بافيت.."حكيم أوماها" لن يأكل طُعم "ريديت"

وارن بافيت الملياردير الأمريكي
وارن بافيت الملياردير الأمريكي المصدر: بلومبرغ
Tara Lachapelle
Tara Lachapelle

Tara Lachapelle is a Bloomberg Opinion columnist covering the business of entertainment and telecommunications, as well as broader deals. She previously wrote an M&A column for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"مرور الوقت، والهدوء الداخلي هو المطلوب حالياً"، هكذا استهلَّ "وارن بافيت" كلامه في خطابه السنوي الموجه لأتباعه يوم السبت الماضي؛ فقد تحدَّث عن أساسيات الاستثمار في مزرعة أو عمل تجاري، إلا أنَّ كلامه بدا كأنَّه استعارة للتعبير عن لحظة الوحدة، واليأس الجماعي التي وجد العالم نفسه فيها خلال العام الماضي.

ومن خلال منظوره الخاص الذي اكتسبه على مدار سنوات عمره الـ 90، ذكَّّر "بافيت" أنَّ كل ذلك لحظة عابرة.

وكانت التوقُّعات مرتفعة بالنسبة لـ ِ"بافيت" هذه المرة، بالنظر إلى كل التطورات التي حدثت منذ خطابه العام الماضي، التي كان من بينها، أزمة الصحة العامة؛ وعمليات الإغلاق؛ والاضطرابات الاجتماعية؛ وتفاقم عدم المساواة في الثروة؛ والرئيس الأمريكي الجديد؛ والانقسام السياسي الشديد الذي أدَّى إلى اقتحام المتمرِّدين لمبنى الكابيتول؛ والكوارث المناخية، مثل ظروف التجمد المأساوية، وانقطاع التيار الكهربائي في تكساس الأسبوع الماضي؛ وعودة صعود عملة "بتكوين"؛ والاضطراب الأخير في السوق الذي نتج جزئياً عن الغليان المتزايد للإحباطات من حالة العالم.

أيقونات "وول ستريت" الجديدة

ولكن هل لبَّى "بافيت" هذه التوقُّعات؟ ربما كان هذا هو السؤال الخطأ. فقد يشعر أي شخص يتطلَّع إلى سماع أفكاره حول قضايا اليوم بالإحباط - فهو لم يتطرَّق إلى أيٍ منها بشكل مباشر – إلا أنَّني أشكُّ في أنَّ أتباعه قد فوجئوا بهذا الأمر أو أصيبوا بخيبة أمل. فقد تعامل "بافيت" مع المناسبة من خلال القيام بما يفعله دائماً: شرح قراراته، وعرض غنائمه، وانتصاراته، وأفكاره حول الاستثمار. أما الذي أراد من خطاب "بافيت" شيئاً مختلفاً، فهو لم يحصل عليه، كما أنَّه لا يعرف "بافيت".

كانت آخر مرة تحدَّث فيها رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "بيركشاير هاثاواي" علناً هي في اجتماع المساهمين الذي عقد عبر الانترنت في شهر مايو، الذي كان حدثاً كئيباً بشكل غير معهود، فقد جلس في قاعة فارغة كانت تغصُّ فيما مضى بمعجبيه المحبين، وترك المستمعين يتساءلون عما إذا كان ما يزال "حكيم أوماها".

ومنذ ذلك الحين، ملأت الأيقونات الجديدة ذات الفلسفات الاستثمارية المتناقضة مع طريقة "بافيت" هذا الفراغ، مثل الملياردير "إيلون ماسك" من شركة "تسلا" (Tesla Inc)، ومنتقية الأسهم المستقبلية "كاثي وود"، و"تشامات باليهابيتيا" الذي يُسمى بـِ "ملك شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة"، خاصة أنَّ أسهم "بيركشاير" ماتزال متخلفة عن السوق.

