مدينة "تورينو" الإيطالية تحول خط ترام مهجور إلى حديقة عامة

حديقة "بريكولينير" الطولية في مدينة تورينو الإيطالية
حديقة "بريكولينير" الطولية في مدينة تورينو الإيطالية المصدر: جمعية "تورينو ستراتوسفيريكا"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أطلقت مدينة تورينو الإيطالية أول حديقة طولية لها على الإطلاق في يونيو 2020، ولم يكن من المتوقَّع أن تظل الحديقة مفتوحة لفترة طويلة.

وكانت المدينة قد سلَّمت مساحة بطول 700 متر (2300 قدم) من خط ترام سابق إلى جمعية "تورينو ستراتوسفيريكا" بغرض تحويلها إلى حديقة طولية بشكل مؤقت.

وتمَّت الموافقة على استغلال الشريط الأخضر، الذي يتخلل أحد الجسور فوق نهر "بو" في رابع أكبر المدن الإيطالية، لتكون ساحة عامة للتنزه، لبضعة أشهرٍ في الصيف، لمنح السكان المحاصرين بالوباء مساحة إضافية للاستجمام في الهواء الطلق مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي.

ويبدو أنَّ الحديقة، التي أُطلق عليها اسم "بريكولينير" (Precollinear) تيمناً بحي "بريكولينا"، الذي تقع فيه، مجهزة حالياً لتبقى لفترة أطول.

وقد لاقت الحديقة قبولاً كبيراً لدى الجمهور لدرجة أنَّه تمَّت الموافقة على استمرار فتحها حتى سبتمبر 2021 على الأقل، بل قد تصبح حديقة دائمة.

كما تستعد المدارس المحلية لنقل بعض فصول الربيع إلى الحديقة الطولية، كما يتمُّ التخطيط لموسم من المناسبات العامة بها.

وتعدُّ حديقة "بريكولينير" بمثابة نسخة مصغَّرة من حديقة "هاي لاين" الشهيرة في مدينة نيويورك، مما يجعل منها مثالاً لكيفية إعادة إحياء البنية التحتية للسكك الحديدية المهجورة بذكاء، وكيف يمكن للتكيف الطارئ مع الجائحة أن يُصبح في النهاية أحد ثوابت المجتمع التي يثمِّنها غالياً.

كوراث تخطيطية وراء ظهور الحديقة

يتعين الاعتراف بحقيقة أنَّ ثمة كوارث تخطيطية كانت وراء وجود هذا الشريط الأخضر في قلب تورينو في المقام الأول.

فبعد تدشينه كخط سكة حديد خفيف في الثمانينيات، تمَّ إغلاق هذا الجزء الأخير من خطٍ أطول، بعد أن قامت المدينة بترقية مخزونها من عربات الترام إلى سلسلة بلغ قوامها 7 آلاف عربة من العربات الثقيلة في عام 2013.

ولكن تبيَّن أنَّ سلاسل العربات الجديدة طويلة للغاية بالنسبة للمنصات الحالية، كما كانت عرضة للمعاناة على الطرق المنحدرة لخط الترام.

وفي نهاية المطاف، تمَّ استبدال خطوط الترام بشبكة السكك الحديدية، لكنَّ الشبكة لم تعيدها أبداً إلى الامتداد النهائي على الجانب الآخر من النهر الذي تشغله الحديقة في الوقت الحالي، نظراً لأنَّ المحطة النهائية عبر نهر "بو" لم تتمتَّع بمساحة كافية لاستدارة العربات البديلة دون أن تغلق الطريق.

وهكذا كان هذا الخط غير مستغل، مما جعل بعض السكان المحليين يشيرون إليه بوصفه "الخندق"، فقد جعلته الحواجز المحيطة به بمثابة هوَّة يتعذَّر الوصول إليها.

وبرغم اعتباره هوة يتعذَّر الوصول إليها، لكنَّه ليس أرضاً قاحلة كذلك. فقد ظلل طريق من الأشجار الناضجة جزءاً كبيراً من خط الترام بالفعل، ونمت أعشاب برية كثيفة على امتداده، إذ شغلت منطقة الحجز المركزي للجسر الممتد فوق النهر.

