قطاع السياحة العالمي.. بوادر انتعاش تلوح في الأفق والرهان الأكبر على اللقاح

أهرامات الجيزة في مصر
أهرامات الجيزة في مصر المصور: Harald Nachtmann / Moment RF
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في وقت مبكر من الوباء العالمي، سارع خبراء السفر لتحديد شكل التعافي؛ هل سيكون على شكل حرف "L" أم سيكون أكثر من ذلك عند حرف "W"؟

وبعد مرور عام، وربالرغم من الانتعاش القصير والكثير من الطلب المكبوت، فإنَّ انتعاش السفر لم يحدث بعد.

ومع ذلك، هناك بصيص من التفاؤل سواء بالنسبة للصناعة أو للأشخاص الذين يتوقون إلى إزالة الغبار عن حقائبهم، فقد بدأ المسافرون الآن بالحجز لرحلات يأملون في القيام بها بعد شهور أو أكثر في المستقبل.

ويبلي عددٌ قليلٌ من الأسواق، بما في ذلك أفريقيا والقارة القطبية الجنوبية، بلاءً حسناً، للدرجة التي بِيع فيها مخزونها الأكبر من فترات مواسم الذروة القادمة – أي الشتاء والصيف على التوالي في الجزء الجنوبي. كما تزدهر بعض الوجهات الآن.

وفي ميامي كمثال على ذلك، وباستثناء أربعةٍ فقط، حُجزت جميع فنادقها الخمسة عشر من فئة الخمس نجوم، التي يمكن حجزها على موقع "إيكسبيديا"، أثناء أسبوع عطلة "يوم الرئيس". وكانت الغرف المتوفرة مقتصرة على الأغلى فقط.

وفي "سانت ريغيس بال هاربور"، لم يتم حجز سوى عدد قليل من الأجنحة التي تبلغ قيمتها 3500 دولار في الليلة، وكان المخزون المتبقي في فندق "وان هوتيل ساوث بيتش" مقصوراً في الغالب على الجناح الرئاسي الذي تبلغ مساحته 4500 قدم مربع بتكلفة 50,617 دولاراً في الليلة، أي ما يقرب من نصف مليون دولار للحجز في عطلة فبراير بأكملها.

وتعدَّدت أسباب الإقبال على ميامي بفلوريدا، وهي الملقَّبة بـ"المدينة السحرية"، فقد دفعت عمليات إغلاق الحدود الدولية المسافرين إلى البحث عن بدائل محلية للهرب بعيداً، فكان لفلوريدا نصيب بسبب طقسها الذي لا يمكن التغلب عليه.

واستدرج العمدة فرانسيس سواريز المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا لنقل عملياتهم الافتراضية بالفعل إلى الولاية الصديقة للضرائب، كما أنَّ تساهل فلوريدا بشأن وباء كورونا سمح للزوار بتناول الطعام، والاحتفال في أيِّ مكان أرادوه تقريباً.

وقد استجابت شركات الطيران بدورها لهذا الطلب من خلال زيادة الرحلات الجوية، فحتى في ذروة الموجة الثانية من الإصابات، كانت ميامي تشهد وصول حوالي90 ألف زائر عبر مطارها الدولي في أي يوم من الأيام، مقارنة بمتوسط ​​يتراوح بين 105 آلاف،

و 115 ألف زائر في الأوقات العادية.

مستقبل السفر في زمن "كورونا"

وتُمثِّل ميامي بالنسبة للمسافرين الأمريكيين نقطة العودة الحذرة للسياحة، وفقاً لمسحٍ غير رسمي لأكثر من عشرة من مقدِّمي خدمات السفر، ومواقع الحجز عبر الإنترنت، والمجموعات الصناعية، والمحللين، والاستشاريين.

وقال هؤلاء الأشخاص، إنَّه برغم استمرار الإغلاق الفعّال للوجهات المرغوبة في جميع أنحاء أستراليا، وجزء كبير من أوروبا، يستكشف المسافرون المتحمِّسون الفرص المتاحة في جميع أنحاء العالم، ويسيطر على اختياراتهم عامل الحدود المفتوحة، والشعور بالأمان إلى حد كبير.

