بعد طرح لقاح "كورونا" ..هل حان الوقت للتفكير في السفر؟

كوبنهاغن في فبراير 2020
كوبنهاغن في فبراير 2020 المصدر: نور فوتو
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في جميع أنحاء العالم، تُطرح اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، ببطء لكن بثبات. لكن هل يعني هذا أنَّ الوقت قد حان لإعادة التفكير في السفر؟

بالتأكيد، تود صناعة السياحة والسفر ذلك، خاصة أنَّ أحدث بيانات المجلس العالمي للسفر والسياحة، التي نُشرت في أوائل نوفمبر من العام الماضي، تشير إلى أنَّ قيود السفر يمكن أن تحرم المحلي الإجمالي العالمي في عام 2020 فقط، من 4.7 تريليون دولار.

وفي هذا الوقت، لا يزال العاملون في المجال الطبي يحثُّون على ضرورة توخي الحذر، وهي رسالة حتمية، حتى بعد حصول الأفراد على اللقاحات المقاومة لـ "كوفيد-19".

وتأتي فكرة أنَّ اللقاحات ليست فعَّالة بنسبة 100% ضمن التحذيرات التي أطلقها العاملون في الصحة، فضلاً عن استغراق الأمر لأسابيع لتكوين مناعة لمقاومة الفيروس، التي يمكن تكوينها بعد الجرعة الثانية من اللقاح. وفي الوقت نفسه،

لايُعرف الكثير عن إمكانية انتقال الفيروس حتى بعد اللقاح، كما أنَّ مناعة القطيع ستكون أمراً بعيد المنال.

وفي حين تُجمع آراء الأطباء على استمرارية وجود المخاطر، إلا أنَّ حرية التنقل بشكل آمن يمكن أن تزداد، مما يسمح على الأقل بأنواع معينة من الرحلات بين الأفراد الملقحين ضد الفيروس، مع استمرار الحاجة إلى ارتداء الأقنعة الطبية.

وفي السطور التالية سنرصد بعض الأمور التي ستحتاج إلى معرفتها حول سلامة السفر خلال الأشهر المقبلة، سواء حصلت على اللقاح بالفعل أو كنت تبحث عن حياة طبيعية في مكان ما في الأفق.

ما نعرفه وما لا نعرفه

أثبتت لقاحات كورونا المعتمدة، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، أنَّها آمنة وفعَّالة، كما أنَّها أنجح وسيلة حتى الآن في مكافحة الوباء. ومع ذلك، لا تزال هناك أمور مجهولة، خاصة عندما يتعلَّق الأمر بإمكانية انتقال الفيروس حتى بعد التطعيم.

يتلخَّص هذا الأمر في نقطة واحدة، وهي أنَّ التجارب السريرية للقاحات المعتمدة حالياً، بما فيها تلك التابعة لشركتي "فايزر"، و "موديرنا"، لم تتضمَّن إخضاع المشاركين في الدراسة لاختبار منتظم للكشف عن كورونا (PCR).

وبدون بيانات حول إمكانية حمل ونقل الفيروس مع الحصول على اللقاحات، تشير الأدلة القاطعة إلى أنَّ اللقاحات تؤدي إلى حماية فعَّالة بنسبة 95% من حالات العدوى العرضية، وفقاً لما تقوله كريستين إنغلند، أخصائية الأمراض المعدية في عيادة كليفلاند.

وتوضح إنغلند أنَّه: " في معظم الأحيان، إذا حصلت على تطعيم ضد فيروس ما- على سبيل المثال جدري الماء أو الحصبة- فلن تكون قادراً على نقل هذا الفيروس إلى شخص آخر". وأشارت إلى أنَّه ليس هناك سبب معروف للاعتقاد بأنَّ وضع "كوفيد -19" أو اللقاحات المرتبطة به يجب أن يكون مختلفاً، مضيفة: "أتوقَّع أنَّ هذا ما سنراه مع لقاحات كورونا أيضاً، لكن علينا الانتظار حتى تثبت الدراسات ذلك قبل أن نتمكَّن من خفض مستوى الحذر بشكل كبير".

