"الجيش الخاص" للنفط الصخري.. شوكة بخاصرة "أوبك+"

مضخّات نفط بحوض برميان في ميدلاند بولاية تكساس، تعمل وسط العاصفة الثلجية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً
مضخّات نفط بحوض برميان في ميدلاند بولاية تكساس، تعمل وسط العاصفة الثلجية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تشهد صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، التي تعرضت لضربات وأضرار حادّة مؤخراً، انتعاشاً في أحد أكثر المواضع غير المتوقعة، إنها شركات التنقيب الخاصة التي لم يسمع بها معظم المستثمرين من قبل.

ولو أخذنا نموذجاً حالة شركة "دوبل بوينت إينيرجي" (DoublePoint Energy)، التي بالكاد سمع بها أحد، لوجدنا أنها تشغّل الآن حفارات في حوض "برميان" النفطي أكثر من شركة "شيفرون" العملاقة، وفي الوقت نفسه تمتلك شركة "موبورن أويل" (Mewbourne Oil Co) العائلية عدد منصات حفر مماثلاً لما تملكه شركة "إكسون موبيل".

إنه رمز لما يجري على صعيد الصناعة، ففيما كانوا في الماضي يشار إليهم باللاعبين الصغار ، أصبح منقّبو القطاع الخاصّ يمتلكون نصف عدد منصات الحفر الأفقية اعتباراً من شهر ديسمبر 2020. إنها المرة الأولى في عهد النفط الصخري الحديث التي يرتقون فيها إلى مستوى اللاعبين الكبار.

ضبط النفس

أحد أسباب هذا الارتقاء للشركات الخاصة، أن الشركات العملاقة -أخيراً- بدأت تتحلّي بضبط النفس، بعد سنوات من النمو غير العملي في زيادة المعروض. ومؤخراً استؤنفت عمليات الحفر بعد أشهُرٍ أدّى خلالها الوباء إلى انهيار أسعار النفط. ومع أن الأسعار بدأت الارتفاع مرة أخرى، فإن الشركات الكبرى وتلك المتداولة في البورصة تلتزم شعار الانضباط، باستثناء وقف هجوم صناعة النفط الصخري على "أوبك" القائم منذ عقد من الزمن للحصول على حصتها من السوق.

وفي هذا الإطار تخلط خطط النموّ الطموحة للمشغّلين الخاصّين أوراق تكتل أوبك، مع انتعاش الأسعار ومحاولة رفع الإنتاج.

ويقول ويل فانلوه، أحد مؤسسي شركة "كوانتوم إينيرجي بارتنرز" الخاصة (Quantum Energy Partners)، التي لديها 18 منصة حفر، وتأتي مباشرة بعد شركة "إي أو جي ريسورسز" (EOG Resources) لناحية انتشار حفاراتها في معظم أجزاء البلاد: "الأمر مذهل من ناحيتين: الشركات الخاصة تصبح أكبر بكثير مما كنا نظنّ أنها ستصبح عليه، والشركات العامة تحفر بنسبة أقلّ بكثير مما كنا نظن أنها ستفعل".

فوضى القطاع

مع ارتفاع أسعار النفط بنحو 30% في الشهرين الماضيين، يراقب التجار والمحللون منتجي النفط الصخري من كثب، بحثاً عن إشارات تدلّ على أنهم بدؤوا يفتحون الصنابير. ولكن في حين يستمع معظم شركات الاستكشاف الكبرى المتداولة في البورصات العامة إلى نداءات المستثمرين ويخططون لإبقاء الإنتاج ثابتاً، فإن الاستراتيجية المناقضة لدى الشركات الخاصة لناحية الإنتاج، تؤشّر بوضوح إلى مدى الفوضى التي تعيشها سوق النفط.

يبلغ إنتاج النفط الأمريكي حالياً ما يقارب 9.7 مليون برميل يومياً، أي أقلّ من العام الماضي -قبل انهيار الأسعار- بنحو 3 ملايين برميل، وفقاً لوزارة الطاقة الأمريكية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة خسرت إنتاجاً يعادل إنتاج إيران وأنغولا مجتمعتين، أو ضعف إنتاج خليج المكسيك، في 12 شهراً.

