عالم ما بعد "بريكست".. هذه الأزمات ستواجه الشركات البريطانية في 2021

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد عام من الانهيار الاقتصادي الناجم عن تبعات جائحة كورونا، لم تكن المؤسسات التجارية البريطانية تتوقع أن تبدأ العام 2021 بالقلق حيال أمر كالمنصات الخشبية التي تستخدم لنقل السلع.

ومع ذلك، عقب التغيير الذي طرأ على طبيعة العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بات العثور على منصات الأخشاب المعالجة حرارياً، والتي تستخدم في مجال صناعة المعجنات (توضع في الفرن على درجة حرارة 56 مئوية لمدة 30 دقيقة على الأقل)، واحدة من المشاكل العديدة التي تواجهها البلاد.

وكان رئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون قد وقع على اتفاق تجاري من 1200 صفحة مع الاتحاد الأوروبي ليلة عيد الميلاد، وذلك بعد مفاوضات استمرت تسعة أشهر بين الطرفين، لتضع هذه الاتفاقية حداً للمخاوف من الفوضى التي قد تنجم عن خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي دون اتفاق. وعلى الرغم من أن الاتفاق الذي يضمن استمرار التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي دون رسوم جمركية أو تحديد للحصص، أعطى بارقة أمل للشركات البريطانية، إلا أنه مع ذلك يمهد الطريق للمرحلة التالية من "بريكست" والتي يرجح أن تكون الأصعب.

فسواء تعلق الموضوع بالمنصات الخشبية، أو المواد المستخدمة في الشحن، أو المعاملات الجمركية، أو حصص صيد الأسماك، أو الاعتراف بالمؤهلات المهنية، فإن الأشهر المقبلة سيتخللها الكثير من التجارب التي ستسبق استيعاب تفاصيل ما ينصّ عليه الاتفاق التاريخي، وما لا ينصّ عليه أيضاً.

وعلّق مارك برايس، وهو رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة البيع بالتجزئة "جون لويس"، ووزير التجارة السابق، قائلاً: "سيكون الأمر أشبه بسباق ماراثون طويل جداً"، وتابع: "لهذا السبب عادةً ما تأخذ الاتفاقات التجارية نحو سبع سنوات بالمتوسط من أجل اتمامها، فهي بالغة التعقيد".

وكان جونسون رحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الاتحاد الأوربي بعد أربع سنوات ونصف من الاستفتاء على الخروج من الاتحاد، وقال إنه: "سيساعد على خلق الوظائف وتحقيق الازدهار على امتداد القارة الأوروبية"، إلا أن إثبات ما إذا كان توقع جونسون في محله، أمر بالتأكيد يحتاج لمزيد من الوقت.

كثير من العراقيل رغم الاتفاق

بحسب تقديرات "بلومبرغ إيكونميكس" سيتقلص النموّ في المملكة المتحدة بمعدل نصف نقطة مئوية سنوياً خلال العقد المقبل، مقارنةً بمعدلات النمو في حال بقاء بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة، التي تضمّ 27 دولة. كما كانت "بلومبرغ إيكونميكس" قد توقعت أن نمو الاقتصاد البريطاني بنسبة 6% هذا العام، لكن ذلك كان قبل إعادة تشديد الحظر بسبب جائحة كورونا.

وفي تلك الأثناء، لا مفرّ للشركات من المعاملات الورقية، على الأقل، حتى حلّ المشاكل الأكثر تعقيداً مثل مستقبل قطاع الخدمات في الاتحاد الأوروبي. كذلك، تبرز مسألة قواعد بلد المنشأ التي تحدد أي منتجات يمكن تصديرها إلى الاتحاد الأوروبي، وهي كلّها أمور يتعين أخذها في عين الاعتبار. ولا يشمل الاتفاق الاعتراف المتبادل بالمعايير، وهو الأمر الذي كان يتيح في السابق للشركات أن تصنع منتجاتها في المملكة المتحدة ثمّ تسوقها في الاتحاد الأوروبي بدون الحاجة إلى مصادقات إضافية.

