هل تنقرض بنوك التجزئة المصرفية الدولية؟

ماكينات صرافة تابعة لسيتي بنك في واشنطن
ماكينات صرافة تابعة لسيتي بنك في واشنطن المصدر: بلومبرغ
Elisa Martinuzzi
Elisa Martinuzzi

Elisa Martinuzzi is a Bloomberg Opinion columnist covering finance. She is a former managing editor for European finance at Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على الرغم من وجود العديد من التهديدات الوجودية للبنوك التقليدية التي لاتزال تقبل عمليات الإيداع من خلال فروعها التقليدية، لكن على ما يبدو أنَّها ستستمر لفترة أطول، ولكن هناك فئة معينة من هذا النوع من المُقرِضين على وشك الانقراض، وهي بنوك التجزئة المصرفية العالمية، خاصة أنَّ بعض عملاء البنوك

لايزالوا يعتمدون على بنوكهم المحلية في العمليات المصرفية، وخاصة خدمات الأفراد، فلماذا يحتاج أي شخص إلى مؤسسة مصرفية دولية لتقديم هذه الخدمة؟

منذ الأزمة المالية، أدَّى الضغط الناجم عن القيود التنظيمية، والضغط على هوامش الربح الناتج عن انخفاض أسعار الفائدة إلى إجبار المُقرضين على التركيز على

مايتفوَّقون فيه، ويحققون منه عائداً أفضل سواء كان الخدمات المصرفية التجارية أو التجزئة أو الاستثمار، ولكنَّ المُقرضين الكبار الموجودين خارج بلادهم لا يزالون يتشبثون بإيرادات القروض الاستهلاكية، على أنَّ الجائحة جعلت التراجع عن هذا التشبث أمرٌ لا مفر منه.

قال نويل كوين الرئيس التنفيذي لمجموعة "إتش إس بي سي" المصرفية القابضة يوم الثلاثاء، إنَّ البنك سيتوقَّف عن تقديم كل شيء للجميع، وهو شعارٌ متعارفٌ عليه في الصناعة المصرفية، إذ يستكشف البنك، الذي يتخذ من بريطانيا وهونغ كونغ مقرَّاً رئيسياً، الخيارات الاستراتيجية لشبكة خدمات التجزئة المصرفية في الولايات المتحدة، كما يجري محادثات لبيع وحدته المسؤولة عن تقديم تلك الخدمات في فرنسا، بهدف إعادة توجيه رأس المال إلى الشركات ذات العائد المرتفع في إدارة الثروات وآسيا.

استراتجية تقليص خدمات التجزئة الدولية

ولا تمثِّل تلك الاستراتيجية المتعلِّقة بخدمات التجزئة التي استمرت لعقود، البنك البريطاني فقط، فهناك مجموعة "سيتي غروب" المصرفية، التي تفكِّر أيضاً في تقليص خدمات التجزئة المترامية الأطراف في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كذلك باع بنك "بي بي في أيه" Banco Bilbao Vizcaya Argentaria SA الإسباني العام الماضي معظم أعمال الإقراض الاستهلاكي في الولايات المتحدة.

لقد نجح عددٌ قليل من البنوك بأن تكون عالمية، خاصة بشأن تقديم خدمات التجزئة المصرفية؛ إذ تختلف عادات العملاء اختلافاً كبيراً فيما بين البلدان، مما يسبب تبايناً في أداء المؤسسات المصرفية العالمية بحسب أماكن وجودها، وكذلك مدى قدرتها على فهم تكلفة مخاطر الإقراض في الدول الموجودة بها.

فقد كلَّفت عمليات شطب أو تخفيض قيمة التمويلات الاستهلاكية للأسر في الولايات المتحدة بنك "اتش اس بي سي" مليارات الدولارات، نتيجة تزويده للعملاء بقروض عالية المخاطر.

