الطاقة الشمسية.. استثمار مُربح لكنه مازال محفوفاً بالمخاطر

باسكال روشات
باسكال روشات المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد أن خسر مرتين معظم أموال المستثمرين، سارت الأمور أخيراً وفقاً لخطة باسكال روشات الفريدة، حيث حقق صندوقه، "أكتيف سولار Active Solar"، عائداً بنسبة 183% في عام 2020، ما جعله أفضل مُنتقٍ للأسهم في أوروبا. ولم يغير مدير الأموال السويسري شيئاً في نهجه ليبلغ تلك المكانة. لكنه، بكل بساطة، راهن بكل ما لديه على الطاقة الشمسية.

ومن بين الشركات التي تضمها محفظة "أكتيف سولار Active Solar"، البالغ قوامها 290 مليون دولار، شركة "فرست سولار .First Solar Inc" و"شيني سولار هولدينجز .Xinyi Solar Holdings Ltd"، وهي شركة صينية متخصصة في تصنيع زجاج الألواح الشمسية. وقد أبقى روشات على الاستراتيجية ذاتها منذ افتتاح الصندوق في عام 2008، كما لا يزال متفائلاً بشأن أطروحته الاستثمارية التي لا تتزعزع. وقال من مكتبه في لوزان بسويسرا: "سيبقى القرن الحادي والعشرون في كتب التاريخ كقرن تم فيه نزع الكربون عن الاقتصادات. وبات من الواضح الآن أن الطاقة الشمسية من أكبر المستفيدين من هذا التحول، إن لم تكن أكبرهم".

زيادة غير مسبوقة

وقد مر روشات بالكثير من الإخفاقات قبل أن ينجح. فخلال فترة إدارته التي استمرت على مدى 12 عاماً كمدير أموال محترف، كابد روشات خلالها العديد من حالات الانهيار الدرامية التي كادت أن تقضي على مستثمري الطاقة الشمسية. كما عانى صندوقه من خسائر اليوم الواحد عدة مرات وصلت إلى أرقام مزدوجة، واضطر إلى اجتياز موجة الإفلاس التي اجتاحت الصناعة. وفي بعض الأحيان لم يكن بإمكان روشات أن يخصص لنفسه راتباً.

ثم جلب العام الماضي زيادة مطردة في أسهم الطاقة الشمسية لم تهدأ، فيما كان الوباء يدمر الطلب على الوقود الأحفوري. ووفقاً لـ"بلومبرغ لتمويل الطاقة المتجددة BloombergNEF"، فقد تم تركيب 137 جيجاوات من حقول الطاقة الشمسية الجديدة في عام 2020، ويجب أن يكون إجمالي هذا العام أعلى من ذلك.

وقد بدا هذا الانتصار للطاقة الشمسية حتمياً بالنسبة لروشات على الدوام، حتى ولو جاء تحقيقها لأرباح ثابتة مبكرا بنحو عقد من الزمان. وقال روشات: "عندما يكون لديك وقود مجاني موزع توزيعا جيدا على الأرض، خاصةً حيث يعيش معظم الناس، يبدو الأمر واضحا بالنسبة لي أنه عند نقطة ما ستنخفض التكلفة كثيراً لدرجة أنها ستكون تنافسية للغاية. يمكنك اعتباري متبصر أو محظوظ. كما تعلم، لا أحد يعرف".

الرهان على المستقبل

وخطرت لروشات فكرة المراهنة على الطاقة الشمسية بكل ما يملك لأول مرة في عام 2007، خلال إجازة من وظيفته كمدير إدارة المخاطر في المرفق السويسري "إنرجي كويست سويس Energie Ouest Suisse". حيث كان روشات يقضي إجازته في جزيرة كورسيكا الفرنسية وصدف أن التقى بزميله، برنارد لوريول، الذي كان يدير صندوقاً يركز على البلاتينوم يسمى "بيست أسيت كلاس Best Asset Class" خلال عطلته هو الآخر. ويشير روشات إلى "السيد بلاتينيوم" عندما يروي قصة "إحساسه الغريزي" بشأن مستقبل الطاقة الشمسية.

وقد خرج روشات من عطلته مقتنعاً بضرورة إطلاق أحدهم لصندوق يركز على استثمارات الطاقة الشمسية. ثم شهد روشات التكنولوجيا عن قرب عندما استثمر "إنرجي كويست سويس Energie Ouest Suisse" في مصنع صغير للطاقة الشمسية في فرنسا. ويقول روشات "فكرت، حسناً، لماذا لا أفعل ذلك بنفسي؟ وأدهشني أن الحدث الأكبر التالي في قطاع الطاقة قد يكون الطاقة الشمسية."