ويقول ويل هايلر، الشريك في قسم سلع الاستهلاك في شركة "OC&C" الاستشاري: "توجد على الأرجح الآلاف من العراقيل غير المباشرة في اتفاقية تجارية بهذا الحجم"، مشيراً إلى أن الكثير من الأمور ستظهر مع الوقت، وستواجه الشركات وضعاً مبهماً في فترة ما بعد الإنفصال، حيث على الشركات اتخاذ القرار ما إذا كانت ستمتثل لكلّ الأمور".

وإذا أخذنا موضوع المنصات الخشبية على سبيل المثال، فبما أن بريطانيا بات لديها تصنيف "دولة ثالثة" مع الاتحاد الأوروبي، صار لزاماً على المصدرين والموردين الامتثال إلى القواعد المتعلقة بالحدّ من نشر الآفات والأمراض. ويقول دومينيك غودي، رئيس التجارة الدولية في اتحاد الطعام والشراب إن الاتحاد الأوروبي قد لا يوافق على حلّ إلا في حال واجه التبادل التجاري بعض العراقيل.

وأضاف غودي: "موضوع المنصات الخشبية المعالجة حرارياً ليس ضروريا لغايات السلامة ويضيف المزيد من التكلفة، فهذا أمر كان بالإمكان حله أو بالأحرى كان يجب حله".

وبحسب تقديرات اتحاد الطعام والشرب، يمكن لهذا القطاع وحده أن يتكبد تكاليف إضافية تتجاوز الـ 3 مليار جنيه إسترليني (4 مليارات دولار) بسبب زيادة البيروقراطية والأعمال الورقية.

وحين تبدأ العراقيل بالظهور، فإنها تنتشر بسرعة. ففي ديسمبر من العام الماضي، علقت آلاف الشاحنات في ميناء دوفر، الأكثر ازدحاماً في بريطانيا. وذلك بعد أن أغلقت فرنسا حدودها ليومين لمواجهة السلسلة الجديدة من فيروس كورونا والتي أدت إلى فرض حظر جديد في بريطانيا.

وسعت الشركات إلى إيجاد طرق أخرى من أجل شحن المنتجات، حيث نقلت طائرة من طراز "بوينغ 777 ف" تابعة لخطوط "لوفتهانزا" الجوية فاكهة وخضروات وملابس وتجهيزات طبية وقطع غيار للطائرات من مطار فرانكفورت إلى مطار دونكاستر- شيفيلد في إنكلترا في نهاية ديسمبر، ثمّ تم نقل شحنة أخرى مخصصة للمتاجر الغذائية الكبرى في بداية يناير.

وكان المسؤولون الإيرلنديون قد حذروا من احتمال حصول تأخير في يناير الماضي. وتعبر حوالي 410 آلاف شاحنة وحافلة من المملكة المتحدة عبر ميناء دبلن، وقبل اتفاق "بريكست" كان تمرّ بشكل عادي. وتحمل نصف هذه الشاحنات منتجات حيوانية أو غذائية سيتعين التحقق منها بموجب القواعد الجديدة.

مخاوف قطاع السيارات

وكان قطاع السيارات سبق وأعرب عن تشاؤمه حيال تنظيمات التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على الرغم من أن اتفاق "بريكست" أعفى المصنعين من دفع رسوم جمركية بقيمة 10% على السيارات، وضرائب بقيمة 4% على القطع.

وقال مايك هاويس، المدير التنفيذي لجمعية مصنعي وتجار السيارات: "يوجد تكاليف ونفقات حالية لا يمكن تفاديها، ولكن بريكست هدفه التخفيف من الأضرار".

حتى أن الاستعداد للمرحلة الانتقالية ما بعد "بريكست" جاء بتكلفة عالية. حيث تشير التقديرات أن القطاع أنفق 735 مليون جنيه إسترليني على الأقل من أجل الاستعداد للتصاريح الجمركية الجديدة وتخزين قطع الغيار وغيرها من الإجراءات.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الاستثمارات في المملكة المتحدة التي أجلتها مجموعة "PSA" المصنعة لـ"فوكسهول" وشركة "بي أم دبليو" بانتظار انتهاء المفاوضات التجارية، سوف تتم أم لا.

