في حين تدور حرب بيزوس - أمباني.. "أودآن" تتسلل للسيطرة على تجارة التجزئة الهندية

جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون (يمين) وموكيش أمباني، رئيس شركة ريلاينس اندستريز
جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون (يمين) وموكيش أمباني، رئيس شركة ريلاينس اندستريز المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تخطف المعركة المتأججة بين اثنين من أغنى رجال العالم لتحقيق التفوق الأضواء، لكن التغييرات الصامتة في قطاع البيع بالتجزئة الهندي تستحق القدر نفسه من الاهتمام.

وسيكون التحول الرقمي القائم لسلسلة متاجر "كيرانا" (Kirana) الصغيرة، التي تضمُّ عشرات الملايين من المتاجر التي تلبي احتياجات 1.3 مليار مستهلك، أمراً مهماً للجميع، بمن فيهم "يونيليفير"، و"بروكتر آند غامبل"، فضلاً عن "ستيت بنك أوف إنديا" (State Bank of India)، أكبر بنك في البلاد. كما سيكون الأمر مهماً أيضاً لرئيس "أمازون" جيف بيزوس، و رئيس شركة"ريلاينس إندستريز" موكيش أمباني.

وتصارع المليارديران بيزوس، وأمباني حول بائع تجزئة هندي يمر بأزمة، فقد أخذ مؤسس"فيوتشير غروب" (Future Group) أموال بيزوس، لكنَّه باع شركته المثقلة بالديون إلى أمباني، عندما ازداد الضغط الناجم عن وباء كورونا عن تجارته. ولجأت"أمازون" للمحاكم الهندية لكي تفشِّل عملية البيع البالغة قيمتها 3.4 مليار دولار، التي قد تؤدي لهيمنة "ريلاينس" على السوق الاستهلاكية بالبلاد.

المعركة الحقيقية

بعيداً عن هذه المعركة من العيار الثقيل التي تهدف للحصول على أموال المواطن الهندي العادي، يلوح في الأفق سباق مختلف للتحكُّم فيما يجري على أرفف المتاجر. فقد كان الوصول إلى المتاجر الصغيرة، في بلد يضمُّ أكثر من 660 ألف قرية، و8000 مدينة وبلدة، بمثابة صراع شاق للعلامات التجارية، إذ تستفيد بالكاد شركة "يونيليفير"، التي توجد في الهند منذ حوالي قرن من الزمان، من 15% فقط من مجموع تجار التجزئة بشكل مباشر. وتحتاج الشركة إلى تجار الجملة كي تزيد هذه النسبة إلى 80%، وفقاً لشركة أبحاث الاستثمار، وإدارة الأصول"سانفورد سي بيرنشتاين" (Sanford C. Bernstein).

ويعتمد تجار الجملة على معرفتهم المحلية، والثقة المتبادلة بينهم وبين تجار التجزئة في المناطق المحيطة بهم، إلا أنَّ هذه الشبكات من العلاقات تعدُّ صغيرة ومكلفة. وانطلاقاً من ذلك، يُعدُّ فتح الأبواب على مصراعيها للرقمنة فرصة كبيرة. وتتصدَّر شركة "أودآن" (Udaan) هذه المهمة، وهي الشركة الناشئة التي استحوذت خلال 5 سنوات على 80% من سوق التجارة الإلكترونية بين الشركات، إذ تقوم بتوصيل البضائع التي تخزِّنها في 200 مستودع بجميع أنحاء البلاد، إلى أكثر من 1.7 مليون متجر تجزئة في 900 مدينة يومياً.

وبمجرد أن تستلم "أودآن" منتجاتهم، يتلقى المورِّدون أموالهم في الحال، كما يحصل تجار التجزئة على ائتمان كانوا سيحوزون عليه مقابل أسعار فائدة عالية من تجار الجملة. كل شيء يحدث على تطبيق الهاتف الذكي، مما يساعد أصحاب المتاجر الصغيرة على بناء تاريخ من الموثوقية في المدفوعات. كما تطمئن البنوك والمموِّلون إلى مخاطر إقراض رأس المال العامل المطلوب، وتتمكَّن العلامات التجارية من الوصول إلى عملائها بشكل أقل تعقيداً، وتضمُّ المنصة 3 ملايين بائع مسجّل من المصانع، والمطاحن إلى المزارعين، والصيادلة، والفنادق، والمطاعم، ومحلات البقالة.

ويؤكِّد فايبهاف غوبتا، أحد المؤسسين الثلاثة لـ"أودآن": "لقد حللنا مشكلة الثقة على الإنترنت". وتدعم شركات عدَّة منصة التجارة الإلكترونية الهندية، مثل شركة "لايت سبيد فينتشير بارتنيرز" (Lightspeed Venture Partners)، المستثمر الأول في "سناب إنك" (Snap Inc)، و"دي إس تي غلوبال" (DST Global)، المملوكة ليوري ميلنير. وتعدُّ "أودآن" إحدى أسراع الشركات الناشئة نمواً في الهند، فقد وصلت قيمتها إلى أكثر من مليار دولار.

