مخاوف التضخم مبالغ فيها

صورة مرتبة لشيكات من وزارة الخزانة الأمريكية وعلبة ادخار وأيقونات العملة المشفرة بتكوين. بينما ارتفعت مقاييس التضخم في الولايات المتحدة في نهاية العام الماضي، إلا أنها أقل بكثير من المستويات التي يريدها الاحتياطي الفيدرالي. وفي الصين، انخفضت أسعار المستهلك بشكل غير متوقع بنسبة 0.3% في يناير بالمقارنة بالعام السابق.
صورة مرتبة لشيكات من وزارة الخزانة الأمريكية وعلبة ادخار وأيقونات العملة المشفرة بتكوين. بينما ارتفعت مقاييس التضخم في الولايات المتحدة في نهاية العام الماضي، إلا أنها أقل بكثير من المستويات التي يريدها الاحتياطي الفيدرالي. وفي الصين، انخفضت أسعار المستهلك بشكل غير متوقع بنسبة 0.3% في يناير بالمقارنة بالعام السابق. المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حان الوقت لوقف الحديث السيئ الخاص بالتضخم. ويجب الترحيب بالتنبؤات الخاصة بالتحسن المناسب في وتيرة زيادات الأسعار، ونحن بعيدون جداً عن الأيام الخوالي السيئة في فترة السبعينيات (من القرن الماضي).

فبينما ارتفعت مقاييس التضخم في الولايات المتحدة في نهاية العام الماضي، إلا أنها أقل بكثير من المستويات التي يريدها الاحتياطي الفيدرالي. وفي الصين، انخفضت أسعار المستهلك بشكل غير متوقع بنسبة 0.3% في يناير بالمقارنة بالعام السابق. ويبدو المسؤولون اليابانيون أحياناً وكأنهم تخلوا عن هدفهم (للتضخم) البالغ 2%. وحتى في جنوب شرق آسيا، حيث كان النمو تاريخياً أسرع من العالم المتقدم، فإن تحركات الأسعار ضعيفة. وتغازل كوريا الجنوبية الانكماش، فيما اجتازته ماليزيا وتايلاند.

تظهر بالفعل مؤشرات السوق عودة التضخم؛ إذ تجاوزت عوائد سندات الخزانة لأجل 30 عاما 2% الأسبوع الماضي للمرة الأولى في عام. وتراجعت السندات الحكومية البريطانية وارتفع سعر النفط. الفكرة هي أن الانتعاش الاقتصادي -بمساعدة من الحوافز المالية والنقدية الضخمة- سيرفع أسعار المستهلكين من أدنى مستوى.

ولسوء الحظ، غالباً ما يجري وصف ذلك بلغة مثيرة للخوف مثل "الاندفاع"، و"الانهيار"، و"التحذير"، وحتى "نهاية السخاء". وهذا يعود إلى الدروس الماضية من العقد الذي سبق تفشي وباء فيروس كوفيد-19. وبعيداً عن كونه نذيراً للهلاك، فإن الطفرة في الأسعار يمكن اعتبارها انتصاراً للسياسة المالية.

بعيدون عن نهاية الدعم النقدي

على مدار سنوات، كنا نسمع أن النمو كان بطيئاً للغاية، وأن التضخم منخفض جداً، وأن محافظي البنوك المركزية قد فشلوا. هل تتذكر العناء الذي حدث منذ عدة سنوات عندما انخفضت أسعار الفائدة في السوق إلى ما دون الصفر؟ هل الاعتراض الآن هو أن المسؤولين قاموا بعملهم بشكل جيد للغاية؟ يجب فقط عندما يستقر التضخم بشكل مريح عند 2% أن يفكر صانعو السياسة في سحب التحفيز.

