بعدما جذبت الأثرياء والمشاهير.. ما شركات "الشيك على بياض"؟

شركات "الشيك على بياض" تثير الجدل في مجتمع "تيك توك" "وريديت"
شركات "الشيك على بياض" تثير الجدل في مجتمع "تيك توك" "وريديت" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا تزال طفرة شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة آخذة بالصعود، وذلك بعد أن بدأت الظهور العام الماضي بشكل قوي جداً. إذ يصطفّ الأثرياء والمشاهير ومديرو الأموال، لبدء العمل في ذلك النوع من الشركات، كما تطالب صناديق التحوط بشراء حصة منها.

ويتكدس المستثمرون الأفراد للحديث عن عن هذه الشركات داخل مجتمع "ريديت" و"تيك توك" الذي يعجّ بمناقشات حول الأسهم الاستثنائية.

وتُعرَف شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، التي تشتهر أيضاً باسم شركات "الشيك على بياض"، بأنها مؤسسات تجمع الأموال من المستثمرين بهدف الاندماج مع شركات خاصة، ثم تحوّل تلك الشركات إلى شركات عامة من خلال طرح أسهمها للاكتتاب العامّ.

النصائح الاستثمارية في عالم "تيك توك"

وكان مُستخدمٌ لتطبيق مقاطع الفيديو "تيك توك" يشارك الآخرين أفكاره الاستثمارية فيما تصدح أصوات الموسيقى الإلكترونية في الخلفية، قائلاً: "هذا السهم قادر على مضاعفة أموالك مرتين، وربما ثلاث مرات، في عام 2021".

من ثَمَّ أعلنت شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، التي تحدث عنها هذا المستخدم، مؤخراً عن صفقة لشراء شركة تكنولوجيا مالية. وذلك بعد أن حاز مقطع الفيديو الذي نشره الشابّ على إعجاب نحو 18 ألف شخص.

وفي عام 2020، جمع أكثر من 200 شركة استحواذ ذات أغراض خاصة، ما يصل إلى 80 مليار دولار من المستثمرين. وهو ما يتجاوز إجمالي ما حصلت عليه في كل الأعوام السابقة.

وشكّل هذا نحو نصف حجم العروض الأولية للعام بأكمله، حسب بيانات جمعتها "بلومبرغ". وحتى الآن في عام 2021، ظهرت 67 شركة استحواذ ذات أغراض خاصة جديدة في السوق.

ويقول راسل تشونغ، الرئيس المشارك في أسواق رأس المال لأمريكا الشمالية لدى بنك "سيتي غروب": "الاتجاهات التي شهدناها عام 2020 هي نفسها التي نشهدها في عام 2021، وهذا تسارع متواصل وقبول مستمر لفكرة شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة باعتبارها أداة الشركات للاكتتاب العام".

استثمار عالي التكلفة

وعادة ما ينشئ ذلك النوعَ من الشركات رعاةٌ ممولون، قد يكونون صندوقاً كبيراً للأسهم الخاصة، أو رأسمالياً مغامراً، أو شخصاً ما ذا اسم معروف جيداً.

وكان الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي بول رايان، يشغل منصب رئيس مجلس إدارة إحدى شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة. كذلك الأمر لأسطورة كرة السلة الأمريكية شاكيل أونيل الذي بات أيضاً مستشاراً استراتيجياً لرئيس مجلس إدارة.

ويُنشئ الرعاة شركة خاصة، ويعملون مع أحد البنوك لبيع الأسهم في عملية اكتتاب عامّ، ولكن هذه الشركة لا تؤدي أي عمل فعلي سوى جمع الأموال للاستثمار في شركة أخرى لم تُحدَّد بعد.

وفي عملية الاكتتاب العامّ الأوليّ، تبيع شركة الاستحواذ الخاصة وحدات تتضمن أسهم بقيمة 10 دولارات من أسهم الشركة.

كما تعمل الشركة على ما يُعرف باسم "مذكرة"، تختص بضمان حق الشركة في شراء مزيدٍ من الأسهم بسعر رخيص إذا ارتفعت قيمتها.

وغالبية العائدات، التي تبلغ نحو 250 مليون دولار في المتوسط، تأتي من صناديق التحوط وغيرها من المؤسسات الاستثمارية القادرة على بدء هذه الأنشطة.

