هل تتجه أسعار السلع عالمياً لـ"طفرة" جديدة؟

أسعار المعادن تحقق قفزات كبيرة
أسعار المعادن تحقق قفزات كبيرة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تستعد بنوك وول ستريت، مع ارتفاع أسعار السلع، لدورة زيادة قياسية جديدة، ولكن تشير الآليات الأساسية إلى أنها لن تكون تكراراً للطفرة الملحمية بقيادة الصين في بداية القرن الحالي.

ويتجه النحاس لأعلى مستوى على الإطلاق، وتزداد الحماسة نتيجة الارتفاع في الأسواق الزراعية، وأسعار البترول، لمستويات ما قبل كوفيد مع تحسن الاقتصادات -التي تتمتع بمحفزات هائلة- بعد إغلاقات كوفيد 19.

وتتمثل النظرية في أن هذا سيكون مجرد البداية لسنوات طويلة من الارتفاع في الطلب على المواد الخام في جميع المجالات.

مستقبلٌ ملبدٌ بالغيوم

لكن هناك ألغازاً تحيط بالتوقعات طويلة المدى، فعلى سبيل المثال، يبشر التحول في الطاقة بعصرٍ جديدٍ مشرق للمعادن الخضراء مثل النحاس، ولكن هذا التحول سيأتي على حساب سلعة رئيسية أخرى، وهي النفط.

ومع تدفق المستثمرين مجدداً لأسواق مثل النحاس توقعاً لتعافي في التضخم مدفوع من النمو، يصبح صنَّاع السياسة والاقتصاديين على حد سواء أكثر تيقظاً لتداعيات ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.

ما هي "الدورة الفائقة"؟

ورغم اختلاف تعريفاتها، فإن الدورة الفائقة ينظر إليها عادة كفترة مستمرة من النمو القوي الاستثنائي في الطلب والذي يكافح المنتجون لمجاراته، ما يحفز موجة صعود في الأسعار يمكن أن تستمر لسنوات أو في بعض الحالات لعقود أو أكثر.

وبالنسبة لبعض المحللين، فإن الصعود الواسع الحالي يثير ذكريات الدورة الفائقة المشهودة خلال بروز الصين في أوائل القرن الحالي، ولكن عند التدقيق عن قرب، تتباين توقعات السلع على أساس فردي، وربما قد يستغرق الأمر من شركات تعدين النحاس عِقداً من الزمن لتطوير رواسب جديدة لمقابلة الطلب، بينما تبدو آفاق منتجي البترول بدءاً من حوض البرميان إلى الخليج العربي أكثر قتامة، ما يهدد مكاسب الأسعار على المدى البعيد.

حظوظٌ متباينة

وتَظهر الحظوظ المتباينة بين النفط والمعادن بالفعل في أسواق الأسهم، فقد تفوقت شركة "بي إتش بي غروب"، أكبر شركة تعدين في العالم، على شركة "رويال داتش شل" كأكبر شركة مدرجة في بورصة لندن.

ويقول مايكل وايدمر، مدير أبحاث المعادن في "بنك أوف أمريكا" في لندن: "ببساطة سوق النحاس هي سوق نمو واضحة، ولكن سوق البترول ليست كذلك، وهذا لا يعني بالضرورة أن سوق البترول هبوطية ولكن آلياتها مختلفة تماما".

ويرى "غولدمان ساكس غروب"، و"بلاك روك إنك"، و"سيتي غروب إنك"، و"بنك أوف أمريكا" أن النحاس يتحرك تجاه أعلى مستوياته على الإطلاق فوق 10 آلاف للطن، وأنه تجاوز بالفعل أصعب مراحل الصعود، وتضاعف سعره من المستويات الدنيا في مارس إلى ما يزيد على 9 آلاف دولار بدفع من الرهان على ارتفاع الطلب مع تعافي العالم من الوباء ونتيجة لضخ الحكومات أمولاً في استثمارات البنية التحتية للسيارات الكهربائية ومصادر الطاقة المتجددة.

وارتفع البترول أيضا - إلى ما يزيد على 60 دولارا للبرميل - نتيجة تعافي الطلب المنهار بوتيرة أسرع من النقص الأعمق والمستمر في المعروض، ويرى "غولدمان" أنه سيصل إلى 75 دولاراً خلال أشهر، ولكن تعتمد المكاسب طويلة الأجل بقدرٍ كبير على استمرار انكماش المعروض بوتيرة أسرع من الطلب في ظل ازدياد زخم تحول الطاقة.