أما المسافرون المتحمِّسون للعودة إلى مواقعهم المفضلة، فهم ببساطة يضعون رهانات مبكرة، أملاً في ترحيب وجهاتهم بهم عندما يحين الوقت لذلك.

وتعدُّ الأماكن البعيدة المفتوحة على مصرعيها من بين الاختيارات الأكثر شيوعاً. فهناك إشارات أيضاً على تزايد الطلب على الوجهات التي يرتفع فيها استخدام اللقاح.

ووفقاً لبحثٍ نشرته جمعية الفنادق والإقامة الأمريكية في شهر يناير، يرى ما يقرب من نصف المستهلكين أنَّ توزيع اللقاح هو مفتاح السفر، في حين قال أغلب هؤلاء، إنَّهم سيشعرون براحة أكبر في معرفة أنَّه تمَّ تطعيم نسبة كبيرة من السكان المحليين بدلاً من قيامهم بتوفير الحماية لأنفسهم فقط.

وهذا يفسر سبب توقُّع شركة "آبيركرومبي آند كينت" Abercrombie & Kent اندفاعاً في الحجوزات إلى إسرائيل، إذ تلقى بالفعل أكثر من 40% من السكان جرعة لقاح واحدة على الأقل.

وباستثاء حالات نادرة، لا يمكن للمسافرين زيارة إسرائيل بعد، إذ لم تحدِّد الدولة موعداً لإعادة فتح حدودها، إلا أنَّ حملة التطعيم الخاصة بها ستكون قد تضاعفت بشكل فعَّال لتصبح أداة تسويق سياحي مقصود أو غير مقصود، عندما يحين الوقت لإعادة الفتح.

ولا تزال صناعة السفر العالمية التي تبلغ قيمتها 1.7 تريليون دولار تعاني بشكل عام بالطبع، ففي الولايات المتحدة بلغت نسبة إشغال الفنادق حوالي 40% طوال شهر يناير، وفقاً لبيانات محلل الصناعة، "إس تي آر".

وسجَّلت شركتا "أمريكان إيرلاينز"، و"يونايتد" في الربع الأخير من عام 2020، خسائر بنحو 2 مليار دولار لكل منهما، مما ساهم في نزيف على مستوى الصناعة بقيمة 118مليار دولار على مدار العام.

وكما هو الحال دائماً، يمكن أن تتغيَّر التوقُّعات بين الحين والآخر، إلا أنَّ النقاط التالية تعدُّ بمثابة الضوء في نهاية النفق الطويل للصناعة.

البحث عن أشعة الشمس

وإذا كان السفر قد اقتصر على السياحة الداخلية بالنسبة للأمريكيين في عام2020 بسبب حالة إغلاق الحدود، لكنَّهم يضعون نصب أعينهم مناطق أبعد من ذلك الآن مثل: البحر الكاريبي، والبحر الأبيض المتوسط.

وبالرغم من أنَّ عمليات البحث حتى شهر أبريل كانت بطبيعتها محلية إلى حد كبير، إلا أنَّ البيانات الواردة من موقع "تريب أدفايزر" تشير إلى أنَّ غالبية عمليات البحث عن الفنادق على منصتها التي جرت من مايو فصاعداً، كانت لوجهات دولية.

وبالمثل، قال تطبيق الحجز "هوبير" Hopper، إنَّه شهد ارتفاعاً كبيراً في الحجوزات الدولية، خاصة في وجهات العطلات ذات الطقس الدافئ والقريبة من الولايات المتحدة.

وشملت تلك الوجهات،وفقاً لمتحدِّث باسم الشركة، كانكون، وكابو، وبويرتا فالارتا في المكسيك، وسان خوان في بويرتو ريكو، وسانت توماس في جزر فيرجن الأمريكية.