في ضوء ما تَقدَّم، يبقى السؤال الأساسي: إلى أين يتجه مسار الإنتاج؟ لقد أظهر استطلاع أجرته بلومبرغ مع كبار المحللين، ومن بينهم "إينفيروس" (Enverus) و"ريستاد إينيرجي" (Rystad Energy)، تبايناً قدره 700 ألف برميل يومياً، أي أكثر من نصف إنتاج نيجيريا، بما يشير إلى مدى عدم اليقين الذي يحيط بتحركات المنتجين الكبار من المشغّلين الخاصّين، الذين تكون خططهم عادةً محجوبة عن نظر العامة.

مضاعَفة الاستثمار

إذا استمرت شركات الحفر الخاصة في التوسع بالوتيرة الحالية، فقد ينتهي المطاف بالإنتاج الأمريكي عند الحد الأعلى من سُلّم توقعات المحللين. وهذا قد يؤثر في الأسعار بالطبع.

ويرى أرتيم أبراموف، رئيس أبحاث النفط الصخري في "ريستاد"، أنه "في غضون بضعة أشهر سيعود كثير من المشغّلين الخاصّين -وبنمط جريء- لإضافة حفارات ومنصات إنتاج بهدف تحقيق عوائد أسرع مع تحسُّن أسعار النفط".

ووفقاً لمزود بيانات الصناعة "ليوم" (Lium)، فإن المنقّبين الخاصّين عن النفط في طريقهم إلى إنفاق 3 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة الأولى فقط من هذا العام، وهو ما يعادل ضعف أدنى مستوياتهم الاستثمارية المسجَّلة عام 2020.

حرية الحركة

أدّت فورة الإنفاق إلى عودة منصات الحفر إلى العمل بنشاط. وتحسن عدد المنصات الأمريكية التي يمكنها ثقب حفرة بعمق ميل واحد والدوران جانبياً لمسافة ميلين آخرين باطّراد، بعد أن أدّى أسوأ انهيار لأسعار النفط الخام في التاريخ إلى بلوغ سعره أدنى مستوى له منذ 15 عاماً في أغسطس. وجاء معظم هذا النموّ من الشركات الخاصة.

ووصلت حصة شركات الحفر الخاصة إلى نسبة قياسية تبلغ 50% من عدد الحفارات الأفقية في ديسمبر، مرتفعة من 40% في العام السابق.

وتتوقع برناديت جونسون، نائبة الرئيس "إيفيروس" (Enverus) لشؤون الاستراتيجيات والتحليلات، أن "يبدأ الإنتاج في النمو اعتباراً من النصف الثاني من هذا العام، ومن المرجح أن تتأتى هذه الزيادة من تنقيب الشركات الخاصة أكثر من الشركات العامة".

وضاعفت شركة "دوبل بوينت إينيرجي" (DoublePoint Energy)، المدعومة من مستثمرين من بينهم "كوانتوم" (Quantum)، إنتاجها إلى نحو 80 ألف برميل يومياً في العام الماضي، وتتوقّع أن يرتفع إلى أكثر من 100 ألف برميل يومياً خلال الأشهر القليلة المقبلة، وفقاً لكبير المديرين التنفيذيين المشارك كودي كامبل، الذي يشير إلى أن "الشركات العامة ترزح تحت ضغط كبير لتنضبط من حيث إنفاقها الرأسمالي، وليس لديها الحرية لمطاردة العائدات كما نفعل نحن".

وينوّه دانييل كروز، الشريك في "ليوم" (Lium)، بأن "هذه الحرية تعني أن المشغّلين الخاصّين يمكن أن يصبحوا شوكة في خاصرة "أوبك+" إن استمروا في التوسع على مدى 6-12 شهراً، مُضيفاً: "إذا بقي هؤلاء الأشخاص في الميدان واستمروا في الضخ وارتفع سعر النفط الصخري، فسيمثل هذا تحدّياً مختلفاً تماماً لمنظمة (أوبك)".

