البنية التحتية للغاز الطبيعي قد تكون مؤهلة لنقل الهيدروجين المصدر: بلومبرغ

هل الضجة حول اعتبار الهيدروجين وقود المستقبل واقعية؟

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبلغ طول خطوط أنابيب الغاز الطبيعي التي تعبر من خلال الولايات المتحدة ثلاثة ملايين ميل، وهي الخطوط التي قد تُصبِح كلها عتيقة وسط جهود البلاد لمواجهة تحديات تغيُّر المناخ.

وظهرت المخاطر خلال الأسبوعين الماضيين فقط، بعد أن ألغى الرئيس الأمريكي جو بايدن تصريح مشروع خط أنابيب النفط "كيستون إكس إل" (Keystone XL)، البالغة تكلفته 9 مليارات دولار، في أول يوم لتسلُّمه مهامّ الرئاسة، في إشارة واضحة إلى أن أي مشروع خط أنابيب جديد في الولايات المتحدة سيواجه احتمالات طويلة غير متوقعة.

وحذّر جون كيري، مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون المناخ ووزير الخارجية السابق، من أن خطوط أنابيب الغاز الطبيعي قد تتحول إلى "أصول عالقة" في غضون 30 عاماً، وذلك في ظل مساعي الإدارة الأمريكية إلى إنهاء الانبعاثات الكربونية لمحطات توليد الطاقة. كما شطبت شركة "نكست إيرا إنرجي" (NextEra Energy) ما يصل إلى 1.2 مليار دولار من استثماراتها في خط أنابيب الغاز "ماونتين فالي" (Mountain Valley) الممتدّ من فيرجينيا الغربية إلى فيرجينيا، وهو خط واجه صعوبات بسبب تأخيرات تنظيمية وقانونية.

طوق نجاة محتمل

من هذا المنطلق بدأت الشركات المالكة لخطوط الأنابيب تتطلع إلى نوع آخر من الوقود، قد يكون وقود المستقبل، وهو الهيدروجين.

وعلى عكس الغاز الطبيعي، يمكن حرق الهيدروجين دون ضخ انبعاثات كربونية في الهواء، ويمكن إدارته من خلال خلايا الوقود اللازمة لتوليد الكهرباء، ولن يتسبب في إهدار شيء سوى الماء. ويُنتَج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام محطات الطاقة الشمسية أو مزارع الرياح، ومن ثم يصبح وسيلة لتخزين كميات هائلة من الطاقة المتجددة بشكل أكثر مما تستطيع البطاريات الاحتفاظ به. أما الجزء الأفضل لشركات خطوط الأنابيب، فهو أن توصيل الهيدروجين إلى المكان المقصود، وبكميات كبيرة، قد يتطلب نفس البنية التحتية الأساسية التي تحمل الغاز الطبيعي الآن.

بعبارة أخرى، يمكن أن يكون الهيدروجين منقذاً للشركات التي تقف وراء البنية التحتية للوقود الأحفوري. وحتى في ظلّ إصرار هذه الشركات على أن الغاز سيلعب دوراً كبيراً لأعوام قادمة، يتحدث عديد منها عن إمكانيات الهيدروجين، ويطلقون مشاريع لإدماج نسبة صغيرة منه في شبكاتهم الحالية لمعرفة كيفية عمل معداتهم. وتُجري هذه الشركات أيضاً تجارب لنزع الهيدروجين من مزيج الغاز للتمكن من استخدامه في مواقع محددة، كما أنهم يستكشفون كيفية الانتقال في نهاية المطاف من وقود إلى آخر.

التمويه الأخضر

وتقول شيري جيفنز، نائب رئيس الاستراتيجية التنظيمية والعملاء لدى شركة "ناشيونال غريد" (National Grid) الأمريكية: "نرى شبكة الغاز لدينا نظامَ طاقة يعمل على تسليم جزيئات الهيدروجين لعملائنا، وبحلول عام 2050 سيكون مصدر تلك الجزيئات مختلفاً جداً. ونحن نعتقد أن الهيدروجين سيكون الجزيء منخفض الكربون في القرن 21".

مع ذلك، فإن كل هذه الضجة التي تدور حول الهيدروجين بعيدة كل البعد عن الواقع.

ويصف بعض نشطاء المناخ، الذين يناضلون بشأن حظر الغاز، حديث الشركات عن الهيدروجين بأنه "الغسل الأخضر"، أو "التمويه الأخضر" (greenwashing). وتحدّ شركات الغاز من صعوبة التحول من وقود إلى آخر، كما يقول النشطاء، في محاولة لإقناع المستثمرين بأنهم سيظلون ذوي أهمية في عالم خالٍ من الكربون.

وقال مات فيسبا، وكيل الموظفين لدى منظمة "إيرث جاستس" (Earthjustice)، إن "الصناعة دائماً ما تبرز الأشياء التي قد تحدث، ولو واصلنا استخدام الغاز في الوقت الراهن".

وحتى الآن، في أوروبا والمملكة المتحدة نشاط هيدروجيني فعلي أكثر من الولايات المتحدة، إذ أعرب بعض الشركات عن اهتمامها بالهيدروجين دون كشف عديد من الخطط المحددة في المستقبل.

صداع لا معني له

وفي الخريف الماضي وصف المسؤول التجاري الرئيسي في شركة "إنرجي ترانسفير" (Energy Transfer)، أكبر مشغل لخطوط الأنابيب في الولايات المتحدة من حيث الإيرادات، الهيدروجين بأنه "صداع للرأس" لا معنى له، في الوقت الراهن على الأقل.

