هل فيروس كورونا المتحوّر خارج عن نطاق السيطرة؟

موظف في أحد المختبرات الطبية يرتب أنابيب لعينات تم أخذها من المرضى
موظف في أحد المختبرات الطبية يرتب أنابيب لعينات تم أخذها من المرضى المصدر: بلومبرغ
Faye Flam
Faye Flam

Faye Flam is a Bloomberg Opinion columnist. She has written for the Economist, the New York Times, the Washington Post, Psychology Today, Science and other publications. She has a degree in geophysics from the California Institute of Technology.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لقد مر عام تقريباً منذ إطلاق الإنذارات المبكرة لفيروس كورونا. وعلى الرغم من انخفاض الإصابات، إلا أن مخاوف جديدة تتصاعد. وتتسبب التحورات الجديدة لفيروس كوفيد-19 في قلق المتشائمين من احتمال ظهور موجة قادمة أكبر.

صحيح أن الفيروس يتحور بطرق أكثر عمقاً مما توقع علماء الأحياء الصيف الماضي؛ لكن الأبحاث الجديدة تشير أيضاً إلى أنه قد تكون هناك حدود لعدد الحيل التي يمتلكها فيروس كورونا، وهذا قد يسهل على اللقاحات مواكبة الأمر.

إذا كان العلماء قد صدموا نوعاً ما من الفيروس المتحور، فذلك لأنهم لم يدركوا تماماً الطريقة التي يميل بها الفيروس إلى التحول، وبطريقة تختلف عن الأنفلونزا أو فيروس نقص المناعة البشرية. ويتمتع هذا الفيروس بموهبة تغيير الشكل عن طريق إسقاط أجزاء من شيفرته الجينية.

في وقت مبكر، لاحظ عدد قليل من العلماء ما يسمى بـ"طفرات الحذف" من خلال دراسة عينات الفيروس من المرضى الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. يمكن لمثل هؤلاء المرضى أن يكونوا مرتعاً للتطور الفيروسي، لأن الفيروس يعيش في خلاياهم لعدة أشهر، ويصنع نسخاً منه طوال الوقت.

كانت الطفرات التي لاحظها العلماء في المرضى الفرديين في الأساس هي نفسها التي شوهدت الآن في الفيروس المتحور الجديد. عالم الأحياء الجزيئية "كيفين مكارثي" من جامعة "بيتسبرغ"، الذي حلل الطفرات في المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة، اعتبر هذا الأمر مدهشاً. وقال:

التطور في هذا النوع من المرضى أعطى إنذاراً بما سيفعله الفيروس في جميع أنحاء العالم

آليات تصحيح الفيروس

نشرت مجموعة مكارثي البحثية نتائجها في وقت سابق من هذا الشهر في مجلة العلوم (Science). ونشرت مجموعة أخرى من الباحثين مقارنة مماثلة في شهر ديسمبر الماضي في مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين".

في فصلي الربيع والصيف الماضيين، اعتبر العلماء أن "سارس–كوفي-2" ( SARS-CoV-2) هو الاسم العلمي لفيروس كوفيد-19 يبتعد إلى حد ما عن الطفرات، لأنه يحتوي على آلية التدقيق الجزيئي. وعندما يتكاثر الفيروس المتحول، فإن هذه الآلية تصححه. وتمتلك الخلايا البشرية وتلك الخاصة بالحيوانات الأخرى العديد من مثل هذه الأنظمة التصحيحية للسماح لها بالتناسخ دون الكثير من الأخطاء. ولا تفعل ذلك فيروسات الإنفلونزا وفيروس نقص المناعة البشرية، وهذا أحد أسباب استمرار تلك الفيروسات في التطور بسرعة كبيرة جداً بالنسبة للقاح واحد.

ومع ذلك، اتضح أن مصحح فيروس كورونا يسمح بنوع واحد من الطفرات من خلال قسم من الشيفرة الجينية المحذوفة. لذا فإن الفيروس قادر على التخلص من أجزاء من الشيفرة ولا يزال يتناسخ، ولا يزال ينتقل إلى أشخاص آخرين.

