حيتان "بتكوين".. يتحكمون به لكنهم يحافظون على أسعاره

إحدى ماكينات صرف بتكوين
إحدى ماكينات صرف بتكوين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم يمر وقت طويل منذ أن حذَّرت وزيرة الخزانة، جانيت يلين، من عدم كفاءة "بتكوين" أوائل الأسبوع الجاري حتى انخفضت أسعار العملات المشفرة، وكانت الأسعار تتراجع بالفعل، ولكن بالنسبة لبعضهم، تعدُّ تحرُّكات السعر دليلاً على التقلُّبات نفسها التي كانت تنتقدها يلين.

وبالنسبة لآخرين، مثل "سكوير" و"مايكروستراتيجي إنك"، كان هذا الهبوط فرصةً للشراء، بجانب الكلمات المشجعة من كاثي وود مؤسسة شركة "آرك انفستمنت فاند"، التي وصفت سوق "بتكوين" بأنَّها سوق صاعدة.

وبالأخير، ستبث المؤسسات الاستثمارية الاستقرار في سعر "بتكوين"، ولكن يمكن أن يبرز نوع مختلف من المخاطر نتيجة الممتلكات المركَّزة للشركات في العملة المشفرة.

انتقادات لاذعة

تعدُّ أحد الانتقادات اللاذعة لـ"بتكوين"، هي أنَّ قاعدة مستخدميها تشبه توزيع الثروة في كوريا الشمالية، إذ تمتلك 2% فقط من حسابات "بتكوين" 95% من العملة المشفرة المتداولة، وبرغم أنَّ هذه الأرقام تقنياً صحيحة، فهي مضللة أيضاً.

وهناك حوالي 6.5 مليون عنوان "بتكوين" يتحكَّم في 100 دولار على الأقل من العملة المشفرة، وفي المقابل يعتمد 43 مليون مستخدم على شركة "كوين بيز"، ويمتلكون أكثر من 100 مليار دولار من "بتكوين"، (أعلنت كوين بيز، أكبر بورصة أمريكية لتداول العملة المشفرة، الأسبوع الماضي عن خطط للتحول لشركة عامة).

وتتحكَّم بورصات العملة المشفرة في أكبر ثلاثة عناوين في "بتكوين"، وتخدم عشرات الملايين من المستخدمين، وبرغم أنَّ "بتكوين" تجعل من السهل على أي شخص أن يكون بنكاً قائماً بذاته، فإنَّ حقيقة أنَّ أغلب مستخدمي "بتكوين" يفضِّلون السماح لأطراف ثالثة بالعناية بأصولهم، ينفي الهدف من العملة المشفرة اللامركزية.

وتمَّ تصميم "بتكوين" لتقليل الاعتماد على "المؤسسات الفاسدة" بقيادة البشر للحد الأقصى، وفي الأيام الأولى، كان من المتوقَّع أن يدير كل مستخدم نسخة من البرنامج الذي يخدم كمحفظة، ومصدر تعدين، ومحاسب، ومدقق، وبما أنَّ كل شخص يتحقَّق بشكل مستقل من المعاملات الجديدة، فإنَّ الشبكة ستظل آمنة من الرقابة والإنفاق المزيف.

على الجانب العملي، لا يُرجح أن تدير خزائن الشركات أموالها المستثمرة في "بتكوين"، وتعدُّ هذه العملة المشفرة أداة لحاملها، ويمتلىء القطاع بقصص المستخدمين الذين فقدوا على حين غرة ملايين الدولارات.

وفي مقابلة حديثة، شبَّه مايكل سايلور، المدير التنفيذي لـ"مايكروستراتيجي" إدارة "بتكوين" بشكل فردي بالتعامل مع جهاز متفجر، وقال: "الأمر يشبه اختيار ثلاثة من موظفيك، وإعطاء كل واحد منهم مادة النيتروجلسرين، وتقول لهم، خذوا هذا معكم إلى المنزل، واحضروه مجدداً في الصباح، ولكن احترسوا، ولا تقتربوا كثيراً من بعضكم ولا توقعوها أرضاً ".

