بعد عاصفة تكساس.. ما الذي يمكن أن يجعل أسعار النفط تنخفض؟

العاصفة الثلجية التي ضربت ولاية تكساس
العاصفة الثلجية التي ضربت ولاية تكساس المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم تكن العاصفة الثلجية التي ضربت ولاية تكساس، والولايات المجاورة في الأسبوع الماضي إلا أحدث حلقة في سلسلة من العوامل التي أدَّت إلى ارتفاع أسعار النفط، مما يخاطر بانعدام رؤية الشيء الوحيد الذي قد يفسد ارتفاع الأسعار، ألا وهو المخزون الضخم من الطاقة الإنتاجية المتوقِّفة عن العمل.

وبدأت أسعار النفط في الانخفاض يوم الجمعة، إلا أنَّها لا تزال قريبة من أعلى مستوياتها منذ أكثر من عام، قبل فترة طويلة من تقويض الوباء للطلب العالمي.

وارتفع سعر خام برنت من 37.50 دولاراً للبرميل في نهاية أكتوبر إلى 62.50 دولاراً في غضون 15 أسبوعاً بزيادة قدرها 4% أسبوعياً، ثم أتت العاصفة الثلجية لتضيف بضع دولارات أخرى.

زيادة متوقعة في الطلب

الضغوط الكامنة وراء هذا الارتفاع المطَّرد معروفة جيداً، وتتمثَّل في تعافي الاقتصادات، وإطلاق اللقاحات، والخفض الهائل في الإنتاج الذي تمَّ الالتزام به مع انضباط غير مسبوق بين منتجي النفط في منظمة البلدان المصدِّرة للبترول، وحلفائهم الأوسع في مجموعة "أوبك +"، وبرغم أنَّ هذا الأمر لا يجري الاعتراف بأثره غالباً، إلى جانب تراجع الإنتاج المرتبط بالأسعار في أماكن أخرى.

بدأ الطلب على النفط في الانتعاش، ومن المتوقَّع أن يعود بسرعة أكبر في الأشهر المقبلة. وترى وكالة الطاقة الدولية أنَّ الطلب سيصل إلى حدود 1.5 مليون برميل يومياً من مستويات ما قبل الوباء مع حلول نهاية هذا العام، مقارنة بعجز قدره 16 مليون برميل في الربع الثاني من عام 2020. ولكن لا تزال هناك قيود على التوريد، مما يساعد في استنزاف المخزون الزائد، ودعم الأسعار.

مستقبل مستويات الإنتاج

أما في الولايات المتحدة، فقد أدى التزام رأس المال الجديد بين المنتجين في مجال النفط الصخري إلى اتخاذهم نهجاً أكثر حذراً في الاستثمار الجديد، على الأقل حتى الآن. وأدى ذلك إلى الحدِّ من مستويات الإنتاج حتى مع ارتفاع الأسعار، وهي صورة تشابه ما يجري في العديد من الأماكن حول العالم. وتمَّ تعليق مشاريع الصيانة الميدانية واستثمارات رأس مال، مما يقوض التدفُّقات الجديدة المحتملة، ويسرِّع معدَّلات الانخفاض في الحقول القائمة.

كما شهدت كلٌّ من أنغولا، والجزائر انخفاضاً في طاقاتهما الإنتاجية إلى درجة لم تعد قادرة على تلبية مستويات الإنتاج المنخفضة المستهدفة، حتى داخل "أوبك" نفسها، بغض النظر عن خطوط الأساس المقطوعة مسبقاً. ووصل إنتاج أنغولا إلى أكثر من 80 ألف برميل يومياً أقل من الهدف المحدد لديسمبر، وتتسع الفجوة كل شهر.