بعد ذلك يبدأ العمل، إذ تحصل شركات الاستحواذ الخاصة على مهلة مدتها عامان للعثور على شركة للاندماج معها، لكن في حال لم تعثر على مبغاها خلال المهلة المحددة، فيمكن حل الشركة حينها. بالتالي يخسر الرعاة استثماراتهم، فيما يستعيد المستثمرون الآخرون أموالهم.

وإذا وجدت شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة شريكاً للاندماج، فإن المساهمين يكون لهم حق اختيار الاحتفاظ بالصفقة، أو استرداد أسهمهم مقابل 10 دولارات، بالإضافة إلى نسبة صغيرة من الفائدة إذا لم تنَل الصفقة إعجابهم.

رهان منخفض المخاطر

لهذا يعتقد بعض المستثمرين أن ذلك النوع من الشركات رهان منخفض المخاطر، وكثيراً ما يلجأ المساهمون إلى استرداد الأسهم، وعادة ما يُطرح أكثر من ثلثي أسهم تلك الشركات.

وعند إبرام صفقة ما رسمياً، عادة ما يحصل الرعاة على أجورهم في شكل أسهم رخيصة في الشركة المندمجة حديثاً، في حين أن الشركة المستهدفة، التي أُدمِجَت مع شركة استحواذ عامة بالفعل، تُدرَج في السوق دون مرور بالطريقة التقليدية للاكتتابات العامة التي تتطلب شروطاً أكثر صرامة. وبعد الصفقة، تستحوذ شركة الاستحواذ الخاصة على اسم الشركة المستهدفة.

هذه الخطوات كثيرة ومعقدة، لكنها تستحقّ الاستعراض، إذ يمكن أن تكون شركات الاستحواذ فكرة رائعة للمستثمرين الأوائل والجهات الراعية والشركات المستهدفة.

ويثار تساؤل هامّ في هذه الحالة: مَن يدفع مقابل كل هذا؟

يقول النقاد إن المستثمرين عادة ما يشترون في وقت لاحق، إذ يتريثون بعد إتمام الصفقة.

وبالنسبة إلى صناديق التحوط التي استثمرت في وقت مبكّر واستردّت أسهمها عند إعلان الاندماج، يبلغ متوسط ​​العوائد نحو 11.6%، وفقاً لورقة بحثية عن شركات "الشيك على بياض"، أعدّها أساتذة القانون مايكل أوهلروغ من جامعة نيويورك، ومايكل كلاوسنر من جامعة ستانفورد، والمستشارة الإدارية إميلي روان.

ولكن بالنسبة إلى المستثمرين الذين يتابعون نشاطهم، فإن الأسهم تفقد عادة ثلث قيمتها أو أكثر في العام التالي للاندماج. وجزء من المشكلة يكمن في أن حصاد الرعاة ومذكرات الضمان التي يحملها المستثمرون الأوائل تتسبب في انخفاض قيمة الأسهم المتبقية للآخرين.

ويقول كلاوسنر: "إنه أمر غريب للغاية! أنا في الأساس لا أفهم سبب وجود مثل هذه الأمور".

مخاطرة على المديين المتوسط والبعيد

وعادة ما تحذّر المدونات المستثمرين الأفراد من المخاطر الكامنة خلف شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة الموجودة الآن على المواقع الإلكترونية الخاصة بعديد من أكبر السماسرة بالتجزئة.

ويقول أحد المتداولين على منصة "تي دي أميريتراد" (TD Ameritrade) لتداول الأسهم: "من المهم توخي الحذر والاستعداد لنتائج غير مرغوب فيها".

في حين يقول آخر، من منصة "فيديليتي" (Fidelity)، إن شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة تسمح للشركات بطرح أسهمها مع تجنب التدقيق التنظيمي المطلوب عادةً من الشركات التي تسعى إلى اكتتاب عامّ تقليدي.

ويبدو أن المستثمرين متعطشون لشركات جديدة، بما في ذلك تلك التي ربما واجهت صعوبة في طرح أسهمها للاكتتاب العامّ في أوقات أخرى، لكن شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة تُسهّل الأمور على هذه الشركات.