وفقدت المؤسسات المصرفية الدولية مثل "اتش اس بي سي"، و"سيتي غروب" ميزتها التنافسية في توفير خدمات مصرفية تكنولوجية أكثر تميزاً، في ظل تراجع تكلفة التكنولوجيا التي دعمت البنوك المحلية لتقديم المستوى نفسه من الخدمات مع زيادة قدرتها على الوصول للأسواق الدولية، مما تسبَّب في تفوُّق البنوك المحلية في مجال التجزئة المصرفية على البنوك العالمية.

وبالنسبة للعملاء، لم تعد هناك حاجة ملحة لممارسة الأعمال التجارية مع بنك دولي. وبالنسبة للمُقرضين أنفسهم، فإنَّ الوجود على نطاق فرعي في أي سوق يعدُّ مُكلفاً؛ لأنَّه لا يزال يتعيَّن عليه الامتثال للمطالب التنظيمية المتغيرة باستمرار لتحسين الامتثال، وضوابط المخاطر، وخاصة عمليات فحص غسيل الأموال.

"كورونا" زادت الأعباء على البنوك الدولية

وساهم تفشي الجائحة في زيادة الضغوط على البنوك العالمية فيما يتعلَّق بقطاع التجزئة المصرفية، خاصة أنَّ الوباء فرض ضرورة ضخِّ استثمارات ضخمة في الخدمات المصرفية الرقمية للتغلب على إشكالية وصول العملاء للفروع.

وكذلك تسبَّب انخفاض الفائدة في تراجع إيرادات البنوك من القروض، فقد انخفض صافي دخل الفوائد في أنشطة الإقراض ببنك "اتش اس بي سي" بنسبة 13٪ في عام 2020 إلى حوالي 15 مليار دولار، وكذلك تراجعت عائدات "سيتي غروب" من عمليات التمويل الاستهلاكي الدولية بنسبة 10٪ لتصل إلى 10.8 مليار دولار.

ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق فيما يتعلَّق بالضغوط التي يتعرَّض لها قطاع التجزئة المصرفية، فمن المنطقي لكلا البنكين الدوليين التركيز على إدارة الثروات ذات العائدات الأعلى، لتعويض الانخفاض في دخل الإقراض، وذلك لأنَّ هذا النشاط يمكن المنافسة من خلاله نتيجة تفضيل العملاء الأثرياء لتوزيع أموالهم عبر المصارف المحلية والدولية.

ومن غير المرجَّح أن يتسبَّب خروج "سيتي غروب"، و"اتش اس بي سي" من قطاع التجزئة المصرفية الكثير من الضرر للعملاء، باستثناء بعض الشركات الصغيرة التي قد تجد صعوبة أكبر في تحويل الأموال إذا كانت المؤسسات التي ستستحوذ على تلك الأنشطة غير قادرة على تنفيذ المستوى نفسه من الخدمات، وربما سيتعين على بعض العملاء إعادة ترتيب خدماتهم المصرفية عند السفر للخارج لتسهيل الوصول لأموالهم حال الوجود خارج البلاد.

وعلى عكس الخدمات المصرفية التجارية والاستثمارية، هناك منافسة شديدة في الخدمات المصرفية للأفراد في معظم بلدان العالم، فعلى عكس بنك Banco Santander SA الإسباني، الذي يُهيمن على العديد من بلدان أمريكا الجنوبية وأوروبا، فإنَّ الكثير من عمليات الخدمات المصرفية لـِ"سيتي غروب" و"HSBC" ليست رائدة في السوق.

ربما تكون تلك المصارف الدولية صمدت لفترةٍ طويلة، ولكنَّها الآن قررت الانسحاب، فقد قال بنك المملكة المتحدة، إنَّه قد يضطر إلى بيع أعماله الفرنسية بخسارة، وكذلك قال "سيتي"، إنَّه يدرس ما إذا كان من الممكن العثور على مشترٍ لكل وحدة دولية.

وفي النهاية ربما يكون انتهى زمن البنوك العالمية التي تركِّز على المستهلك، ومع لعب السياسة والتنظيم دوراً أكبر في اقتصاد ما بعد الجائحة، فسوف يمر بعض الوقت قبل أن تتمكَّن التكنولوجيا المالية العملاقة من أخذِ مكانها على الساحة العالمية.