بهذا المعنى، نحن بعيدون جداً عن نهاية الدعم النقدي. والاستدلال بخلاف ذلك يعني تجاهل ما يقوله صناع القرار بالفعل. ويتوقع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول زيادات أسرع في الأسعار، بل ويريدها. فقد قال باول في مؤتمر صحفي يوم 27 يناير: "من المفيد أن ننظر إلى الوراء في ديناميكيات التضخم والتي كانت لدى الولايات المتحدة حينئذ منذ عدة عقود، وأن نلاحظ أنه كان هناك ضغط كبير مضاد للتضخم لبعض الوقت، على مدى عقدين. وتابع: "بلغ معدل التضخم أقل من 2% لمدة ربع قرن، كما أن الديناميكيات تتطور باستمرار بمرور الوقت، لكنها لا تتغير بسرعة. لذلك، نعتقد أنه من غير المرجح أن يؤدي أي شيء نراه الآن إلى تضخم يبعث على القلق".

كان "بول فولكر"، الذي توفي في ديسمبر 2019 في فترة تفشي وباء كورونا، سيسخر من القلق الموجود اليوم. وعندما أصبح رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في عام 1979، كانت أسعار المستهلك ترتفع بنحو 15%. لقد دفع أسعار الفائدة إلى 20% لمصارعة هذا الوحش (التضخم).

لم يعد التضخم على حاله مرة أخرى وانحسر كتهديد منذ ذلك الحين. ويواصل ورثة "فولكر" البحث عن مثل هذه الديناميكيات وهي تتكرر. لكنهم دائماً يشعرون بخيبة أمل. وعمل التيسير الكمي والعجز الكبير بعد الأزمة المالية العالمية 2007-2009 على تصحيح هذا الاتجاه، فقد بات خارج الخدمة (توقف هذا الاتجاه). لم يحدث ذلك، وقد صقلت التجربة بنك الاحتياطي الفيدرالي.

لكن السيولة النقدية المتداولة خلال النظام النقدي في عصر الجائحة أكبر حتى من ذلك، لذا فإن العودة السريعة ستكون أقوى والمخاوف أكثر تبريراً، كما تقول هذه الأطروحة.

أنا غير مقتنع

خضعت الولايات المتحدة لتوسع مالي كبير في عام 2017 عندما أقر الكونغرس التخفيضات الضريبية التي قررها دونالد ترمب، كما كان الاقتصاد منطلقاً. وكان يجري النظر للأمر، في ذلك الوقت، على أنه من غير المعتاد أن يحدث مثل هذا التحول الكبير خارج فترة الركود، كما كتبت حينها. ارتفع معدل النمو بشكل أكبر وانخفض معدل البطالة في النهاية إلى 3.5%، وهو أدنى مستوى منذ نصف قرن. وكان التضخم هادئاً.

تتغير الأمور، وكما كتب زميلي في موقع "رأي بلومبرغ" (Bloomberg Opinion ) فرديناندو جوليانو، لا يمكن للمرء أن يتجاهل هذه المخاوف. ومثلما كان التضخم منخفضاً بشكل عنيد في 2010، من سيقول إنه لن يكون يتحرك فجأة في الطريق إلى الارتفاع؟ عندما يحين وقت التراجع، يكون المستثمرون على حق في توقع الألم، بغض النظر عن مدى دقة شكل تتابع حركته. لقد تعلم "بن برنانكي " (الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي) هذا الدرس بالطريقة الصعبة، فمجرد اقتراحه الخفض التدريجي للتحفيز المالي في 2013 أدى ذلك إلى تدهور الأسواق.

النبأ السار للعديد من محافظي البنوك المركزية هو أنه إذا أصبحت الزيادات في الأسعار مشكلة حقيقية، على العكس من عودة (نمو الأسعار) بشكل صحي، فمن سيخلفهم سيكون المسؤول عن حل المشكلة. في غضون تلك الفترة، دعنا نتخطى بعض الكآبة، فهناك الكثير من التاريخ لعملية التغلب عليه قبل أن يكون لدينا تضخم من النوع السيئ حقاً. سأكون سعيداً مع وجود النوع الجيد.