وفي مؤتمر للأرباح عُقد عبر الهاتف في شهر يناير من العام الحالي، حذّر ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لمجموعة "غولدمان ساكس" قائلاً: "لا أعتقد أن هذا الأمر مستدام على المدى المتوسط، إذ سيساهم شيء ما في تشكيل أو تكوين أو خفض مستويات النشاط بطريقة خلال فترة من الزمن".

وأضاف: "بنوك عديدة، بما في ذلك (بنك سولومون)، عززت رسومها هذا العام من خلال مساعدة شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة في الاكتتاب العامّ".

وبطريقة ما، يشير ظهور شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة أيضاً إلى اهتمام المستثمرين من جديد بإدارة الأموال النشطة، إذ يمكن التفكير في تلك الشركات كصندوق هدفه شراء سهم واحد فقط يُدِرّ مكاسب رأسمالية ضخمة خلال فترة قصيرة "home-run stock"، وحصاد الرعاة رسوماً إدارية كبيرة.

وعادة ما يقود عديداً من شركات "الشيك على بياض" أكبرُ الأسماء في صناديق التحوط، مثل بيل أكمان من "بيرشينغ سكوير كابيتال مانجمنت"، أو لاري روبينز من شركة "غلينفيو كابيتال مانجمنت".

ويقول أكمان إن شركة "الشيك على بياض" الخاصة به تُعَدّ أقل تكلفة للمستثمرين مقارنة بمعظم الشركات الأخرى، لأنها ليست مصممة للتعويض المالي للرعاة بالجزء المعتاد من الأسهم الرخيصة، رغم قدرتهم على الاستفادة من مذكرات الضمان.

ومع ذلك، حتى عمالقة "وول ستريت" قد لا يستطيعون تسجيل عوائد كبيرة بسبب بدء كثير من مديري الأموال مطاردة عدد قليل من الصفقات.

إذ أعلنت 72 شركة أخرى من شركات "الشيك على بياض" في يناير، عن خططها لجمع 18 مليار دولار في اكتتاباتها العامة المنتظرة.

ويقول جيم شاناهان، كبير محللي أبحاث الأسهم في شركة الخدمات المالية "إدوارد جونز": "يبدو أن هذا قد يكون أكثر من المطلوب، ولا قدرة على إجراء نشاط اكتتاب لشركة استحواذ ذات أغراض خاصة لعام إضافي".

كيف تتعامل هيئة الأوراق المالية الأمريكية مع هذه الشركات؟

قدّمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية مؤخراً إرشادات بشأن متطلبات الإفصاح الخاصة بشركات الاستحواذ، مما يشير إلى أن هيئات الرقابة كانت تدرس الأسهم المزدهرة حديثاً من كثب.

مع ذلك لم يتضح بعد ما إذا كان غاري غينسلر، الذي اختاره الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئاسة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، سيركز على تلك الشركات.

وكان اسم شركات "الشيكات على بياض" مرتبطاً بكثير من عمليات الاحتيال في سوق الأسهم الصغيرة في الثمانينيات، لكن هذه الأمور تلاشت كثيراً في التسعينيات بعد أن وضع المنظمون والكونغرس في الولايات المتحدة قواعد أكثر صرامة لهم.

وأصبحت شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة تتمتع ببعض القوى الكبيرة في الوقت الراهن، وذلك في ظلّ استمرارية سعي المستثمرين للحصول على عوائد أفضل مع انخفاض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها في جميع أنحاء العالم، والدافع وراء ذلك رغبتهم الكبيرة في المخاطرة، كما أن كثيراً من الشركات تتوق إلى الاستفادة من التقييمات المرتفعة للأسهم.

وبالنسبة إلى المصرفيين، لا وقت لإضاعته، فقد عيّن بنك "سيتي غروب"، ثاني أكبر مُكتتب في شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة في عام 2020، أربعة مصرفيين لمساعدة تلك الشركات على مدى الأشهر الـ18 الماضية فقط.

ويقول تشونغ من "سيتي غروب": "من المعروف أنه لا يزال في هذه السوق كثير من الشكوك، على الرغم من حقيقة اتجاه المؤشرات نحو الصعود. مع ذلك، ليس في هذا المجال أمر مسلَّم به".