"كورونا" تثير النقاش مجدداً حول جدوى ضريبة الثروات

شخص يعاين أوراقاً نقدية أمريكية من فئة 20 دولاراً استعداداً لإدخالها إلى مرحلة القص
شخص يعاين أوراقاً نقدية أمريكية من فئة 20 دولاراً استعداداً لإدخالها إلى مرحلة القص المصدر: (ا ف ب)
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تقدِّم الضريبة على الثروة في سويسرا، مثالاً نادراً في العالم الحقيقي لكيفية فرض الضريبة على الأصول، تماماً كما تكتسب مثل هذه الأفكار قوة دفع في أماكن أخرى في أعقاب أزمة فيروس كورونا.

ويجبر هذا الإجراء المقيمين في واحدة من أغنى دول العالم على حساب قيمة استثماراتهم، والعقارات، والسيارات، والقطع الفنية، و"بتكوين"، وحتى خلايا النحل والأبقار، ويتمُّ بعد ذلك اقتطاع نسبة مئوية من قبل حكومات المقاطعات، وتختلف في الحجم والأسلوب حسب المقاطعة.

وبإمكان سويسرا، التي هي من بين عددٍ قليلٍ من البلدان التي تفرض هذه الضريبة، أن تدَّعي أنَّ لديها أكثرها فعالية، وفي ظل تداعيات كوفيد-19 التي تسبَّبت في تضخم الديون الحكومية، وإلحاق الضرر بالفقراء أكثر من غيرهم، تجري مناقشة ضرائب الثروة من كاليفورنيا إلى المملكة المتحدة كأداة لسداد الديون، ومعالجة عدم المساواة.

ومن بين المؤيدين لهذه الفكرة السيناتورة الأمريكية "إليزابيث وارن"، والحائز على جائزة نوبل "جوزيف ستيغليتز"، والاقتصادي "توماس بيكيتي".

ضريبة الثروة بين مؤيد ومعارض

وتتراوح الانتقادات لهذا الطرح، من وجهة النظر القائلة بأنَّه من الخطأ استهداف الأصول المتراكمة من خلال الدخل الذي كان قد خضع للضريبة سابقاً، إلى المزيد من الأسئلة العملية حول كيفية عمل مثل هذه الضريبة بطريقة عادلة، لكن، لا يبدو أنَّ السويسريين منزعجون جداً من كل ذلك.

وحول هذا يقول قال "ستيفان كوفمان"، وهو مزارع من ويتزيكون في مقاطعة زيورخ: "إنَّها تعمل بشكل جيد لصالحنا"، ووصف السياسة بأنَّها تسوية سويسرية جيدة عند قوله: "ضريبة الثروة ليست كبيرة، إنَّها ضريبة غير موجعة ".

في اليوم الأخير من كل عام، يحسب "كوفمان" – وهو عضو في المجلس التشريعي المحلي للمدينة عن حزب الشعب السويسري القومي - ماشيته، ويُدخل قيمتها في الإقرار الضريبي مع بقية أصوله وفقاً للقواعد، إذ تبلغ قيمة ثيرانه الـ50 حوالي 2000 فرنك سويسري (2239 دولاراً) لكل ثور منهم. ولديه حماران يدخلان في الإقرار الضريبي؛ كل واحد منهم بمبلغ 500 فرنك.

لكنَّ سلوك "كوفمان" غير المضطرب، هو سلوك شائع في البلاد؛ لأنَّ ضريبة الثروة على صعيد المقاطعات في سويسرا ليست مسألة عاطفية كما في أيِّ مكان آخر.

ففي شهر يناير، هزم المشرِّعون محاولة خفض الضريبة في زوغ، وهي الولاية القضائية القريبة من زيورخ، المعروفة بكونها موطن الضرائب المنخفضة لصناديق التحوُّط، بالإضافة إلى كونها موطن السلع الأساسية لـِ"جلينكور بي إل سي" (Glencore Plc).

