"قوة رياضية عظمى" من رماد.. لماذا فشلت الصين في كرة القدم؟

توجه غالبية الإنفاق الصيني على كرة القدم نحو الخارج، حيث تم إنفاق حوالي 3 مليار دولار على شراء فرق أوروبية لكرة القدم بين عامي 2015 و 2017
توجه غالبية الإنفاق الصيني على كرة القدم نحو الخارج، حيث تم إنفاق حوالي 3 مليار دولار على شراء فرق أوروبية لكرة القدم بين عامي 2015 و 2017 المصدر: صور غيتي
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

فاز نادي "جيانغسو" لكرة القدم في نوفمبر 2020، بكأس الدوري الصيني الممتاز لأول مرة، بعد تغلبه على "غوانغزو إيفرجراند" الذي تُوِّج بالبطولة لثماني مرات. اليوم ومع بدء موسم جديد، خرج الفريق من المنافسة، حيث أجبرت الضغوط شركة "سونيغ أبلاينسيز" (Suning Appliance Group) على إعادة النظر في استثماراتها في الفريق، بينما يبدو أن فقاعة كرة القدم في الصين تنكمش بسرعة.

وبسبب حب الرئيس شي جين بينغ لتلك اللعبة، ورغبته المعلنة في بناء قوة عظمى رياضية وخطط رئيسية لكرة القدم، قامت الشركات والداعمون الأثرياء بضخ الأموال في الأندية الصينية وعلى التدريب وغير ذلك. و دفعتهم الخطوات المثيرة مثل زيارة تشي عام 2015 إلى نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، والتقاطه لصورة سيلفي مع النجم المهاجم سيرجيو أغويرو- إلى التستر على البيانات المالية المتهالكة للأعمال التجارية التي تميل إلى استنزاف أموال أكثر مما تجني حتى في البطولات الأوروبية القائمة، وإن كانت الفوائد السياسية، على الأقل، واضحة.

سلوك غير عقلاني

توجه رجال الأعمال إلى الخارج بحماس، وتهافتوا على الأندية منذ عام 2014 حتى بدأت التحذيرات الرسمية بشأن السلوك "غير العقلاني" تتسرب بعد بضع سنوات. واشترت "سونينغ" حصة الأغلبية في نادي "إنتر ميلان" الإيطالي الشهير في عام 2016. (يقول النادي إن "سونينغ" لا تزال ملتزمة، لكنها تسعى للحصول على شركاء ماليين استراتيجيين). وفي الوقت نفسه، استقطبت أكبر الأسماء في أوروبا 1.4 مليار مشجع صيني محتمل.

تجسد حكاية "سونينغ" و"جيانغسو إف سي" التي كانت تعرف باسم "جيانغسو سونينغ"، حتى الوقت الذي طبقت فيه قواعد تقييد تسمية الشركات، كلاً من الوفرة والإحباط وخيبة الأمل في النهاية خلال السنوات القليلة الماضية. كان النادي الذي يتخذ من نانجينغ مقراً له جزءاً من أول دوري احترافي بالكامل من الدرجة الأولى في البلاد في منتصف التسعينيات، كما كان متعثراً أيضاً حتى جعلته "سونينغ" أحد أغنى الفرق في الصين، ليتباهى باللاعبين البرازيليين مثل أليكس تيكسيرا، الذي سجل هدف فوز الفريق في عام 2020.

ولسوء الحظ، تبين أن أداء "سونينغ" كان أفضل في المراكمة الباذخة للأصول من جني الأرباح عبر استثماراتها الرياضية، التي ضمت أيضاً "جيانغسو" و"إنتر ميلان"، لكن المجموعة أيضاً انتزعت حقوق البث وحاولت شراء وكالة كرة القدم الرائدة "ستيلر غروب" (Stellar Group). انهار هذا المنزل الهش في الغالب الآن. وأعاقت الديون والرواتب المتأخرة النادي الصيني، وانتهى عقد تيكسيرا. و ألغى الدوري الإنجليزي الممتاز صفقته التلفزيونية في العام الماضي، بسبب التخلف عن سداد المدفوعات.