وينطبق الأمر نفسه على شركة "نيسان" التي لم تؤكد بعد ما إذا كان كافة موديلات السيارات التي يتم انتاجها في مصنعها في سانديرلاند في شمال شرق إنكلترا تحتوي على ما يكفي من المكونات المحلية لتفادي الرسوم الجمركية. وكانت نيسان، عملاق صناعة السيارات اليابانية، قد افتتحت مصنعها في منتصف الثمانينات بهدف واحد هو دخول السوق الأوروبية المشتركة.

وحاولت الحكومة تسهيل الفترة الانتقالية من خلال تأخير فرض ضبط كامل للحدود، حيث أن الشركات التي تنقل السلع إلى بريطانيا لن تضطر لتقديم تصريحاتها الجمركية قبل ستة أشهر.

قطاعات تترقب

كذلك فإن الشركات البريطانية التي تشحن بضائع نحو الاتحاد الأوروبي لن تضطر إلى تقديم أوراق قواعد المنشأ التي تثبت أن منتجاتها صنعت محلياً، وبالتالي فهي معفية من الرسوم الجمركية قبل نهاية العام 2021، بحسب هيئة الإرادات والجمارك. ورغم ذلك، قد يطلب من الشركات تقديم هذه المستندات بأثر رجعي.

وعلى صعيد القطاع المالي، فقد خسرت المصارف ما يمكن تسميته "حقوق جواز السفر" التي تمكنها من العمل بحرية في الاتحاد الأوروبي. فدخولها إلى السوق الأوروبي في المستقبل سيتطلب تأكيد الاتحاد الأوروبي أن الأطر المالية في بريطانيا تتناسق أو "موازية" للقواعد التي يعتمدها. وكان الجانبان قد تعهدا في السابق بالتوصل إلى اتفاق حول ذلك بحلول منتصف العام 2020.

ووفقا لإيان تشيشاير، الرئيس السابق لـ "باركليز" في المملكة المتحدة فإن: "الاتفاق قد تم ولكن الواقع الذي على المؤسسات مواجهته لم يتجلّ بعد"، وتوقع أن تشهد الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة "بعض الفوضى المحدودة الناجمة عن المعاملات"، وأضاف أنه مع الوقت "سوف يتمكن الناس من تجاوز ذلك".

أمّا قطاع الخدمات، الذي يستحوذ على ما يصل إلى 80% من الاقتصاد البريطاني، فيواجه العاملون فيه عوائق من ناحية اعتراف الاتحاد الأوروبي بمؤهلاتهم المهنية، وهو أمر لم يعد يتم تلقائياً.

وعلى الرغم من أن جونسون رحب باتفاقية "بريكست"، التي اعتبر أنها تفتح الباب أمام حقبة جديدة في قطاع الصيد البحري، إلا أن كثيرين شككوا بذلك أيضاً. وكان قد تم التوصل في اللحظات الأخيرة إلى التسوية حول كيفية وتوقيت تقليص حق الاتحاد الأوروبي بالوصول إلى المياه البريطانية، وهو ما أسهم في إبرام الاتفاقية أخيراً.

وكانت دراسة صادرة عن الحكومة الأسكتلندية التي تعارض الـ"بريكست"، قالت إن الحصص الجديدة تخفض صيد أنواع أسماك أساسية للسوق البريطاني مثل القد والحدوق.

وقال تشيشاير: "من الملفت أنه في ظلّ كلّ العناوين حول صيد الأسماك، لم يتم تسليط ما يكفي من الضوء على الخدمات المالية، مع أنه من الواضح أنها أكثر أهمية لمستقبلنا". وأضاف "أخشى أن الناس لم يفهموا فعلاً مدى صعوبة الطريق القابع أمامنا".