عدد قليل من دول العالم تطبق ضريبة الثروة

إنَّ سويسرا هي من بين عدد قليل جداً من البلدان المتبقية مع ضريبة الثروة السنوية الدورية، فقد انخفض عدد دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) التي فرضت تلك الضريبة إلى أربع فقط في عام 2017 من أصل 12 دولة في عام 1990.

ومن الملاحظ أنَّ أزمة فيروس كورونا قد أثارت دعوات لتغيير المسار، يقودها غالباً سياسيون أصحاب ميول يسارية. ولقد حظيت هذه الفكرة بتأييد الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، وهو جزء من الائتلاف الحاكم، وطبَّقت الأرجنتين ضريبة الثروة لمرة واحدة في ديسمبر.

وحول ذلك، قال النائب المحافظ "ميل سترايد" لراديو "تايمز" يوم الإثنين: "جرَّبت الكثير من الدول الأوروبية ضرائب الثروة، وبالتأكيد ضرائب الثروة على أساس سنوي، وقد تراجعت عنها تقريباً بشكل حتمي؛ لأنَّها معقدة للغاية". إنَّ ضريبة الثروة لمرة واحدة هي "أقرب شيء ممكن في هذا النطاق".

إنَّ ردة الفعل الأكثر شيوعاً لهذه السياسة، حتى في سويسرا أيضاً، هو أنَّها تضرب المواطنين مرة أخرى، بعد أن كانوا قد دفعوا بالفعل الاستحقاقات على دخلهم.

من جانبه، يقول "كريستيان فراي"، وهو نائب رئيس الشؤون المالية والضرائب في مجموعة "اقتصاديات الأعمال السويسرية" المؤيدة للأعمال، إنَّ ذلك يضر بشكل خاص ببعض مالكي الشركات الذين يواجهون الاضطرار إلى سحب الأموال من الشركات لدفع الضريبة، ويعانون من ضريبة الأرباح في هذه العملية، ويشير "فراي" بقوله، إنَّ ذلك يشكِّل: "عبئاً إضافياً".

وهناك انتقاد آخر يكمن في أنَّ الأثرياء يمكنهم تجنُّب ذلك عن طريق تغيير الولاية القضائية، تماماً كما أعلن "إيلون ماسك" رحيله عن ولاية كاليفورنيا، الولاية الأمريكية ذات أعلى ضريبة دخل.

التجربة السويسرية

إنَّ الأساس المنطقي لسويسرا هو المبدأ الدستوري الذي يقضي أن يدفع كل فرد بحسب إمكانياته. فضريبة الميراث منخفضة، ولا توجد ضريبة أرباح رأس المال على الممتلكات المنقولة مثل الأسهم.

ويأتي هذا الإجراء أيضاً مع ضمانات، فهناك صيغة لضمان أنَّ الأشخاص الأثرياء بالأصول، ولكن أصحاب الدخل المنخفض لا يزالون قادرين على تحمُّل تكاليف هذه الضريبة. ففي حالة "كوفمان"، تحدِّد جمعية المزارعين تقييم الثروة الحيوانية سنوياً للمساعدة في الحفاظ على بساطة إيداع الطلب.

والنتيجة هي أنَّ سويسرا تحصل على حصة أكبر من إجمالي الإيرادات الضريبية من الضرائب المفروضة مقارنة بأيِّ دولة صناعية أخرى، وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

لكن، هذا لا يعني أنَّ فعالية هذه الضريبة لا يرقى إليها الشك، فقد وجدت دراسة أجراها أستاذ الاقتصاد "ماريوس برويلهارت" في جامعة "لوزان" أنَّ خفض معدَّل ضريبة الثروة في "لوسرن" أعقبه ارتفاع في الأصول المعلنة، ملمِّحاً إلى تهرُّب مسبق.

ومهما كان الأمر، يبدو أنَّ سويسرا مرتاحة لهذه السياسة.

إذ يقول "ديفيد ويغيرسما"، الشريك في شركة "ديلويت إس أيه" (Deloitte SA) التي تتخذ من لوزان مقرَّاً لها: "إنَّ ذلك يزيل بعض التوتر الناتج عن ذلك الجدل السياسي حول الضرائب على الفقراء والأغنياء".