السيارات الكهربائية لا تكفي وحدها لتحقيق أهداف المناخ

سيارة تسلا الكهربائية يتم شحنها في محطة شحن عامة في وسط مدينة برلين بألمانيا
سيارة تسلا الكهربائية يتم شحنها في محطة شحن عامة في وسط مدينة برلين بألمانيا بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما أعاد الرئيس بايدن التزام الولايات المتحدة باتفاقية باريس للمناخ مجدداً في أول يوم له في منصبه، شرع في تنفيذ ما سيكون بلا شك استراتيجية مناخية طموحة. حيث نشهد، بالفعل، سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات عبر مختلف الصناعات والقطاعات. فقد أصدر بايدن أمراً تنفيذياً باستبدال أسطول السيارات الضخم للحكومة الفيدرالية بسيارات كهربائية أمريكية الصنع، والذي سرعان ما أعقبته جنرال موتورز بتعهد محوري لبيع السيارات الكهربائية بحلول عام 2035. وبعد أربع سنوات من التراجع، أصبحت الولايات المتحدة على أعتاب التوصل إلى سياسة ذات جدوى استجابةً لتغير المناخ.

وللأسف، فإن السيارات الكهربائية ومحطات الشحن التي أشار بايدن إلى أنها ستتصدر إستراتيجيته الخاصة بملائمة قطاع النقل لتغير المناخ ليست كافية لحل المشكلة التي نواجهها. حيث يقوم القطاع بإنتاج الحصة الأكبر، والتي لا تزال طور الزيادة، من انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة. وتعد كهربة السيارات أحد أهم المتطلبات الضرورية لمستقبل خالٍ من الكربون. ولكن من أجل تحقيق الأهداف المناخية، يجب على الولايات المتحدة أن تقلل بشكل كبير من استخدامها للسيارات وحسب.

تصميم أنظمة النقل

ويعتبر الخبر السار في هذه الصدد هو أنه في ظل وجود قيادة جديدة في البيت الأبيض وعلى رأس وزارة النقل، أصبح باستطاعتنا إجراء تغييرات تشتد الحاجة إليها لتوسيع خيارات النقل وركوب الدراجات والمشي، وتقريب الأشخاص من الأماكن التي يحتاجون للذهاب إليها.

إن حقيقة الأمر في غاية البساطة، فإذا ما واصلنا تصميم مجتمعاتنا وأنظمة النقل لدينا لتتطلب المزيد من القيادة فقط، حتى لو باستخدام سيارة كهربائية، فإن ذلك من شأنه أن يجعل إزالة الكربون أكثر صعوبة.

ووفقاً لتحليل "معهد روكي ماونتن Institute Rocky Mountain"، يحتاج قطاع النقل في الولايات المتحدة إلى تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 43% بحلول عام 2030 من أجل التوافق مع أهداف المناخ بحيث تنخفض درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية. مما يتطلب استخدام 70 مليون مركبة كهربائية فعلياً وتقليل عدد الأميال المقطوعة لكل سيارة بنسبة 20% خلال السنوات التسع المقبلة.

وحتى في ظل أكثر سيناريوهات اعتماد السيارات الكهربائية طموحاً، لا يزال يتعين علينا تقليل القيادة. وعلى الرغم من أن عام 2020 شهد انخفاضاً في الأميال المقطوعة لكل مركبة بسبب تفشي فيروس كورونا، إلا أن مبيعات سيارات الدفع الرباعي تستمر في الارتفاع، وكذلك عدد الأميال المقطوعة لكل مركبة.

ومن شأن استراتيجيات مثل تعزيز النقل وركوب الدراجات والمشي، بالإضافة إلى بناء المزيد من المساكن القريبة من الوظائف والمدارس ومحلات البقالة وغيرها من الضروريات، أن تؤدي إلى تقليل الاعتماد على السيارات وتسهيل إزالة الكربون. وعلى عكس الكهربة، يمكن تنفيذ هذه الاستراتيجيات دون الحاجة إلى الاعتماد على أهواء مشتري السيارات الأمريكي، أو امتثال صانعي السيارات المترددين، أو الإطار الزمني الطويل المطلوب لإصلاح الأسطول الوطني. كما أنه من شأن تلك الاستراتيجيات تحقيق منافع مشتركة ذات جدوى، مثل توفير الأموال التي ينفقها الأشخاص على وسائل النقل، وتحسين السلامة والصحة العامة، وتقليل الحواجز التي تحول دون انتفاع من لا يستطيعون القيادة بالنقل الاقتصادي.