هناك أمور أخرى لا تزال مجهولة، لكنَّها مهمة أيضاً. وتقول إنغلند: "رؤية لقاح فعَّال بنسبة 95% أمر رائع، ونسبة فعاليته أفضل بكثير مما توقَّعنا، لكنَّنا لا نمتلك القدرة حالياً على معرفة من سيستجيب بشكل جيد للقاح، ومن سيكون واحداً من الـ5% التي من المتوقَّع أن ترفض أجسامهم الاستجابة للقاح".

التفكير في مناعة القطيع

هناك أمر آخر لا يزال مجهولاً، وهو الوقت والجهد الذي سيطلبه الأمر لتحقيق مناعة القطيع.

ويقول سكوت وايزنبرغ، الذي يعمل مديراً لبرنامج زمالة الأمراض المعدية في كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك: "تتوافق الآراء حول إمكانية القضاء على مخاطر الوباء واسعة الانتشار من خلال تطعيم بين 70% إلى 80% من السكان، وربما أكثر".

وأضاف وايزنبرغ، الذي يعمل أيضاً مديراً للشؤون الطبية لبرنامج (طب السفر): "نحن على بعد عدَّة أشهر فقط من القضاء على الوباء، وذلك إذا افترضنا أنَّ اللقاح يقضي بالفعل على انتقال العدوى، وأنَّ الناس يحصلون عليه".

وفي أفضل السيناريوهات، إذ يسير كل شيء على ما يرام، يعتقد وايزنبرغ أنَّ مناعة القطيع قد تتحقَّق في الولايات المتحدة في وقت ما خلال الصيف القادم. وجدير بالذكر أنَّ الولايات المتحدة لا تزال بانتظار الموافقة على اللقاحات الأسهل توزيعاً، مثل لقاح "أسترازينيكا"، الذي يمكن تسريع طرحه. لكن هذا الأمر غير محتمل بشكل كبير.

وأضاف: "هناك علامة استفهام كبيرة تدور حول قبول اللقاحات". ووفقاً لوجهة نظر وايزنبرغ، وصفت منظمة الصحة العالمية التردد في الخضوع للقاحات بأنَّه كان أحد أكبر 10 مخاطر تهدد الصحة العامة في عام 2019، أي حتى قبل أن يصبح "كوفيد-19" جزءاً من الواقع.

ومع ذلك، يمكن فحص مناعة القطيع من وجهات نظر مختلفة، وبعدة طرق لفهمها بشكل أفضل. في حين تضيف أنغلند: "يمكنك التحدُّث عن مناعة القطيع داخل البلاد، أو داخل مجتمع أصغر، أو حتى داخل الأسرة، لكن في حال (على سبيل المثال) تلقى كل شخص في الغرفة اللقاح باستثناء واحد، فيجب أن تكون قادراً على توفير مزيداً من الحماية لذلك الشخص". وهذا اعتبار جدير بالملاحظة في التجمعات العائلية التي قد يستغرق أفرادها الأصغر سناً وقتاً أطول للتأهل للحصول على اللقاح مقارنة بالأفراد الأكبر سناً، أو الأكثر عرضة للخطر.

ولم تقم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باختبار اللقاحات المعتمدة حالياً أو الموافقة عليها للأطفال بعد، مما قد يعيق السفر الجوي بين المجموعات متعددة الأجيال حتى عام 2021.

وربما في الواقع الجديد الذي فرضه الوباء، سيكون القرار المتعلِّق بالمكان الذي تعتزم قضاء عطلتك القادمة فيه، ورفيق السفر لرحلتك يعتمد بشكل أكثر على الأجسام المضادة، بدلاً من الاعتبارات العادية الأخرى، مثل الطقس والسعر.

وتقول إنغلند: "انظر بالتأكيد إلى معدَّلات الإصابة الحالية في تلك المنطقة، وإلى نسبة تطعيم سكان تلك المنطقة، فهذان الأمران مهمان للغاية".

