوادر، لكن العديد من وكالات النقل كانت ترى قدرا كبيرا من المدفوعات النقدية المتدفقة، ربما لأن الأشخاص الذين يستخدمون المواصلات أثناء فترات الإغلاق كانوا عمالا في الخدمات الأساسية وليس لديهم إمكانية الوصول إلى تقنيات مختلفة ".

إذا، كيف سيجري تنفيذ الأنظمة المالية الجديدة للمدفوعات، وتطبيق الدفع المجزأ أو المسبق للرحلات (سداد دفعات مقدمة خلال فترات محددة) بمجرد استئناف المزيد من الأشخاص للتنقل؟.

و بالنسبة لوكالات النقل التي تخشى السقوط في هاوية مالية، هل يمكن أن تساعد الخيارات الأكثر سلاسة في الدفع بجذب الأشخاص للعودة إلى ركوب الحافلة؟ بينما يجادل بعض مراقبي القطاع بأن تطبيقات الدفع المبسطة وعمليات التنقل ذات الطابع التكنولوجي تساعد النقل العام في التنافس مع الشركات الخاصة التي تتنافس لتصبح منافذ نقل متعددة الوسائط من خلال توفير وسائط الدفع المتعددة.

تقول براكوود إنها لا ترى أي دليل قائم على الأبحاث يدعم هذه الفكرة. ويزعم آخرون أن تحسينات الخدمة وتغييرات تصميم الشوارع تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير بحيث تؤدي إلى إبعاد الركاب عن السيارات الخاصة. وفي مشهد ما بعد الجائحة، يعتقد سيدوريك أن الإجابة يجب أن تكون كل ما سبق.

وأكد قائلا: " إذا أردنا عودة الناس إلينا، فعلينا أن نجعل المواصلات العامة سهلة وآمنة "، ونعتقد أن هذه التكنولوجيا تفعل كلا الأمرين".