وينسب سوجيت كومار، مؤسس آخر للشركة، بعض نجاح "أودآن" إلى ضريبة السلع والخدمات التي صدرت عام 2017، فمع تعدد معدَّلاتها وتكاليف الامتثال بها العالية، تعدُّ ضريبة الاستهلاك تلك مرهقة، ولكنَّها موحَّدة في جميع أنحاء الهند. وكذلك ساهمت في رفع كفاءة نشاط التخزين بعد أن كان محكوماً بمجموعة متنوعة من الضرائب المحلية المحيرة.

نموذج فريد

يعدُّ الإنترنت عبر الهواتف المحمولة محور الاهتمام الرئيسي في السوق الهندية، فقد دخل أمباني صناعة الاتصالات في البلاد من خلال شبكة الجيل الرابع (G4) الخاصة به في عام 2016، محطِّماً بذلك أسعار البيانات الباهظة إلى الأرخص في العالم حالياً. ويمتلك صاحب سلسلة متاجر كيرانا "البسيط" هاتفاً ذكياً الآن، ولا يخجل من استخدامه، مع القليل من التدريب، ولن يكون نقص التعليم عائقاً أمام إعادة تشكيل ممارسات الأعمال التقليدية.

ولا يعني اختراق المألوف تقليد الغرب، فقد كان كومار وغوبتا جزءاً من الفريق الذي أنشأ موقع التجارة الإلكترونية "فليبكارت" (Flipkart)، كبديل هندي لموقع "أمازون"، وتركاه قبل عامين من قيام شركة "ولمارت" بشرائه مقابل 16 مليار دولار. كما كان أمود مالفيا، شريكهم الثالث، مديراً للتكنولوجيا في "فليبكارت". وبرغم ذلك، لم ينسخ المؤسسون نموذجاً عالمياً في "أودآن"، ويعود ذلك لعدم توفر نموذج عالمي مماثل، ففي حين قد يفضِّل مستهلكو التجارة الإلكترونية الهنود الأثرياء شراء بضائع ذات علامات تجارية مماثلة لنظرائهم الغربيين، فإنَّ الغالبية العظمى من العملاء في البلاد يركِّزون على الأسعار لشراء احتياجاتهم اليومية بكميات صغيرة. ويقول غوبتا: "المطابخ والثلاجات صغيرة، والكثير من العملاء غير مستعدين لدفع أكثر من 200 روبية (3 دولارات) مقابل شراء حذاء.

لقد بنى مؤسسو "أودآن" المنصة للهند التي نشأوا فيها، ووصل كومار إلى المعهد الهندي للتكنولوجيا في نيودلهي من بهابوا، المدينة الرئيسة في منطقة فقيرة من ولاية بيهار الشرقية المعدمة، التي يصل فيها دخل الفرد السنوي إلى 630 دولاراً. و

لا تُقاس المسافة بين بهابوا، ومقر "أودآن" في بنغالور بالكيلومترات، ولكن بعقود من التقدُّم الذي يحاول الإنترنت عبر الهاتف المحمول اختزالها لسنوات. وبصفته متخصصاً في سلسلة التوريد، لا يتطلَّع كومار إلى تغيير سلوك التسوق بشكل أساسي، إلا أنَّه ببساطة يزيل أوجه القصور من أمام التجارة، وذلك لتسريع تدفُّق رأس المال. هذا أمر بالغ الأهمية لتجار التجزئة الذين يعملون بهوامش ربحية تبلغ 10 إلى 12%، وهو نصف ما يحققه أقرانهم في الغرب.

الأضرار الجانبية

تعدُّ الأعمال التجارية التي تجري بين المؤسسة التجارية والمستهلك في قطاع تجارة التجزئة سياسية للغاية ومفخخة بحقول من الألغام التنظيمية، إذ تضيّق نيودلهي الخناق حول التجارة الإلكترونية المملوكة لأجانب، مثل "أمازون"، و"ولمارت"، في الوقت الذي يتبع فيه رئيس الوزراء ناريندرا مودي أجندة اقتصادية أكثر وطنية. ومن هذا المنظور، يتمتَّع أمباني بميزة واضحة، إلا أنَّ بيزوس بعيد كل البعد عن الاستسلام؛ فقد أعلنت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة "أمازون"، مقرّها سياتل، مؤخراً عن خطة لتصنيع أجهزة"فاير تي في ستيك" Fire TV Stick محلياً، من أجل تقديم الدعم إلى حملة مودي "اصنع في الهند" (Make in India).

ولكن هل ستتحوَّل "كيرانا" إلى أضرار جانبية في حرب الأباطرة؟ ربما لا، فحتى مع نهاية هذا العقد، ستحصل المتاجر الصغيرة على حصة 65% عندما تنمو سوق التجزئة الهندية إلى 2 تريليون دولار، أي ثلاثة أضعاف عما كانت عليه عندما كانت ثورة البيانات في بدايتها، وفقاً لتقديرات "بيرنشتاين". ومع ذلك، فإنَّ ما يقل قليلاً عن نصف عمل هذه المتاجر سيصبح رقمياً بحلول ذلك الوقت.

وستعمل الشركات الناشئة مثل "أودآن" على تحديث أعمالها الخلفية، مما سيرفع من قيمة الجائزة التي يتنافس عليها أمباني وبيزوس، باعتبار أنَّها ستكون "واجهة المتجر".