وبالتالي، فقد تطلَّب الأمر القليل من العمل لتحويل المساحة المكسوة بالعشب إلى شيء يمكن للجمهور الاستفادة منه. وترى هنا بعض صناديق الزهور فقط، مع عدد قليل من المقاعد والمنصات النقَّالة للجلوس هناك.

الحديقة أصبحت متنفساً للسكان في ظل كورونا

خلال الصيف، أعادت "تورينو ستراتوسفيريكا" فتح المنطقة كمنتزه عام، باستخدام القسم الموجود فوق جسر "ريجينا مارغريتا" لإقامة معرض في الهواء الطلق لمناقشة التحوُّلات الحضرية المحتملة للمدينة، في حين أصبحت المحطة القديمة مربعاً صغيراً مظللاً بأشجار الزان الناضجة.

وقد تمَّ تدبير كل ذلك مقابل تكلفة متواضعة. حتى الآن، بلغت 18 ألف يورو (حوالي 22 ألف دولار) جمعتها "تورينو ستراتوسفيريكا"، ومن بينها 2500 يورو على رأس قائمة التبرعات، وقد تمَّ جمعها من التمويل الجماعي.

وكان مشروع الحديقة قد برهن عن قيمته خلال عام 2020، فقد ضرب "كوفيد-19" إيطاليا في مارس، بقسوة وفي وقت مبكر من الوباء.

ونظراً لعدم تعرُّض أيِّ دولة غربية أخرى لجائحة واسعة النطاق، بالإضافة إلى أنَّه لم يُعرف حينها سوى القليل نسبياً عن طرق انتقال المرض وعلاجه، فقد عانى الإيطاليون من موجة أولى مؤلمة بشكل خاص.

ومن ثمَّ، أُغلقت حدائق المدينة بالكامل في مارس، وتمَّ الالتزام بإجراءات منع انتقال العدوى في إيطاليا على نطاق واسع. حتى عندما تحسَّنت الظروف خلال فصل الصيف، استمر تجنُّب العديد من المتنزهات العامة، إذ لم تتضح حينها المخاطر المنخفضة لممارسة التمارين الرياضية في الهواء الطلق بشكل كامل.

وقد ساعدت الطبيعة المفتوحة للحديقة الطولية على إقناع أولئك الذين شعروا بعدم الأمان حتى للقيام بالتنزه في الحدائق التي أعيد افتتاحها، كما وفَّرت مساحة إضافية للمشاة عبر الطرق المزدحمة.

وبحسب بيان "تورينو ستراتوسفيريكا" فقد شعر بعض السكان بالأمان أثناء تمشية كلابهم في حديقة "بريكولينير"، واستمتعوا بالنسيم على الجسر أثناء الحجر الصحي، والمراسيم الحكومية المتعلِّقة به التي يصعب تخيلها، وعندما لم يُسمح للناس بارتياد الحدائق، لأنَّه من الناحية الفنية، لايعدُّ هذا المكان متنزهاً حقيقياً".

ومن المؤكَّد أنَّ تلك الظروف استثنائية، لكنَّها تُظهر قيمة المساحات الخضراء المزدوجة الممتدة على جانبي الفاصل بين الشارع والحديقة.

ويبدو الآن أنَّ الحديقة قد تبقى بشكل دائم، كما يتمُّ التخطيط لمزيد من المعارض عندما ترتفع درجة حرارة الطقس، في حين من المقرر أن تُزرع حواف حديقة "بريكولينير" بخيزران بارد ماصٍ للكربون.

وبالنظر إلى الحديقة الآن، فهي تبدو كشريط مبهج من الأشجار ، ولكن دون معالم مميزة، ومن ثمَّ قد لا تبدو كأنَّها تحولٌّ جذريٌّ. لكنَّها لا تزال توضِّح كيفية جعل المدينة أكثر خضرة وانفتاحاً حتى بمجرد إضافة لمسة خفيفة، وبالحدِّ الأدنى من التمويل.