وتم إطلاق "أكتيف سولار Active Solar"، بمبلغ 25 مليون دولار بعد حوالي عام، تحديداً في 15 سبتمبر 2008. وكان روشات قد اختار ذلك التاريخ لسبب يطلق عليه الآن "محض هراء"، إذ كان اليوم التالي لعيد ميلاده الخامس والثلاثين، ما اتضح أنه خيار مؤلم.

في خضم الأزمة المالية

في حوالي الساعة السادسة صباحاً بتوقيت سويسرا في ذلك اليوم، اتخذت مجموعة من كبار المسؤولين التنفيذيين في "ليمان براذرز .Lehman Brothers Inc" قراراً بإعلان الإفلاس. لم يكن روشات قد أدار صندوقاً من قبل، وفي الواقع كان الشخص الوحيد الذي يعرفه في مجال الشؤون المالية هو شقيقه الذي يعمل كمدير للثروات. لقد كان متحمساً للإيفاء بوعده لمستثمريه برغم العناوين الرئيسية التي هزت البنوك العالمية.

لذلك تمسك روشات بخطته، وتم إنفاق الـ 25 مليون دولار على أسهم الطاقة الشمسية خلال الأسابيع الثلاثة التالية. وقال روشات "لقد كان حظا سيئاً للغاية نظراً لأن الانهيار حدث في الأسبوع الرابع".

لقد أثبتت أول جولة ترويجية لعرض استراتيجيته الخضراء على المستثمرين عبر أوروبا أنها لن تكون بالمهمة اليسيرة، حيث تزامنت مع بداية الأزمة المالية الكبرى بالضبط. وفي اليوم الذي قدم فيه عرضه الترويجي في باريس، خسر الصندوق ما يقرب من 10%. ثم خسر 11% في موناكو خلال اليوم التالي. وقال روشات: "كان ذلك في نفس الوقت بالضبط عندما كنت على خشبة المسرح أتحدث إلى حوالي 50 أو 80 شخصاً حينها. نعم، لقد كان الأمر مروعا نوعا ما."

وخسرت شركة "أكتيف سولار Active Solar" نحو نصف أموال مستثمريها في تلك السنة الأولى. ثم تحسنت الأمور لبضع سنوات مع دعم الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة نمو صناعة الطاقة الشمسية. وانتعش مؤشر "ماك MAC" العالمي للطاقة الشمسية بنسبة تزيد عن 50 % بين غمار أزمة عام 2008 وأوائل عام 2011.

لكن السوق أصبح محموماً، حيث أنتجت الشركات الجديدة في الصين معدات الطاقة الشمسية بشكل أسرع بكثير من قدرة المطورين على بناء المشاريع. وأدى فائض العرض إلى انهيار الأسعار، ما أجبر عشرات الشركات، التي كانت في السابق شركات شهيرة، إما على تسريح موظفين أو التوقف عن العمل.

ومرة أخرى، لم يستطع روشات الهروب من المذبحة. وعلى الرغم من عدم إفلاس أي من الشركات في محفظته، فقد تعرض الناجون لأضرار بالغة. وانخفض صندوقه بنحو 90% في مرحلة ما. وقال أحد المستثمرين لروشات الذي اتصل به مراراً: "توقف عن الاتصال بي، إنك بصدد الإفلاس."

وقال روشات: "إنها واحدة من أسوأ الانهيارات التي يمكن أن تتخيلها في سوق الأسهم. لا أعتقد أن هناك العديد من القطاعات التي خسرت الكثير خلال وقت قصير جداً."

أرباح الوباء

ولإعالة نفسه، عمل روشات بوظيفة إضافية كسكرتير لأحد أحزاب يمين الوسط السياسية في المقاطعة السويسرية حيث أقام. لكنه أبقى على الصندوق جارياً. وفي غضون عامين، تعافى روشات مادياً بما يكفي لإدارة صندوق الاستثمار بدوام كامل، ونجح عناده في النهاية.