مع الخارج ذلك أفضل

توجه غالبية الإنفاق الصيني على كرة القدم نحو الخارج، ولا تعد "سونينغ" استثناء لتلك القاعدة. كان ذلك نوعاً من غطرسة الشركات الباهظة التي لم يكن من المحتمل أن تنتهي بشكل جيد، حيث تم إنفاق حوالي 3 مليارات دولار على شراء فرق أوروبية لكرة القدم بين عامي 2015 و 2017. كما أن عدم إحراز أي تقدم في الأندية الوطنية أمر يكتنفه الغموض، نظراً لكون المهمة هناك أكثر بساطة وتتمثل في تحويل دوري الدرجة الأولى الممتاز إلى منافسة ذات مصداقية، رغم وفرة الأموال والاهتمام الرسمي والملايين من المشجعين المتحمسين.

صحيح أن إصلاح الدوري المحلي سيكون موضع صراع دائماً، ولا يعود ذلك إلى التلاعب بنتائج المباريات وفضائح الفساد الأخرى التي شوهت اللعبة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فقط. بالتأكيد، هناك سوء إدارة ومحسوبية - بالكاد تنفرد بها الصين. وهناك أيضاً قضايا هيكلية أعمق أعاقت مالياً إنشاء رياضة مستدامة متجذرة في مجتمعها. لا يوجد دليل حتى الآن على "أندية المائة عام" الموعودة.

أزمة تسويق

ويعود ذلك جزئياً إلى أن تدفقات الإيرادات الضئيلة تترك الفرق تحت رحمة الداعمين المتقلبين. إن التغيير المستمر للقواعد من قبل الهيئة المنظمة، من حيث الرواتب أو اللاعبين الأجانب، على سبيل المثال، لا يساعد أيضاً، مهما كانت النية حسنة، ويفشل في التعامل مع الصورة الأكبر. وكما يوضح مارك دراير من موقع "تشاينا سبورت إنسايدر"، كان من الصعب على هذه الأندية تسويق الرياضة بالطريقة التي يتبعها المنافسون الدوليون. إذاً ليس من المستغرب أن القليل منهم سعى للسير على خطى "سيتي فوتبول غروب" مالكة مانشستر سيتي والاستثمار في اسم محلي. حتى مع المساهمين الصينيين فيه، فقد بدأ صغيراً مع فريق الدوري الأدنى "سيشوان جيونيو" ليمضي في مسيرة طويلة.

لكن الأمر الأكثر خطورة يتمثل في أن الصين لم تغرس ثقافة كرة القدم بعد. صحيح أنها لعبة شائعة، لكنها لا تمارس بما يكفي. وأظهرت دراسة أجرتها الكلية الألمانية "وهو أوتو بيشييم" للإدارة عام 2017 أن مشجعي كرة القدم الصينيين يشاهدون الرياضة حوالي 3 ساعات في الأسبوع، لكن 7% فقط منهم يلعبونها. والأهم من ذلك، أن عدداً قليلاً من الأطفال يسمح لهم بالتضحية بوقت دراسي كبير لتجربة حظهم في الملعب. أخبرني كاميرون ويلسون المحرر المؤسس لموقع "وايلد إيست فوتبول" والذي نشر صرخة غاضبة الشهر الماضي عن حالة اللعبة، أنه بدون هذا الحماس من القاعدة إلى القمة، لا يمكن للاستثمار في الأعمال والدعم سوى إجراء تحسينات محدودة.

بعيداً عن الهدف

الصين اليوم بعيدة جداً عن هدف "شي" في الفوز بكأس العالم، إذ يحتل فريق الرجال الصيني المرتبة 75 وفقاً للفيفا، وأعلى بقليل من سوريا التي مزقتها الحرب. ربما يكون البديل هو التركيز على النساء اللواتي يشغلن المرتبة 15.

تواصل الأندية الغربية تطويق الصين، فمجموعة المعجبين عميقة، وستصبح أكثر ربحاً لأن البث الرقمي والرياضات الإلكترونية - ألعاب الفيديو التنافسية - تضيف إلى الإيرادات التي تم كبحها في الماضي بسبب القرصنة المتفشية.

وتبدو جهود الصين الداخلية متعبة أكثر، حتى لو تم إنقاذ نادي جيانغسو في نهاية المطاف. واشتكى وانغ جيانلين، رئيس مجموعة "داليان واندا" التي يقع مقرها في بكين، والذي اشترى حصة في "أتلتيكو مدريد" في 2015، بعد عام من ذلك، أن النادي كان يستنزف الأموال، وحذر الآخرين أن ذلك قد يمنح نفوذاً، لكنه لن يجني أي أموال. يا لها من كلمات حكيمة، ثم باع حصته في عام 2018.