لكنَّ الأمر مختلف في مكان آخر في المجموعة، وتمتلك عشر دول من "أوبك +" حوالي 7.75 مليون برميل يومياً من الطاقة الاحتياطية. وحتى مع استبعاد المملكة العربية السعودية، بطل الامتثال الكامل لتخفيضات الإنتاج، والأكثر قلقاً من تخفيف التخفيضات بسرعة كبيرة؛ فإنَّ هذا الركود لا يزال قريباً من 5.25 مليون برميل، وهو أكثر من كافٍ لعكس ارتفاع الأسعار، كما أنَّ هذا لا يأخذ في الحسبان أي شيء قد يأتي من إيران.

قرارات مرتقبة

مع تلك الأرقام الصارخة في الخلفية، فمن المقرر أن يجتمع تحالف "أوبك +" في أقل من أسبوعين ليقرر ما إذا كان سيعدِّل أهداف الإنتاج المتفق عليها في أبريل، كما من المقرر أن تنهي المملكة العربية السعودية بالفعل خفضها الاختياري الإضافي المطبَّق لشهري فبراير ومارس، الذي من شأنه أن يضيف مليون برميل يومياً من الإنتاج.

ومع اقتراب سعر خام برنت من 65 دولاراً للبرميل، فقد تتضاءل رغبة الأعضاء الآخرين في الإبقاء على تخفيضات كبيرة.

و تشير التوقُّعات الأكثر تفاؤلاً للوكالات الكبرى (وكالة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وأوبك) إلى انخفاض المخزونات العالمية بمعدَّل مليوني برميل يومياً هذا العام، إن التزمت "أوبك+" بهدف الإنتاج الحالي، وهو ما لن يحدث.

وباستثناء المملكة العربية السعودية؛ تحتفظ ثلاث دول فقط بمعظم الطاقة الاحتياطية للمجموعة، وهي الإمارات العربية المتحدة، وروسيا، والعراق، والإمارات العربية المتحدة، وهي مستاءة بالفعل من هدف الإنتاج الذي تعتقد أنَّه منخفض للغاية، كما طالبت روسيا بزيادات في الإنتاج المستهدف مخالفة لإجماع الأعضاء لشهري فبراير ومارس عندما اجتمعت المجموعة بكاملها الشهر الماضي، وحصلت على ما تريد. كما كانت روسيا وكازاخستان، هما البلدان الوحيدان اللذان لم يثبتا مستويات الإنتاج المستهدفة، كما أنَّ العراق يفشل باستمرار في التخفيض المطلوب منه، وفشل باستمرار في تعويض الإنتاج الزائد في الماضي.

ما بعد انحسار العاصفة

وفي حال تزايد الإرهاق الناتج عن تخفيض الإنتاج، فقد تصبح الأمور سيئة وسريعة جداً، وكما يبدو، فإنَّ اتفاق "أوبك +" المعدَّل سيسمح للمجموعة بإضافة ما يصل إلى نصف مليون برميل يومياً في أبريل، لكنَّ روسيا حصلت بالفعل على نصيبها في فبراير ومارس، وبالتالي لا ينبغي أن تحصل على المزيد. وأشكُّ أن تكون موسكو، التي تحوِّل بالفعل الخام من محطات التصدير إلى المصافي المحلية، سعيدة بذلك.

ومع وصول سعر خام برنت لسعر 65 دولاراً للبرميل، وانحسار تأثير العاصفة الثلجية في تكساس عن رقعة النفط (برغم أنَّ تأثيرها على المصافي سيستمر لفترة أطول كما يبدو)، فقد ينضمُّ أعضاء آخرون بالتحالف إلى روسيا في التشكيك في حكمة الاستمرار في الاحتفاظ بكل هذا الإنتاج خارج السوق لصالح المنتجين في أماكن أخرى، كما أنَّ عملاء مثل الهند قد بدأوا يحتجون أيضاً، مما سيزيد من الضغط.

وإن لم تتمكَّن المملكة العربية السعودية من إدارة كل ذلك بطريقة مضبوطة، فقد يفتح حلفاؤها السابقون الباب على مصراعيه أمام الإنتاج، وهو موقف اختبروه من قبل، ولم يكن في صالح الجميع.