ويقول جاك إيزون، المؤسس المشارك لشركة "إمبارك بيوند" المتخصصة في استشارات السفر الفاخرة: "الكل يريد أشعة الشمس، حجزنا الكثير من الرحلات الصيفية منذ الأسبوع الأول من شهر يناير. أنا لا أتحدث عن عددٍ قليل، فالناس أرادت تعويض الوقت الضائع عبر الرحلات إلى البحر الأبيض المتوسط تحديداً​​، التي يرون أنَّها رحلات سنوية تمَّ إجبارهم على التخلُّص منها في العام الماضي".

وشهدت بروك لافيري، الشريكة في شركة استشارات السفر "لوكال فورينير"، الأمر نفسه، فتقول: "إنَّه لأمر مدهش..الناس لا يدركون أنَّ أوروبا لا تزال مغلقة".

وفي حين أنَّها قدَّرت سابقاً أنَّ عملاءها سيتمكَّنون من الوصول إلى البحر المتوسط ​​بحلول شهر مايو، إلا أنَّها غير متأكدة الآن من أنَّ هذه الرحلات ستتمُّ قبل نهاية الصيف، مع عمليات الإغلاق الأكثر صرامة التي تجتاح أوروبا.

ويوافق إيزون على هذا بقوله: "أنا لا أحسب أموالي قبل أن أحصل عليها في جيبي"، مشيراً إلى احتمالية إلغاء أو تأجيل هذه الحجوزات المبكرة.

إلا أنَّ لافيري بدوره يرى منطقة البحر الكاريبي الرهان الأكثر أماناً. فمع تضرر الاقتصادات المحلية بشدة من الإغلاق المكثف المرتبط بوباء كورونا، أطلقت المنطقة دعوة قوية لإعادة فتح السياحة بحذر.

ومن بين 27دولة جزرية تتبعها "ترافيل ويكلي"، بقيت خمس دول فقط مغلقة أمام المسافرين الأمريكيين. (تعدُّ أغلب هذه الجزر فرنسية إلى حد كبير، وتتبع الإرشادات الأوروبية).

وسارعت المنتجعات في جميع أنحاء المنطقة إلى إطلاق مبادرات لإجراء اختبارات كورونا عالية الدقة في الموقع، لكي تساعد المسافرين الأمريكيين على التنقل وفقاً لمتطلَّبات الدخول والعودة.

وتعدُّ جمهورية الدومينيكان من بين قصص النجاح حتى الآن، فقد انتعشت السياحة لديها إلى 36% فقط على أساس سنوي، بعد انخفاض السياحة الدولية بنسبة 90% في نقاط معينة العام الماضي.

مساحات مفتوحة

ونظراً لأنَّ السفر إلى أوروبا يبدو غير ممكناً في الصيف، فقد تكون أفريقيا نقطة مضيئة. تقول "غو تو أفريكا"، مزوِّدة السفر المتخصصة في خدمات السفر المصمَّمة خصيصاً إلى القارة السمراء، إنَّ عمليات البحث على موقعها قد انخفضت بنسبة 90% في ذروة الموجة الأولى من الوباء، إلا أنَّها انخفضت بنسبة 20% فقط على أساس سنوي مع حلول شهر يناير.

ويضيف إيزون، الذي شهد ارتفاعاً مماثلاً: "أفضل النُزل ممتلئة في الصيف بالفعل ".

وتتفق باميلا لاسرز، المتحدِّثة باسم شركة "آبيركرومبي آند كينت" للرحلات الفاخرة، بقولها: "هذه لحظة أفريقيا، نحن نوصي بالذهاب في رحلات السفاري، إذ توجد المساحات المفتوحة الواسعة والخصوصية في المعسكرات الصغيرة"، مشيرة إلى أنَّ الاهتمام يمتد إلى مصر، التي تعدُّها "أكبر متحف مفتوح في العالم".

وتمر القارة القطبية الجنوبية "أنتاركتيكا" بمشهد مماثل، فقد شهد مجمع السفر عبر الإنترنت "ترافيل سترايد" زيادة نسبتها 25% في الحجوزات بأقصى جنوب القارة مقارنة بأرقام العام الماضي قبل تفشي الوباء.

