سلاح المعادن النادرة سيأتي بنتائج عكسية على الصين

الصين لم تعد مصدر تهديد للعالم بامتلاكها حصة كبيرة من المعادن الأرضية النادرة بعدما زاد الإنتاج العالمي منها لتحقيق توازن في السوق والحد من سيطرة بكين
الصين لم تعد مصدر تهديد للعالم بامتلاكها حصة كبيرة من المعادن الأرضية النادرة بعدما زاد الإنتاج العالمي منها لتحقيق توازن في السوق والحد من سيطرة بكين المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت الصين تستطيع في وقت ما أن تجعل العالم يرتجف من خلال تهديدها لإمدادات المعادن الأرضية النادرة، لكن هذا الوقت أصبح من الماضي، وهذا هو سبب عدم القلق كثيراً بشأن الأخبار التي تفيد بأن بكين تخطط لحظر تصدير التكنولوجيا الخاصة بتكرير مجموعة المعادن الثانوية.

وإذا تم اتخاذ مثل هذه الخطوة، فمن المرجح أن تأتي بنتائج عكسية بشكل أكثر إثارة حتى من محاولاتها السابقة لتحويل تجارة المعادن النادرة لسلاح في يدها.

وفي عام 2010، تسبب نزاع بين الصين واليابان حول مجموعة من الجزر قبالة الساحل الشمالي الشرقي لتايوان في قيام بكين بفرض قيود على تصدير جميع المعادن الأرضية النادرة السبعة عشر، ما شكل آنذاك مشكلة بالنسبة لليابان، التي تعتمد على عناصر مثل النيوديميوم والديسبروسيوم والتيربيوم، كمكونات أساسية للمعدَّات مثل المحركات وثنائي باعث الضوء والليزر وخلايا الوقود.

في ذلك الوقت، كانت الصين تحتكر تقريباً إنتاج العالم لهذه المعادن. وبدون مصادر بديلة للإمداد، فإن صناعة التكنولوجيا المتقدمة في اليابان ستصاب بالشلل.

درس من الأزمة

تم استخلاص درس بسيط من تلك الأزمة، فنظراً لاستعداد الصين لاستخدام المعادن الأرضية النادرة كسلاح جيوسياسي، فإن التنويع سيكون ضرورة مطلقة.

شركة اليابان للنفط والغاز والمعادن (Jogmec)، وهي مؤسسة مملوكة للدولة تأسست لضمان وصول البلاد إلى المواد الأساسية، قامت بتمويل المُنتِج الأسترالي "ليناس راير إيرث" (Lynas Rare Earths Ltd) بأسعار أقل بكثير من أسعار السوق لتشجيع سلسلة التوريد غير الصينية.

وبفضل هذا الاستثمار، تنتج "ليناس راير إيرث " الآن ما يقرب من 20 ألف طن متري سنوياً من أكاسيد التربة النادرة في منجم "ماونت ويلد" التابع لها والواقع في أستراليا وفي مصنع المعالجة في ماليزيا، وإنتاجها أكثر من كافي لتلبية الطلب الأمريكي بالكامل، ناهيك عن 500 طن أو نحو ذلك اللازمة لاستخدامها في البنية التحتية الخاصة بها.

ووقعت الشركة الشهر الماضي عقداً لبناء منشأة جديدة تعالج 5 آلاف طن سنوياً من التربة النادرة في تكساس، بتمويل مشترك مع وزارة الدفاع الأمريكية.

كما ساعد البنتاغون في العام الماضي في تمويل سلسلة من المشاريع الأخرى لضمان المزيد من عمليات المعالجة في الولايات المتحدة، بما في ذلك منجم "ماونتين باس" الكبير في صحراء موهافي حيث تعمل هناك الشركة المدرجة "إم بي ماتيريالز كورب" (MP Materials Corp).