حل مشكلة الانبعاثات

إن ما نفتقر إليه هو الإرادة السياسية المطلوبة أو التفاهم، كما أن محاولة حل مشكلة الانبعاثات عن طريق اعتماد السيارات الكهربائية وحدها من شأنها أن تترك التفاوتات الحالية دون تغيير.

ولعل الوضع الذي تواجهه كاليفورنيا يقدم مثالاً جيداً على ذلك. إذ أنه في الوقت الذي تسعى فيه كاليفورنيا إلى أن تصبح مبيعات جميع سيارات الركاب الجديدة خالية من الانبعاثات بحلول عام 2035، يواصل المجلس التشريعي للولاية منع قانون إصلاح الإسكان، المطلوب بشدة، والذي من شأنه أن يجعل المزيد من المنازل أقرب إلى الأماكن التي يحتاج الناس إليها.

ونتيجة لذلك، فإن ولاية كاليفورنيا تعاني من عجز يقدر بنحو 3.4 مليون منزل أقل مما تحتاجه لتلبية الطلب. الأمر الذي يدفع الإسكان ميسور التكلفة بعيداً عن الوظائف والاحتياجات الأساسية، مما يجبر الناس على زيادة الإنفاق على النقل وزيادة انبعاثات الكربون الإجمالية. وهذا النهج، وهو المعيار في جميع أنحاء البلاد، يدفع أيضاً بالمنازل ذات الأسعار المعقولة إلى مناطق معرضة للحرائق بدلاً من المواقع الأكثر ملائمةً للتغيرات المناخية.

ويوضح مثال الولاية الذهبية، أن محاولة حل الانبعاثات باستخدام السيارات الكهربائية وحدها ستترك التفاوتات الحالية على حالها دون تغيير، حيث يكافح ملايين الأمريكيين لتحمل مدفوعات سياراتهم، أو يعيشون في أماكن لا يمكنهم حتى المشي فيها بأمان عبر الشارع، أو الاعتماد على أنظمة نقل تعاني من نقص التمويل وتوفر خدمات متقطعة على فترات متباعدة.

وبينما سيتطلب الأمر اتخاذ خطوات كبرى تتسم بالشجاعة السياسية، فإن كبح الانبعاثات من خلال تغييرات شاملة في أنماط استخدام الأراضي والبنية التحتية أمر ممكن، خاصة في الوقت الحالي. وقد تركز إدارة بايدن على الكهرباء، لكنها تشير أيضاً إلى أنها تسعى لتبنى استراتيجية شاملة لمواجهة تغير المناخ. كما أن اختيار الرئيس لوزير النقل، بيت بوتيجيج، يعد بمثابة إشارة أخرى تدعو للتفاؤل. وبصفته عمدة ساوث بيند بولاية إنديانا، فقد أظهرت سياسات بوتيجيج حول تصميم الشوارع والسلامة المرورية وأماكن انتظار السيارات قوة الاستثمار في بدائل البنية التحتية الأساسية للسيارات.

قد يكون لتوسيع النهج الذي اتخذه بوتيجيج في ساوث بيند على المستوى الفيدرالي تأثيرات بعيدة المدى. وإليك دليل لما نقترحه بشأن كيفية قيام الدولة بذلك:

1. إذا كنا جادين بشأن الحد من الانبعاثات، فيجب علينا إنهاء ممارسة السماح للولايات ببناء طرق سريعة أو توسعات جديدة كثيفة الاستخدام للوقود الأحفوري مع تجاهل تراكم احتياجات الصيانة للطرق والجسور الحالية المتدهورة، حيث يجب أن يكون الإصلاح هو الأولوية الأولى.

2. يجب على صانعي السياسات على المستويات الفيدرالية والولائية والمحلية إعطاء الأولوية للتمويل على الفور لتشجيع المزيد من الرحلات التي يتم القيام بها عن طريق المشي أو ركوب الدراجات أو غيرها من الوسائل غير المتعلقة بالسيارات، كما ناقشنا في التقرير الأخير لمنظمة "النقل من أجل أمريكا Transportation For America". ويُعد إعطاء الأولوية لسلامة الأشخاص بدلاً من سرعة السيارات إحدى الطرق لتحقيق ذلك.

