العالم يترقب إعلان الصين عن خطط لمكافحة "إدمان الكربون"

الصين استحوذت وحدها على  69% من زيادة انبعاثات الكربون في العقد المنتهى في 2018
الصين استحوذت وحدها على 69% من زيادة انبعاثات الكربون في العقد المنتهى في 2018 المصدر: غيتي إيمجز
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بالنظر إلى طريقة ارتفاع انبعاثات الكربون في العالم خلال العقود الأخيرة، فإنَّه يمكن الاعتقاد بأنَّ زيادة التلوث جزء لا مفرَّ منه في قانون الطبيعة.

هذه ليست بأيِّ حال من الأحوال وجهة نظر مضللة، فقد أشار فاكلاف سميل، محلل الطاقة التشيكي الكندي، الذي يحترمه بيل غيتس، كثيراً إلى تزايد التلوث منذ الثمانينيات، كدليلٍ على أنَّ الانتقال إلى أشكال أنظف من الطاقة سيأتي حتماً ببطء شديد، لكي ينقذ العالم من كارثة.

وفي دراسة أجريت عام 2019، كتب فاكلاف: "كان العالم يتجه نحو الوقود الأحفوري، ولم يبتعد عنه أثناء تلك العقود التي ازدادت فيها المخاوف من الاحتباس الحراري".

وراهن عالم المناخ كين كالديرا، مع محلِّل الطاقة تيد نوردهاوس في شهر يناير، بمبلغ 2000 دولار لمدَّة 10 سنوات، على أنَّ عام 2019 لن يشهد ذروة انبعاثات الكربون في العالم.

زيادة انبعاثات الكربون لا تتوقف

ومن الصعب رفض هذا الاستنتاج عندما يتعلَّق الأمر بالأرقام الإجمالية العالمية. فعلى مدار العقد حتى عام 2018، زادت الانبعاثات بنسبة 12% أو 4.5 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون.

وسيقضي عقدٌ أو نحو ذلك من التلوث الإضافي بهذا المستوى على كلِّ إمكانية لتجنب ظاهرة الاحترار الكارثية.

وظهرت صورة مختلفة تماماً بعد تقسيم الأرقام حسب الدول، إذ جاء نحو 89% من غازات الاحتباس الحراري الإضافية من بلدين فقط هما؛ الصين، التي شكَّلت وحدها 69% من هذه الزيادة، والهند.

وانخفضت الانبعاثات من الاتحاد الأوروبي، واليابان، والولايات المتحدة، فقد كانت أقل مما كانت عليه في التسعينيات، بحلول عام 2018 .

خطط الصين المرتقبة

ولهذا السبب، تمثِّل خطط المناخ والطاقة التي سيتمُّ تقديمها في الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين هذا الأسبوع، أهم السياسات التي يتمُّ اتخاذها في أي مكان لتحديد مصير الكوكب.

وإذا أوفوا بوعدهم تجاه تعهد الرئيس شي جين بينغ الخاص بخفض انبعاثات البلاد إلى صافي صفر مع حلول عام 2060، فقد نضطر هنا إلى البدء في رفع توقُّعاتنا لما هو ممكن فيما يتعلَّق بإزالة الكربون.

وازدهرت الصين نتيجة الحجم غير المسبوق من "الكربون"، مما حجب الكثير من التقدُّم في مكافحة الانبعاثات على غرار ما تمَّ إحرازه في أماكن أخرى من العالم خلال العقد الماضي.

ولنُسمّي منتجين فقط: تصنع الدولة حالياً أكثر من نصف الصلب في العالم، وتستهلك حوالي الكمية نفسها من الأسمنت كل عامين، كما فعلت الولايات المتحدة خلال القرن العشرين.

لقد ولَّت الأيام التي جادلت فيها الصين سابقاً بأنَّ هذه الكميات كانت ضخمة فقط، لأنَّ عدد سكانها كان كبيراً، أو لأنَّها ضرورية من أجل اللحاق بالدول الأكثر ثراءً.

وحتى إذا تكيَّفت مع تأثيرات التجارة باستخدام الانبعاثات المستندة إلى الاستهلاك، فإنَّ نصيب الفرد من الانبعاثات في هذه الأيام أصبح على قدم المساواة مع معظم دول أوروبا الغربية، فعلى على سبيل المثال، يتمُّ احتساب الكمبيوتر المحمول الذي تمَّ صنعه في تشونغتشينغ، وتمَّ بيعه في تورنتو، ضمن ميزانية الكربون الكندية، وليس الصينية.