ولدى "بافيت" روايته الخاصة التي يتمسَّك بها، ويبدو أنَّ خطابه جاء ليذكرنا بها، فقد استغرق في إعادة سرد تاريخ "بيركشاير"، وكيف أصبحت: اكتشاف كل ولاية على حدة للأمريكيين العاديين الذين يبنون شركات استثنائية، مثل "سيز كانديز" (See's Candies)، و"نبراسكا فيرنيتشر ماركت" (Nebraska Furniture Market)، و"كلايتون هومز" (Clayton Homes)، "وبايلوت ترافل سنترز" (Pilot Travel Centers) – التي لم يستطع "بافيت"، وشريكه "تشارلي مونغر" البالغ من العمر 97 عاماً، سوى الاستحواذ عليها، والاستمرار في الإعجاب بها؛ فقد بقي بعضها تحت إدارة أحفاد العائلات التي أنشأتها. وإذا كانت هذه هي الرسالة الأخيرة لـ "بافيت"، فستكون خاتمة بليغة نسبياً؛ وإليكم مقطعاً بارزاً منها:

ولم تكن هناك حاضنة لإطلاق العنان للإمكانات البشرية مثل أمريكا. وعلى الرغم من بعض الانقطاعات الشديدة، كان التقدُّم الاقتصادي لبلدنا مذهلاً. وبعيداً عن كل ذلك، فإنَّنا نحتفظ بطموحنا الدستوري في أن نصبح "اتحاداً أكثر كمالاً"؛ وبالرغم من أنَّ التقدُّم على هذه الجبهة كان بطيئاً، وغير منتظم، ومثبطاً في كثير من الأحيان، إلا أنَّنا تقدَّمنا ​​إلى الأمام، وسنواصل القيام بذلك. وتبقى النتيجة التي لا تتزعزع: لا تراهنوا أبداً ضد أمريكا.

بتكوين وروبن هود

ولم يأتِ "بافيت" في خطابه على ذكر عملة "بتكوين"، أو "روبنهود" (Robinhood) أو "ريديت" (Reddit)، إلا أنَّه كتب بحماس عن "أكثر من مليون" مستثمر فردي يمتلكون أسهماً في شركة "بيركشاير"؛ إذ يشعر هو و"مونغر" "بالتزام خاص" تجاه هذه المجموعة، لأنَّ أوائل مستثمريهم عندما بدأوا في إدارة الأموال - قبل الاستحواذ على شركة "بيركشاير هاثاواي" في عام 1965 - كانوا مجرد أشخاص عاديين. ويطلق "بافيت"ومونغر" على مساهمي " بيركشاير" اسم "الشركاء"، والشركة سعيدة بشركائها، ولا تحتاج إلى محاكمة "وول ستريت" بالطريقة التي قد تفعلها الشركات الأخرى المتداولة علناً. والدليل المثير للجدل إلى حدٍّ ما؛ هو أنَّ "بيركشاير" لا تجري مكالمات أرباح مع المحللين أو تحضر مؤتمرات المستثمرين بصرف النظر عن حدثها السنوي.

وفيما يتعلَّق بموضوع ظاهرة التداول اليومي على "ريديت"، فقد صاغها "مونغر" بشكل مختلف قليلاً هذا الأسبوع، فقد قال لصحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal): "أنا أكره إغراء الناس للانخراط في طقوس العربدة التخمينية". وأثناء تلقي الأسئلة خلال اجتماع المساهمين يوم الأربعاء من أجل شركة "ديلي جورنال" (Daily Journal Corp) التي يرأسها، كان لدى "مونغر" كلمات منتقاة بشكل خاص لوصف شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة أيضاً، إذ قال: "أعتقد أنَّ العالم سيكون أفضل حالاً بدونها، والمسألة هي أنَّ مهنة الخدمات المصرفية الاستثمارية ستبيع أي شيء يمكن بيعه". ويأتي كلامه بلا شكٍّ متناغماً بشكل كامل مع أفكار "بافيت".

