تعهدات الصين بتقليل الانبعاثات وعود"زائفة" وخطط قد لا تُنفَّذ

التزامات الصين تقليل الانبعاثات الكربونية محلّ شكّ
التزامات الصين تقليل الانبعاثات الكربونية محلّ شكّ المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على مدى الأشهر التي تلت تعهُّد الرئيس الصيني شي جين بينغ، بأن تصبح بلاده محايدة للكربون بحلول عام 2060، انكبّ الباحثون المناخيون الصينيون على إعداد خارطة طريق تقود إلى تحقيق هذا الهدف. وبناء عليه، بات ينتظر الصين سوق كربون كبيرة على وشك الازدهار، فيما أعلنت الشركات المحلية عزمها الوصول إلى صافي صفر من انبعاثات الغازات الدفيئة.

مع ذلك وجدت الحكومات المحلية وبعض القطاعات الصناعية في البلاد، سبلاً للالتفاف على أجندة الرئيس الصيني الطموحة.

مشروع مثير للجدل

في يناير من العام الحالي، كشفت مقاطعة جيانغشي عن عزمها إعادة إحياء خطتها المتعلقة ببناء سدّ يهدف إلى التحكم في تدفق المياه ببحيرة بويانغ التي تُعتبر أكبر مسطح مائي للمياه العذبة في الصين، وهي محطة مهمة للطيور. وكان قد سبق وعُلّق المشروع لنحو عقد من الزمان إثر تحذيرات الناشطين البيئيين من أن السدّ سوف يُحدِث تغييراً في التدفق الطبيعي للمياه بين بحيرة بويانغ ونهر يانغتسي، وهو ما سيُلحِق بالنظام البيئي الهش أصلاً في المنطقة مزيداً من الضرر. من ناحيتها، تقول الحكومة المحلية إن السدّ سيسهم في تخفيف حدّة الجفاف في بويانغ، الحاصل جزئياً بسبب وجود سدّ الممرات الثلاثة الواقع عند منبع نهر يانغتسي.

وأتى القرار المفاجئ بالمضي قدماً في بناء سدّ بويانغ بعد شهرين فقط من دخول قانون حماية نهر يانغتسي حيز التنفيذ، وهو ما أثار شكوك الناشطين بأن حكومة جيانغشي المحلية تريد بدء بناء السدّ قبل أن تؤدي القوانين الجديدة إلى حظر مثل هذه المشاريع. وكانت حكومة جيانغشي أصدرت بلاغاً لاستطلاع آراء السكان حول المشروع، استخدمت فيه شعارات مستوحاة من مبادرة شي جين بينغ البيئية. وزعمت أن السدّ "سيصحّح العلاقة التفاعلية بين البحيرة والنهر بطريقة علمية"، و"سوف يعمل على حماية البيئة".

ويسلّط المشروع المثير للجدل الضوء على مشكلة شائعة تواجهها الحكومة المركزية في الصين، التي لطالما عرقلت مساعيها الرامية إلى تطبيق إصلاحات طموحة. ففي المقاطعات البعيدة عن العاصمة بكين، يستسهل المسؤولون المحليون تقديم وعود كاذبة بالتزام التوجيهات الجديدة، فيما يستمرون في السعي لتطبيق سياسات تحقق نمواً اقتصادياً على المدى القصير في مناطقهم على حساب البيئة.

وبغياب المحفزات المناسبة والدعم المالي، فإن تعهد الرئيس شي بتحييد الكربون بحلول العام 2060 سيتحول إلى عبء يُثقِل كاهل الحكومات المحلية التي تعاني أصلاً من وطأة الديون المتراكمة. وعلى الرغم من أن الشركات الكبرى والصناعات المملوكة من الدولة تواجه صعوبات أكبر في الالتفاف على السياسات الحكومية، فإنها هي الأخرى تضغط بشدة من أجل الحيلولة دون تبنِّي تغيير قد يُلحِق بمصالحها الاقتصادية الضرر.

وفي مقال نُشر بمجلة مملوكة لوزارة الموارد المائية، دعا نائب رئيس الجمعية الصينية لهندسة الطاقة المائية تشانغ بوتينغ إلى عدم الوقوف ضدّ بناء السدّ عند نهر يانغتسي، متحججاً بأن السد سيحمي البيئة. وزعم أن منع بناء السدّ يتعارض مع هدف شي بتحييد الكربون، وذلك بما أن زيادة الاعتماد على الطاقة المائية أساسي من أجل خفض الانبعاثات من خلال الطاقة النظيفة.

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن استخدام المياه لتوليد الطاقة لا يسبّب انبعاثات الكربون، فإن بناء السدود يسهم في تحرير كميات هائلة من الكربون المحبوس، إلى جانب أثرها المدمر في الأنظمة البيئية المحيطة وإلحاقها الضرر بالتنوع البيولوجي في المنطقة.

زيت قديم في قوارير جديدة

وعقب إعلان شي عن هدف تحييد الكربون بحلول عام 2060، أعرب عديد من الشركات، بينها شركة "مجموعة الصين باوو للصلب" (China Baowu Steel Group) دعمها هذا التعهد من خلال كشفها للمرة الأولى عن خططها لتصفير الانبعاثات، إلا أن معظم هذه الخطط يقوم على وعود مُبهَمة لا تتضمن إجراءات ملموسة على أرض الواقع.

وعلى سبيل المثال، أصدرت المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري، أكبر مُنتِج للنفط والغاز البحري في الصين، بياناً أعقب خطاب شي في الشهر الماضي، قالت فيه إنها تعمل على خطة لبلوغ ذروة الانبعاثات، من خلال زيادة إنتاج الغاز الطبيعي وتطوير ما وصفته بـ"حقول النفط الخضراء"، ما يعني أنها لن تتخلى عن الوقود الأحفوري فعليّاً في المستقبل القريب.

من ناحيته، شبّه لي شو، المحلل المناخي في "غرين بيس"، ما يجري بـ"سكب زيت قديم في قوارير جديدة"، وأضاف: "تدرك الحكومات المحلية أن عليها الاستجابة لأهداف الرئيس الصيني من خلال التعهد باتخاذ خطوات صديقة للبيئة، ولكن ما تفعله في الواقع هو سوء تفسير هذه الأهداف وتكييفها لتخدم أجنداتها الخاصة".

ويعتمد نجاح الصين في تنفيذ التزاماتها تجاه اتفاقية باريس للمناخ وبلوغ حياد الكربون، على مدى قدرتها على سدّ الفجوة بين سياسات الحكومة المحلية والتطبيق على الأرض.

موقف الخطة الخمسية

وفي غضون ذلك، كُثّفَت المحادثات حول الخطة الخمسية المقبلة التي سترسم الطريق الذي ستسلكه البلاد في الفترة بين 2021 و2025 ، وذلك قُبيل الاجتماع التشريعي السنوي في الصين، المرتقب في شهر مارس المقبل.

وأضاف لي أخيراً: "هذا الوقت مهمّ جداً، بما أن الصين تُعِدّ لخطتها الخمسية الرابعة عشرة، فيما تسعى الحكومات والصناعات المحلية لتأمين مصالحها للسنوات المقبلة"، وتابع: "أعتقد أنه سيظهر عديد من حالات التمويه الأخضر في المرحلة المقبلة، أي إنه ستُقام مشاريع مضرّة للبيئة تحت عنوان حماية البيئة".