وكانت نتيجة كل هذا دراماتيكية، حيث كان إنتاج الصين يشكل 98% من الإنتاج العالمي للتعدين في عام 2010، لكن حصة الصين انخفضت في السوق إلى 58% بحلول عام 2020. ويمثل "ماونت ويلد" و"ماونتين باس" وحدهما الآن ما يقرب من ربع العرض العالمي للأتربة النادرة.

وفي الوقت نفسه، أنشأ البنتاغون أيضاً مخزوناً حكومياً من المعادن الأرضية النادرة مماثلاً للاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأمريكي، وفي العام الماضي أعلن عن خطط لشراء حوالي 5 آلاف طن.

تهديدات الصين تدعم المنتجين المنافسين

وبشكل منفصل، قام المستوردون الرئيسيون برفع قضية ضد الصين في منظمة التجارة العالمية بشأن المعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى كل من عنصر التنجستن والموليبدنوم، وهما عنصران آخران كان لدى الصين منهما حصة ضخمة من العرض.

لقد أدت تهديدات الصين من وقت إلى آخر على مدار العام الماضي بالفعل إلى ارتفاع تقديرات المنتجين غير الصينيين، مما يسهل عليهم بدرجة أكبر تمويل التوسعات في التعدين والقدرة على المعالجة.

حيث جمعت "ليناس راير إيرث" في أغسطس الماضي 425 مليون دولار أسترالي (335 مليون دولار) لبيع أسهم جديدة لدفع تكاليف منشأة معالجة في أستراليا وتحديثات في مصنعها في ماليزيا.

وارتفعت القيمة السوقية لشركة "إم بي ماتيريالز كورب" بأكثر من عشرة أضعاف منذ طرحها للاكتتاب العام عبر صفقة شركة ذات أغراض خاصة للاستحواذ في يوليو الماضي.

إن هذا التحول في الأحداث لا يجب أن يفاجئ أحداً، فعندما استخدمت الدول العربية هيمنتها على صادرات النفط لرفع أسعار الخام في السبعينيات، لم تكن النتيجة سيطرة خليجية دائمة على الطاقة، بل كانت النتيجة اندفاعاً نحو التنويع، وأحالت الدول الغنية محطات الطاقة التي تعمل بالنفط إلى التقاعد، وبنت مولدات تعمل بالفحم وبالطاقة النووية بدلاً عنها، بينما تم حفر آبار جديدة في بحر الشمال وسيبيريا والمكسيك وتكساس.

وعندما فرض "ريتشارد نيكسون" حظراً على تصدير فول الصويا قبل فترة وجيزة من الحظر النفطي العربي عام 1973 للمساعدة في كبح جماح التضخم المحلي المتسارع في الولايات المتحدة، كانت هناك نتيجة مماثلة. حيث ساعدت عندها اليابان، التي تعتمد على أمريكا في حوالي 92% من إمدادها بفول الصويا، على إنشاء صناعة برازيلية لتنويع قاعدة وارداتها، وهي الآن أكبر منتج عالمي لهذه البذور الزيتية.

فالعالم يعتمد على سلاسل إمداد مترامية الأطراف من المواد النادرة لإنتاج مجموعة من المنتجات الرئيسية، من بطاريات السيارات الكهربائية إلى الأسمدة وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي.

وفي معظم الأوقات، لا نولي اهتماماً كبيراً للاعتماد المتبادل المندمج في هذه الشبكات التجارية، لأنه لا يوجد لاعب متهور بما يكفي يمكنه إلحاق الضرر بمكانته في السوق من خلال استخدام هذه الموارد كأداة لنفوذ جيوسياسي.

وبينما تسعى الصين نفسها جاهدة لإظهار ذلك في السوق الأكثر تعقيداً من الناحية الفنية لأشباه الموصلات، وعلى الرغم من أن القيود السياسية على الصادرات لن تؤدي إلا لقيام المستوردين الرئيسيين بإعادة تشكيل سلاسل التوريد الخاصة بهم لتكون أكثر مرونة. لذلك، فإن سيطرة بكين على المعادن الأرضية النادرة هي عبارة عن نمر من ورق كما كانت في أي وقت مضى.