طفرة البناء في الصين زادت الانبعاثات

وفيما يتعلَّق بالبنية التحتية أيضاً، فقد تركت طفرة البناء في العقد الماضي الصين برأس مال عام أكبر على أساس نصيب الفرد، من دول، مثل: ألمانيا، أو كوريا الجنوبية، أو المملكة المتحدة.

إلا أنَّه لا يزال يتخلف سكان الصين عن البلدان الغنية فيما يتعلَّق بحماية الدخل، والرعاية الاجتماعية، وحقوق الإنسان.

أما عندما يتعلَّق الأمر بالأعمال عالية الانبعاثات المتمثلة في صبِّ الخرسانة، وحديد التسليح، فإنَّ الصين تعدُّ غنية مثل أي دولة على وجه الأرض.

ولا يُقصد بذلك حقاً انتقاد مسار التنمية كثيفة الاستخدام للطاقة الذي سلكته كلٌّ من الصين والهند، ولكنَّه مجرد إشارة إلى مدى التحول نحو النمو الأخضر، ليس فقط في آسيا الناشئة بل في العالم أجمع.

وعندما شرعت هذه الدول في توسعاتها الحالية، بدت فكرة أن تصبح غنية بدون تلوث كربوني كارثي غير مجدية.

فقد كان الفقر هو الملوث الأكبر، على حدِّ تعبير رئيسة الوزراء الهندية إنديرا غاندي، التي قصدت عبر الجملة القول بأنه لا يمكن لأيِّ بلد أن يكون خالياً من الآفتين.

وتعدُّ مصادر الطاقة المتجددة الآن أرخص مصدر للطاقة في كل مكان تقريباً، ولقد وعد ناريندرا مودي، خليفة غاندي، ببناء 450 غيغاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، في حين كان الهدف الواضح للحكومة الصينية هو تحقيق التنمية من خلال خفض الانبعاثات.

هل تفي الصين بوعودها؟

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الوثيقة النهائية المقدَّمة إلى المؤتمر الشعبي الوطني ستفي بالوعد تجاه تعهد "شي" الخاص بخفض انبعاثات البلاد إلى صافي الصفر.

وكما قلنا، فإنَّ الهدف المعلن في شهر ديسمبر لبناء 1200 غيغاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2030، لن يكون كافياً لوقف ارتفاع انبعاثات الصين، وهو أقل بكثيرٍ مما تدَّعي صناعة الطاقة المتجددة بأنَّها قادرة على بنائه.

وفي الوقت نفسه، كانت هناك مؤشرات على أنَّه تمَّ رفع هذا الطموح بهدوء، فقد انتقدت لجنة التدقيق الرفيعة المستوى بإدارة الطاقة الوطنية في البلاد الشهر الماضي، فشلها في كبح جماح توليد الفحم بعبارات صريحة غير عادية.

ووعد منشورٌ صادر عن مجلس الدولة الحاكم الأسبوع الماضي، "بتحسين ملحوظ" في التنمية البيئية بحلول عام 2025، دون التطرق إلى الكثير من التفاصيل عن كيفية تنفيذ ذلك.

وفي الهند أيضاً، خلصت دراسة أجراها مركز أبحاث معهد الطاقة والموارد إلى عدم وجود أي مبرر اقتصادي لتوليد المزيد من الطاقة باستخدام الفحم.

وفي الحقيقة، لم نُعدُّ نحن أنفسنا لما سيبدو عليه العالم بعد تحوُّل الصين والهند من الأطراف المعاكسة التي تبطئ عملية إزالة الكربون العالمية، إلى الأطراف التي تسرِّع طريقنا نحو تحقيق الصفر.

فقد كان الخفض المحقَّق في الانبعاثات في البلدان الغنية بالسنوات الأخيرة بطيئاً للغاية، ولكن مع انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة سنوياً، قد يزداد هذا الخفض لينتشر بشكل أكبر في جميع أنحاء العالم.

وخلال العقد القادم، سنشهد معركة عملاقة للبدء في الارتداد على قرنين من الإدمان على الكربون، وقد يكون هذا الأسبوع هو اللحظة الملائمة التي سنبدأ فيها أخيراً الانقلاب على التيار.