وعلى "غوغل"، أثارت القارة القطبية الجنوبية أكبر ارتفاع في اهتمام المسافرين الأمريكيين، عندما قامت شركة "وايت ديزيرت" المعروفة بتقديم رحلات جوية بدلاً من الرحلات البحرية إلى القارة، ببيع رحلتين بالفعل في أواخر عام 2021، بالرغم من ارتفاع أسعارها إلى حوالي 100 ألف دولار للفرد الواحد.

وتتجه جزر المالديف إلى الصعود أيضاً، فقد سجَّلت الدولة المزيد من طلبات البحث المتعلقة بالسفر على "غوغل" أكثر من أيِّ دولة أخرى في الفترة الممتدة من نوفمبر 2020 إلى يناير 2021، وشهدت بعض أفضل منتجعاتها، مثل "سونيفا فوشي"، ارتفاعاً في إيراداتها بنسبة وصلت إلى 50% في الشهور الأخيرة من عام 2020 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019 .

الحذر لا يزال واجباً

لكن لدى بيتر بيتس، رئيس ومؤسس شركة "ستراتيجيك فيجن" للاستشارات المتخصصة في مجال السفر، نظرة حذرة بشأن تعافي السفر.

فهو يقول، إنَّ تاريخ أحدث الأبحاث التي أصدرتها شركته، كان قديماً عند نشره في يناير، واستند إلى استطلاع تمَّ إرساله في أواخر نوفمبر.

في تلك المرحلة، قال مستشارو السفر، إنَّ إيطاليا، وفرنسا واليونان، واليابان كانت من بين أفضل الوجهات المخطط لها لعام 2021، ومع حلول الوقت الذي تمت فيه طباعة تلك الردود، جعلت الموجة الجديدة من عمليات الإغلاق، هذه الخطط غير مرجحة في أحسن الأحوال.

ويقول بيتس: "كل ما درسناه في الربع الأخير قد تغيَّر مرة أخرى. من الممكن أن يعيد ذلك نفسه، مما قد يُعرِضُ قصص النجاح المبكرة المذكورة هنا للخطر، الكلمة الجديدة هي البقاء. هل ستبقى؟ أم أننا سنضطر إلى تغيير هذا الحجز؟".

ويرى بيتس أنَّ أحد القضايا التي ستخص أفريقيا، تتمثَّل في المخاوف المتعلِّقة بسلالة كورونا الجديدة القوية في جنوب أفريقيا.

وقال: "سيظن الناس أنَّ هذا الأمر سائد في جنوب أفريقيا، وأنَّه سينتشر في جميع أنحاء القارة، سيعممون ذلك، وهذا من شأنه أن يخلق مشاكل هناك، ويعدُّ الذهاب في رحلات السفاري لكثير من الناس عطلة لمرة واحدة مدى الحياة، لذلك هذه ليست فكرة جيدة إن لم تكن مرتاحاً تماماً لها".

ويمكن أن تتكرر هذه الرواية في أيِّ مكان. كما يتعلَّق الشك الآخر بعدم فعالية اللقاحات على المدى الطويل، والسياسات الجديدة التي تُعدها السلطات الصحية في جميع أنحاء العالم.

وقال بيتس: "من المثير للقلق أنَّهم يفكرون في جرعة معززة، أو أنَّ الجميع سيضطرون إلى أخذ جرعة ثالثة.. إنَّ الأسئلة حول المدة التي ستستغرقها الجرعات في حماية الفرد قد تهدد مصداقية جوازات السفر الخاصة بالحصانة".

ويقول بيتس أيضاً: "هناك الكثير من الأسئلة التي يطرحها أي مسافر هذه الأيام، ولكن بطريقة غريبة، قد لا يكون ذلك سيئاً بالنسبة لمقدِّمي خدمات السفر، فيجب أن يكون مستشار السفر مستشاراً حقيقياً الآن؛ لأنَّ لدوره حالياً أهمية أكبر من أيِّ وقت مضى. في الواقع، بمجرد أن يتمكَّن الناس من السفر مرة أخرى، فهؤلاء المستشارون هم من سيكون آداء أعمالهم جيداً ".