فمثلاً في ولاية كاليفورنيا، يمكن للحاكم نيوسوم أن يصدر أمراً تنفيذياً آخر لإقرار سياسة الطرق الكاملة وإلغاء الحظر المفروض على تحويل ممرات تنقل السيارات إلى ممرات عبور فقط على طرق الولاية. ويمكن للكونغرس تمرير سياسة الطرق الكاملة الفيدرالية، والتي تم طرحها ولم تحرز أي تقدم في الكونغرس الأخير.

ويمكن لوزارة النقل الأمريكية أن تجعل تنفيذ مثل هذه السياسة أسهل من خلال تبني سياسة الطرق الكاملة الخاصة بها وإزالة العقبات الفيدرالية الإجرائية العديدة أمام التصاميم الصديقة للعبور والمشاة. وبالمثل، يمكن للوزارة والكونغرس أيضاً تحفيز الولايات على فعل الشيء نفسه.

3. تحتاج أنظمة النقل العام المتعثرة بشكل خاص إلى تمويل تشغيل طارئ نظراً لتأثيرات الوباء على الركاب. وقد اقترحت إدارة بايدن تقديم 20 مليار دولار لقطاع النقل العام في مشروع قانون تعافي الاقتصاد القادم في إطار المحافظة على خدمة النقل خلال بقية فترة تفشي الوباء. لكنه باستطاعة الولايات والحكومة الفيدرالية الاستثمار أيضاً في منظومة النقل العام مع تعافي الاقتصاد في إطار الالتزام ذاته الذي قطعته الدولة على نفسها لبناء منظومة وطنية للطرق السريعة في الخمسينيات. وهناك حالياً جهد في مجلس النواب الأمريكي لزيادة تمويل النقل العام إلى مستوى تمويل الطرق السريعة، ما سيمثل بداية جيدة. ويمكن للولايات أن تتخذ نفس الإجراء لتمكين معظم الناس من الوصول إلى الوظائف والخدمات الأساسية بدون سيارة.

4. تستطيع المدن والولايات إتاحة إسكاناً شاملاً أكثر كفاءة من حيث الموقع، ومتعدد الاستخدامات، ويساهم في ملء الفراغات بالنسيج العمراني، عن طريق تقنين المزيد من أنواع وأحجام المنازل.

القدرة على تحمل التكاليف

وصاغت بورتلاند ومينيابوليس مؤخراً نموذجاً لكيفية إنهاء القيود المفروضة على الدوبلكس (شقق مكونة من طابقين) والتريبليكس (شقق مكونة من ثلاثة طوابق) وأنواع أخرى من المنازل المطلوبة عبر مساحات شاسعة من مدنهم.

وسيشمل ذلك إزالة المراجعات التقديرية لتيسير بناء منازل "الوسط المفقود"، والتي يمكن أن تساعد في معالجة القدرة على تحمل التكاليف مع جعل المزيد من المنازل أقرب إلى الوجهات الرئيسية، وقد يعني ذلك أيضاً إلغاء الحد الأدنى من متطلبات وقوف السيارات، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة السكن من خلال مطالبة جميع السكان بدفع تكلفة أماكن انتظار السيارات، سواء كانوا بحاجه إليها أم لا. ويمكن للحكومة الفيدرالية دعم ذلك من خلال النظر أيضاً في جودة مواقع المباني الخاصة بها وجميع مشروعات التنمية العقارية الممولة اتحادياً، بما في ذلك الإسكان ميسور التكلفة وبرامج التنمية الاقتصادية من إدارة التنمية الاقتصادية إلى إدارة التنمية الريفية.

والخبر السار هو أن نظام النقل يخضع بالكامل تقريباً لسيطرة الحكومة ويمكن تغييره بسرعة نسبية من خلال استثمارات الحكومة الخاصة. ومن خلال جعل هذا النظام أكثر ملائمة للمناخ، يمكننا أيضاً جعله أكثر دعماً للصحة العامة وتوسيع نطاق الوصول إلى الفرص الاقتصادية سواء كنت تمتلك سيارة ذات محرك احتراق داخلي، أو سيارة كهربائية، أو لا تمتلك سيارة على الإطلاق.

بيث أوزبورن هي مديرة منظمة "النقل من أجل أمريكا Transportation For America" الحقوقية، والتي يشكل قوامها مجموعة من القادة المحليين والإقليميين والدوليين.

بن هولاند هو زميل أول في فريق التحول الحضري في "معهد روكي ماونتن Institute Rocky Mountain"، حيث يعمل على التنقل الحضري وممارسات استخدام الأراضي التي تهدف إلى تحقيق نظام نقل خالٍ من الكربون.