وقال مارشال إس ماكريا، الرئيس التنفيذي الحالي المشارك في الشركة ذاتها: "في هذه المرحلة لا نرى أي شيء قريباً في الأفق حول الهيدروجين".

وتتجاوز الأسئلة المتعلقة بنقل الهيدروجين مجرد الرغبة في تعقبه، فالشركات المالكة لخطوط أنابيب الغاز لا يمكنها ببساطة التحول من غاز إلى آخر دون قطع صلتهم بالعملاء الحاليين، لذا فإن أي انتقال سيبدأ بمزج الهيدروجين في تيار الوقود الحالي، بخاصة أن الهيدروجين يُعتبر الجزيء منخفض الكربون في القرن 21.

ولكن حتى الخلط بين الاثنين، ناهيك باستبدال أحدهما بالآخر، يطرح مشكلات فنية يجب التغلب عليها. على سبيل المثال الضواغط المصممة لنقل الغاز الطبيعي لا تعمل جيداً مع الهيدروجين، وهو العنصر الأخفّ وزناً، لذا من المحتمل أن يتطلب الأمر استبدال تلك الضواغط، كما أن بعض أنواع الأنابيب الفولاذية تصبح هشة وقابلة للتصدع عند تعرضها للهيدروجين بمرور الوقت، في حين أن أنابيب البوليمر قادرة على التعامل مع الهيدروجين بسهولة.

وقال جاك بروير، مدير برنامج الكهرباء والطاقة المتقدم في جامعة كاليفورنيا إرفاين: "يجب أن نتحقق من هذه الأمور في كل أنبوب نضع فيه الهيدروجين، لكنها ظاهرة يمكن إدارتها لأنها بطيئة، إذ يمكن استبدال الأنابيب والضواغط التي تعاني من مشكلات على مدار أعوام، أو يمكن حماية الأنابيب بطلاء داخلي بواسطة أجهزة روبوتية على شكل خنازير تُستخدم حالياً لفحص وصيانة خطوط الأنابيب". وأضاف: "فقط ضع بعض معدات الطلاء العاملة بالرش على نفس الجهاز الروبوتي، وانطلق بكل سهولة داخل خط الأنابيب بالكامل".

تحركات على الأرض

صُممت المشاريع التجريبية في جميع أنحاء العالم للتخلص من المشكلات وإعطاء الشركات فكرة أفضل عن العقبات الأخرى التي قد تواجهها. ففي كاليفورنيا على سبيل المثال، خططت شركة "سيمبرا إنرجي" (Sempra Energy) لسلسلة من المشاريع التجريبية التي ستختبر تركيزات مختلفة من الهيدروجين في مزيج الوقود -قد تصل إلى 20%- في أجزاء معزولة من خطوط الأنابيب المصنوعة من البولي إيثيلين والفولاذ ومزيج من الاثنين. ومشروع آخر سيختبر تقنية لضغط الهيدروجين وفصله عن مخلوط الغاز.

وقال جوناثان بيريس، مدير الشؤون التنظيمية لشركة غاز جنوب كاليفورنيا التابعة لشركة "سيمبرا إنرجي": "بما أن البنية التحتية موجودة بالفعل وتخدم العملاء، فإننا نعلن أنه من المصلحة العامة الاستمرار في استخدام تلك البنية التحتية لمساعدتنا على التخلص من الكربون".

وفي يوليو قدّمت مجموعة مكونة من 11 شركة أوروبية للبنية التحتية للغاز، خطة لبناء شبكة مخصصة لنقل الهيدروجين، قائلة إن البنية التحتية الحالية للغاز يمكن تعديلها لنقل الهيدروجين بتكلفة معقولة. ومن المتوقع أن يصل طول شبكة الهيدروجين إلى 4225 ميلاً (6800 كيلومتر) بحلول عام 2030، ونحو 14300 ميل (23 ألف كيلومتر) بحلول عام 2040، مع العلم بأن ثلاثة أرباعها ستتألف من خطوط أنابيب غاز طبيعي محولة.

شبكة نقل هائلة

وأطلقت الشبكة الكهربائية الوطنية في المملكة المتحدة سلسلة من المشاريع الإرشادية للهيدروجين، بما في ذلك استخدام الغاز لتدفئة المنازل، وناقشت إنشاء شبكة أنابيب لنقل الهيدروجين تربط المراكز الصناعية على طول الساحل الشرقي لبريطانيا. وفي الولايات المتحدة، تعقد الشركة شراكة مع ستة مختبرات وطنية وشركات أخرى من أجل الجهود البحثية لخلط الغاز، في مشروع يُعرف باسم "هاي بلند" (HyBlend).

وقال آلان أرمسترونغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ويليامز كومبانيز" (Williams Companies)، عملاق البنية التحتية للطاقة الذي يدور نشاطه الأساسي حول الغاز الطبيعي: "الشيء الوحيد الذي نملكه في الولايات المتحدة والذي يجب أن نفخر به ونشعر بأنه ذو قيمة كبيرة لنا هو امتلاكنا شبكة هائلة لنقل الغاز الطبيعي وتخزينه. إنها فرصة جوهرية لنا للاستفادة حقاً من الهيدروجين وجعله اقتصادياً أكثر".