ويصعب على منتجي البترول مقاومة ارتفاع الأسعار، ولدى أوبك وحلفائها حوالي 9 ملايين برميل يومياً من القدرة الفائضة المعطلة الشهر الماضي، وهو ما يعادل 10% من المعروض العالمي الحالي، وإذا استمرت الأسعار في الصعود، لن يكون أمام المجموعة - أو منافسيها في دول مثل الولايات المتحدة - الكثير من الحوافز لإبقاء البراميل جانباً.

السلع الزراعية ترتفع أيضاً

ثم هناك السلع الزراعية التي تحكمها آلياتها الخاصة، وارتفعت أسعار فول الصويا والذرة إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات، مدفوعة بالشراء الذي لا هوادة فيه من قِبل الصين في الوقت الذي تعيد فيه تعزيز قطيع الخنازير بعد المرض القاتل الذي أصابها، ولكن يتوقف الارتفاع على وقت تباطؤ المشتريات من الصين.

وكما هو الحال في النفط، أصبحت استجابة المعروض أسرع، ويعني تطوير البذور أن المزارعين يحصلون على غلة محاصيل أفضل، وأصبحت المحاصيل أقل عرضة لتقلبات المناخ من ذي قبل.

وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية بالفعل عمليات زراعة قياسية للذرة وفول الصويا العام الجاري، ويتوقع المسؤولون التنفيذيون في بعض أكبر شركات تجارة السلع الزراعية في العالم أن تستمر المكاسب لعام أو عامين آخرين.

وهو ما أوجد الكثير من المناصرين لفكرة دورة صاعدة جديدة للسلع تقوم على المعادن حيث قادت الأسعار المرتفعة إلى أرباح قوية وعائدات قياسية لشركات التعدين.

ووزعت "بي إتش بي"، و"ريو تنتو" أرباحاً بقيمة 14 مليار دولار الأسبوع الماضي، ولكن هذه الأرباح تأتي أساساً من الحديد الخام وليس السلع المستفيدة من الاتجاهات المستقبلية مثل النحاس أو النيكل التي ترى وول ستريت إنها ستقود الدورة الفائقة المقبلة.

ورغم أن كلتاهما لديهما خطط نمو كبيرة فيما يخص النحاس، فإنهما حذرتان بشأن آفاق الأجزاء الأخرى من محفظتهما. وتتوقع "بي إتش بي" أن يرتفع الطلب على الصلب بوتيرة مشابهة لنمو السكان عالميا، ونفس القصة فيما يخص الفحم والبترول، حيث تتطلع أكبر الشركات في السلعتين إلى خفض وليس زيادة الإنتاج.

لا يبدو أنها "الدورة الفائقة"

ويعد ذلك تناقضاً صارخاً مع بداية الدورة الفائقة الماضية عندما كانت خامات الحديد والفحم والنفط هي المستفيدة الرئيسية من التوسع الصناعي في الصين، ولا يضاهي النحاس تلك الأسواق في الحجم، كما أن المواد الرئيسية التي تدخل في صناعة البطاريات مثل الليثيوم، والتي تثير الكثير من الضجة مؤخراً، لا تزال أسواقها أصغر.

ويظهر التأثير الأضعف على السلع من الطفرة الخضراء الجديدة في التحذيرات القوية من قبل المحللين، ويرى "سيتي غروب" دورة فائقة في النحاس والألومنيوم، ولكن يتوقع عوائد عابرة في الأجزاء الأخرى من السوق، ويقول آخرون مثل "بي إم أو كابيتال ماركتس" إن الطلب قد يتجاوز المعروض لبعض الوقت، ولكن هذا التفاوت لن يستمر لفترة كافية تبرر توقعات الدورة الفائقة.

وقد تَصدُق توقعات المتفائلين بشأن السلع في الوقت الحالي حتى لو لم يتحول الارتفاع إلى دورة فائقة. وبالأخير، بالنسبة للمستثمرين، قد تكون التوقعات على المدى البعيد أكاديمية لأنها تطارد فرصا موجودة هنا الآن.

ويقول لوك أدريان، مدير أموال في "كوموديتيز وورلد كابيتال" والمنخرط في سوق السلع منذ 1991: " في بعض الأحيان يكون العالم بسيطا للغاية.. وأحظى بأفضل شهر على الإطلاق في حياتي المهنية الشهر الجاري، وهناك الكثير من التحركات في السوق".