يذكر أنَّ خطاب "بافيت" أغفل أي تعمُّق في الأسواق والتقييمات، كما لم تكن هناك إشارات على أنَّه ربما سيقبل أن تكون الأسعار المرتفعة، هي الحالة الاعتيادية الجديدة.

وفي الواقع، يبدو أنَّ الأمر عكس ذلك تماماً، إذ كان على "بيركشاير" أن تخفِّض قيمة آخر عملية استحواذ كبيرة لها، "بريسيشن كاستبارتس" (Precision Castparts)، بمقدار 11 مليار دولار.

وتضرَّرت الشركة المصنِّعة لقطع الطيران بشدة من جائحة كوفيد-19 مع توقُّف السفر؛ فقد كتب: "لقد دفعتُ الكثير من أجل الشركة"؛ ولا يبدو أنَّه مستعدٌّ لارتكاب مثل هذا الخطأ مرة أخرى، وبدلاً من ذلك، عمدت "بيركشاير" إلى إعادة شراء الأسهم؛ إذ بلغت عمليات إعادة شراء الأسهم ما يقرب من 25 مليار دولار في عام 2020.

وفي حديثه إلى "شركائه"، كتب قائلاً: "زاد هذا الإجراء ملكيتكم في جميع أعمال "بيركشاير" بنسبة 5.2٪"، وأضاف أنَّ عمليات إعادة الشراء استمرت منذ نهاية العام. وفي الأسبوع الماضي، كشفت "بيركشاير" أيضاً عن حصص كبيرة في شركة "شيفرون"، وشركة "فيريزون كوميونيكيشنز" (Verizon Communications Inc)، وانخفض المخزون النقدي للشركة - الضخم لدرجة أنَّه أصبح جزءاً من فولكلور "بافيت" - بمقدار ضئيل في الربع الأخير إلى 138 مليار دولار.

ملف الخلافة

ولم يتطرَّق "بافيت" لموضوع الخلافة في مذكرة يوم السبت أيضاً، إلا أنَّه كشف أنَّ اجتماع مايو عبر الانترنت لن يُعقد في "أوماها" كالمعتاد، وإنما في لوس أنجلوس، إذ يعيش "مونغر" على كرسي متحرك، وسيشارك أيضاً نائبا الرئيس "غريغ أبيل" و"أجيت جين"، اللذان تمَّ منحهما المزيد من الصلاحيات في السنوات الأخيرة، في جلسة الأسئلة والأجوبة. وربما يوجد المزيد من أخبار الخلافة في انتظارنا.

وقال "باليهابيتيا" في مقابلة مع "تلفزيون بلومبرغ" في وقت سابق من هذا الشهر: "لن يستمع أحد إلى "بافيت"، فهو لا يملك الطاقة ليقول في عام 2021 ما قاله قبل 30 و40 عاماً؛ ولا بأس بذلك، فقد حصل على الحق في الاسترخاء وأن يكون الأعظم. ولكن يجب أن يكون هناك أشخاص آخرون قادرون على حمل عباءته وعصاه، وأن يقودوا المسيرة مع هذا الجيل الأصغر، وبلغة يفهمها".

وربما لا يناسب أسلوب "بافيت" مع اللحظة الحالية، إلا أنَّ هذه اللحظة هي المهمة. وما من شكٍّ في أنَّ الاستثمار في القيمة كان في مراحل مختلفة هو النموذج السائد، إلا أنَّه ومع هوس بيع الأوراق المالية هذا الأسبوع، فهناك حديث عن عودته مرة أخرى. وعلى أيَّة حال، فـ "الطاقة" هي ليست ما أكسب "بافيت" شهرته، بل هو الصبر، والقناعة، والشعور بالواجب تجاه شركائه، ورفضه لتعديلات الأرباح المعقَّدة التي تُستخدم للتعتيم والتشويش غالباً؛ ويجب ألا تختفي مثل هذه الفلسفة من عالمنا.