وخلال الأزمة الاقتصادية التي سببها الوباء، ازدهرت صناعة الطاقة الشمسية بالفعل. وبدلاً من أن تتأذى جراء تراجع شهية العالم للطاقة، فقد حلقت أسهم شركات الطاقة الشمسية، وأصبحت التكنولوجيا قادرة على المنافسة بشكل متزايد مع طاقة الفحم والغاز. كما بدأ المستثمرون أيضاً يبادرون إلى القيام باستثمارات مفيدة للمناخ، حيث بدأت "بلاك روك .BlackRock Inc"، أكبر شركة لإدارة الأموال في العالم، عام 2020 بتعهدات خاصة بالمناخ، واستمر الطلب على الأصول الصديقة للبيئة في الازدياد طوال العام.

وبحلول أكتوبر، وصف مدير وكالة الطاقة الدولية الطاقة الشمسية بأنها "الحاكم الجديد" لأسواق الكهرباء في العالم، وتوقع لها انتشاراً قياسياً لسنوات قادمة. وقال روشات: "في الماضي، كان علي أن أحاول إقناع المستثمرين بأن الطاقة الشمسية ستكون رخيصة يوماً ما، وستكون المصدر الأول للكهرباء في وقت ما في المستقبل، وما إلى ذلك. ولكن الآن وكالة الطاقة الدولية هي التي تقول هذا. ومن ثم أصبح الأمر أسهل، كما تعلم. مرحباً، لقد أخبرتك ذلك من قبل".

أرباح مهددة

ومع ذلك، قد لا يكون المستثمرون في أمان. فجزء من سبب نجاح الطاقة الشمسية في عام 2020 هو انخفاض التكاليف حتى الآن. وذلك أمر رائع للتنافس مع محطات الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري في الشبكة الكهربائية. لكن انخفاض السعر مدفوع بالمنافسة الشديدة في التصنيع. ويمكن للشركات الجديدة اختراق السوق بسهولة إلى حد ما، ومن ثم الضغط على اللاعبين الحاليين.

وقالت جيني تشيس، محللة الطاقة الشمسية في "بلومبرغ لتمويل الطاقة المتجددة BloombergNEF": "من الناحية الجوهرية، لا أعتقد أن هناك أي اختلاف عن دورات الازدهار والكساد السابقة. فقد أدرك الناس أخيراً أن قطاع الطاقة الشمسية لم يعد من أمراً هيناً بعد الآن. السؤال الوحيد هو، هل يمكنك كسب المال من خلال الاستثمار فيه؟".

وحتى الشركات القائمة ربما تكون في وضع غير مواتٍ، حيث لا تزال تكنولوجيا الطاقة الشمسية تتغير بوتيرة سريعة. وقد تصبح معدات التصنيع قديمة قبل أن تسدد الشركات التي تستخدمها القروض اللازمة لشرائها.

وعلى الرغم من انخفاض تكلفة الألواح الشمسية لدرجة قد تجعل الإعانات غير ضرورية، فلا يزال بإمكان الحكومات خلق فقاعات عن غير قصد. ويعد أحد أكبر القيود المفروضة على حقول الطاقة الشمسية الجديدة في بعض الأماكن، بما في ذلك أجزاء من الولايات المتحدة وإسبانيا، هو إتاحة الاتصال بالشبكة الكهربائية. وإذا ما رفعت الحكومة القيود المفروضة على التوصيلات الجديدة لتعزيز قدرة الطاقة المتجددة، فقد يؤدي ذلك إلى طوفان من التطورات الجديدة. ومن ناحية أخرى، لن تستفيد جميع شركات الطاقة الشمسية من سعة الإنتاج الجديدة نظرا لأنه ينبغي توفيرها بسعر منخفض.

وبالنسبة لمستثمري الطاقة الشمسية مثل روشات، فإن ذلك يخلق ضرورة لمواصلة التدقيق في المحافظ المالية بحثاً عن الشركات المحتمل فشلها، والتي كان قد عثر على بعضها من قبل. في عام 2014، أوقف روشات شراء أسهم شركة "هانيرجي ثين فيلم باور Hanergy Thin Film Power Group Ltd". قبل انخفاض أسعار أسهمها على خلفية مزاعم التلاعب بالسوق.

ولا يتوقع روشات أن يحقق عوائد بنسبة 100% كل عام، لكنه يعتقد أن استراتيجيته طويلة المدى قد أثبتت صحتها الآن. وقال: "إنها بالتأكيد بداية فهم المستثمرين لما يحدث. وبشكل أساسي، تغير العالم تماماً".