ويضيف وايزنبرغ، لا تتفاجأ إذا بدا الأمر كأنَّه ممارسة غير متوقَّعة. فعلى سبيل المثال، في مدينة نيويورك، إذ يُعتقد أنَّ 25% من السكان قد أصيبوا بالفعل بالفيروس، قد يتطلَّب الأمر عدداً أقل نسبياً من اللقاحات لتحقيق مناعة القطيع، إذا احتفظ الأشخاص المصابون سابقاً بالأجسام المضادة.

وفيما يتعلَّق بزيارة مانهاتن، يقول وايزنبرغ: "قد تكون مخاطر التقاط الفيروس أو نشره منخفضة نسبياً في الواقع: "نظراً لصرامة إجراءات الإغلاق هناك، والقبول التاريخي للقاحات في المناطق الحضرية مقارنة بنظيرتها الريفية، وارتفاع معدَّلات الخضوع لاختبارات كورونا بين السكان المحليين، برغم الكثافة السكانية الهائلة.

ويمكنك الذهاب إلى كينيا، إذ يمكنك الاستمتاع برحلة سفاري تتسمُّ بالتباعد الاجتماعي، وقد تضطر للمرور بأماكن مثل نيروبي، التي تنخفض فيها اختبارات كورونا، ويصعب فيها الحصول على صورة دقيقة للمخاطر في الوقت الفعلي، كما يقول وايزنبرغ.

التعريف المتطور لـ "السفر الآمن"

من المتوقَّع أن يتحوَّل مفهوم "السفر الآمن" أسبوعاً تلو الآخر، خاصة في ظل تراجع حالات الإصابة المرتبطة بالسفر لقضاء إجازة والمتغيرات الجديدة للفيروس في بعض أنحاء العالم.

ويقول وايزنبرغ: "عليك أن تأخذ في الاعتبار القضايا المتعلقة بالذهاب إلى مكان ما، والعودة بالفيروس إلى منطقة ما، وما يترتب على ذلك". وهو يأمل أن تحصل المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض، والوقاية منها في النهاية على تنبيهات متعددة المستويات للوجهات السياحية، بناءً على المخاطر المحلية، في سياق التنبيهات نفسها التي أُطلقت بشأن الحصبة، لكنَّه يقول: "إنَّ الوباء منتشر للغاية حالياً، وبالتالي من الصعب انحساره باتباع مثل هذه الطريقة".

وربما يعتمد التفكير الجيد في السفر بالبحث عن البيانات المتاحة للمستشفيات في الوجهة التي ترغب بالسفر إليها، وتحديداً وحدات العناية المركزة.، ويفضَّل القيام بذلك قبل قرار قضاء إجازة في أي مكان، وذلك لضمان عدم معاناة النظام المحلي بالفعل، وإرهاقه بسبب تفشي الوباء.

ويعتقد وايزنبرغ أيضاً أنَّ الدقة المتزايدة للاختبارات السريعة للأمصال المضادة لكورونا ستساعد في ضمان السلامة مع زيادة مستويات التنقل. ويذكر أنَّ المتطلَّبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة لدخول البلاد تتضمَّن نتائج اختبارات سلبية لفيروس كورونا، حتى بالنسبة لأولئك الذين حصلوا على اللقاح بالفعل.

وتقول إنغلند: "سأركب طائرة، وسأكون صادقة معك، وأقول، إنَّني سأرتدي قناعاً، وسأحرص على اختيار مقاعد لا نجلس فيها بجانب شخص آخر، مع وجود مساحة جيدة بينها، وسأستخدم أيضاً كل مطهرات الأيدي".

وتابعت قائلة: "سنستأجر مكاناً للسكن من خلال موقع "إير بي إن بي"، ونقضي وقتاً ممتعاً على الشاطئ. وإذا قمنا بزيارة المواقع المحلية، فلن نعير حصولنا على اللقاح اهتماماً، وسنأخذ احتياطيات ما قبل اللقاح نفسها عند الاقتراب من الأشياء. لا أعتقد أنَّ هناك أي خطأ في ذلك".