ويقول مكارثي إنه جاء لتقييم ذلك الأمر في أوائل الخريف عندما واجه أسئلة عن بعض عمليات الحذف (في أجزاء من الشيفرة الجينية) التي جرى العثور عليها في أحد المرضى. ويوضح: "لقد بدأت بالنظر في كل هذه التسلسلات الجينومية لفيروس "سارس–كوفي–2" (SARS-CoV-2) التي جرى إيداعها من جميع أنحاء العالم في قاعدة بيانات متاحة علنية وبدأت في العثور على أمثلة إضافية".

يمكن أن تسمح عمليات الحذف للبروتينات الفيروسية بتغيير أشكالها بطرق يمكن أن تتجنب كل من آلية التدقيق الجزيئي ونظام المناعة البشري. وأوضح مكارثي أن هذا ما يقلق الناس. النوع المتحور الأول الجديد من الفيروس الذي أحدث ضجة كبيرة هو الفيروس المتحور "بي.1.1.7" ( B.1.1.7 ) الذي انتشر بسرعة كبيرة في المملكة المتحدة. ويقوم هذا الفيروس المتحور على اثنين من محذوفات الشفرة الجينية. ويبدو أن الميزة الكبيرة لفيروس كورونا من هذا النوع هو زيادة القدرة على الانتقال بين الناس. ومن المبادئ الأساسية للتطور أيضاً أنه كلما زاد إنتاج البشر للأجسام المضادة للفيروس -لأنهم أصيبوا من قبل أو لأنهم جرى تطعيمهم- زادت الميزة لأي فيروس متحور جديد بحيث يمكنه أن يراوغ تلك الأجسام المضادة. ويشبّه أندرو ريد، المتخصص في علم الأحياء التطوري بجامعة ولاية بنسلفانيا، هذا بإدخال حيوانات مفترسة جديدة على جزيرة. وعلى الحيوانات الموجودة هناك أن تموت أو تتكيف، عن طريق تنمية جلودها، أو عن طريق التسلق أو الحفر، أو عن طريق اكتساب القدرة على المقاومة.

إذا طور فيروس كورونا استراتيجية مضادة للقاحات، فسنحتاج إلى استراتيجية مضادة. وقد يعني ذلك تطوير اللقاحات الموجودة بحيث تحفز مجموعة أوسع من الأجسام المضادة. وقد يساعد أيضاً في إعطاء الأشخاص لقاحات مختلفة للجرعات الأولى والثانية (يحصل في كل جرعة على نوع مختلف لتنويع الأجسام المضادة)، وهو نهج يحتاج إلى اختباره في التجارب السريرية.

يأمل مكارثي في رؤية المزيد من البيانات عن المرضى الذين أصيبوا بفيروس كوفيد-19 على الرغم من تلقيحهم، ومتى تعرضوا له، وهل لديهم مستويات عالية أو منخفضة من الفيروس في أجسامهم. تتطلب هذه المعركة أن يكون متاحاً لدى جميع العلماء الذين يعملون لفهم نشاط الفيروس كل البيانات التي يحتاجونها.

ولكن مما تعلموه حتى الآن، لا يبدو أن الأنواع المتحورة الجديدة تعني أن الوباء لن ينتهي أبداً. ويعتقد مكارثي أن فيروس "سارس-كوفي-2" قد لا يكون قادراً على التحور بنفسه بطرق لا نهائية تجعل قدرته أفضل على إصابة الناس وتجنب الأجسام المضادة. وحتى الآن، يرى العلماء أن عمليات الحذف نفسها (لأجزاء من الشفرة الجينية) تظهر مراراً وتكراراً. ويقول مكارثي: "كان الفيروس يخبرنا أنه يتطور بطريقة معينة لسبب معين".

في هذه المرحلة، تظهر التغيرات الجديدة بطريقة مستقلة في أماكن مختلفة، وهو ما يسمى بالتطور المتقارب، وقد يكون عدد التغييرات المحتملة محدوداً.

قبل عام، اعتقد بعض الناس أن مسار الوباء يمكن التنبؤ به وفقاً للصيغ البسيطة. عندما أصبحت تعقيدات فيروس كورونا واضحة، أصبح العلماء أقل ثقة في توقعاتهم. لكن هذا يعني أيضا أنه لا يوجد سبب لافتراض أن الوباء لن يختفي أبداً.