في وقتٍ تحتجز فيه استراتيجية مجموعة المنتجين (الكبار) البراميل دعماً للسوق، حتى في ظلّ اعتراض بعض الأعضاء الرئيسيين على المضي قُدُماً بهذا المسار.

الدروس السابقة

يأتي جزء من انضباط الشركات المتداولة (الكبرى) في البورصات العامة، لناحية ضبط الإنتاج، نتيجة تجارب سابقة.

فطوال سنوات، تعهدت تلك الشركات بعوائد عالية للغاية للمستثمرين، حتى عندما انخفض النفط إلى 50 دولاراً للبرميل، لكن تلك الوعود لم يُوفَ بها. وعلى مدى العقد الماضي، استنفد منتجو النفط والغاز الصخري أكثر من 300 مليار دولار من الإنفاق الرأسمالي فوق السيولة الناتجة من عائدات النفط، وفقاً لشركة "ديلويت"، مما أدّى إلى تدفق كميات هائلة من النفط، لكن مع عوائد مالية قليلة للمستثمرين.

في الواقع، لا يزال الانهيار المذهل للنفط العام الماضي حاضراً في أذهان كثيرين، ويسارع المساهمون إلى معاقبة الشركات المنتجة بطريقة تراها الأخيرة أكثر عدوانية. وشُكّك في شركة "ماتادور ريسورسز" على نطاق واسع عندما أعلنت مؤخراً عن خطط لإضافة منصة حفر واحدة إلى حقلها في حوض بيرميان، وانخفضت أسهمها بنسبة تصل إلى 10% بعد الإعلان.

وفي الوقت نفسه، فإن المنتجين المدعومين من شركات الملكية الخاصة يندفعون نحو الإنتاج بقوة أكبر من أي وقت مضى بسبب هيكليتهم الأكثر تعقيداً لناحية صعوبة اتخاذ قرار وقف الإنتاج.

أَشْبَهُ بلعبة

بدأ عديد من المشغّلين الخاصين العمل في الفترة ما بين 2014 و2017. في ذلك الوقت كان يكفي أن تحصل شركة الحفر الخاصة على بعض الأراضي، والاستثمار بعدد قليل من الآبار، وسرعان ما يشتريها بسعرٍ مُجزٍ كبار المنتجين العامّين الذين يستهدفون زيادة احتياطياتهم النفطية.

لكن مع انخفاض الأسعار، يتطلب الأمر كثيراً من الجهد من شركات الحفر الخاصة لتبدو جذابة، بما يكفي لإغراء الشركات الرئيسية الأكثر انضباطاً الآن. وليس أمام عديد من المنتجين الخاصّين خيار سوى توسيع الإنتاج وزيادة التدفُّق النقدي على أمل أن تتمكن من جذب الشركات العامة إليها عندما تتحسن أسواق النفط وأسعاره.

ويشبّه ويل فانلو، من "كوانتوم"، الأمر بأنه "لديك دوري البيسبول الرئيسي، ولديك اتحادات ثانوية، والمنتجون المدعومون من شركات الملكية الخاصة كانوا مثل اللاعبين الصغار نوعاً ما، بحيث كانوا يقدّمون الفرص، ويجمعون الأراضي، ويحفرون بعض الآبار، ويثبتون بعض الإنجازات، لكنهم لم يرغبوا حقاً في تشغيل برنامج حفر واسع النطاق".

تُصِرّ الشركات الخاصة على أنها لن تقع ضحية خسائر النفط الصخري السابقة، لأن جميع الصعوبات التشغيلية حُلّت الآن في الأحواض الرئيسية، مما سيسهّل تشغيل برامج حفر كبيرة. ويؤكد كودي كامبل من "دوبل بوينت" أن "التخمين لم يعُد قائماً؛ كل شيء قابل للتكرار إلى حد كبير. هذه القصة يصعب سردها لو كنت شركة عامة تتعامل مع مستثمرين تَعرَّضوا للاستنزاف".