ولا تعدُّ "بتكوين" عملة مادية، كما أنَّها ليست عملة مشفرة أيضاً، وإنما هي دفتر محاسبة عالمي؛ إذ يتبع المشاركون مجموعة القواعد نفسها.

المقايضة بـ"بتكوين"

ونظرياً، فإنَّ من يديرون برنامج "بتكوين" خاصةً محصنون ضد التلاعب غير المصرَّح به في البروتوكول، وعملياً، تعدُّ الأموال هيكلاً اجتماعياً، ولا يكفي لفرد سيادي أن يمتلك دفتره الخاص، بل يجب أن يوافق الآخرون أيضاً على الدفتر نفسه.

وتصبح وسيلة التبادل ذات قيمة، إذا ارتضاها الناس مقابل الأشياء ذات القيمة، وهذا القبول لا يجب أن يكون بالضرورة طوعياً، ففي الولايات المتحدة، هناك قوانين المناقصات، وفي غياب الإكراه الحكومي، تدعم نقاط بتكوين قواعد الإجماع في الشبكة من خلال الانخراط في النشاط الاقتصادي، ويمتلك سلطة التحكم في البروتوكول هؤلاء الراغبون في الحصول على "بتكوين" مقابل البضائع، والخدمات، أو الإفراج عن البيانات بعد إصابة الجهاز بفيروس الفدية.

وأصبحت هذه السيطرة واضحة في 2017، عندما حشد مؤسس صندوق ائتمان "بتكوين" "غراي سكيل" مجموعة من المديرين التنفيذيين للشركات المستثمرة في "بتكوين"، واقترح تغييراً مثيراً للجدل في البروتوكول الأساسي، وبدا هذا التعديل غير مضر - من شأنه أن يضاعف عدد الصفقات المسجلة لكل دقيقة على

"البلوكتشين" - وبما أنَّه تغيير في القواعد، وغير متوافق مع الإصدارات السابقة، فهو سيقسِّم الشبكة، ويترك عملتين منفصلتين تتعاركان على هوية "بتكوين".

وقاوم تجار وبورصات "بتكوين" التغيير، وعبروا عن معارضتهم له، وهدد هؤلاء المشاركون الاقتصاديون برفض أي معاملة تفشل في اتباع بروتوكولهم المفضل، وقاطعوا بفاعلية التعديل، وفي النهاية تمَّ التخلي عنه.

السيارات أكثر سيطرة من أموال "تسلا"

وطرح إيلون ماسك إمكانية السماح لعملاء "تسلا" بالدفع مقابل سياراتهم باستخدام "بتكوين"، مما سيعطي "تسلا" سلطة أكبر بكثير على بروتوكول "بتكوين" من مجرد امتلاكها عملة مشفرة بقيمة 1.5 مليار دولار.

وفي الوقت نفسه، يدفع اهتمام الشركات في "بتكوين" المؤسسات المالية التقليدية لامتلاك برمجيات تداول "بتكوين"، وأعلن "بي إن واي ميلون"، أكبر أمين حفظ في العالم بأصول تحت الإدارة بقيمة 2 تريليون دولار، عن مبادرة لتقديم البنية التحتية اللازمة لتداول العملات المشفرة، كما تدخَّل "ماستركارد"، و"فيزا" السوق كذلك.

ومنذ خمس سنوات فقط، كانت فكرة امتلاك "بتكوين" كأصل في شركة أمر يقابل باستهجان، ولكن يعدُّ تبني المؤسسات علامة على نضج "بتكوين"، ولكنَّ تأثير هذا التبني يمكن أن يطغى على تفضيلات المستخدمين المستقلين الأصغر في حالة النزاعات المستقبلية على البروتوكول.

ومن ناحية أخرى، إذا كان ينبغي على "بتكوين" كي تصبح عملة سيادية تطيح بالبنوك التقليدية؛ فسيتطلَّب ذلك استقراراً في السعر الذي يأتي مع امتلاكها في الكثير من ميزانيات المؤسسات.